نحتاج إلى تأسيس بنية مستقبلنا: (عدد 25. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 19 شتنبر/ أيلول 2022

فيجاي براشاد*

<دييجو ريفيرا (المكسيك)، الأصول المجمدة، 1931.>

أنشأت الأمم المتحدة في نيسان/أبريل 2022 مجموعة الاستجابة للأزمات العالمية بشأن الغذاء والطاقة والتمويل. ومن مهام هذه المجموعة تعقب أزمات رئيسية ثلاث؛ وهي تضخم الغذاء وتضخم الوقود والضائقة المالية. لقد أشارت الإحاطة الثانية لهذه المجموعة، التي صدرت في 8 يونيو 2022، إلى أنه بعد عامين من جائحة فيروس كورونا: 

يعيش الاقتصاد العالمي في حالة هشة. إن 60 في المائة من العمال اليوم لديهم دخول حقيقية أقل مما كانت عليه قبل الوباء؛ كما أن 60 في المائة من أفقر البلدان تعاني من ضائقة ديون أو معرضة بشدة لخطرها؛ وتخسر البلدان النامية 1.2 تريليون دولار سنويًا لسد فجوة الحماية الاجتماعية. إن هناك حاجة إلى 4.3 تريليونات دولار سنويًا – وذلك مبلغ أكثر من أي وقت مضى – لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs).

هذا وصف معقول تمامًا للوضع العالمي المؤلم، ومن المرجح أن تزداد الأمور سوءًا.

فوفقًا لمجموعة الأمم المتحدة للاستجابة للأزمات العالمية فإن معظم الدول الرأسمالية تراجعت بالفعل عن أموال الإغاثة التي قدمتها أثناء الوباء. ويشير التقرير إلى أنه “إذا لم يتم توسيع أنظمة الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان بشكل كافٍ” فإن “الأسر الفقيرة في البلدان النامية التي تواجه الجوع قد تقلل الإنفاق المتعلق بالصحة؛ والأطفال الذين تركوا المدرسة مؤقتًا بسبب جائحة كورونا قد يكونون الآن خارج نظام التعليم بشكل دائم؛ أو أن أصحاب الحيازات والمشاريع الصغيرة قد يغلقون متاجرهم بسبب فواتير طاقة أعلى”.

<ريناتو جوتوزو (إيطاليا)، لا فوكسيريا، 1974.>

أفاد البنك الدولي بأن أسعار الغذاء والوقود ستظل عند مستويات عالية جدًا حتى نهاية عام 2024 على الأقل. ومع تصاعد أسعار القمح والبذور الزيتية، تأتي التقارير من جميع أنحاء العالم – بما فيها البلدان الغنية – بأن أسر الطبقة العاملة بدأت في تخطي وجبات الطعام. دفع هذا الوضع الغذائي المتوتر المدافع الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالتمويل الشامل للتنمية (الملكة ماكسيما ملكة هولندا) إلى التنبؤ بأن العديد من العائلات ستنتقل لتناول وجبة واحدة في اليوم، وهو ما سيكون بحسب قولها “مصدرًا للمزيد من انعدام الاستقرار” في العالم. ويضيف المنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) أننا في خضم “عاصفة كاملة” إذا أخذنا في الاعتبار تأثير زيادة أسعار الفائدة على مدفوعات الرهن العقاري وكذلك الرواتب غير الكافية. ذلك وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا-كينوفا أواخر الشهر الماضي إن “الأفق أصبح مظلماً”.

<كانديدو بورتيناري (البرازيل)، مطاحن حبوب القهوة، 1935.>

تأتي هذه التقييمات من أشخاص في قلب المؤسسات العالمية القوية – صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي والأمم المتحدة (وحتى من قبل ملكة). ورغم أنهم يدركون جميعًا الطبيعة الهيكلية للأزمة، إلا أنهم مترددون في أن يكونوا صادقين بشأن العمليات الاقتصادية الأساسية، أو حتى حول كيفية تسمية الوضع بشكل مناسب. فقد قال ديفيد إم روبنشتاين، رئيس شركة الاستثمار العالمية The Carlyle Group، إنه عندما كان جزءًا من إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، حذرهم مستشار التضخم ألفريد كان من استخدام الكلمة المبتدئة بحرف الراء “R” – الركود – “وهي كلمة تخيف الناس”. وبدلاً من ذلك، نصح خان باستخدام كلمة “موز”. على هذا المنوال، قال روبنشتاين واصفًا الوضع الحالي: “لا أريد أن أقول إننا في موزة، لكنني أود أن أقول إن الموز قد لا يكون بعيدًا عما نحن عليه اليوم”.

لا يختبئ الخبير الاقتصادي الماركسي مايكل روبرتس وراء كلمات مثل الموز. لقد درس روبرتس متوسط ​​معدل الربح العالمي على رأس المال، الذي أظهر أنه يتراجع مع انعكاسات طفيفة منذ عام 1997. وقد تفاقم هذا الاتجاه بسبب الانهيار المالي العالمي في 2007-2008 الذي أدى إلى الركود الكبير عام 2008. ومنذ ذلك الحين، كما يقول، كان الاقتصاد العالمي في قبضة “كساد طويل“، مع معدل ربح بلغ أدنى مستوى تاريخي عام 2019 (قبل الوباء مباشرة).

<يلديز موران (تركيا) ، الأم ، 1956.>

كتب روبرتس أن “الربح يدفع الاستثمار في الرأسمالية، وبالتالي أدى انخفاض الربح إلى تباطؤ النمو في الاستثمار الإنتاجي”. لقد تحولت المؤسسات الرأسمالية من الاستثمار في النشاط الإنتاجي، كما يقول روبرتس، إلى “العالم الخيالي لأسواق الأسهم والسندات والعملات المشفرة”. وبالمناسبة، انهار سوق العملات المشفرة بأكثر من 60٪ هذا العام. لقد دفعت الأرباح المتضائلة في شمال الكرة الأرضية الرأسماليين إلى البحث عن أرباح في الجنوب العالمي وهزيمة أي دولة (خاصة الصين وروسيا) تهدد هيمنتهم المالية والسياسية، وبالقوة العسكرية إذا لزم الأمر.

إن الأمر المروع هو طريق التضخم، لكن التضخم مجرد عارض لمشكلة أعمق وليس سببها. هذه المشكلة ليست مجرد الحرب في أوكرانيا أو الوباء، بل هي شيء تؤكده البيانات ولكن تم رفضه في المؤتمرات الصحافية: إنها النظام الرأسمالي المنغمس في كساد طويل الأمد، والذي لا يستطيع أن يعالج نفسه. سوف يأتيكم في وقت لاحق من هذا العام دفتر رقم. 4 حول نظرية الأزمة من معهد القارات الثلاث، الذي كتبه الاقتصاديان الماركسيان سونغور سافران وإي أحمد توناك، مناقشين بوضوح هذه النقاط الثلاث.

<أبوديا (ساحل العاج )، بدون عنوان، 2013.>

في وقتنا الحالي، تبدأ النظرية الاقتصادية الرأسمالية بافتراض أن أي محاولة لتسوية أزمة اقتصادية، مثل أزمة تضخم، يجب ألا “تخيب ظن المستفيدين من الريع”، كما كتب جون مينارد كينز عام 1923. ويتحكم حاملو السندات الأثرياء والمؤسسات الرأسمالية الكبرى في التوجه السياسي لكامل الشمال العالمي، بحيث تكون قيمة أموالهم – تريليونات الدولارات التي تحتفظ بها أقلية – آمنة؛ ولا يمكنهم، كما كتب كينز قبل ما يقرب من مائة عام، أن يصابوا بخيبة أمل.

إن سياسات مكافحة التضخم التي تقودها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو لن تخفف الأعباء عن الطبقة العاملة في بلدانها، وبالتأكيد لن تخفف الأعباء في بلدان الجنوب المثقلة بالديون.

 اعترف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول بأن سياسته النقدية “ستسبب بعض الألم”، ولكن ليس لعموم السكان. بصراحة أكثر، غرّد جيف بيزوس من أمازون قائلاً: “التضخم هو ضريبة رجعية تضر أكثر بالأقل ثراءً”. إن ارتفاع أسعار الفائدة في شمال الأطلسي يجعل الأموال أكثر تكلفة بكثير بالنسبة للناس العاديين في تلك المنطقة، لكنه يجعل الاقتراض بالدولار لسداد الديون الوطنية في الجنوب العالمي شبه مستحيل. إن رفع أسعار الفائدة وتشديد سوق العمل هما هجوم مباشر على الطبقة العاملة والدول النامية.

لا يوجد شيء حتمي في الحرب الطبقية لحكومات شمال الكرة الأرضية. هنالك سياسات أخرى ممكنة؛ وترد أدناه بعض منها:

فرض ضرائب على الأثرياء في العالم. هناك 2668 مليارديراً في العالم تبلغ ثروتهم 12.7 تريليون دولار. إن الأموال التي يخفونها في الملاذات الضريبية غير المشروعة تضيف ما يصل إلى حوالي 40 تريليون دولار. يمكن إدخال هذه الثروة في الاستخدام الاجتماعي المنتج. كما تشير منظمة أوكسفام، فإن أغنى عشرة رجال لديهم ثروة تفوق 3.1 مليار شخص (40٪ من سكان العالم).

فرض ضرائب على الشركات الكبيرة، التي تصاعدت أرباحها إلى ما هو أبعد من الخيال. لقد ارتفعت أرباح الشركات الأمريكية بنسبة 37٪، متجاوزة أي تضخم أو زيادة في التعويضات. تقول إلين زينتنر، كبيرة الاقتصاديين في الولايات المتحدة في شركة الخدمات المالية الرائدة مورجان ستانلي، إنه خلال فترة الكساد الطويل، كان هناك انخفاض “غير مسبوق” في حصة الناتج الإجمالي المحلي الذي حققته الطبقة العاملة في الولايات المتحدة؛ لقد دعت إلى العودة إلى توازن أكثر عدلاً بين الربح والأجور.

استخدام هذه الثروة الاجتماعية لتعزيز النفقات الاجتماعية، مثل الصناديق للقضاء على الجوع والأمية وبناء أنظمة الرعاية الصحية، وكذلك أشكال النقل العام غير الباعثة للكربون.

وضع ضوابط ممنهجة لأسعار السلع التي تؤدي على وجه التحديد إلى زيادة التضخم – مثل أسعار المواد الغذائية والأسمدة والوقود والأدوية.

غادرنا كاتب باجان العظيم جورج لامينج (1927-2022) مؤخرًا. في مقالته عام 1966، وعنوانها “شعب الهند الغربية”، قال لامينج إن “هندسة مستقبلنا ليست فقط غير مكتملة؛ لم ترتفع السقالات بعد”. كان هذا شعورًا قويًا من صاحب رؤية قوي، كان يأمل أن يتحول منزله في منطقة البحر الكاريبي، جزر الهند الغربية، إلى منطقة ذات سيادة يمكن أن تريح شعبها من مشاكل كبيرة. لم يكن لهذا أن يتحقق. والغريب أن جورجيفا-كينوفا من صندوق النقد الدولي اقتبست هذا السطر في مقال صدر مؤخرًا أثناء طرح قضية تعاون المنطقة مع صندوق النقد الدولي. من المحتمل أن جورجيفا-كينوفا وطاقمها لم يقرؤوا كل خطاب لامينغ، فهذه الفقرة مفيدة اليوم كما كانت عام 1966:

 هنالك باعتقادي فوج هائل من الاقتصاديين في هذه القاعة.. إنهم يعلّمون إحصائيات البقاء على قيد الحياة.. إنهم يتوقعون ويحذرون من السعر النسبي للحرية … أود فقط أن تضعوا في اعتباركم قصة رجل عامل عادي من بربادوس، عندما سأله هندي غربي آخر لم يره منذ حوالي عشر سنوات: “وكيف الأمور؟”، أجاب: “المراعي خضراء، لكنهم ربطوني بحبل قصير”.

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 23 يونيو/ حزيران 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة