الهند.. أزمة اللقاحات تجر أزمة سوء التغذية لدى الأطفال

مشاركة المقال

مدار+ مواقع: 08 يونيو/ حزيران 2021

أعلنت حكومة نيودلهي في الأيام الماضية أنها في طريقها إلى رفع القيود المرافقة للإجراءات التي تم اتخاذها بسبب جائحة كوفيد-19، في خطوة اعتبرت استعجالية، خصوصا في ظل أرقام الإصابات التي لم تعرف تراجعا كبيرا، لاسيما مع تحذير علماء مسبقا من أنه في الوضع الحالي من المرتقب أن تضرب موجة ثالثة من كورونا الهند في وقت لاحق من هذا العام، وستؤثر على الأرجح على الأطفال بشكل أكبر.

يأتي هذا في وقت تكافح البلاد من أجل تسريع حملة التطعيم المتأخرة، في وقت لم يستفد من التلقيح سوى 10% من السكان، في ظل تسجيل الهند معدلات إصابات يومية تفوق 100 ألف إصابة.

 وقد واجهت الحكومة الاتحادية في الهند، التي يقودها رئيس الوزراء ناريندرا مودي، انتقادات لعدم تقدمها بطلبيات شراء كبيرة مسبقة، سواء من شركات هندية أو أجنبية مصنعة للقاح.

وانضافت إلى معاناة الشعب الهندي من الأزمة الصحية مجموعة من المشاكل الناتجة عن تدبير الحكومة التي يقودها مودي، والتي أبانت وفق حصيلتها إلى حدود الساعة عن عجز في تدبير الوضع الاقتصادي للبلاد.

السر وراء تناقص وفقدان اللقاحات

تواجه الهند في الوقت الحالي نقصا حادا في اللقاحات، الأمر الذي جعل حكام بعض الولايات يرجعون الأمر إلى حدوث طفرة مفاجئة في الطلب على اللقاح في ظل الطاقة الإنتاجية البطيئة، منذ أن أصبح التطعيم مفتوحا للفئة العمرية ما فوق 18؛ إلا أن هذا الانطباع خاطئ.

وفي وقت أصبح عدد الأشخاص المؤهلين للحصول على التطعيم في تزايد بشكل مستمر، كان هناك انخفاض حاد ومحير في العدد الإجمالي من التطعيمات في ماي/ أيار، ليس فقط مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن أيضا مقارنة بقدرة البلاد على إنتاج اللقاحات؛ وبالتالي فإن الأزمة في اللقاحات لم تنشأ فقط بسبب ارتفاع الطلب، كما هو مفترض بشكل عام، ولكن أيضا من جانب العرض. وفي ظل كل هذا لم تقدم الحكومة بيانات شاملة عن الإنتاج والمخزون من أجل رفع الغموض.

وعرفت الطاقة الإنتاجية للقاح في البلاد في أبريل 85 مليون جرعة في الشهر، من بينها 65 مليون جرعة كوفيشيلد و20 مليونا من لقاح كوفاكسين. وفي وقت لا تعطي الشركة المالكة للقاح كوفيشيلد أي بوادر عن خططها المستقبلية، أعلنت بهارات بيوتيك التي تنتج لقاح كوفاكسين أنها رفعت من طاقها الإنتاجية في ماي/ أيار إلى 30 مليون جرعة، ما يرفع من الإنتاج الشهري إلى 95 مليون جرعة.

وشهد شهر أبريل توزيع 90 مليون جرعة من اللقاحات، تتألف من الإنتاج الشهري والمخزون المتوفر؛ لكن على النقيض من ذلك كان التطعيم في ماي/ أيار أقل بكثير، لاسيما أن متوسط وتيرة التطعيم اليومي كان 1.5 مليون جرعة، لترتفع بشكل طفيف منذ 24 من الشهر نفسه.

وحتى لو افترضنا أن متوسط ​​الجرعات اليومية هو ثلاثة ملايين في الأسبوع الأخير من شهر ماي فإن العدد الإجمالي للجرعات في الشهر سيصبح بذلك 57 مليون جرعة، ما يضعنا أمام انخفاض قدره 33 مليون جرعة عن الشهر الذي سبقه (أبريل/ نيسان)؛ والأخطر من ذلك أن عدد الجرعات التي تم استعمالها في ماي/ أيار انحصر في 38 مليون جرعة.

ويعتبر هذا الوضع محيرا للغاية، فبينما يجب أن يزداد التطعيم بسبب شدة الوباء، نشهد انخفاضا في التطعيمات، فما السبب وراء ذلك؟ إن الحجة القائلة إنه في أبريل كانت هناك كميات مخزنة تم استعمالها بينما في ماي لم تكن هناك مثل هذه الكمية متاحة للاستعانة بها غير قابلة للتصديق، لأنه وبكل بساطة عدد الجرعات التي تم إعطاؤها في ماي أقل بكثير من الطاقة الإنتاجية.

بعبارة أخرى، حتى ومن دون أن يكون هناك أي مخزون متاح كان من المفترض توفير المزيد من اللقاحات (95 مليونا) مقارنة بشهر أبريل (90 مليونا)، وحتى إن لم توسع كوفاكسين من خطط إنتاجها كما هو مخطط في ماي وظلت على نفس مستوى الطاقة الإنتاجية في أبريل (85 مليونا) فإن عدد الجرعات التي يتم تناولها في ماي أقل بكثير مما يجب.

وبدلاً من أن يثير هذا الوضع انزعاجا لدى الحكومة إذا كانت تشعر بالقلق إزاء تأثير الوباء على الناس وضرورة تطعيم جميع السكان في أقرب وقت ممكن، ظلت حكومة ناريندرا مودي صامتة تماما، فحتى المتحدثون باسمها، مثل فينود بول، الذي ألقى اللوم في وقت سابق على حكومات الولايات في أزمة اللقاح، كما كان متوقعا تماما وبشكل غير قانوني، ليس لديه كلمة ليقولوها حول هذا الانخفاض المطلق في عدد الجرعات التي يتم تناولها.

وفي وقت اختارت الحكومة اللجوء إلى الصمت في ظل الوضع الحالي، قامت شركة بهارات بيوتيك بتقديم تفسير ضعيف يشير إلى أن الأمر ناتج عن تأخر ما يقرب من أربعة أشهر بين الإنتاج والعرض في السوق. هذا تفسير ضعيف لأنه إذا كان الوضع متأخرا في بداية الإنتاج فبمجرد بدئه لا يجب أن يكون التأخير بهذا السوء.

صحيح إذا كانت هناك زيادة في الإنتاج فإن ظهور هذه الزيادة في السوق سيستغرق وقتًا، لكن حتى إذا استغرقت الزيادة وقتا لتظهر في السوق يجب أن يظهر الإنتاج القديم على أي حال دون أي انقطاع. لذا فإن حقيقة أن عدد جرعات اللقاح في ماي كان أقل حتى من الطاقة الإنتاجية في أبريل تؤكد ألا علاقة للفترات الزمنية بهذا التأخير.

لا توجد شركة لديها القدرة على الإنتاج وتترك عن عمد هذه السعة غير مستغلة ما لم تكن هناك إمكانية لرفع الأسعار عن طريق القيام بذلك. ومع ذلك، في الحالة الحالية لا يوجد مثل هذا الاحتمال، لأن أسعار المنتجين مهما كانت غير عادلة إلا أنها تبقى ثابتة إلى حد كبير.

في الواقع، تم بيع نصف الإنتاج الذي تم تخصيصه لحكومات الولايات والمستشفيات الخاصة لهذه الأخيرة وحدها، لأن الأسعار التي يتعين دفعها تتجاوز ما يمكن لحكومات الولايات دفعه. لذلك حصلت المستشفيات الخاصة على إمدادات اللقاح على حساب حكومات الولايات، وقامت بتلقيح الأشخاص الذين أجبروا على الانتقال من مرافق التطعيم الحكومية.

لكن في إحصاءات التطعيم، لم يتم تسجيل الجرعات التي تقدمها المستشفيات الخاصة بشكل دقيق، لهذا السبب يبدو أن هناك نقصًا في إعطاء اللقاح. بعبارة أخرى أن جزءا على الأقل من اللقاحات المفقودة هو مجرد لقاحات يتم تحويلها إلى مستشفيات خاصة، لكن لم يتم تسجيلها إحصائيا.

هذا لا يمكن أن يفسر التناقص الكبير لكنه يمكن أن يمثل جزءا منه، ورغم ذلك فإن تداعياته خطيرة، كما أنه يشير إلى وجود خصخصة واسعة النطاق لبرنامج التطعيم، من خلال إجبار الناس على الدفع رغما عنهم بسبب أن الحكومة المركزية تبنت سياسة تمنعهم فعليا من أي مصدر تطعيم حكومي.

927 ألف طفل عانوا من سوء التغذية الحاد في 2020

كشفت البيانات الحكومية أن أكثر من 927 ألف طفل عانوا من مشكل “سوء التغذية الحاد في الهند”، كما أن معظم هؤلاء الأطفال في ولاية أوتار براديش، تليها ولاية بيهار. وقالت وزارة تنمية المرأة والطفل إن أغلب الأطفال هم ممن تتراوح أعمارهم بين ستة أشهر وست سنوات في جميع أنحاء البلاد، وفق البيانات المتوفرة إلى حدود نونبر من العام الماضي.

وتعرّف منظمة الصحة العالمية (WHO) “سوء التغذية الحاد” (SAM) من خلال الوزن المنخفض جدا مقابل الطول، أو الهزال الشديد المرئي، أو وجود وذمة غذائية. كما أن سوء التغذية وفق المنظمة ذاتها بشكل مباشر أو غير مباشر مسؤول عن 35٪ من الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة.

ومن بين الأطفال الذين تم تشخيص “سوء التغذية الحاد” لديهم، تم إحصاء 398359 في ولاية أوتار براديش و279427 في ولاية بيهار. ومع ذلك فهذه ليست البيانات الكاملة للهند، لأنه لا يوجد أي من مراكز أنغانوادي– مراكز حكومية خاصة بالقضاء على الجوع –التي يمكن أن تبلغ عن أي أطفال يعانون من “سوء التغذية الحاد” في ولايات لاكشاد ويبوناغالاند ومانيبور وماديا براديش.

تم التعرف على عدد الإصابات بعد أن طلبت وزارة تنمية المرأة والطفل العام الماضي من جميع الولايات والأقاليم تحديد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد لإحالتهم المبكرة على المستشفيات، وقد تم تنفيذ عملية تحديد الهوية من قبل أكثر من 10 مراكز أنغانوادي.

هناك قلق من أن العدد الحالي للأطفال الذين يعانون من “سوء التغذية الحاد” قد يرتفع بسبب مخلفات الجائحة، التي من شأنها أن تؤثر بشكل متزايد على صحة الأطفال. وقال إيناكشي جانجولي، الشريك المؤسس لمركز HAQ لحقوق الطفل: “هناك ارتفاع في معدلات البطالة، وارتفاع في الأزمة اقتصادية، لذا لا بد أن تكون لذلك تداعيات على الجوع…عندما يكون هناك جوع يكون هناك سوء تغذية”.

في حديثه لأحد المنابر، أكد دولا موهاباترا، المدير التنفيذي لـ “من أجل النهوض ضد الجوع في الهند”، أن كوفيد-19 يمكن أن يزيد من مستويات سوء التغذية، خصوصا مع تقلص التنوع الغذائي وانخفاض المدخول؛ وفي حين أشار إلى أن حلول سوء التغذية يجب أن تكون في كل من الرعاية المنزلية والرعاية في المرافق، قال إن الأنظمة التي تديرها الحكومة لا يتعين عليها فقط ضمان الإمداد المناسب بالحصص الغذائية للأسر، ولكن وجب توفير التعليم والدعم الضروريين.

ويسلط أحدث تقرير، نُشر في ماي/ أيار من هذا العام من قبل الخبيرين الاقتصاديين جان دريز وأنمولسومانتشي، الضوء على أن الفترة بين أبريل وماي 2020 ارتبطت بأزمة غذائية هائلة في البلاد، حيث كافح قسم كبير من السكان لإطعام أسرهم، كما انخفض تناول الغذاء من الناحيتين النوعية والكمية لغالبية السكان.

 وأشار التقرير إلى أن الأزمة أدت إلى انخفاض حاد في استهلاك الأطعمة المغذية، بما في ذلك المواد غير النباتية، في حين شهدنا بعض الانتعاش بعد يونيو 2020، واستمرت مستويات التوظيف والدخل والتغذية دون المستوى إلى غاية ما قبل الإغلاق بحلول نهاية العام.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة