مدار: 30 كانون الثاني/ يناير 2024
“أنتم عارفين يعني إيه نخسر 450 مليار دولار في أحداث 2011، وأننا نتكلف أكتر من 120 مليار جنيه في مواجهة الإرهاب، دولتنا لا تتحمل صدمات بهذا الشكل. عارف أن الأسعار غالية لكنني أقدر صلابة المصريين، العالم في وضع صعب ومضطرب والشعب يتحمل أيضا مسؤوليته في استقرار الدولة”.
لم يمل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من تكرار تحميل ثورة 25 يناير 2011 والأوضاع العالمية المسؤولية الحصرية عن انهيار اقتصاد بلاده، دون أي إشارة إلى مسؤوليته ونظامه في إغراق بلاده بالديون وتوسيع هوة الغلاء والبطالة مع زيادة حجم التضخم وإفقار المزيد من المصريين بسياساته الرأسمالية العسكرية، مع تجاهل تام لإعلان خطة واضحة للخروج من الأزمة.
دائرة العملة والقروض والديون
في احتفالية عيد الشرطة، يوم الأربعاء الماضي 24 يناير 2024، صرح السيسي بأن حل أزمة الدولار كفيل بحل جميع الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مصر، وهي تصريحات ألقت المزيد من الضوء على تحديات اقتصاد البلد الذي يقترب بسرعة من شبح الإفلاس، خاصةً مع انخفاض قيمة الجنيه المصري الذي بلغ ذروته الأسبوع الماضي في حالة غير مسبوقة.
وبلغ حجم الديون الخارجية نحو 164.5 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، فيما تلتزم الحكومة بجدول سداد مدفوعات للديون بقيمة 42.26 مليار دولار في عام 2024 وحده، بما في ذلك 6.7 مليارات دولار لصندوق النقد الدولي.
ويواصل سعر الدولار في السوق الموازية في مصر ارتفاعه إلى مستويات غير مسبوقة، يتخطى حاجز 60 جنيهًا، بينما يظل سعره الرسمي في البنوك المصرية مستقرًا دون الـ 31 جنيهًا. وتتسارع هذه الأحداث وسط أزمة شح العملة الأجنبية التي تعاني منها مصر، ما يتسبب في ضغوط اقتصادية متزايدة مع ارتفاع التضخم في البلاد.
ويأتي هذا التراجع امتدادا لمسلسل الهبوط الذي بدأ منذ تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 لتلبية شروط صندوق النقد الدولي، إذ صعد الدولار من مستوى 8.8 جنيهات إلى مستوى 19 جنيها، ثم تراوح سعره بين 18 و15.6 جنيها في الفترة من 2017 وحتى فبراير/شباط 2022، قبل وصوله إلى مستوياته الحالية.
وأمام عجز الجهاز المصرفي عن تلبية الاحتياجات الدولارية، اضطر المستوردون والأفراد إلى التوجه إلى السوق الموازية، ما أدى إلى تشغيل المضاربة على الدولار وتصاعد مستوياته؛ حيث أصبح “سلعة” وليس وسيلة، ما يجعل معظم الأفراد يستثمرون فيه كمخزن للقيمة. هذا التحول يظهر تأثيره في تفاوت أسعار الدولار حسب السلع أو القطاع، ويؤدي بدوره إلى انعدام الثبات في التسعير. ومع توسع نشاط السوق الموازية، امتد هذا التأثير إلى تحويلات المصريين بالخارج، حيث انخفضت إلى حوالي 22 مليار دولار في العام المالي السابق، بينما كانت في حدود 31.9 مليار دولار في السنة المالية 2021-2022.
وتحمل مصر فجوة دولارية تقدر بنحو 30 مليار دولار، وتحتاج إلى استثمارات تصل إلى 100 مليار دولار سنويًا حتى عام 2028 للتغلب على هذه الفجوة. وتعد هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة ناتجة عن التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري، بما فيها انخفاض قيمة الجنيه ونقص العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم، وزيادة الديون، وتراجع الاستثمار الأجنبي، وانخفاض السياحة، وفقر البنية التحتية، وغياب الإصلاحات الهيكلية، لكن رغم هذه التحديات، يواصل النظام المصري تنفيذ مشاريع بنية تحتية ضخمة يدور الشك حول جدواها الاقتصادية، في وقت تزيد السياسات الاحتكارية للمؤسسة العسكرية المصرية من تداعيات الأزمة التي تواجهها البلاد.
أزمة اقتصاد أم سياسات؟
رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاتهامات التي وصفها بـ”دعاوى مضللة”، التي تستهدف تصوير الأزمة الاقتصادية العالمية كمسألة مصرية خالصة، معتبرا أن العالم يشهد أزمة اقتصادية غير مسبوقة، مستدلاً على ذلك بتطورات الساحة الدولية، من جائحة كوفيد-19 إلى الأزمة الروسية – الأوكرانية، ومؤخرا العدوان على غزة.
وفي إطار دفاعه عن سياساته الاقتصادية، أشار السيسي إلى أهمية المشروعات القومية باعتبارها الأساس لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة. ورغم اعترافه بآثار الأزمة على محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجًا، عاتب الرئيس المصري وسائل الإعلام على تكريس اهتمامها لـ”رعب المصريين من الغلاء”.
تبريرات السيسي للأزمة الاقتصادية في مصر تركز على تطورات الساحة الدولية، مشيرًا إلى جائحة كوفيد-19 والأزمة الروسية – الأوكرانية كأحداث تعقد الأوضاع الاقتصادية. لكن هذا يثير السؤال حول تأثير تلك الأحداث الدولية بشكل ملموس على المواطن المصري ومدى فعالية الحكومة في التعامل مع تداعياتها.
يظهر الاعتراف بآثار الأزمة على محدودي الدخل والفئات الأكثر احتياجًا بوضوح في تصريحات الرئيس المصري، لكن التساؤلات تتزايد حول جهود الدولة في تخفيف هذه الآثار، ومدى تماشي السياسات الاقتصادية مع تعهداته بدعم المواطنين.
رغم التأكيد على أهمية المشروعات التنموية، قد يبدو أن هناك حاجة إلى تقييم نوعية تلك المشروعات ومدى تأثيرها على مستوى معيشة الشعب، وتحليل مدى مساهمتها الفعلية في بناء البيئة الاستثمارية، أم هي مجرد محاولات للتباهي دون فائدة واضحة؟
مشروعات بلا طائل
في ظل الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها الشعب المصري، دافع الرئيس عبد الفتاح السيسي عن سياسات إنفاقه لأموال الدولة، مع تزايد الجدل بشأن جدوى المشروعات التي امتصت مليارات الدولارات خلال السنوات الماضية. وفي سياق حديثه عن سياساته في مواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة حث السيسي المصريين على الصمود أمام التحديات التي تواجه البلاد، مؤكداً أنه لم يهدر الأموال في حروب على سبيل المثال.
وما إن وجه طلبه للمصريين بالتوقف عما سماه “الهَري” (الكلام الكثير بلا طائل) حتى عادت التساؤلات بشأن جدوى المشروعات التي أطلقها السيسي، مثل العاصمة الإدارية الجديدة التي تضم برجا أيقونيا وأكبر كنيسة وأكبر جامع، وقصورا رئاسية، وتفريعة جديدة لقناة السويس، ومشروعات أخرى.
وواصل معدل التضخم السنوي في مصر الارتفاع ليبلغ قرابة 22 في المائة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، مقابل 6.5 في المائة في الشهر نفسه من العام الأسبق، وسط ارتفاع أسعار الغذاء نتيجة انخفاض قيمة العملة المحلية إلى أكثر من النصف مقابل الدولار منذ آذار/ مارس الماضي، ونقص العملة الأجنبية، فيما طالب صندوق النقد الدولي الحكومة بتشديد سياستها النقدية لمواجهة ذلك.
وأقر السيسي، خلال افتتاحه مصنعا في 26 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بأن أسعار المنتجات أصبحت تمثل عبئا على المواطنين، وبأن الحكومة تحاول الحفاظ على الأسعار دون زيادة. وينتقد كثير من المصريين تضاعف ديون مصر الخارجية بسبب القروض خلال السنوات العشر الأخيرة، التي وصلت إلى أكثر من 155 مليار دولار، بعد أن كانت في حدود 40 مليار دولار تقريبا في 2013، متسائلين عن أوجه إنفاق كل هذه الأموال.
وأظهر تقرير لخبراء صندوق النقد الدولي أن الحكومة المصرية تعهدت بإبطاء وتيرة الاستثمار في المشروعات العامة، بما في ذلك المشروعات القومية، للحد من التضخم، والحفاظ على العملة الأجنبية، دون تحديد المشروعات التي ستخضع لذلك.
وقال رئيس الوزراء المصري، في 05 كانون الثاني/ يناير الجاري، خلال افتتاحه عددا من المشروعات في محافظة سوهاج مع السيسي، إن “الدولة أنفقت 7 تريليونات جنيه على مختلف المشروعات في السنوات الثماني الماضية”.
ويتعامل القرار الحكومي بتأجيل البدء في تنفيذ أي مشاريع جديدة “فيها مكون دولاري واضح” فقط مع أزمة نقص العملة، خاصة أن الاحتياطي الأجنبي في خطر مع وجود 33 مليار دولار فقط، منها 28 مليار دولار ودائع للدول العربية يمكنها أن تطالب بها في أي وقت، لكنه لا يتعامل مع أزمة التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية.
وأنفقت الحكومة بسخاء على البنية التحتية على مدى السنوات القليلة الماضية، بما يشمل بناء شبكة واسعة من الطرق والجسور، فضلا عن مدن جديدة. كما بدأت العمل في مشروع للسكك الحديدية فائقة السرعة ومحطة للطاقة النووية، تبلغ تكلفة كل منهما عشرات المليارات من الدولارات.
ويرى متابعون أن هناك أشياء أخرى كان من الأفضل أن يتم توجيه الإنفاق لها بدلا من الاستثمار في مدينتين جديدتين، على سبيل المثال عواصم المحافظات تحتاج إلى صيانة وتطوير. ليست القضية في أن ننشئ فقط طرقا طويلة لا يتم استخدامها إلا بشكل محدود، ماذا عن الطرق داخل المدن التي تحتاج إلى اهتمام وإصلاحات كثيرة وتوجيه موارد إليها؟ لأن الاستثمار فيها يأتي بنتيجة أكبر، إذ إن هناك أكثر من 95 في المائة من المواطنين يسكنون داخل المحافظات التقليدية بالفعل.
عسكرة الاقتصاد.. احتكار دون رقيب
تعيش مصر حاليًا فترة تحول اقتصادي تديرها نخبة عسكرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، أظهرت تدخلًا عسكريًا واسعًا في الحياة الاقتصادية والسياسية للبلاد، ففي ظل النظام الحاكم أصبح الضباط، سواء الحاليون أو السابقون، يسيطرون على جميع جوانب الدولة، بدءًا من الجهاز الحكومي إلى الاقتصاد؛ وقد أدي ذلك إلى تشكيل إمبراطورية اقتصادية تحت إدارة عسكرية خالصة.
واستحوذ مزيد من اللواءات المتقاعدين على مناصب حكومية مهمة مسؤولة عن إدارة ميزانية الدولة واقتصادها الوطني، كما استأثروا بالمناصب البيروقراطية. علاوةً على ذلك يحتل لواءات سابقون منصب المحافظ في معظم محافظات البلاد، بالإضافة إلى توليهم مناصب القيادة في عدد كبير من المحليات أو إدارة أقسام كبيرة من المدن.
في الوقت ذاته، تسجل الباحثة منى إبراهيم في بحث نشره مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان توسع لواءات بالزي العسكري على نحو هائل على صعيد تشكيل التكتلات الاحتكارية المؤلفة من مجموعة من شركات الأعمال العسكرية التي لا تتم مراجعة حساباتها، أو تحصيل ضرائب عنها، من قبيل المزارع المضافة ومعامل الصناعات الدوائية ومحطات البنزين ومزارع تربية الأسماك ومصانع الإسمنت والفولاذ ومعامل تغليف الأغذية وغير ذلك.
وبحسب ورقة تحت عنوان “الجيش والاقتصاد في مصر بين الاحتكارات والفساد والاضطرابات الاجتماعية”، عن المركز المذكور، فإن النظام العسكري يظهر بشكل واضح بعض العيوب، مثل انعدام الكفاءة وانتشار الفساد، إضافة إلى غياب خطة واضحة لتحقيق العدالة الاجتماعية. وهذا الوضع أدى إلى فقر شديد في قطاعات واسعة من المجتمع، ما أثار حالة من الاستياء الشعبي.
يبدو أن النظام العسكري يعاني من تحديات جسيمة تتطلب تداركًا فوريًا وخططًا إستراتيجية لتحسين الأوضاع الاقتصادية ومعالجة قضايا الفساد وتعزيز العدالة الاجتماعية.
وتتسم التحولات السياسية والاقتصادية في مصر تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي بتنفيذ سياسات نيو-ليبرالية عسكرية صارمة، تمتد تأثيراتها “الكارثية” إلى الطبقات الفقيرة والمهمشة بشكل خاص.
وبالنسبة لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فقد آثر نظام السيسي العسكري خلال السنوات الماضية اتخاذ تدابير قاسية لتحرير الاقتصاد، ما أثار مختلف أشكال المعارضة في صفوف الكثير من الجماعات الاجتماعية المحرومة أو المهمشة؛ في وقت حظي السيسي بتشجيع كثير من حلفائه في المجتمع الدولي، وخصوصًا الولايات المتحدة، على استكمال التحولات النيو-ليبرالية التي بدأها حسني مبارك أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وأورد المصدر ذاته، أن النظام تقدم في الفترة ما بين 2016 و2019، بطلب للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي وحصل عليه على دفعات. واقتضى الاتفاق الخاص بهذا القرض معالجة العجز المزمن في ميزانية الدولة عن طريق إجراء تخفيض على دعم المواد الغذائية والبنزين وغير ذلك من أشكال الإنفاق العام، وتعويم العملة، وخصخصة القطاع العام، وغير ذلك، وهي اشتراطات نفذها العسكريون بطريقة زادت من حجم ثرواتهم وألحقت الضرر الجسيم بالطبقات الدنيا.
الجانب الأبرز في الصورة هو تنامي حجم “الهيئة الهندسية للقوات المسلحة”، باعتبارها المقاول الأوحد الأضخم والاحتكاري وغير الخاضع للمساءلة في البلاد، الذي تحيل له الحكومة مشاريع الإنشاءات العامة، كالمدارس والمستشفيات والجسور وما إلى ذلك، خارج عملية المنافسة المفتوحة، ودون الخضوع للسلطات الرقابية للبرلمان أو الجهاز المركزي للمحاسبات، توضّح الورقة البحثية لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.
الوثيقة نفسها سلّطت الضوء على كيفية أنهاك الضباط الذين يحكمون مصر ميزانية الدولة بمضاعفة الإنفاق على شراء الأسلحة، فيما عمدوا إلى تخفيض الإنفاق العام على المواد الغذائية للامتثال لشروط القرض المقدم من صندوق النقد الدولي. إذ اشترى السيسي أسلحة بمليارات الدولارات من الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية الراغبة في عقد الصفقات مع الرئيس العسكري الجديد خدمة للمصالح المتبادلة. وأبرم السيسي على نحو خاص صفقات ضخمة مع فرنسا وروسيا، فيما حلَت ألمانيا ثالثة على قائمة كبار الموردين الأوروبيين.
وأحالت الباحثة منى إبراهيم على التقرير الصادر عام 2016 عن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام بعنوان “الاتجاهات الدولية لعمليات نقل الأسلحة”، حيث احتلت مصر المركز الحادي عشر بين أكبر مستوردي الأسلحة الكبرى في الفترة الواقعة بين عامي 2012 و2016 على مستوى العالم. وتشير المجاميع الكلية للبنك الدولي إلى أن هذه الواردات ارتفعت من 675,000,000 دولار عام 2013 إلى 1,483,000,000 عام 2016، حيث تزايدت خلال السنوات الأخيرة بنسبة تسعة وستين في المائة. وتعتبر مصر في الوقت الحاضر أكبر زبائن فرنسا على صعيد مشتريات الأسلحة، كما أنها وقّعت صفقات أسلحة ضخمة كثيرة مع روسيا، فيما ارتفعت مبيعات الأسلحة الألمانية “خمسة أضعاف” لمصر والسعودية –وهي داعم إقليمي رئيسي للسيسي– في صفقات تساوي قيمتها مئات الملايين من اليوروهات.
ويشار إلى أن معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، بين أيضا في تقريره الأخير برسم سنة 2023، أن مصر جاءت ضمن الدول العشر الأكثر استيرادا للأسلحة في العالم، مستحوذة على 4,5 في المائة من مجموع الحصة العالمية، خلال الفترة من 2018 إلى 2022.
بين 2012 و2016، أبرم السيسي مع فرنسا لوحدها صفقات بقيمة ملياري يورو. أما المفارقة فهي أن وزارة الدفاع لم تدفع ثمن هذه الأسلحة من الإيرادات التي راكمتها من أنشطتها التجارية، بل أخذت قروضًا من البنوك الفرنسية. وكانت فرنسا إلى حد بعيد المورّد الأكبر للأسلحة لمصر بعد صفقات شراء 24 طائرة رافال، تبعتها صفقة سفن ميسترال الحربية. وأقرضت الحكومة الفرنسية مصر مبلغ 3.2 مليار يورو لإبرام عقد طائرات رافال سنة 2015.
وزار السيسي باريس أواخر عام 2017، حيث استقبله الرئيس إيمانويل ماكرون المنتخب حديثًا آنذاك. وكما أوضحت الصحافية جينا لو براس في تقرير نشرته صحيفة مدى مصر التي تتخذ من القاهرة مقرًا لها، “تمحورت العلاقة بين البلدين في السنوات الأخيرة على التعاون العسكري والأمني ومكافحة الإرهاب، فيما غضت فرنسا الطرف عن سجل مصر المقلق على صعيد حقوق الإنسان. ودافع ماكرون عن هذا الموقف أثناء زيارة السيسي قائلًا إنه ليس في موقع ’إعطاء‘ مصر محاضرة حول الحريات المدنية”. وكلفت صفقة طائرات ميسترال المروحية مصر نحو مليار دولار.
ومعطيات دفعت بصندوق النقد الدولي إلى المطالبة بتحجيم دور الجيش في الاقتصاد المصري، وهو مطلب العديد من دول الخليج ورجال الأعمال المعنيين بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مصر، حسب ما يلاحظه الكاتب والباحث الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي، مضيفا أن الممارسة على أرض الواقع تظهر بخلاف ما هو متوقع من أداء الجيش في الاقتصاد المصري، ففي الوقت الذي يتم بيع حصص من شركات قطاع أعمال رابحة وناجحة، تتوسّع المؤسسة العسكرية في إنشاء المزيد من المشروعات والشركات الخاصة بها، وهو ما يتناقض تماما مع ما تعلنه الحكومة من إعطاء مساحة أكبر للقطاع الخاص.
وكانت هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الإدارية، قد سمت شركتين تابعتين لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، وقالت إنه سيتم طرحهما للبيع، وهما الشركة الوطنية لبيع وتوزيع الخدمات البترولية “وطنية”، والشركة الوطنية للمشروعات الإنتاجية “صافي”، لكن لم يدخل أمر خصخصة شركات الجيش حيز التنفيذ، وهو ما يضع العديد من الأسئلة حول صحة التوجه لدى الحكومة حول هذا الأمر، يقول الخبير المصري نفسه.
سيل من الوعود.. والتنفيذ “في خبر كان”
يبدو خطاب السيسي مشحونًا بالمشاعر والتعاطف مع معاناة الشعب، لكنه يثير العديد من التساؤلات حول سياسات الحكومة وكفاءتها في التعامل مع التحديات، ففيما يتحدث عن مدى فهمه للمشاكل الاقتصادية والضغوط التي يعاني منها الشعب، يبدو أن الكلام يقتصر على الإدراك فقط دون تقديم خطط عمل واضحة لمواجهة هذه التحديات، كما يظهر من دعوته لحوار وطني لمناقشة الأوضاع الاقتصادية، ولكن يبقى السؤال حول فعالية هذا الحوار في تحقيق الإصلاحات اللازمة، ومدى استجابة النظام لمخرجاته وتفعيلها.
ويتحدث الرئيس المصري بشكل بالغ أيضا عن تكلفة مكافحة الإرهاب وضرورة التضحيات، ومع ذلك يثار السؤال حول الشفافية في استخدام الموارد وكيفية تحقيق التوازن بين التصدي للتحديات الأمنية وتحسين الوضع الاقتصادي بسياسات حقيقية تعود بالفائدة على الشعب.
في الوقت ذاته، لم يشر الرئيس أو أي من أعضاء حكومته إلى أي إستراتيجية محتملة للتعامل مع تأثيرات الأزمة أو التخفيف من حدتها، خاصة بشأن تحسين أوضاع المواطنين بشكل عام وتوفير السلع والخدمات الأساسية، أو خطة لسداد الديون والإنقاذ المالي، ووقف قطار الاقتراض، وتعزيز الاقتصاد الوطني، الذي بات منقسما بين احتكار عسكري وسياسات خصخصة أجنبية.