مدار: 03 أغسطس/ غشت 2021
كاترين ضاهر
مرت سنةٌ على انفجار مرفأ بيروت، وتدمير العاصمة اللبنانية، وما زالت ألغاز هذه الجريمة تزداد يوماً بعد يوم، وتزيد من نزف جراحٍ ووجعِ معاناة ضحايا التفجير وأهالي الشهداء…
365 يوماً على انفجار أسفر عن مقتل ما يزيد عن 200 شخص وأكثر… وستة آلاف مصاب وعشرات المفقودين، وحوالي 300 ألف مشرّد من منازلهم، وخلّف أيضاً نحو 800 إعاقة دائمة ومؤقتة، إضافة إلى آلاف المنازل والمحال التي دُمّرت أو تضرّرت.
أما الأيام الخمسة التي وعد بها رئيس حكومة تصريف الأعمال د. حسان دياب لكشف الحقيقة فقد باتت سنة، وها هي تدخل عامها الثاني. وأما تقرير الـ “اف بي آي” فقد فتح اليوم مساراً جديداً في التحقيقات التي يجريها المحقق العدلي القاضي طارق بيطار.
وتزامناً مع ارتفاع السجالات في لبنان حول مسألة رفع الحصانات، فجّرت المعلومات التي أوردها تقرير مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي (إف.بي.آي) حول انفجار مرفأ بيروت الذي وقع في الرابع من أغسطس/ غشت 2020 صاعقة مدوّية، بعد أن نشرت وكالة “رويترز” جزءاً منه يوم الجمعة 30 تموز / يوليو الماضي.
وأشار التقرير الذي صدر في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2020 إلى أن كمية نترات الأمونيوم التي انفجرت لم تكن أكثر من 20 بالمئة فقط من حجم الشحنة الأصلية التي تم تفريغها في 2013، والبالغة 2754 طناً، وافترض أنها معبأة بمعدل طن واحد في كلّ حقيبة أو “شوال” الذي يستخدم لتخزين البضائع. إذ قدّرت الوثيقة أن حوالي 552 طناً فقط من النترات هي التي انفجرت في ذلك اليوم..، فيما تزيد الشُبهات حول فقدان كمية كبيرة منها قبل وقوع الانفجار.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير الـ “اف بي آي” صدر في 7 تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، أي منذ عشرة أشهر، إلّا أن توقيت نشره هذا الأسبوع في “رويترز” قبل خمسة أيام من حلول الذكرى الأولى لانفجار المرفأ، يطرح العديد من التساؤلات.
وحسب الأرقام الواردة في التقرير، فإن 2200 طناً من نيترات الأمونيوم اختفت قبل الانفجار، فهل خُزِّنت في مكان آخر لتكون قنبلة موقوتة أخرى تهدّد لبنان..؟ أو سُرقت على مدى ستة أعوام منذ تاريخ تفريغها في العنبر رقم 12 إلى ما قبل انفجاره…؟ وإذا سرقت بما ستُستخدم… ومن سرقها..؟. هي تساؤلات تطرح نفسها بقوة في بلد اعتاد على الغموض والتسويات والمحسوبيات والأسوأ التسيّس والتدخلات حتى في شؤون القضاء ومصير حقوق الناس.
تقرير الـ”أف بي آي” لم يحسم سبب انفجار المرفأ وسيواصل تحقيقاته …
وكان مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي أعلن أنه “لم يتوصل إلى نتيجة قاطعة بشأن سبب الانفجار الذي وقع في الرابع من أغسطس/ غشت في مرفأ بيروت”.
وحسب “رويترز”، يسود “اعتقاد قوي لدى وكالات حكومية أميركية وأوروبية أخرى تتابع عن كثب التحقيقات بأن ‘الانفجار كان عرضيّاً'”.
وذكرت متحدّثة بإسم مكتب التحقيقات الاتحادي لـ “رويترز” في رسالة عبر البريد الإلكتروني، إنه “لم يتم التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج -القاطع-“، مُشيرةً إلى بيان قال فيه مكتب التحقيقات في وقت سابق “سنقدّم لشركائنا اللبنانيين المساعدة في التحقيق”، وزاد: “يجب توجيه أسئلة أخرى إلى السلطات اللبنانية بصفتها جهة التحقيق الرئيسية”.
وقال مصدران حكوميان أمريكيان مطّلعان على التقارير والتحليلات الرسمية بشأن الحادث إن “الوكالات الأميركية كانت مقتنعة إلى حدٍّ كبير بأن الانفجار، الذي اشتمل على كميات كبيرة من نيترات الأمونيوم كانت مخزّنة في أحد مباني المرفأ منذ سنوات، كان حادثاً”.
وذكر مصدر حكومي أوروبي مطلع على تقارير وتحليلات المخابرات، إن “خبراء أوروبيين رسميين قدّروا أيضاً أن الانفجار كان عرضيّاً”.
في سياق متصل، أفادت مصادر قضائية معنية لصحيفة “النهار” اللبنانية أنّ تقرير الـ “أف بي آي” ذكر أنّ الانفجار في المرفأ نتج عن حادث بسبب سوء التخزين لمواد “نترات الأمونيوم” في العنبر رقم 12 من دون أن يتوصل إلى حسم أسباب الانفجار إن كان متعمّداً أو غير متعمّد.
وأضافت أنّ الـ”أف بي آي” سيواصل تحقيقاته في العيّنات التي رفعها، على أن يضع القضاء في أجواء عمله.
كما اعتبر بعض خبراء المتفجرات، أن المعلومات التي وردت عن انفجار 20 في المئة تقريباً من كمية نترات الأمونيوم فقط من حجم الشحنة الأصلية لا يعني تهريب كمية منها خلال السنوات الماضية أو سرقتها. إذ يشدّدون على وجود فرضية أخرى تعتبر أن هناك إمكانية أن تكون الكمية الأخرى من هذه المادة قد تبدّدت آنذاك أثناء الحريق وبالانفجار نفسه، من دون أن تكون قد انفجرت… ويعتبر هؤلاء أن بقاء نترات الأمونيوم لأكثر من ست سنوات في العنبر الرقم 12، من دون أية مراعاة لشروط التخزين، وتعرّضها للرطوبة وعوامل تقلبات الحرارة والطقس، يؤدّي إلى إصابة جزء منها بالتلف، و يضعف من قدرتها “التفجيرية”.
“كانوا يعلمون”… وتقاعسوا
وعشية الذكرى السنوية الأولى لانفجار الرابع من أغسطس/ غشت خلص تقرير أصدرته منظمة “هيومن رايتس ووتش” اليوم الثلاثاء إلى وجود أدلة قوية تشير إلى أن بعض المسؤولين اللبنانيين علموا وقبلوا ضمنياً بالمخاطر التي تشكلها مادة نترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مرفأ بيروت قبل الانفجار المروّع الذي دمره في الرابع من آب/ أغسطس من العام الماضي.
وأشار تقرير المنظمة الدولية إلى أن هناك أدلة على أن عدداً من المسؤولين اللبنانيين ارتكبوا “جريمة الإهمال الجنائي” بموجب القانون اللبناني.
واستند التقرير إلى وثائق رسمية ومقابلات مع مسؤولين كبار منهم رئيس البلاد ورئيس حكومة تصريف الأعمال ومدير الأمن العام.
وتتبع التحقيق أحداثاً ترجع إلى عام 2014 وما بعده في أعقاب جلب شحنة نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، كما رصد تحذيرات متعاقبة بشأن خطورة هذه الشحنة إلى عدة جهات رسمية.
وجاء في الوثيقة “تشير الأدلة بقوة إلى أن بعض مسؤولي الحكومة توقّعوا الموت الذي قد ينجم عن وجود نترات الأمونيوم في المرفأ وقبلوا ضمنياً باحتمال حدوث وفيات”.
ودعت المنظمة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى إجراء تحقيق في الانفجار وحثّت الحكومات الأجنبية على فرض عقوبات على المسؤولين تتعلق بحقوق الإنسان والفساد.
ويذكر أن التحقيق في الانفجار كان يقوده القاضي طارق بيطار إلاّ أنه تعطل لأن الطلبات التي أرسلت للبرلمان والحكومة لرفع الحصانة والتمكين من استجواب عدد من كبار المسؤولين قوبلت إما بالرفض أو المماطلة.
وقال تقرير هيومن رايتس إن الرئيس ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا ووزراء سابقين طلب القاضي بيطار إفادات منهم، “تقاعسوا في اتخاذ إجراءات لحماية الناس على الرغم من إبلاغهم بالمخاطر”.
وأفادت وثيقة اطلعت عليها “رويترز” وأُرسلت قبل أسبوعين تقريباً من الانفجار بتحذير الرئيس ورئيس الوزراء من المخاطر الأمنية التي تشكلها الكيماويات المخزنة في المرفأ ومن أنها قد تدمر العاصمة.
ونشر التقريران في أسبوع واحد وسط صمت لعون ودياب وصليبا،… كسره تصريح خجول للرئيس عون يوم الجمعة 30 تموز / يوليو الماضي أعلن فيه إنه مستعد للإدلاء بإفادته وإنه “لا أحد فوق العدالة مهما علا شأنه”.
كما أن القضاء اللبناني مطالب بنشر تحقيقاته حول انفجار الرابع من أغسطس/ غشت كي لا يقع الوطن في شراك تحقيق دولي جديد، يأخذ أتعاب المواطنين، وشرّ البليّة.. “طلعت القصة عياش”… وعدم تناسي أن الولايات المتحدة وفرنسا وآخرين تمنّعوا بحجج واهية عن تسليم القضاء اللبناني صور الأقمار الاصطناعية، وقد ورد في بعض المواقع، أن جزءاً كبيراً من شحنة الأمونيوم ذهبت لتنظيم “داعش” الإرهابي في سوريا، وبالتالي، هي معلومات وآراء جرى نشرها، وعلى التحقيق أن يأخذ كلّ الاحتمالات بعين الاعتبار.