تسليم أسانج لواشنطن سيؤثر بشكل مروّع على حرية الصحافة العالمية

مشاركة المقال

مدار: 19 شباط/ فبراير 2024

تتوجه الأنظار إلى المحكمة العليا في المملكة المتحدة، التي ستعقد يومي 20 و21 شباط/ فبراير، للنظر فيما إذا كان الناشر والصحفي الأسترالي مؤسس موقع “ويكيليكس”، يستطيع أن يطعن مرة أخرى أمام القضاء البريطاني ضد قرار تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يواجه 18 تهمة جنائية مزعومة، بما فيها التجسس، وتصل عقوبتها إلى 175 عاما.

هو فصل آخر من فصول معركة قانونية طويلة، خاضها أسانج ومناصري حرية الصحافة، للحيلولة دون تسليمه إلى الولايات المتحدة. وكان القضاء البريطاني بداية سنة 2022، وافق على تسليم مؤسس موقع “ويكيليكس”، مبررا ذلك بأنه لم يجد ما يقلق بخصوص معاملة أسانج بعد تسليمه إلى واشنطن التي قدمت ضمانات إلى لندن.

عقب ذلك، أعلنت الداخلية البريطانية، في حزيران/ يونيو 2022، أن الوزيرة السابقة بريتي باتيل، وافقت على طلب الولايات المتحدة تسليمها أسانج، إلا أن هذا الأخير طعن في القرار.

قبيل جلسة المحكمة المرتقبة غدا الثلاثاء، أعربت أليس جيل إدواردز، المقررة الخاصة، المعنية بمسألة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، عن قلقها بشأن احتمال وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ضد مؤسس “ويكيليكس”، حسب ما نقله موقع أخبار الأمم المتحدة، كما حذّرت الخبيرة الأممية من أن “تداعيات هذه القضية يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الصحافة العالمية وحرية التعبير”.

وناشدت الخبيرة سلطات المملكة المتحدة “وقف أي ترحيل محتمل خوفا من أن تتضرر صحة أسانج بشكل لا يمكن إصلاحه”، نقلا عن المصدر ذاته.

وكان “مدار” نشر البرقية الحمراء رقم 13، الصادر عن معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي، تستعرض خلفيات المحنة التي يتعرض لها جوليان أسانج وهو صحفي وناشر أسترالي، شارك في تأسيس “ويكيليكس” سنة 2006، والذي تم إنشاؤه من أجل نشر الوثائق التي يتم تسريبها من قبل مسؤولين في حكومات وشركات، ولكن في نفس الوقت يرغب هؤلاء المسؤولون أن لا يتم كشف هوياتهم.

استلهمت “ويكيليكس” أسلوب اشتغالها من قيام دانييل إلسبرغ سنة 1971 بتسريب أوراق تخص البنتاغون، وهي وثائق داخلية للحكومة الأمريكية أظهرت تلاعبا وخداعا في ما يخص مجريات الحرب في فيتنام.

خلال الفترة ما بين 2006 و2009، قام موقع “ويكيليكس” بنشر سلسلة من الوثائق المهمة، تضمنت معلومات حساسة، مثل قائمة أعضاء الحزب الوطني البريطاني الفاشي (2008) وفضيحة “بتروغيت” حول فساد في قطاع النفط في البيرو (2009)، وتقرير عن الهجوم السيبراني الأمريكي-الإسرائيلي على منشآت الطاقة النووية الإيرانية (2009).

سنة 2013، وصف الاتحاد الدولي للصحفيين “ويكيليكس” بـ”سلالة جديدة من المؤسسات الإعلامية القائمة على حق الجمهور في المعرفة”.

في 2010، وفي الفترة التي كانت تشيلسي مانينغ، محللة استخبارات الجيش الأمريكي، متواجدة في العراق، قامت بتنزيل مئات الآلاف من المستندات بما في ذلك مقاطع فيديو من خوادم الحكومة الأمريكية، وقامت بإرسالها إلى “ويكيليكس” مع إرفاقها بملاحظة تقول: “ربما تكون هذه المستندات واحدة من أكثر الوثائق أهمية في عصرنا، وتهدف إلى تسليط الضوء على الحرب والكشف عن الطبيعة الحقيقية للحرب غير المتكافئة في القرن الواحد والعشرين”.

وفي نونبر/ تشرين الثاني من السنة نفسها، تعاون “ويكيليكس ” مع مجموعة من الصحف الكبرى (دير شبيغل، إل باييس، ذي غارديان، لوموند، نيويورك تايمز) من أجل نشر الوثائق الدبلوماسية (كابل غيت) والتي كانت من ضمن الوثائق التي أرسلتها مانينغ، كما قام الموقع أيضا بنشر سجلات تخص حرب العراق ومذكرات الحرب الأفغانية والتي تضمنت مواد تشير إلى ارتكاب الولايات المتحدة جرائم حرب في كلا البلدين.

ومن ضمن هذه الوثائق كان هناك فيديو سري تعود أحداثه إلى عام 2007، يوثق قيام القوات الأمريكية بقتل مدنيين، بما في ذلك موظفو وكالة “رويترز” للأنباء، وكان لهذا الفيديو تأثير هائل على الرأي العام حول طبيعة الحرب الأمريكية.

في نونبر/ تشرين الثاني، وبعد هذه التسريبات، أعلن المدعي العام الأمريكي إريك هولدر، أن مكتبه فتح “تحقيقا جنائيا مستمرا” ضد “ويكيليكس”.

إيداع جوليان أسانج في سجن بيلمارش شديد الحراسة في لندن

مع حلول الأول من ديسمبر/ كانون الأول 2010، دعا كبار السياسيين الأمريكيين في حكومة الولايات المتحدة إلى محاكمة أسانج بموجب قانون التجسس (1917)؛ وكانت ادعاءات الاعتداء الجنسي في السويد حلقة في سلسلة طويلة من المتابعات القانونية، وبالرغم من ذلك كان أسانج مستعدا للعودة إلى السويد من أجل مواجهة هذه الادعاءات، شريطة أن تقدم له ضمانات بعدم تسليمه إلى الولايات المتحدة، حيث يمكن أن يواجه هناك عقوبة السجن مدى الحياة بتهم التجسس، لكن السويد ونظرا للعلاقات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة، رفضت تقديم هذا الالتزام.

سنة 2012، حصل أسانج على حق اللجوء في سفارة الإكوادور في لندن، لكن وبعد سبع سنين، ومع حلول أبريل/ نيسان 2019 قامت الحكومة الإكوادورية – مقابل ما اعتبر صفقة تفضيلية مع صندوق النقد الدولي – بتسليم أسانج إلى السلطات البريطانية، ليتم بعد ذلك نقله إلى سجن بيلمارش شديد الحراسة في انتظار الانتهاء من الإجراءات القانونية ليس من أجل تسليمه إلى السويد، التي أسقطت تحقيقها، وإنما إلى الولايات المتحدة.

وجهت الحكومة الأمريكية لأسانج 18 تهمة متعلقة بالحصول على وثائق سرية ونشرها، مما قد يؤدي به إلى عقوبة تصل إلى 175 عام في السجن في حال تسليمه، ويبقى أن 17 من هذه التهم وجهت لأسانج مباشرة بعد دخوله الحجز البريطاني.

في البداية، كانت التهمة الوحيدة ضد أسانج هي التآمر مع مانينغ لتجاوز كلمة المرور واختراق النظام المعلوماتي في البنتاغون، والتي تصل عقوبتها إلى 5 سنوات. لكن من الواضح أن الحكومة الأمريكية ليس لديها أدلة كافية على أن أسانج تواطأ مع مانينغ من أجل اختراق الخوادم الأمريكية، خصوصا وأن مانينغ سبق وقالت إنها تصرفت بشكل فردي من أجل الحصول على الوثائق وتسليمها إلى “ويكيليكس”.

وتسعى حكومة الولايات المتحدة إلى إحضار أسانج إلى الولايات المتحدة قصد محاكمته بموجب قانون التجسس نظير حصوله على معلومات سرية ونشرها – بعبارة أخرى، بسبب عمله كصحفي استقصائي. وبالتالي، فإن السبب من وراء محاكمة أسانج هو عمله كصحفي وليس شيء آخر.

وسبق لـ “مدار” والعديد من المنصات الإعلامية، أن اعتبروا في بيان، أن الإضطهاد الذي يتعرض له مؤسس موقع “ويكيليكس” هو “اعتداء أساسي على الصحافة وحرية الصحافة وحرية التعبير”، وبأن “حرية الصحافة ستبقى شعارا أجوف” طالما استمرت ملاحقته.

وسبق أن كشفت تحقيقات صحفية نشرت في 2021، أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية خططت لاختطاف واغتيال أسانج، كما تعرض للمراقبة والعزل والمضايقة المنهجية.

إذا وجد القضاء البريطاني أن أسانج استنفذ جميع الإجراءات الممكنة في محاكم المملكة المتحدة للاعتراض على قرار الحكومة البريطانية بتسليمه إلى الولايات المتحدة  “فقد ينقل أسانج بعدها بأيّام قليلة مخفوراً على متن طائرة عسكرية خاصة متجهة إلى الولايات المتحدة”، حسب ما قالته زوجته ستيلا أسانج.

منظمة العفو الدولية سطّرت على “دواعي القلق من أن أسانج يواجه خطر ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان إذا تم تسليمه”، كما حذّرت من أن ذلك سيكون له “تأثير مروع وعميق على حرية وسائل الإعلام العالمية”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة