عقيدة مونرو العالمية المدمرة الخاصة بواشنطن: (عدد 24. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 19 شتنبر/ أيلول 2022

فيجاي براشاد*

<ليروي كلارك (ترينيداد وتوباغو)، الآن، 1970>

نظمت الولايات المتحدة القمة التاسعة للأمريكتين في لوس أنجلوس، التي جاءت تتويجاً لسياساتها الرامية إلى السيطرة على نصف الكرة الأرضية الأمريكي. هذا وأوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل بضعة أيام من انطلاق القمة أن هناك ثلاث دول (وهي كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا) لن تتم دعوتها إلى الحدث، معللاً ذلك بأنها ليست دولاً ديمقراطية. وفي الوقت نفسه تم تداول تخطيط الرئيس الأمريكي لزيارة المملكة العربية السعودية – وهي دولة تصف نفسها بأنها ثيوقراطية. ومن الأمور التي لفتت الانتباه تشكيك الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور في الموقف الإقصائي الذي اتخذه بايدن، ونتيجة لذلك رفضت كل من المكسيك وبوليفيا وهندوراس حضور القمة. ومثلما اتضح، فقد كانت القمة بمثابة إخفاق تام.

في الوقت نفسه، استضافت أكثر من مائة منظمة القمة الشعبية من أجل الديمقراطية، حيث اجتمع آلاف المشاركين من جميع أنحاء نصف الكرة الأرضية احتفالاً بالروح الديمقراطية الفعلية التي تنبثق من نضالات العمال والفلاحين والطلبة والنسويات وجميع مكونات الشعب الذين يتم إقصاؤهم من قبل القوى المسيطرة. وعرف هذا التجمع انضمام كل من رئيس كوبا وفنزويلا عبر الإنترنت، من أجل مشاطرة الحاضرين الاحتفال بمهرجان الديمقراطية، وأيضاً لإدانة محاولة الولايات المتحدة وحلفائها احتكار المثل الديمقراطية وفقا لرؤيتهم.

وسيكون عام 2023 المقبل شاهداً على الذكرى المئوية الثانية لعقيدة مونرو، تلك العقيدة التي أكدت الولايات المتحدة من خلالها بسط هيمنتها على نصف الكرة الأمريكية. إن الروح الخبيثة لعقيدة مونرو لا تستمر فحسب، بل إنه يتم العمل على توسيعها من قبل الولايات المتحدة لتصبح كنوع من عقيدة مونرو عالمية. ومن أجل تأكيد هذا الادعاء المنافي للعقل على الكوكب بأسره، اتبعت الولايات المتحدة سياسة “لإضعاف” في وجه من تعتبرهم “منافسين ونظراء قريبين لها”، مثل الصين وروسيا.

<فيليب جوستون (كندا)، اللوحة السوداء، 1969.>

سيصدر معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في يوليو/ تموز – جنبًا إلى جنب مع مونثلي ريفيو ولا للحرب الباردة – كتيباً عن التصعيد العسكري المتهور الذي تقف خلفه حكومة الولايات المتحدة ضد أولئك الذين تعتبرهم خصوماً لها/ وبالأخص الصين وروسيا. سيتضمن هذا الكتيب مقالات بقلم كل من جون بيلامي فوستر – محرر في مونثلي ريفيو – وديبوراه فنزيالي – صحافية مقيمة في إيطاليا – وجون روس – عضو في لا للحرب الباردة – وفي سياق التحضير للكتيب، الذي سيتم الإعلان عنه في هذه المراسلة، قامت منصة لا للحرب الباردة بإنتاج الإحاطة رقم 3 التي تمت عنونتها بـ”هل تحضر الولايات المتحدة للحرب مع روسيا والصين؟”.

لقد أظهرت الحرب في أوكرانيا تصعيداً نوعياً لمدى استعداد الولايات المتحدة لاستخدام القوة العسكرية؛ فقد شنت خلال العقود الأخيرة العديد من الحروب على دول نامية مثل أفغانستان والعراق وليبيا وصربيا، وأكدت من خلال هذه الحملات أنها تتمتع بتفوق عسكري ساحق، وأنه لا يوجد خطر من انتقام نووي. ورغم كل ذلك أثبتت الولايات المتحدة من خلال تهديدها بدخول أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أنها مستعدة للمخاطرة بتجاوز ما عرفت بـ”الخطوط الحمراء” في مواجهة الدولة المسلحة نوويا، كروسيا. وهذا الطرح يثير سؤالين: لماذا اتخذت الولايات المتحدة هذا التصعيد؟ وما مدى استعدادها في الوقت الحالي لاستخدام القوة العسكرية ليس فقط ضد الجنوب العالمي ولكن ضد القوى الكبرى مثل الصين وروسيا؟.

اللجوء للقوة العسكرية من أجل تعويض التدهور الاقتصادي

إن الإجابة عن سؤال “لماذا” واضحة إلى حد ما، فقد خسرت الولايات المتحدة في المنافسة الاقتصادية السلمية مع الدول النامية بشكل عام والصين بشكل خاص. ووفقاً لصندوق النقد الدولي (IMF) فقد تفوقت الصين في 2016 على الولايات المتحدة التي تعتبر أكبر اقتصاد في العالم؛ بالإضافة إلى أنه اعتباراً من 2021 أصبحت الصين تشكل 19% من الاقتصاد العالمي مقارنة بنسبة الولايات المتحدة التي مثلت في العام نفسه 16%، وهذه الفجوة تزداد اتساعاً مع مرور الوقت. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصبح الاقتصاد الصيني بحلول 2027 متفوقا على اقتصاد الولايات المتحدة بنحو 30%. ومع ذلك حافظت الولايات المتحدة على تفوقها العسكري العالمي – فإنفاقها العسكري أكبر من الدول التسع التي تليها مجتمعة في الترتيب؛ كما أنها وضمن سعيها إلى الحفاظ على الهيمنة العالمية أحادية القطب، تقوم بشكل متزايد باستبدال المنافسة الاقتصادية السلمية بالقوة العسكرية.

<إيكيدا مانابو (اليابان)، الانهيار، 2013>

يعتبر الخطاب الذي ألقاه بلينكن في 26 مايو/ أيار 2022 نقطة انطلاق جيدة من أجل فهم هذا التحول الإستراتيجي في سياسات الولايات المتحدة، إذ اعترف فيه صراحةً بأن البلاد لا تسعى إلى المساواة العسكرية مع الدول الأخرى، بل إلى التفوق العسكري، خاصة في ما يتعلق بالصين: “أصدر الرئيس بايدن تعليمات لوزارة الدفاع بأن تعتبر الصين تحدياً متقدماً، وذلك بقصد بقاء جيشنا في المقدمة”. إلا أنه وفي ظل تواجد دول مسلحة نووياً مثل الصين وروسيا، يستلزم التفوق العسكري تحقيق التفوق النووي – وهو تصعيد يتجاوز الحرب الحالية في أوكرانيا.

السعي وراء الهيمنة النووية

وعرفت الفترة منذ بداية القرن الحادي والعشرين انسحاب الولايات المتحدة بشكل منهجي من المعاهدات الرئيسية التي تحد من التهديد باستخدام الأسلحة النووية: فقد انسحبت في 2002 بشكل أحادي من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية، وهو ما تلاه تخليها عن معاهدة القوى النووية الوسيطة عام 2019، قبل أن يشهد 2020 انسحابها من معاهدة الأجواء المفتوحة. عزز هذا التخلي والانسحاب من المعاهدات قدرة الولايات المتحدة على السعي وراء السيادة النووية.

<ناتاليا غونشاروفا (روسيا)، ملائكة يرمون المدينة بالحجارة، 1911>

إن الهدف من وراء هذه السياسة الأمريكية هو اكتساب قدرة “الضربة الأولى” ضد كل من روسيا والصين – القدرة على إلحاق الضرر من خلال الاستخدام الأول للأسلحة النووية ضد روسيا أو الصين، إلى حد القدرة على منع أي شكل من أشكال الرد أو الانتقام. في دراسة أجراها جون بيلامي فوستر، تناول طبيعة هذا البناء النووي الأمريكي حتى في حالة روسيا – التي تمتلك الترسانة النووية الأكثر تقدما بعد أمريكا  – وتوصل إلى أن هذا البناء من شأنها “حرمان موسكو من خيار الضربة الثانية، ما يلغي أي إمكانية فعالة لقوتها النووية من خلال سياسة “قطع الرأس”. وفي الواقع فإن تداعيات وخطر الشتاء النووي الناجم عن مثل هذه الضربة من شأنه أن يهدد العالم بأسره.

لطالما اتبعت سياسة التفوق النووي هذه دوائر معينة داخل واشنطن، فقد تناولت مجلة السياسات الخارجية الأمريكية الرائدة “فورين أفيرز” في 2006 أنه “من المحتمل قريباً أن تدمر الولايات المتحدة الترسانة النووية بعيدة المدى لروسيا أو الصين بضربة أولى”، لكن على عكس كل هذه الآمال، لم تتمكن الولايات المتحدة حتى الآن من تحقيق قدرة الضربة الأولى، وهذا يرجع إلى تطوير روسيا والصين صواريخ تفوق سرعة الصوت وأسلحة أخرى.

إن المنطق الكامن وراء تصعيد العسكرة الأمريكية واضح، سواء تعلق الأمر بالهجمات على دول الجنوب العالمي أو الاستعدادات المتزايدة لخوض حرب مع قوة عظمى مثل روسيا، أو حتى محاولة اكتساب القدرة النووية على الضربة الأولى: إن الولايات المتحدة تستخدم بشكل متزايد محاولة الالتجاء إلى القوة العسكرية للتعويض عن تدهورها الاقتصادي. في هذه الفترة الخطيرة للغاية، من الضروري للبشرية أن تتحد جميع القوى التقدمية قصد مواجهة هذا التهديد الكبير.

<شفاء سالم (ليبيا)، كسكا، رقصة الحرب، 2020>

بعد أن انهار الاتحاد السوفيتي وبقي الجنوب العالمي محاصرا بأزمة ديون لا تنتهي، وبالضبط في عام 1991، قصفت الولايات المتحدة العراق على الرغم من المناشدات التي أطلقتها الحكومة العراقية بقصد التوصل إلى اتفاق تفاوضي. وأثناء ذلك القصف، كتب الكاتب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه قصيدة غنائية بعنوان “نفق تضيئه امرأة واحدة”، وغنى فيها: “مضى وقت، وآخر لم يأت بعد، والذي لن يأتي أبدا”. الكآبة كانت سيدة اللحظة.

إننا نعيش حالياً في ظل ظرفية خطيرة للغاية، ومع ذلك فإن قنوط الفقيه لا يحدد سياساتنا، فقد تغير المزاج وأصبح معه هناك مكان للاعتقاد بعالم يتجاوز الإمبريالية، وهو مزاج لا يتجلى فقط في بلدان مثل كوبا والصين، بل تجاوزهما ليصل إلى الهند واليابان وكذلك بين الأشخاص الذين يعملون بجد والذين يرغبون في تركيز انتباهنا الجماعي على المعضلات الفعلية للإنسانية، وليس على بشاعة الحرب والهيمنة.

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 16 يونيو/ حزيران 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة