ظروف الحرب والجائحة تلقي بالشعب اليمني في غياهب الجوع والموت وتحرم أطفاله من التعليم

مشاركة المقال

مدار: 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2021

لم تتوقف التقارير الدولية منذ انطلاق الحرب في اليمن عن دق ناقوس الخطر والدعوة في كل مرة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة من أجل وقف المجازر التي يعاني منها الشعب اليمني المغلوب على أمره.

وفي أحدث تقرير يتناول الوضع في اليمن، أبرز مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) أن البلد يعاني من وضع كارثي مس أمنه الغذائي وسلامة شعبه الجسدية، وقطع سبل استشراف مستقبل أفضل من خلال انقطاع أبنائه عن الدراسة.

انعدام الأمن الغذائي في ظل وضع اقتصادي متدهور

شهدت اليمن على مدار السنوات الماضية انخفاضا كبيرا لقيمة صرف الريال اليمني بالمقارنة مع العملات الأخرى، ما أدى إلى تفاقم عجز المواطنين عن توفير احتياجاتهم اليومية، خصوصا في ظل الارتفاع المهول في الأسعار، بالنظر إلى نقص الإمدادات.

ويرجع السبب الرئيسي في هذا النقص في الإمدادات إلى عجز الداخل اليمني عن تلبية الاحتياجات اليومية من غذاء ومواد يومية، بالإضافة إلى شح الموارد القادمة من الخارج، نظرا لانقطاعات الموانئ المتكررة واحتكارها من قبل أطراف معينة.

وفي ظل هذا الوضع أبرز تقرير “أوتشا” أن حوالي 16.2 مليون شخص يواجهون بالفعل انعدام الأمن الغذائي هذا العام، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنحو 60 في المائة في بعض أجزاء اليمن منذ بداية العام، مدفوعة بانهيار الريال اليمني والاستهلاك الغذائي غير الكافي – وفق مقياس الجوع الخاص ببرنامج الأغذية العالمي.

وأبرز التقرير الأممي أن الانخفاض في قيمة الريال جعل من الصعب بشكل كبير على الناس العاديين في اليمن توفير الغذاء الأساسي، وهو الأمر الذي يعتبر في تفاقم مستمر، نظرا لاضطرابات وظائف السوق، نتيجة أكثر من سبع سنوات من الصراع ونزوح أكثر من 4 ملايين شخص، بالإضافة إلى دخول عنصر جديد، ألا وهو تأثير كوفيد-19.

ويتفاقم هذا الوضع حسب الوثيقة ذاتها أكثر فأكثر مع ارتفاع تكاليف النقل الناتجة عن ارتفاع تكاليف الوقود وآثار ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، خصوصا أن اليمن بلد يتم فيه استيراد حوالي 90 في المائة من المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى.

كما وقف التقرير على أن تكلفة سلة الغذاء الوطنية الدنيا – وهو مؤشر لتكلفة المعيشة – وصلت في اليمن إلى 62.607 ريال يمني في غشت/ آب 2021، وهي أعلى بنحو 36 في المائة مما كانت عليه في بداية هذا العام، وبأربعة أضعاف التكلفة مقارنة بيناير/ كانون الثاني 2015، مضيفا أن التغيير في مناطق الاشتباك كان أكثر جذرية، حيث بلغت تكلفة السلة في أغسطس 2021 78.136 ريالا يمنيا، أي بزيادة قدرها 45 في المائة عن يناير/ كانون الثاني 2021، و4.5 أضعاف تكلفتها في يناير/ كانون الثاني 2015.

وفي ظل هذا الوضع الكارثي كان برنامج الأغذية العالمي قام بتجميع بيانات عن الوضع المحلي، وخلص إلى أنه في 12 محافظة من محافظات اليمن البالغ عددها 22 محافظة يعاني ما لا يقل عن 40 في المائة من السكان من عدم كفاية استهلاك الغذاء، بما يشمل خمس ولايات يعاني فيها ما لا يقل عن خمس السكان من سوء استهلاك غذائي أكثر خطورة – الضالع والجوف وعمران ولحج وريمة.

وفي الربع الثالث من عام 2021، حسب مقال حديث لبرنامج الغذاء، وفي وقت كان من المتوقع أن يتم تحسين بسيط في مستوى الأمن الغذائي في محافظة الجوف، من حالة المخاطر العالية إلى حالة التأهب، من المرتقب أن تتدهور أربع محافظات من حالة الحد الأدنى من المخاطر إلى حالة التنبيه (البيضاء وحضرموت والمهرة وسقطرى). وقد تفاقم الوضع في بعض الأماكن إلى درجة أن بعض العائلات لجأت إلى تناول أوراق الشجر من أجل إخماد جوعها.

التعليم آخر الانشغالات

علاقة بتقرير “أونشا” فإن عدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس في اليمن ارتفع إلى أكثر من الضعف منذ بداية النزاع، إذ وصل إلى ما يزيد عن مليوني فتاة وفتى في سن الدراسة بحلول عام 2021. كما أنه وبدون الدعم المناسب قد لا يعود هؤلاء الأطفال إلى المدرسة أبدا، الأمر الذي قد يؤدي إلى استمرار دورة الفقر وزيادة مخاطر الاستغلال وسوء المعاملة.

هذا ولم يفت الوثيقة الربط بين انقطاع الفتيات عن الدراسة وازدياد احتمال إجبارهن على الزواج المبكر، إذ يكون الأطفال المنقطعون، حسب المعطيات ذاتها، من جميع الأجناس، أكثر عرضة للإكراه على العمالة في سن مبكرة أو تجنيدهم في القتال.

وسجلت آلية الرصد والإبلاغ (MRM) بشأن الانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الأطفال في أوقات النزاع، التابعة للأمم المتحدة، ما لا يقل عن 236 هجوما، منذ مارس/ آذار 2015، على مدارس في اليمن، و245 حادثة استخدام عسكري للمرافق التعليمية، ما يسلط الضوء على الكيفية التي يؤدي بها كل من الصراع المستمر وتفاقم عوامل مثل كوفيد-19 والفقر والتشرد وانعدام الفرص إلى حرمان الأطفال من حقهم في التعليم.

وحسب ما أوردته “MRM” فإنه تم تدمير أكثر من 2500 مدرسة يمنية أو إتلافها أو استخدامها لأغراض غير تعليمية، في ظل أن نحو 8.1 مليون طفل يحتاجون وبشكل عاجل إلى مساعدة تعليمية طارئة، وهو رقم تضاعف بسبعة أضعاف مقارنة مع بداية الصراع، إذ كان 1.1 مليون.

ولم يفت الهيئة الأممية التذكير بأنه بالإضافة إلى التأثير السلبي على التعلم فإن هذه الظروف تفرض بالفعل آثارا مدمرة وطويلة الأمد على الصحة العقلية والبدنية للأطفال والمراهقين في اليمن.

وركزت “أوتشا” في تقريرها على أنه تجب معالجة التحديات التي تواجه نظام التعليم في البلاد بشكل عاجل ومناسب مع وجود أكثر من 40 في المائة من سكان اليمن دون سن 14 عاما، حتى لا تمتد تبعات وخسائر التعلم إلى ما بعد هذا الجيل، وتمحو عقودا من التقدم، لاسيما في تعليم الفتيات.

ومازال التمويل اللازم لتحقيق الأهداف المسطرة للتعليم، حسب “أوتشا”، غير كاف، فاعتبارا من 30 شتنبر/ أيلول تم استلام 35.4 في المائة فقط من مبلغ 258 مليون دولار أمريكي اللازم لدعم أنشطة التعليم، في إطار خطة الاستجابة الإنسانية لليمن لعام 2021، ما يدق ناقوس الخطر لدى شركاء التعليم، ويدعو جميع أصحاب المصلحة في البلاد إلى العمل معا لتحقيق سلام دائم وشامل لوقف الهجمات على المدارس، ووضع حد لإعادة توجيه المدارس بعيدا عن التعليم، بالإضافة إلى ضمان دخل منتظم للمعلمين ودعم برامج التعليم بتمويل طويل الأجل.

ارتفاع الانتهاكات في حق الأطفال ما بين 2019 و2020

في التقرير الثالث للممثل الخاص للأمين العام المعني بالأطفال والنزاع المسلح، نشر في 27 سبتمبر/ أيلول، تم تسجيل 8526 انتهاكا جسيما ضد الأطفال في اليمن ما بين 1 يناير/ كانون الثاني 2019 و31 دجنبر/ كانون الأول 2020، مع منع وصول المساعدات الإنسانية وقتل وتشويه وتجنيد واستخدام الأطفال، بحيث عانى أكثر من 3500 طفل من انتهاك جسيم واحد أو أكثر.

كما سجل التقرير تماديا في منع وصول المساعدات الإنسانية إلى الأطفال من خلال فرض قيود وعقوبات على بضائع كانت موجهة إلى تحسين وضعية الأطفال، ووقف أيضا على عرقلة وتقييد عمل الأطقم الإنسانية ومنعها من التواصل مع الأطفال الذين تعرضوا لانتهاكات.

كما وقف الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة على أن أكثر من 2600 طفل قتلوا أو شوهوا خلال الفترة المشمولة بالتقرير، إذ إن معظم الوفيات كانت نتيجة الاستخدام العشوائي لقذائف الهاون والمدفعية والألغام الأرضية المضادة للأفراد، وغيرها من المتفجرات من مخلفات الحرب، كما تم تجنيد ما لا يقل عن 861 طفلا عامي 2019 و2020، مع الاستعانة بثلثيهم في قتال فعلي؛ فيما الأطفال الباقون لحراسة نقاط التفتيش العسكرية أو لزرع الألغام أو إزالتها أو في أدوار أخرى مثل الجواسيس والحراس والحمالين والطهاة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة