تعقيدات تدخلات القوى الإمبريالية في القارة الإفريقية

مشاركة المقال

مدار: 31 ماي/ أيار 2023

فيجاي براشاد

أدت الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل الإفريقي على مدار العامين الماضيين إلى طرد فرنسا من المنطقة التي كانت تسيطر عليها منذ الحقبة الاستعمارية. كانت الانقلابات في كل من غينيا (2021) ومالي (2021) وبوركينافاسو (2022) وراء صعود ضباط عسكريين إلى السلطة بسبب خيبة أملهم من استمرار التدخل العسكري الفرنسي (كان من المفترض في التواجد العسكري الفرنسي أن يجابه النمو المتصاعد لتنظيم ‘القاعدة’ في المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى)، وكذلك بسبب فشل النخب في الدولة في معالجة المشاكل المتعلقة بالجوع وعدم المساواة.

ولم تكن هذه الانقلابات مشابهة لما وقع في العديد من البلدان التي أطاحت بحكومات تقدمية بأوامر من قوات أجنبية، بل انبثقت من الإحباط الذي كانت تشعر به شعوب هذه البلدان، وهو الإحباط الذي تقاسمه معها صغار الضباط المنتمين إلى الطبقة الوسطى الدنيا والطبقة العاملة وعموم الفلاحين.

 لقد تركزت التحركات الناجمة عن هذا الإحباط ضد التدخل العسكري الفرنسي، الذي بدأ في أعقاب حرب الناتو ضد ليبيا (2011)، وضد النخب المحلية التي أصبحت بمثابة عملاء محليين للقوة الفرنسية والمؤسسات المالية الدولية (مثل صندوق النقد الدولي). ولقي طرد الفرنسيين ترحيبا واسعا من قبل الطبقات الشعبية من غينيا إلى تشاد.

وأعلن وزراء خارجية الحكومات التي يقودها الجيش في كل من بوركينافاسو وغينيا ومالي، في فبراير/ شباط 2023، أنهم يجرون محادثات لإنشاء اتحاد خاص. وهذه ليست المرة الأولى التي تنشئ فيها هذه الدول مثل هذا التجمع، ففي عام 1960 شكلت المناطق التي كانت استقلت حديثا في كل من السنغال وجمهورية السودان (انضمت لها البنين وبوركينافاسو ومالي في ما بعد) اتحاد مالي الذي لم يدم طويلا. هذا وكان توجه رئيس وزراء بوركينافاسو، أبولينير كيليم دي تامبيلا – وهو من أتباع الزعيم الاشتراكي لبوركينافاسو توماس سانكارا (1949-1987) – إلى مالي وقال عن هذه التجربة الجديدة: “حاول أسلافنا إنشاء تجمعات مثل اتحاد مالي، الذي للأسف لم يدم طويلا، لكنهم أرونا الطريق”.

 كيليم دي تامبيلا، الذي كان مساهما منتظما في وسائل الإعلام في بوركينافاسو قبل ترقيته لمنصب رئيس الوزراء، هو شخص مطلع على نطاق واسع ويتفهم صعوبات هذه الأنواع من السيرورات الوحدوية. وتتحرك في الوقت الحالي الدول الثلاث ببطء، وتصاعدت حدة اتحادها بفعل تعليق المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وحملة الضغط الاقتصادي من قبل الدول الغربية.

التوترات في تشاد

بالنسبة إلى الضباط الذين نفذوا الانقلابات في بوركينافاسو وغينيا ومالي في السنوات القليلة الماضية فإن الأحداث التي تواترت في تشاد أكدت لهم سدادة وجهات نظرهم بشأن السلوك غير المبدئي من قبل الدول الغربية. وتوفي زعيم تشاد منذ فترة طويلة – إدريس ديبي – في أبريل 2021 في معركة طويلة ضد المتمردين شمال البلاد، ليعلق بعدها الجنرال محمد، ابن ديبي، المؤسسات الديمقراطية، التي عانت من استنزاف كبير خلال حكم ديبي، الذي دام 31 عاما منذ عام 1990.

وبعدما أنشأ محمد ديبي مجلسا عسكريا انتقاليا لم ينتقد القادة الغربيون الحكم العسكري الجديد، بل رحبوا به. وتشاد ليست عضوا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، لذلك لم يكن هناك تعليق ممكن. وفي جنازة والد الجنرال محمد ديبي جلس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بجانبه، ثم قال: “لن تسمح فرنسا أبدا لأي شخص، اليوم أو غدا، بتحدي استقرار تشاد وسلامتها”.

بعد ذلك بعامين، وبالضبط في أبريل/ نيسان 2023، طردت الحكومة التشادية السفير الألماني جان كريستيان جوردون كريك لانتقاده عدم إجراء الانتخابات في البلاد. وترددت فرنسا في إدانة هذا الطرد، لأن تشاد هي واحدة من الدول القليلة في منطقة الساحل التي مازالت جزءا من مبادرة G5 الساحل الفرنسية (التي أصبحتG3 مع خروج بوركينافاسو ومالي)، والسماح للقوات الفرنسية بالتمركز فيها.

وتخشى كل من فرنسا والولايات المتحدة أنه إذا واجهت الحكومة العسكرية التشادية انتقادات كثيرة فقد يطرد الجنرال محمد القوات الفرنسية من البلاد، لاسيما أن تشاد والنيجر هما البلدان اللذان يحتفظان بتواجد القوات الفرنسية (النيجر لديها قاعدتان عسكريتان أمريكيتان كبيرتان). هذا التواجد في النيجر لم يمنع قيام احتجاجات متزايدة مناهضة لفرنسا. في مارس/ أيار 2023، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين النيجر لتعزيز ثقة الحكومة بدعم غربي كامل رغم التوترات على الأرض وفي المنطقة.

وكان أحد الأسباب الأساسية لتصاعد المشاعر المعادية لفرنسا في منطقة الساحل هو فشل القوات الفرنسية في قمع التمردات الانفصالية المتزايدة والقوة المتزايدة لعصابات تهريب المافيا، والتهديد المستمر لفروع “القاعدة” في الصحراء.

ويتهم مسؤولو الحكومات الجديدة في كل من بوركينافاسو ومالي الفرنسيين بإبرام صفقات مع “القاعدة” والانفصاليين من أجل الحفاظ على سلطتهم، لاسيما في ظل الضغوطات الكبيرة التي تواجهها الحكومات العسكرية الجديدة لفرض النظام في بلدانها.

واستولى المتمردون في بعض البلدان، مثل مالي، على أكثر من نصف أراضي الدولة. لقد تآكلت دول منطقة الساحل بسبب السياسات النيوليبرالية التي أثقلت كاهل هذه البلدان بالديون وأجبرتها على تقليص الإنفاق الحكومي وفرض التقشف على السكان، ما جعلها غير قادرة على إقامة نظام أساسي في أراضيها؛ ولهذا السبب رحبت حكوماتها في ذلك الوقت بالتدخل العسكري الفرنسي – منذ عام 2013. الآن، تريد هذه الحكومات العسكرية تعزيز قواتها والحصول على المساعدة من المجموعات العسكرية الروسية – بما في ذلك مجموعة فاغنر – واستعادة أراضيها.

عودة القوى الإمبريالية بطرق ملتوية

لم تسمح الولايات المتحدة ولا فرنسا لهذه النكسات بأن تصبح دائمة، لهذا أرسل كلا البلدين مبعوثين لزيارة النيجر وتشاد، على أمل أن يؤدي دعمهما إلى بقاء هذه الحكومات الموالية للغرب (في الوقت الحالي) في السلطة.

وطور جيش الولايات المتحدة قاعدة في غانا، فيما تجري محادثات لإنشاء منصة عسكرية في زامبيا، بينما عزز علاقاته مع النيجر (في أغاديز، تمتلك الولايات المتحدة أكبر قاعدة للطائرات بدون طيار في العالم).

وبرر اللواء الأمريكي تود واسموند من فرقة العمل الأوروبية الجنوبية (إفريقيا)، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، سبب قيام الولايات المتحدة بتعزيز تواجدها العسكري في القارة الإفريقية قائلا: “بينما يعيد الجيش تركيزه على الصين، بالإضافة إلى التهديد الحاد الذي تشكله روسيا، من المهم أن ندرك أن كلا البلدين يتنافسان بنشاط في إفريقيا”.

في الواقع، ليس من الواضح ما إذا كانت الصين أو روسيا “تتنافسان” مع الولايات المتحدة، لكن الواقع هو أن الولايات المتحدة تبني جيشها – على أقل تقدير – للضغط على الدول الإفريقية لقطع علاقاتها الاقتصادية المتنامية مع كل من روسيا والصين (القاعدة العسكرية الصينية الوحيدة في القارة الإفريقية موجودة في جيبوتي، وتقع على بعد كيلومترات قليلة من قاعدة أمريكية؛ وتم بناؤها للبحرية الصينية لدعم مهمة الأمم المتحدة ضد القرصنة في البحر الأحمر وخليج مياه عدن).

ومن غير المعروف لدى الغالبية استخدام القوات المسلحة الرواندية من قبل الدول الغربية كقوات بالوكالة، رغم أن رواندا لم تكن في الآونة الأخيرة منضبطة بالوكالة كما هو متوقع. في عام 2020، دخل الجيش الرواندي جمهورية إفريقيا الوسطى لحماية حكومة الرئيس فوستين أرشينج تواديرا المقرب من الفرنسيين، مع التذكير بأنه كان لفرنسا تدخل عسكري في جمهورية إفريقيا الوسطى من 2013 إلى 2016 لدحر تمرد “القاعدة” المتنامي. ومع ذلك، دخلت القوات الرواندية البلاد لهزيمة مجموعة متمردة من المفترض أنها كانت تحت قيادة الرئيس السابق فرانسوا بوزيزي.

التناقضات في العالم أكثر إثارة للاهتمام بكثير من التأويلات والقراءات الكاريكاتورية للواقع، لأن القوات الروسية تساعد حكومة تواديرا في قتالها أيضا. ستعمل القوات الرواندية والروسية بموجب اتفاقيات ثنائية ولكنها ستساعد بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى.

شمالي موزمبيق، وبالضبط في مقاطعة كابو ديلجادو، ووجهت حركة احتجاجية ضد تدخل إكسون موبيل (الولايات المتحدة) وتوتال (فرنسا) لاستغلال ثاني أكبر حقل للغاز الطبيعي قبالة الساحل بقمع هائل، لتتحول الاحتجاجات بعد ذلك إلى تمرد متسارع. عندما لم تستطع القوات المسلحة الموزمبيقية قمع التمرد لجأت الحكومة إلى الولايات المتحدة وفرنسا لحماية أصولهما التجارية، لكن وخوفا من التدخل الذي قد يتسبب في وقائع مهلكة أبرمت الولايات المتحدة وفرنسا صفقة مع رواندا لإرسال قواتها إلى البلاد. وكان الثمن المدفوع لهذا التدخل العسكري الرواندي عام 2021 اعتذارا علنيا من فرنسا لدورها في الإبادة الجماعية في رواندا – وتعهدا ببناء نصب تذكاري في باريس للضحايا. وعام 2020، دخل الجيش الرواندي بالفعل إلى جمهورية إفريقيا الوسطى للمساعدة في سحق تمرد مسلح، مرة أخرى نيابة عن الفرنسيين.

وأبلغ الرئيس الرواندي بول كاغامي رئيس بنين باتريس تالون في كوتونو، في 17 أبريل، بأن رواندا سترسل قوات إلى بنين للمساعدة في العمليات ضد فصائل “القاعدة”. وفي حين أنه من الواضح أن رواندا ستكون في بنين للقيام بهذا النوع من العمل الذي كان الفرنسيون يقومون به حتى وقت قريب، فمن الواضح أيضا أن كاغامي ليس على استعداد للانخراط في الحرب الباردة الغربية الجديدة في إفريقيا. كلام كاغامي في مؤتمر صحافي في 15 أبريل حمل العديد من الرسائل: “لا ينبغي أن تكون روسيا أو أي قوة عظمى أخرى هي مشكلتنا. هذه القوى الكبرى لديها قضاياها الخاصة لحلها، وهي مستمرة في التملص من بلداننا الصغيرة. لروسيا الحق في أن تكون في أي مكان تريده، من الناحية القانونية، تماما مثل أي دولة أخرى – أعني أولئك الذين يأتون إلى إفريقيا. ستسمع الناس يشتكون من الصين وروسيا، ولكن ماذا عنهم؟ ما هو الحق الذي يتمتع به طرف دون آخر في إفريقيا؟”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة