الكويت: كوزيت، إيلينا، أوليفر، وجرّاح

مشاركة المقال

تقدمي/ مدار: 08 حزيران/ يونيو 2021

عبد الهادي الجميل*

” الشقاء ندبة في الروح، ان بدأت في الطفولة فستستمر العمر كله”. بهاء طاهر

في عام 1799م كان عمر روبرت بلينكو 5 أعوام عندما فقد أبويه، فتم بيعه إلى مالك مصنع في لندن استغلّه في تنظيف فوهات المداخن. ثم عمل في مصنع غزل حيث التهمت إحدى الآلات بعض أصابعه، ورغم ذلك تم إجباره على العمل في جمع القمامة. كان روبرت، وبقية أقرانه، يتعرضون للتعذيب القاسي لأتفه الأسباب، فحاول التخلص من حياته غير مرة.
وعندما أصبح شابا، نُشرت قصته كسيرة ذاتية نجحت في تسليط الأضواء على معاناة الأطفال، فثار غضب المجتمع وانتفضت ضمائر الإنجليز، فاضطرت الحكومة البريطانية للتحرّك الجاد لتشريع القوانين التي تحمي الطفولة وتمنع استغلال الأطفال.

يُعتقد أن تشارلز ديكنز بنى شخصية”أوليفر تويست”الشهيرة على قصة روبرت بلينكو.

لم تغب قضايا الطفولة ومعاناة الأطفال عن الأعمال الروائية العالمية منذ ظهور فن الرواية في القرن الـ 18.
في رأيي، أنّ أفضل من وصف معاناة الأطفال روائيا، هما فيكتور هوغو في رواية ”البؤساء” وفيودور دوستويفسكي في رواية ”مُذلّون مُهانون”.

في ”البؤساء” تزوجت الشابة فانتين رجلا ادّعى حبّه لها. وعندما حملت بـ كوزيت هجرها وتركها دون معيل. وبعد الولادة قررت الأم أن تودِع كوزيت عند زوجين يديران فندقا في بلدة نائية، وتعهدت لهما بأن تتكفّل بمصاريفها بالإضافة إلى مبلغ إضافي لهما نظير رعاية كوزيت.

اضطرت فانتين للعمل في الدعارة لتأمين تلك المصاريف ولم تكن تعلم بمدى قسوة وجشع الزوجين، فقد كانا يصرفان أموال كوزيت على مصالحهما الخاصة دون أن يعتنيا بها.

بعد فترة قصيرة، توفيت فانتين، فقام الزوجان البغيضان بإجبار كوزيت، ابنة الـ 8 أعوام، على تنظيف الفندق يوميا وتلبية طلبات النزلاء نهارا، وفي المساء تقوم بحياكة الملابس وتنظيف المنزل وخدمة ابنتيهما، وهي ظروف مشابهة لظروف سندريلا في القصة المشهورة.

وفي رواية “مُذلّون مُهانون” عانت الطفلة إيلينا من ظروف بائسة جدا. فقد هجر أبوها أمّها وهي حبلى. وبعد أن أنجبتها اضطرت الأم للتسول كي تستطيع توفير الغذاء لإيلينا الرضيعة.

تقع الأم وطفلتها تحت رحمة صاحبة السكن الجشعة التي لا تتوقف عن طلب المزيد من المال. تموت الأم وتترك إيلينا لوحدها، فتقوم العجوز القاسية باستغلالها في كسب المال عبر التسول.

عانت إيلينا كثيرا قبل أن تفارق الحياة وهي في الـ 12 من عمرها. وهو عمر الطفل” جرّاح عايد” الذي مات، قبل يومين، تحت عجلات سيارة عابرة خلال بيعه الورود تحت الشمس المحرقة.

كانت حياة جراح، رغم قصرها الشديد، عبارة عن سلسة بؤس وفقد لا تُحتمل أبدا، فَقَدَ طفولته أولا ثم وطنه ثم مستقبله وأخيرا فقد حياته.

عبقرية هوغو ودوستويفسكي وديكنز الفذة عجزت عن خلق طفولة بائسة تشبه أو تقترب حتى مما احتوته طفولة جرّاح!
العقلية العنصرية الكويتية تفوقت وبكل وضوح على مخيّلة عباقرة الأدب الإنساني العالمي، فجعلت بؤس وشقاء طفولة كوزيت وإيلينا وأوليفر أمرا تافها وسطحيا جدا قياسا ببؤس وشقاء أطفال البدون.

*عن الموقع الإلكتروني للحركة التقدمية الكويتية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة