تغيرات مناخية وأخطاء سياسية ولامبالاة حكومية وراء مأساة ديما هساو في الهند

مشاركة المقال

نيوزكليك + مدار: 22 مايو/ أيار 2022

أدى النهب المتواصل للطبيعة، بالإضافة إلى المشاريع غير العلمية المنجزة تحت مبرر التنمية، التي تعيث فسادا في البيئة، إلى فقدان الممتلكات والأرواح في واحدة من المناطق الجبلية هاته المرة، في مقاطعة ديما هساو بولاية أسام في الهند.

وتظهر الصورة أسفله حالة محطة السكة الحديد نيو هافلونغ في منطقة ديما هساو بولاية أسام الهندية في 16 من مايو/ أيار، حيث خرجت القطارات عن مسارها، وقطعت جميع السبل لثلاثة أيام، ولحسن الحظ تم إنقاذ الركاب في وقت سابق. لقد كان اليومان الماضيان شاهدين على الانهيارات الأرضية الطينية القادمة من أعلى التلال، مصحوبة بهدير المياه القادمة من كل مكان، مع انهيار جسور السكك الحديدية والطرق وانجرافها بعيدا.

وإلى حدود اللحظة، تم الإبلاغ عن ثلاث حالات وفاة في قرية هوكاي بيونشي بالقرب من هافلونغ، حيث مقر مقاطعة ديما هساو، ومع ذلك يمكن توقع المزيد من الخسائر في الأرواح في ظل الوضع الكارثي الحالي.

ويعتبر ديما هساو مكانا حيث يسود الهدوء والسكينة، ومعروف كمقصد سياحي؛ فيما تقع منطقة التل في أسام في حضن سلسلة جبال بورايل، وهي وجهة مرغوبة، خاصة خلال فصل الصيف. وعند البحث عن منطقة ديما هساو في محركات البحث تصادفك في كل مرة صور للجمال الخلاب ومسارات السكك الحديدية التراثية والجبال والسحب والأمطار، مع الكثير من المحتوى حول قطار فيستا دوم إلى هافلونغ من جواهاتي، الذي تم إطلاقه مؤخرا.

ولسوء الحظ، قبل أيام قليلة، بدأت الأمور تنقلب رأسا على عقب، ما يجعل القيام بالبحث نفسه يظهر عديد الصور المروعة لديما هاساو وهي تترنح تحت وطأة الدمار – الفيضانات والانهيارات الأرضية وفقدان الممتلكات والأرواح والماشية – ما يجعلنا أمام مأساة خطيرة.

أصبحت المنطقة شبه معزولة عن بقية الولاية، حيث انهارت عديد الطرق وجرفت مسارات السكك الحديدية وانجرفت بعض الجسور المهمة، وهو الأمر الذي دفع سكانا وصحافيين محليين من هافلونغ إلى التعبير عن أن عددا مهما من القرى النائية قطعت جميع السبل إليها، فلم تعد هناك أي وسيلة للتواصل مع الناس بسبب الانهيارات الأرضية التي واكبها انقطاع في الكهرباء والإنترنت، ما يزيد من احتمال وقوع المزيد من الضحايا أكثر مما تم الإبلاغ عنه إلى حدود الآن.

وتكشف المأساة الحالية أن هناك أمرا غير عادي في ما يتعلق بتغير المناخ والتأثيرات التي كانت وراءها الأخطاء في تدبير الشأن المحلي، وسياسة اللامبالاة التي تتبناها الحكومة. وبالتالي فإن ديما هاساو هي واحدة من بين العديد من الأماكن في العالم التي تتعين عليها مواجهة الغضب الناجم عن تغير المناخ، كما أن الوضع في السنوات المقبلة لا ينبئ بأنه سيكون مغايرا.

لقد تعرضت المناطق النهرية القريبة من نهري جاتينجا وماحور لدمار هائل، فقد جرفت التيارات النهرية العاتية كل شيء أمامها، سواء كان منزلا أو ماشية أو حصادا، في حين شهدت المناطق الجبلية انهيارات أرضية على نطاق غير مسبوق.

  أخبرنا المراسلون المحليون بأن هناك انهيارات أرضية في أماكن نتجت عنها وفيات، فعلى سبيل المثال منطقة هوكاى بونشي عرفت انهيارات أرضية سقطت إثرها كتلة ضخمة من التربة على المنازل أسفل منحدر التل، ما أدى إلى وقوع ضحايا.

هذا وتضررت مناطق مايبونغ وهارانغاجاو وماهور وداوتوهاجا وباندورخال القريبة من الأنهار، ففي داوتوهاجا تم تعليق أحد خطوط السكك الحديدية بعد أن جرفت أمواج النهر الأرض من تحته، مع وضع مماثل في باندورخال، حيت دمر جسر السكة الحديد. ومن بين الأماكن المرتفعة التي تحملت وطأة الانهيارات الأرضية هافلونج وهوكاي بونشي وديباراي وباغيتار، وغيرها. وليست هذه سوى نماذج قليلة من الأماكن المتضررة التي استطاعت وسائل الإعلام المحلية الوصول إليها.

إن ما يحدث في ديما هساو غير مسبوق، على الأقل في الآونة الأخيرة، إذ أخبرنا عدد من السكان المحليين بأن هطول الأمطار الغزيرة بشكل غير طبيعي لعدة أيام جعل المنطقة في وضع كارثي. ورغم أن المشاكل في ظاهرها طبيعية إلا أن النهب المتزايد للموارد الطبيعية والدمار البيئي باسم التنمية يساهمان في تأزيم الوضع أكثر فأكثر.

النهب والدمار البيئي والأخطاء السياسية

سمارجيت هافلونغبار هو زعيم حزب المؤتمر، ومقره هافلونغ. ويعود اسم هافلونغبار إلى التسمية القديمة لجيش التحرير في المنطقة. في حديثه إلى نيوزكليك، أثار بعض النقاط التي تعتبر مثيرة للقلق.

“إن السبب الرئيسي للفيضانات غير العادية في المناطق المجاورة يعود إلى الاستخراج غير المنضبط للحجارة والصخور والمواد النهرية (الرمل) من مجاري الأنهار. في وقت سابق أيضا، كانت عمليات الاقتلاع هذه موجودة، لكن بطريقة خاضعة للرقابة، علاوة على أنها كانت تتم بطريقة يدوية، وهو الأمر الذي تغير في الوقت الحالي، فقد أصبحت تستخدم الآلات الثقيلة لهذا الغرض، ما نتج عنه أن مجاري الأنهار غدت غير متوازنة، وتحولت التيارات المائية إلى خطر يهدد الجميع”، يقول المتحدث ذاته.

هذا وعبر أوتام بطاري، أستاذ مساعد بقسم التاريخ في جامعة جواهاتي، عن أن تعدين الأحجار كان سببًا مؤثرا في الفيضانات الهائلة، وقال لنيوزكليك: “لقد تصاعد تعدين الأحجار بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وأدى استخدام الآلات الثقيلة إلى تغيير مفاجئ لقاع النهر في العديد من الأماكن”.

 وإلى جانب استخراج الأحجار، يضيف المتحدث أن الاستخدام الهائل للرمال من الأنهار، على نطاق لا مثيل له مقارنة بالماضي، كان من ضمن مسببات الوضع الحالي.

وتحدث بطاري لنيوزكليك عن أن مشاريع البناء الكبيرة التي تم إنجازها في الآونة الأخيرة كانت أيضا وراء الدمار البيئي، بما يشمل الطريق السريع بين الشرق والغرب، الذي يمر عبر تلال ديما هاساو، بالإضافة إلى تحويل مسار السكة الحديد القديم إلى مقياس عريض، وعلق قائلاً: “قد تكون للتدمير البيئي الذي يحدث في وقت ما آثاره المخيفة بعد بضع سنوات، خاصة في خضم بعض الأحداث المناخية غير العادية”.

تجدر الإشارة إلى أن العديد من مشاريع البناء الأخرى مازالت قيد التنفيذ في تلال ديما هساو ، وصاحبتها إزالة واسعة للغابات وقطع الأرض في التلال، ما يجعل آثارها غير معروفة إلى حدود الآن.

 كما أعرب الدكتور بطاري عن تخوفه من عدم إجراء مسوحات ودراسات هيدرولوجية مناسبة قبل البدء في مثل هذه الإنشاءات الكبيرة في التلال، موردا كذلك أنه “تم إلقاء الطين والتربة أثناء البناء في أماكن متعددة بطريقة غير علمية”، وزاد: “في العام الماضي خلال إحدى زياراتي الميدانية، صادفت مكبات ضخمة من التربة والطين منتشرة في قرية كيلولو، بالقرب من جاتينجا”.

وعرفت منطقة ماهور-جاتينجا انهيارات أرضية سنوية على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، وفي العام الماضي تم الإعلان عن أنه سيكون هناك ممر مرتفع يمتد من 15 إلى 16 كيلومترا، وهو أمر خطير للغاية وفق ما أشار له بطاري. لقد أصبح إنتاج الفحم مع القيام بالعديد من المشاريع بشكل غير قانوني وقطع أشجار غابات الصنوبر بالقرب من منطقة أومرانغسو أمرا مألوفا.

ديما هساو تشهد مستويات جديدة من الدمار البيئي

من ناحية أخرى، كان سامارجيت صريحا تماما ضد ديبولال غورلوسا، الرئيس الجديد لمجلس المقاطعة المتمتع بالحكم الذاتي، وعلق قائلا: “لقد كان ناشطا منذ وقت قريب جدا وانضم إلى حزب بهاراتيا جاناتا للحصول على السلطة. إن النهب الهائل غير المسبوق للموارد الطبيعية يحدث تحت إمرته”.

ويبدو أن التدمير البيئي، إلى جانب النهب غير المقيد، هو ما أوصلنا إلى المأساة الحالية، وهي استنتاجات لا توافق عليها لنانديتا غورلوسا، عضو مجلس هافلونغ من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. وفي حديثها إلى نيوزكليك، قالت نانديتا غورلوسا: “سيكون من السابق لأوانه التوصل إلى نتيجة مفادها أن الدمار البيئي تسبب في المأساة الحالية. لم أر الأنهار تغير مسارها”، وبدلا من ذلك، أشارت إلى هطول أمطار غزيرة بشكل غير طبيعي ليلا ونهارا، واستمرت لعدة أيام.

وعندما سئلت عن حزمة الإغاثة وإعادة التأهيل من الحكومة، قالت غورلوسا: “أنا متأكدة من أن حكومة الولاية ستعلن بعض الحزم قريبا”. فيما لم يكن هناك أي إعلان من هذا القبيل حتى تحدثت نيوزكليك إلى غورلوسا (15 مايو/ أيار).

وعلق سامارجيت هافلونجبار قائلا: “لقد وصلنا إشعار واحد فقط من نائب المفوض بعدم الخروج من منازلنا حتى يتوقف المطر”.

وقالت ميفال كامبراي، محاضرة في معهد تدريب المعلمين، وهي التي تنحدر من ديباري بالقرب من هافلونغ، عند حديثها إلى نيوزكليك: “في حياتي حتى الآن لم أر مثل هذه الأمطار. كانت مستمرة ولأيام عديدة… ديما هساو تبكي ونحن نصلي من أجل الجميع”؛ وتحدثت أيضا عن تعاملها مع الكارثة الحالية، موردة: “يجب أن يرتبط هذا بالاحترار العالمي وتغير المناخ، فالأنشطة البشرية تضع ضغوطا هائلة على الطبيعة، ونحن في الطرف الذي يتلقى العبء الأكبر”.

وقال الدكتور بطاري: “تغير المناخ العالمي سيكون له تأثيره في كل مكان، حتى إننا لا نستطيع الهروب منه. ومع ذلك فإن السياسات المحلية تساهم في المشاكل. والأكثر من ذلك أن المرونة المحلية تتضاءل باستمرار، وهي علامة خطيرة”.

وعبر هوليرام تيرانغ، وزير الري السابق في ولاية آسام، أثناء حديثه إلى نيوزكليك، عن قلقه من الأخطاء المنهجية في السياسات، موردا: “إن الوضع الحالي نتيجة أخطاء سياسية طويلة الأمد للحكومات… الحكومات على مختلف المستويات، المركزية والولائية والمحلية، مهتمة باستغلال الموارد، وجميع الأنشطة موجهة نحو ذلك، ولا توجد اعتبارات لقضايا أخرى تتعلق بحياة الناس وسبل عيشهم”.

وأضاف تيرانغ: “استخراج الفحم والحجر الجيري وإنتاج الكهرباء وبناء السدود أو الطرق، كلها لصالح الطبقة الرأسمالية، التي ترعاها المؤسسات الحاكمة”.

كما أعرب تيرانغ عن مخاوفه من السلطات التنظيمية مثل NGT (المحكمة الوطنية الخضراء)، وقال: “مهما كانت الإنشاءات التي يتم تنفيذها فلا بد أن يكون لها تأثير بيئي… هل يتم في أي وقت تقييمها بشكل صحيح؟ لأن الكوارث هي نتيجة تدمير الطبيعة”. كما قدم سردا عن منطقة كاربي أنجلونج المجاورة لديما هاساو، التي تشهد أمطارا غزيرة منذ عدة أيام، ووفقا لما ذكره فإن المياه تفيض على الجسر في خيروني غرب كاربي أنغلونغ، فوق نهر كوبيلي، وقال أيضا إن مشروع كاربي لانجبي للطاقة الكهرومائية له تأثير في بعض الأماكن في منطقة ناجون، مضيفا: “خلال هطول أمطار غزيرة، يفيض السد في المشروع وتقوم السلطات بفتحه، وهذا يغمر مساحات شاسعة من الأراضي في المنطقة”.

تأثير تغير المناخ

تحدث موقع نيوزكليك أيضا إلى راهول ماهانتا، وهو أيضًا أستاذ مشارك في قسم الفيزياء في جامعة كوتون، وسبق له أن شارك في نمذجة الأرصاد الجوية للمنطقة لبعض الوقت، وقال بإيجاز: “إن موجات روسبي الثابتة لها آثارها على بلدنا أيضا، وقد تكون وراء تعرض المناطق الشمالية والوسطى والغربية من الهند لحرارة شديدة، بينما في الشمال الشرقي نتعرض لأمطار متواصلة تهطل بغزارة لعدة أيام. كما يمكن أن تتسبب موجات روسبي في حرارة زائدة في بعض المناطق، وفي الوقت نفسه أمطار غزيرة في مناطق أخرى”، وزاد: “هذه الموجات ثابتة ويمكن أن تبقى لبعض الوقت”.

دور وزارة التربية والتعليم ونائب الرئيس

يعتقد الناس أن تنبؤات الأرصاد الجوية الهندية قد تحسنت بمرور الوقت، ويمكن أن تتنبأ بشكل صحيح بالعواصف الإعصارية الشديدة من أجل إنقاذ الناس من هبوب الرياح، كما يمكن أن تتنبأ بالحرارة والمطر والطقس البارد بدقة أعلى، وهذا يدفعنا إلى التساؤل: ألم تكن على علم بمثل هذه الأمطار المدمرة التي ستهطل على ديما هساو وأماكن أخرى؟ هل فشلت في التنبؤ وفهم خطورة الموقف؟.

اتصلت نيوزكليك بالدكتور شو، نائب مدير RMC (المركز الإقليمي للأرصاد الجوية)، وأخبرنا بأن وزارته لم تفشل على وجه التحديد في فهم الخطر الذي يلوح في الأفق من هطول أمطار غزيرة على العديد من أماكن الولاية، وقال: “لقد أصدرنا بيانات صحفية للإعلان عن تطور الأحوال الجوية، كما اطلعنا على بعض البيانات الصحفية”.

ومع ذلك، لم تتم ملاحظة أي حالة في المؤتمر الصحفي تشير إلى توعية الناس وسلطات المقاطعات والحكومات قبل وقوع المأساة، فرغم البيانات الصحفية المتراكمة إلا أن الإعلام والناس بشكل عام كانوا يجهلون ما يقع تماما. هناك حاجة ماسة لأن يصبح قسم الأرصاد الجوية أكثر نشاطا في الشمال الشرقي، لاسيما أنها تعتبر منطقة حساسة بيئيا.

وردا على سؤال حول المدة التي من المحتمل أن تسود فيها الأمطار، قال شو: “من المحتمل أن تتواصل إلى ما بعد 18 مايو/ أيار. هناك فرص كبيرة لسقوط أمطار غزيرة في العديد من أماكن ولاية آسام”.

مأساة ديما هساو هي مزيج بين التغيرات في الظروف المناخية العالمية والسياسات الخاطئة واللامبالاة الشديدة من السلطات المعنية. ويمكن الحديث عن أن السياسات الحكومية تنبني على نهب الموارد الطبيعية، كما أن هناك مشاريع تم إنجازها بشكل غير علمي باسم التنمية وتعيث خرابا في الطبيعة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة