تحقيقات تكشف تورط الاتحاد الأوروبي في تسميم بيئة المنطقة المغاربية بمبيداته المحظورة

مشاركة المقال

مدار: 10 أيلول/ سبتمبر 2021

لا تتوانى الدول الرأسمالية الكبرى في استنزاف المزيد من ثروات الدول النامية أو “دول العالم الثالث” كما يحلو لها تصنيفها، واستغلال مؤهلاتها الطبيعية وخيراتها لتغطية وإشباع حاجاتها؛ وأكثر من ذلك تشكل أسواقا كبيرة لترويج منتجاتها، دون مراعاة جودة هاته المنتجات أو مدى تأثيرها على بيئة وصحة السكان.

ومن أخطر هاته المنتجات وأكثرها ضررا تلك المتعلقة بالأنشطة الفلاحية والزراعية والإنتاجية، لما لها من تأثير مباشر على صحة الإنسان عبر الاستعمال المباشر والتغذية. وتعتبر المبيدات الكيماوية من المخاطر الأكثر فتكا بالإنسان وبالمؤهلات الطبيعية البيئية أيضا، إلا أن لم يمنع الدول الفقيرة والمتوسطة، خاصة الدول المغاربية: تونس المغرب والجزائر، من استيراد مبيدات كيماوية في منتهى الخطورة، وأكثر من ذلك محظورة الاستعمال من طرف الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يعمل على إنتاجها وتسويقها في الأسواق المغاربية، في استهتار تام بحياة الفلاحين/ات والمستهلكين/ ات.

وبسبب غياب الرقابة والمسؤولية فإن نسبة الضرر والخسائر التي تلحق بالبيئة وصحة الإنسان في الدول النامية أعلى من تلك التي تسجلها الدول الغنية؛ في حين تقول الأمم المتحدة إن أكثر من 200 ألف شخص يموتون سنويا بسبب التسمم بالمبيدات.

وحسب تحقيق أنجزته منصة “public eye” السويسرية، ونشرته بتاريخ 10 شتنبر 2020، بعنوان “المبيدات المحظورة: النفاق السام للاتحاد الأوروبي”، فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وافقت عام 2018 على تصدير 81615 طنًا من مبيدات الآفات التي تحتوي على مواد محظورة في تربتها بسبب مخاطر غير مقبولة على الصحة أو البيئة.

وأشارت المنصة نفسها إلى أن المغرب يصنف من بين عشر دول أكثر استيراد واستعمالا لهذه المبيدات ذات الصنع الأوربي، والتي تضم عناصر ومكونات شديدة الخطورة، إلى جانب البرازيل والمكسيك وأوكرانيا وغيرها.

وتعتبر المملكة المغربية ثاني الوجهات الرئيسية لمبيد الحشرات “ثنائي كلورو البروبين”، الذي يذوب في الماء ويتبخر بسهولة ويستخدمه مزارعو الخضروات، وتم حظره من قبل الاتحاد الأوروبي عام 2007 بسبب المخاطر المرتبطة به على المستهلك، وتلوث المياه الجوفية، وأضراره المحتملة على الطيور، والثدييات، والكائنات المائية. ويتم خلط المبيد مع الكلوروبكرين الذي تم تصنيعه كسلاح كيميائي في الحرب العالمية الأولى.        

وحذر خبراء المنصة السويسرية من المخاطر الصحية أو البيئية الناتجة عن 41 مبيدا يتم تصديرها من الاتحاد الأوروبي، إذ يمكن أن تؤدي إلى الوفاة بسبب الاستنشاق أو تسبب عيوبا خلقية أو اضطرابات تناسلية أو هرمونية أو السرطان.

وهذا ما أكدته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (منظمة حقوقية غير حكومية) إذ رصدت إصابة 11 عاملا زراعيا بإقليم اشتوكة أيت باها جنوب المغرب بأمراض جلدية والحساسية والربو والسرطان وفشل الكلى، جراء استخدام بعض المبيدات، بما فيها المحظورة، في عمليات الإنتاج. كما أكد رئيس فرع الجمعية الحسين أولحوس، في تحقيق أنجزه “العربي الجديد”، في يونيو 2021، أن جماعة خميس آيت عميرة بالإقليم تعد الأكثر استقطابا للاستثمارات الزراعية، وكذلك المركز الفلاحي الأكثر استعمالا للمبيدات، وهو ما أسفر عن وفاة عامل زراعي بإحدى الضيعات الفلاحية بعد إصابته باختناق شديد جراء استنشاقه مادة سامة أثناء تحضير مبيدات كيماوية استعدادا لرشها في المزرعة في يناير/كانون الثاني من 2019.

وذكر التحقيق على لسان الخبير الزراعي نعمان عبد الكريم، مدير مؤسسةً نالسيا للتنمية والبيئة والعمل الاجتماعي (غير حكومية)، أن “المحاصيل الزراعية توجّه إلى الأسواق المحلية دون احترام المواعيد النهائية لانتهاء مفعول المبيدات السامة، إذ يمكن أن يتم رش المبيد في يوم والجني في اليوم التالي، رغم أن متبقيات المبيدات تحتاج وقتا محددا للتخلص منها، وهو ما يسمى فترات الأمان الفاصلة بين رش المبيدات وقطاف المحصول، والتي تتفاوت من مبيد إلى آخر تبعاً لتركيبته الكيميائية، وتتراوح بين يوم و35 يوماً، كما تختلف لنفس المبيد من الخضار إلى الفواكه”، ما يجعل من غياب الرقابة الرسمية على السلسلة الغذائية والمنتجات الفلاحية والزراعية أحد أهم أسباب انتشار هاته المبيدات في المغرب، إضافة إلى ترويجها والاتجار بها، وسهولة وصولها إلى البلد عبر التهريب من الدول المجاورة، ما يعرض المستهلك والعمال الزراعيين والتوازن البيئي لمخاطر متعددة.

وليس بعيدا عن المغرب تعيش تونس أيضا المعاناة نفسها مع المبيدات المحظورة من طرف الاتحاد الأوروبي، التي تجد طريقها إلى الأسواق التونسية بشكل أو بآخر، فقد ذكر تحقيق أنجزته المنصة الرقمية “انكفاضة” في الموضوع ونشرته في 25 يونيو 2021 بعنوان “المبيدات: صادرات الاتحاد الأوروبي السامة إلى تونس”، أن البلاد استوردت سنة 2018 ما يناهز 240 طناً من المبيدات الزراعية المحظورة أو الخاضعة لقيود صارمة داخل الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أنه سنة 2020 “تم تصدير 45 مادة فعالة ‘غير مرخصة’ في الاتحاد الأوروبي إلى البلاد، وفقًا لقائمة المبيدات المصادق عليها الصادرة عن وزارة الفلاحة”.

وفي سنة 2018، دخل التراب التونسي ما يزيد عن 35.000 لتر تحتوي على السياناميد تحت العلامة التجارية “دورماكس”، التي يشتبه في كونها مادة مسرطنة، وقد تم حظر استعمالها داخل الاتحاد الأوروبي منذ 2008.

 وأثبتت دراسات أن السياناميد تتسبب في كثير من الأحيان في حالات تسمم لدى العاملين والعاملات في القطاع الفلاحي، فضلا عن أن ملامستها للجلد قد تؤدي إلى حروق بالغة وتلف شديد في العينين، وفق “انكفاضة”.

في هذا السياق، ترى سامية الغربي، عالمة الأحياء وأستاذة علوم البيئة وعضو جمعية التربية البيئية للأجيال المستقبلية، أن “من شأن سياسة الكيل بمكيالين هذه أن تخول للدول الأكثر ثراءً التمادي في تجارتها المربحة في أرجاء من العالم لا تحظى بتشريعات على نفس القدر من الصرامة، دافعة بذلك المخلفات الصحية والبيئية خارج حدودها، وملقية إياها على عاتق الأضعف”، وتضيف مستنكرة: “هذا نفاق.. يعتبروننا مجرد بشر من الدرجة الثانية”.

وتعتبر سامية أيضا أن “مسؤولية توريد هذه المواد مشتركة، وتقع أيضًا على عاتق تونس”، مردفة: “إذا عقدنا العزم على حظر المواد التي نعتبرها خطرة فيمكننا ذلك”.

كما أن اتفاقية روتردام المنظمة للتجارة الدولية في مجال المبيدات والكيمياويات الخطرة تقتضي منذ 2014 إعلام البلدان المستوردة بمخاطر المركبات الكيميائية التي تدخل ترابها، إلا أنه وحسب مقال أصدرته مجلة “جون أفريك” مؤخرا فإن “40٪ من هذه المواد المحظورة لا تخضع لموافقة مسبقة؛ ففي نصف الحالات تقريبا لا يحتاج المصنعون الأوروبيون إلى موافقة السلطات لترويج هذه المبيدات السامة للشركات الموردة المحلية”.

كما أن عملية سحب مبيد ما من لائحة المبيدات المعتمدة دائما ما تجابه بعراقيل مختلفة، نظرا لتعنت الهيئات الدولية في إصدار موافقتها ومماطلتها خدمة لمصالح الدول الرأسمالية الكبرى، التي ترمي بسمومها خارج حدودها، رغم تحركات عالمة الأحياء سامية أغربي وغيرها من الفاعلين في مجال الصحة والبيئة من أجل إرساء نظام عالمي لتنسيق القرارات: “في صورة سحب منتج في أي مكان كان، يجب سحبه بصفة فورية في جميع أرجاء العالم”.

وعلى غرار جارتيها، تستقبل الجزائر أيضا مئات الأطنان سنويا من المبيدات المحظورة، إذ سجل ما بين سنتي 2018 و2019 استيرادها ما يفوق 194.8 طن. وكانت فرنسا المورد الأساسي، إذ صدرت للجزائر ما يناهز 160 طنا من مبيد ديكلوروبروبين، وفق معطيات بيانية نشرتها “جون أفريك” عن “بيبليك أي” و”أن أريد” بتاريخ 6 ماي 2021.

ويورد نشطاء بيئيون أن ما سبق يؤكد جشع الدول الكبرى واستماتتها في استغلال الدول النامية أو في طور النمو، ما يجعل الصحة والبيئة في ميزان غير متكافئ بتاتا، إذ باتت الحياة الجيدة والصحية في يد من يملك الثراء والنفوذ، بينما على الدول الفقيرة النضال من أجل حقها في ذلك، أو على الأقل الحفاظ على سيادتها الوطنية وحماية مواطنيها ووسطها البيئي من بطش الرأسمالية المتوحشة، بدءا من وقف تسويق واستيراد المنتجات المحظورة وتقنين استعمال المبيدات وترشيدها، أو البحث عن مداخل لتطوير الفلاحة الإيكولوجية التي تضمن استدامة الموارد الطبيعية وتحمي التوازنات البيئية من الاختلال، وحق الأجيال القادمة في الموارد الطبيعية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة