مدار (خاص): 22 كانون الثاني/ يناير 2024
أجرى “مدار” حوارا خاصا مع ممدوح حبشي، أمين لجنة العلاقات الخارجية وعضو الهيئة العليا في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي بمصر، حول تداعيات التطورات التي تشهدها القضية الفلسطينية وتأثيراتها المتبادلة مع بلد كبير ومؤثر من وزن مصر.
وكانت هذه المقابلة فرصة أيضا للتطرق للوضع السياسي والحقوقي في أرض الكنانة، وحال اليسار وأولويات فعله المشترك.
ولخّص ممدوح حبشي مهام المرحلة في “الكفاح من أجل فتح المجال العام”، مسلّطا الضوء على بعض أوجه التحديات التي تواجهها القوى المناضلة في بلده.
من جانب آخر، أكّد المهندس والمناضل السياسي البارز أن الشعب المصري “في حالة تعاطف كامل ودعم كامل للقضية الفلسطينية، بعدما أغفلها لفترة من الزمن”.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
مدار: تعيش المنطقة على وقع تطورات بارزة، أهمها عملية السابع من أكتوبر 2023 التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، والحرب العدوانية و الانتقامية التي يشنها الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، خصوصا في قطاع غزة. كيف تعاملت الأوساط السياسية والشعبية المصرية مع هذه التطورات؟.
ممدوح حبشي: لو تحدثنا عن الأوساط السياسة بالمسمى الرسمي فإن الواقع السياسي الرسمي منفصل عن التطلعات الشعبية ومسار القوى المدنية، وهو ظاهريًا (شكليًا) يعلن المساندة للفلسطينيين، بينما فعليًا هناك خضوع كامل لكل تعليمات الكيان الإسرائيلي المحتل.
أما جماهيريًا فإن الوضع مختلف، فالناس في مصر في حالة تعاطف كامل ودعم كامل للقضية الفلسطينية، بعدما أغفلوها لفترة من الزمن، وقد سمح لهم ببعض التظاهرات التي طغى عليها هتاف: “يا فلسطين يا فلسطين إحنا كمان محتلين”، وهو ما منع استغلال تلك التظاهرات في الترويج للدعاية الانتخابية التي سبقت الانتخابات الرئاسية، وبناء عليه أوقفت التصاريح للتظاهرات، كما تم منع جميع أشكال التضامن العلني في الشوارع.
مدار: في السياق ذاته، هل يمكن أن تحدثنا أكثر عن مبادرة “ضمير العالم”، ودور حزبكم السياسي ومناضليه في هذه التحركات؟.
ممدوح حبشي: مبادرة ضمير العالم كانت تسعى إلى إعلان التضامن الحي مع الفلسطينيين من خلال قافلة بشرية تتحرك من القاهرة إلى الحدود المصرية الفلسطينية، تضم كل الداعمين العرب والأجانب، دعمًا للشعب الفلسطيني ضد الانتهاكات الإسرائيلية. وقد تعاون حزبنا مع العديد من النشطاء الأوروبيين الذين جاؤوا إلى القاهرة بهدف المشاركة في القافلة البشرية، إلا أنَّ المساعي لإطلاق القافلة توقفت بصورة مفاجئة، لتأخير الحكومة المصرية إصدار التصريحات اللازمة أمنيًا للتحرك على الأراضي المصرية نحو الحدود الفلسطينية.
مدار: ما هي تداعيات التطورات التي تشهدها الساحة الفلسطينية على مصر؟ وما هو موقفكم من مشروع تهجير سكان قطاع غزة، في ظل الحديث عن سيناء كحاضنة مستقبلية مزعومة؟.
ممدوح حبشي: لدينا شبه يقين بأن سيناء كانت تعد لهذا الغرض منذ إفصاح السيسي عن “صفقة القرن” مع ترامب، وقد بدأت فعليًا عملية تشييد المشاريع المطلوبة لتحقيق ذلك، واكبها تهجير للسكان الأصليين في المنطقة؛ لكن الضغط الشعبي المتواصل هو ما أوقف مصر الرسمية عن استكمال تنفيذ المشروع. أما التنبؤ بما سوف يكون عليه ميزان القوى في المستقبل فأمر صعب. أملنا طبعاً هو دعم المقاومة الفلسطينية حتى تستطيع بالفعل الاحتفاظ بأرضها… ثم تستعيد ما سلب منها. إن إجبار الفلسطينيين على الهجرة من أرضهم بعد حرب السابع من أكتوبر هو أسوأ السيناريوهات بالنسبة للقضية الفلسطينية.
مدار: ما تقييمكم للموقف الرسمي المصري من الأحداث الجارية في فلسطين؟ وما هي، من وجهة نظركم، المهام المطروحة في المرحلة الراهنة على دول المنطقة؟.
ممدوح حبشي: مصر في هذا الشأن تشترك مع الأنظمة العربية كافة باستثناء اليمن، في محاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية، بدليل تصريح السيسي بتهجير أهالي قطاع غزة إلى صحراء النقب، وإعادتهم لاحقًا بعد ما أسماه “القضاء على الفصائل المسلحة”.
وأثبتت عملية “طوفان الأقصى” أنَّ الحكومات في المنطقة العربية منفصلة عن شعوبها، والشعوب موقفها واضح في التوحد خلف المقاومة الفلسطينية المسلحة.
المهمة المطروحة على دول المنطقة تبدأ من إدانة الاحتلال والرجوع عن سياسات التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتعقب ذلك إتاحة محاكمة المحتل ومجرمي الحرب، وإعادة الشعب الفلسطيني إلى أرضه، أي حق العودة، ومنحه حق تقرير المصير. وغير هذه البداية لن يكون هناك حل، فالموقف أمامنا اليوم هو أن شعبًا عربيًا يدافع عن حقه في الحياة على أرضه المحتلة من كيان غاصب، لم يكن منتمياً إلى المنطقة من الأساس.
مدار: بالحديث عن مصر، عرفت بلادكم مؤخرا انتخابات رئاسية فاز فيها عبد الفتاح السيسي بأرقام كبيرة، ما موقفكم من هذه الانتخابات؟ وما هي أولوياتكم في ظل الوضع السياسي والحقوقي والاقتصادي المحلي الراهن؟.
ممدوح حبشي: العملية الانتخابية كانت أبعد ما تكون عن الشرعية، نتيجة التلاعب الذي مورس بصور شتى على الشعب، وقد فاق الفساد فيها كل ما سبق، فضلاً عن أنَّ الشعب أخذها مثارًا للسخرية، بعدما كانت انتخابات 2010 هي المهزلة الأكبر التي يذكرها الشعب المصري، والتي قامت على إثرها الانتفاضة المصرية الشعبية في 25 يناير 2011.
أولويتنا في ضوء الوضع السياسي الراهن هي النضال من أجل استعادة هامش من حرية التعبير للحراك المدني الديمقراطي، لاسيما بعدما أقفل المجال العام تماماً بالضبة والمفتاح، وصودر النشاط السياسي كافة في مصر، بحجة تقنين الأوضاع، ولأجل فعل ذلك لدينا خطوات تبدأ من:
- تجميع القوى المعارضة الراديكالية وغير الراديكالية، بقدر المستطاع، للاصطفاف خلف المقاومة الفلسطينية.
- عمليًا الدولة تعيق حركة المجال العام نهائيًا، وهو ما نسعى إلى تغييره، لذا فإن الهدف الراهن هو استعادة هامش من الحركة للأحزاب والمنظمات المدنية، والنقابات.
في شأن الوضع الاقتصادي في مصر فـ”حدّث ولا حرج”، من الأزمات المفتعلة في أسعار السلع، إلى الديون التي أفرغت خزينة الدولة، مرورًا بالفساد الذي استشرى فوق أي تصور سابق، فإن المواطن المصري صار يعيش بأدنى مستويات العيش إن وجدت، فضلاً عن غياب المواد الخام للصناعة، وتناقص إنتاجية الزراعة. والمشكلة الأكبر هي معدل التضخم الذي يعرفه السوق، الذي لا مفر من مواجهته بصورة عاجلة قبل التسبب في كوارث للمجتمع والفرد المصري. ولحزبنا مدخلات عديدة في هذا المجال بفضل أساتذة الاقتصاد الملتزمين بمآسي الوطن ومعاناة المواطن الفقير، من داخل وخارج الحزب.
مدار: كيف تقيّمون واقع اليسار المصري المناضل؟ وما هي أرضيات الفعل المشترك مع باقي القوى المصرية بالنسبة لكم في حزب التحالف الشعبي الاشتراكي؟.
ممدوح حبشي: اليسار المصري المناضل في وضع لا يحسد عليه، وذلك لأسباب عدّة لعل أهمها الانفصال عن الجماهير، بسبب منع السلطة الحاكمة له بقوة السلاح والقانون، وهو ما ينعكس على زيادة أعداد المناضلين المعتقلين في السجون المصرية. وهذا الانفصال عن الجماهير أدى أيضًا إلى التشرذم، وعدم القدرة على صناعة فعل موحد.
نحن حاليًا في مرحلة الكفاح من أجل فتح المجال العام، ولأن اليسار في وضع ضعيف، ندخل في تحالفات مع منظمات وأحزاب أخرى ليست بالأصل يسارية، بما لذلك من تأثير سلبي، ناجم عن كون هؤلاء (غير اليساريين) متأثرين بالانتهازية، التي عودتهم السلطة الحاكمة عليها من خلال استخدام سياسة “العصا والجزرة”، وهو ما يجعل التحالفات في حال تفكك وإعادة توحيد متواصل. ولدينا في الحركة المدنية الديمقراطية مثالاً، إذ تم تفكيكها واستقطاب أفراد وأحزاب من داخلها في صفقات مع النظام الحاكم، يمكننا أن نسميها رشاوى سياسية، نتج عنها دخول بعضهم إلى البرلمان مقابل الخروج من الحركة.
وعلى المستوى النقابي مازلنا نحاول استعادة زخم النقابات المستقلة، التي منعتها السلطة بحجة إعادة ترتيب أوضاع النقابات بما يتوافق مع رغبات السلطة. لكننا في الحالتين نتكلم هنا عن مشوار طويل.