بسبب دعم فلسطين.. هجوم إعلامي “منظَّم” على نقابة الصحفيين والمعارضين في مصر

مشاركة المقال

مدار: 20 كانون الثاني/ يناير 2024

بات النشطاء في مصر عرضة للهجمات المنظمة في الإعلام والمنصات الإلكترونية، على خلفية تضامنهم مع القضية الفلسطينية. شكل خطير من القمع لا يخرج عن سياق البيئة المعادية لحقوق الإنسان بشدة تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.

تعرض نقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي وعدد من الإعلاميين والنشطاء، لهجوم إعلامي واسع، بسبب تنظيمهم ومشاركتهم في وقفة أمام مقر النقابة في القاهرة، الاثنين 15 كانون الثاني/يناير 2024، للتضامن مع فلسطين والمطالبة بفتح معبر رفح لإدخال المساعدات الغذائية والطبية والبشرية، ووقف العدوان الإسرائيلي على القطاع.

الهجوم الذي شنته شخصيات إعلامية وصحفية موالية للنظام، فضلا عما يعرف في مصر بـ “الكتائب الإلكترونية للنظام”، وهو مصطلح يُطلق على المجموعات التي تشن حملات إعلامية منظمة على المعارضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ويشكّل هذا النمط جزء من ممارسات قمع الأصوات المعارضة، ووقف أي مظاهر احتجاج غير موجّهة لصالح النظام، خاصة أن أمام مقر نقابة الصحفيين يعد حاليا المكان الوحيد الذي تنظّم فيه فعاليات احتجاجية في مصر بشكل عام.

يظهر التحريض ضد النقيب البلشي والنشطاء باتهامهم بالتعاون مع جماعة الإخوان وتلقّي تمويلات من أمريكا وبريطانيا وأوروبا وإسرائيل -على الرغم من أن تنظيم الوقفة نفسها جاء ضد العدوان الصهيوني والدعم الأمريكي له-  كمناورة للتغطية على إخفاق النظام في التعامل مع ملف غزة، وكجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى محاولة تشويه سمعة المعارضين، ووأد أي محاولات لتحريك الشارع المصري.

 الهجوم المنظم ضد المشاركين في وقفة الإثنين، وصل إلى حد المطالبة باعتقالهم ومحاكمتهم، بدعوى معاداة الدولة والتحريض ضد النظام والإضرار بالأمن القومي المصري، بمبرر أنه “لا ديمقراطية ولا حقوق إنسان أمام الأمن القومي المصري”.

غالبًا ما شهدت الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين رفضًا صارمًا من طرف نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مما أدى إلى تصاعد حملات القمع ضد هذه المظاهرات، حيث سجلت جماعات حقوقية العشرات من حالات الاعتقال في صفوف نشطاء شاركوا في تظاهرات لدعم فلسطين -معظمهم من الشباب اليافعين- وهو ما يكشف عن حجم الحملة القمعية.

وبينما أدان المتظاهرون بشدّة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، يتزايد القلق من محاولات السيسي استغلال الصراع لتحقيق مكاسب شخصية، في ظل سوابقه في توظيفالتفويض الشعبيلقمع أي معارضة، والتضييق الشديد على مختلف مظاهر الفعل الاحتجاجي السلمي.

في تشرين الثاني/نوفمبر 2023، دعت نقابة الصحفيين المصريين ما سمتهم بـ”أحرار العالم” للانضمام إلى “قافلة ضمير العالم” بهدف ممارسة الضغط لفتح معبر رفح – شريان الحياة إلى قطاع غزة – للسماح بجميع أشكال المساعدات الإنسانية، كالغذاء، الماء، الأدوية والوقود، للدخول بشكل مستدام، والخروج غير المشروط للمصابين بجروح خطيرة.

كما تطالب القافلة بدخول الأطقم الطبية والإغاثية والإنسانية والصحفية إلى غزة، وإظهار جميع أشكال الدعم للشعب الفلسطيني في الوقوف ضد مخططات التهجير الإسرائيلية. كرد على ذلك، لم يتم السماح لها أو لأي قافلة بشرية أخرى بدخول المعبر بعد مرور ما يزيد عن 3 أشهر من العدوان، كما تم ترحيل 4 نشطاء أجانب من الراغبين في المشاركة في القافلة بعد ما يزيد عن يوم من احتجازهم بسبب تنظيمهم وقفة احتجاجية صغيرة للمطالبة بالسماح لهم بدخول غزة.

ويقع معبر رفح على حدود غزة التي يبلغ طولها 7.5 ميلًا مع شبه جزيرة سيناء المصرية، وأصبح ذو أهمية متزايدة مع استمرار حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في القطاع المحاصر.

هذا هو المعبر الوحيد في القطاع الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، وهو حاليا الطريق الوحيد للدخول والخروج. وتدعو المنظمات الإنسانية إلى فتح المعبر بشكل متكرر للسماح بوصول المساعدات إلى سكان غزة البالغ عددهم أزيد من 2.3 مليون نسمة.

في السابق، كان معبر رفح يستخدم في المقام الأول من قبل الفلسطينيين المسافرين إلى مصر للحصول على الرعاية الطبية أو لأسباب شخصية. ومع ذلك، وبعد إغلاق جميع الحدود الأخرى بسبب الحرب، فقد أصبح الآن نقطة الدخول الوحيدة للمساعدات الإنسانية.

لطالما كانت عملية عبور رفح صعبة بالنسبة للفلسطينيين، الذين يجب عليهم التسجيل لدى السلطات المحلية قبل أسابيع، ويمكن أن يُمنعوا من الدخول دون مبرّر.

يواجه النظام المصري، الذي تعرض لانتقادات حادة بسبب حملة القمع المستمرة لعقد من الزمان ضد المعارضة، اتهامات بتجاهل حقوق الإنسان، حيث يقدر أن يكون هناك نحو 60 ألف سجين سياسي، ويثير القمع المستمر مخاوف متزايدة من هذا النهج.

وتشهد مصر على مر السنوات العشر الأخيرة انتهاكات متزايدة لحقوق الإنسان، إذ تُقمع الحريات الأساسية ويجري التضييق على المجال الإعلامي والمجتمع المدني. ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، تم توثيق عدد كبير من الانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال على خلفية المشاركة في التجمعات السلمية واستخدام القوة المفرطة من جانب السلطات الأمنية.

على مدى السنوات العشر الماضية، شهدت مصر ما يوصف بـ “أسوأ” فترة لحرية الصحافة، حيث تم سجن واحتجاز وقتل العديد من الصحفيين.

لم تستهدف حكومة السيسي الصحفيين فحسب، بل سنّت أيضًا تشريعات قمعية في مجال الإعلام، ودمجت بالقوة وسائل إعلام مستقلة في أجهزتها الإعلامية، بينما أغلقت المنظمات الإعلامية المعارضة، فضلا عن حجب مئات المواقع الإلكترونية، بدعوى مخالفة القوانين، كما جرى سنة 2016 مداهمة مقر نقابة الصحفيين للمرة الأولى في تاريخها.

من الوعود بالرّفاهية إلى الفقر الشديد

بعد عقد من حكم عبد الفتاح السيسي في مصر، يتسارع التدهور الاقتصادي والاجتماعي.

في البداية، قدّم السيسي نفسه كزعيم يهتم برفاهية الشعب، لكن مع مرور الوقت، أصبحت لهجته أكثر تشددًا وتهديدًا تجاه المعارضين. وتتعرض البلاد لضغوط اقتصادية حادة، حيث اضطر السيسي للاقتراض وتنفيذ إجراءات تقشف. وتفاقم غلاء الأسعار بشكل كبير بسبب إلغاء دعم بعض السلع.

وفي هذا السياق الحقوقي المتطرف، تم إخلاء العديد من المواطنين بالقوة من منازلهم، وصادرت الحكومة الأراضي والممتلكات بزعم إقامة مشاريع استثمارية. كما هدّمت حتى المقابر التاريخية.

علاوة على ذلك، كرّس النظام سياسات الخصخصة، وتم بيع الأصول العامة لمستثمرين أجانب.

وقامت الحكومة بقمع احتجاجات العمال ضد هذه السياسات، مما أدى إلى اعتقال وفصل العديد منهم، وألقي بملايين الأسر في غياهب التشرد.

وأهدرت الحكومة أموالا طائلة على بناء عاصمة جديدة، بينما يجد المواطنون صعوبة في شراء المواد الضرورية في الحياة.

لتعزيز قبضته القمعية، شكّل السيسي تحالفات مع الدول الغربية ودول الخليج، الذين قدموا له الدعم. محلياً، حافظ النظام على سيطرة أمنية صارمة بينما تتّسع فجوة الفقر.

يواجه المواطنون المصريون أوضاعا بالغة التعقيد: الفقر وغلاء الأسعار من جهة، والقمع الشديد لحرية التعبير والاحتجاج من جهة ثانية

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة