المراسلة 29: واشنطن تقرع طبول تغيير النظام لكن كوبا تستجيب لإيقاعها الثوري الخاص

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 16 أيلول/ سبتمبر 2021

فيجاي براشاد

المحافظ دافو (هايتي) ، الجنرال كانسون ، 1950.

أصدر الكاتب الترينيدادي سيريل ليونيل روبرت جيمس عام 1963 طبعة ثانية من دراسته الكلاسيكية لعام 1938 عن الثورة الهايتية، اليعاقبة السود: توسان لوفرتور وثورة سان دومينغو. في الطبعة الجديدة، كتب جيمس ملحقا بعنوان ذي مغزى: “من توسان لوفرتور إلى فيدل كاسترو”. في الصفحة الافتتاحية للملحق، حدد ثورتي هايتي (1804) وكوبا (1959) التوأمتين في سياق جزر الهند الغربية: “الأشخاص الذين صنعوها، المشاكل ومحاولات حلها، متعلقة بالهند الغربية بشكل خاص، هي نتاج أصل خاص وتاريخ خاص”.

يكرر جيمس استخدام كلمة “خاص” ثلاث مرات (Peculiar في النص الإنجليزي)، وتنبثق من الكلمة اللاتينية Peculiaris التي تعني “الملكية الخاصة”  (Pecu هي الكلمة اللاتينية التي تعني “الماشية”، وهي جوهر الملكية القديمة).

تقع الملكية في قلب أصل وتاريخ جزر الهند الغربية الحديثة. بحلول نهاية القرن السابع عشر، قام الغزاة والمستعمرون الأوروبيون بارتكاب مذابح في حق سكان جزر الهند الغربية. في سانت كيتس عام 1626، ذبح المستعمرون الإنجليز والفرنسيون ما بين ألفين وأربعة آلاف كاريبي – بما في ذلك الزعيم تيغريموند – في إبادة كاليناغو الجماعية، التي كتب عنها جان بابتيست دو ترتر في عام 1654. بعد أن قضوا على السكان الأصليين للجزيرة، جلب الأوروبيون الرجال والنساء الأفارقة الذين تم أسرهم واستعبادهم. ما يوحد جزر الهند الغربية ليس اللغة والثقافة، بل هو بؤس العبودية المتجذر في اقتصاد المزارع القمعي. تعتبر كل من هايتي وكوبا نتاجا لهذه “الخصوصية”، إذ كانت الأولى جريئة بما يكفي لكسر الأغلال عام 1804 والأخرى قادرة على اللحاق بها بعد قرن ونصف.

أوسموند واتسون (جامايكا)، حياة المدينة، 1968

الأزمة هي واقع الحال اليوم في منطقة البحر الكاريبي

في 7 يوليوز، اقتحم مسلحون منزل الرئيس جوفينيل مويس خارج العاصمة الهايتية بورت أو برنس، واغتالوه بدم بارد، قبل أن يلوذوا بالفرار. وبذلك فقد دخلت البلاد – التي مزقتها بالفعل الاضطرابات الاجتماعية التي أثارتها سياسات الرئيس الراحل – الآن في أزمة أشد عمقا. وكان مويس مدد بالفعل ولايته الرئاسية بشكل قسري إلى ما بعد الفترة القانونية، حيث كافحت البلاد أعباء الاعتماد على الوكالات الدولية، وحاصرتها الأزمة الاقتصادية التي استمرت قرنا من الزمان، وضربها الوباء بقوة.

 وأصبحت الاحتجاجات أمرا شائعا في جميع أنحاء هايتي، حيث ارتفعت أسعار كل المشتريات بشكل صاروخي، ولم تقم أي حكومة فعالة بتقديم المساعدة للسكان الذين هم في حالة يأس. لكن مويس لم يقتل بسبب هذه الأزمة المتزامنة مع وفاته. هناك قوى أكثر غموضا تعمل في هذه المنطقة: الزعماء الدينيون الهايتيون المقيمون في الولايات المتحدة، وتجار المخدرات والمرتزقة الكولومبيون. من الأفضل كتابة هذه القصة باعتبارها قصة تندرج ضمن الإثارة الخيالية.

بعد أربعة أيام من اغتيال مويس، شهدت كوبا مجموعة من الاحتجاجات من الناس الذين أعربوا عن إحباطهم من النقص في البضائع والارتفاع الأخير في عدد الإصابات بفيروس كورونا. في غضون ساعات من تلقي نبأ اندلاع الاحتجاجات، نزل الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل إلى شوارع سان أنطونيو دي لوس بانيوس، جنوب العاصمة هافانا، للمشاركة في مسيرة مع المحتجين. قام دياز كانيل وحكومته بتذكير 11 مليون كوبي بأن البلاد عانت بشدة من الحصار الأمريكي غير القانوني، المستمر منذ ستة عقود، وأنها في قبضة  “الإجراءات القسرية” الإضافية البالغ عددها 243 التي قررها ترامب، وأنها ستقاوم المشاكل المزدوجة لفيروس كورونا المستجد وأزمة الديون بعزيمتها الفريدة.

رغم ذلك، قامت حملة مغرضة على وسائل التواصل الاجتماعي بمحاولة استخدام هذه الاحتجاجات كإشارة إلى ضرورة الإطاحة بحكومة دياز كانيل وبالثورة الكوبية. واتضح بعد أيام قليلة أن هذه الحملة انطلقت من ميامي بفلوريدا في الولايات المتحدة. من واشنطن العاصمة، دقت طبول تغيير النظام بصوت عال، لكنها لم تجد الكثير من الصدى في كوبا. تمتلك كوبا إيقاعاتها الثورية الخاصة.

إدواردو أبيلا (كوبا) ، لوس غواخيروس (1938).

في عام 1804، أشعلت الثورة الهايتية – ثورة بروليتاريا المَزارع التي ضربت المصانع الزراعية التي تنتج السكر والأرباح – شرارة الحرية عبر العالم المستعمر. بعد قرن ونصف، أشعل الكوبيون شرارتهم الخاصة.

كان الرد على كل من هذه الثورات من أقطاب باريس وواشنطن الرجعية هو نفسه: خنق أنفاس الحرية عن طريق التعويضات والحصار. في عام 1825، طالب الفرنسيون عبر استعمال القوة الهايتيين بدفع 150 مليون فرنك كمقابل عن ضياع الممتلكات (أي البشر). شعر الهايتيون، الذين كانوا لوحدهم في منطقة البحر الكاريبي، بأنهم ليس لديهم خيار سوى الدفع، وهو ما فعلوه لفرنسا (حتى عام 1893) ثم للولايات المتحدة (حتى عام 1947). بلغ إجمالي الفاتورة على مدى 122 عاما 21 مليار دولار. عندما حاول رئيس هايتي جان برتران أريستيد استعادة تلك المليارات من فرنسا عام 2003، تمت إزالته من منصبه عبر انقلاب عسكري.

بعد احتلال الولايات المتحدة كوبا عام 1898، أدارت الجزيرة كباحة للعصابات. تم سحق أي محاولة من قبل الكوبيين لممارسة سيادتهم بقوة رهيبة، بما في ذلك عمليات الغزو التي قامت بها القوات الأمريكية في 1906-1909 و1912 و1917-1922 و 1933. دعمت الولايات المتحدة الجنرال فولغينسيو باتيستا (1940-1944 و 1952-1959) رغم كل الأدلة التي تؤكد وحشيته. في نهاية المطاف، كان باتيستا يقوم بحماية المصالح الأمريكية وامتلكت الشركات الأمريكية ثلثي صناعة السكر في البلاد وقطاع الخدمات بأكمله تقريبا.

وقفت الثورة الكوبية لعام 1959 ضد هذا التاريخ البائس – تاريخ العبودية والسيطرة الإمبريالية. كيف كان رد فعل الولايات المتحدة؟ فرض حصار اقتصادي منذ 19 أكتوبر 1960 حتى يومنا هذا على البلاد، استهدف كل شيء، من الوصول إلى الإمدادات الطبية والغذاء والتمويل إلى حظر الواردات الكوبية وإجبار الدول الأخرى على فعل الأمر نفسه. إنه هجوم انتقامي ضد شعب يحاول – مثله مثل الهايتيين – ممارسة سيادته.

 أفاد وزير الخارجية الكوبي برونو رودريغيز بأنه بين أبريل 2019 ودجنبر 2020، خسرت الحكومة 9.1 مليار دولار بسبب الحصار (436 مليون دولار شهريا)، وقال إنه “بالأسعار الحالية، بلغت الأضرار المتراكمة خلال ستة عقود أكثر من 147.8 مليارات دولار، وفي مقابل سعر الذهب فهي تزيد عن 1.3 تريليون دولار”.

لم تكن أي من هذه المعلومات لتتاح دون وجود وسائل الإعلام مثل “بيبلز ديسباتش“، التي تحتفل هذا العام بمرور ثلاث سنوات على تأسيسها. نرسل أحر تحياتنا إلى الفريق ونأمل أن تقوموا بوضع إشارة مرجعية على صفحتهم لزيارتها عدة مرات يوميا من أجل الإطلاع على أخبار العالم المترسخة في نضالات الشعوب.

برناديت بيرسود (غيانا) ، السادة تحت السماء (حرب الخليج) ، 1991.

في 17 يوليوز، خرج عشرات الآلاف من الكوبيين إلى الشوارع للدفاع عن ثورتهم والمطالبة بإنهاء الحصار الأمريكي. وقال الرئيس دياز كانيل إن كوبا “المحبة والسلام والوحدة والتضامن” أثبتت نفسها. تضامنا مع هذا التأكيد القاطع، أطلقنا دعوة للمشاركة في معرض دع كوبا تعيش (Let Cuba Live). الموعد النهائي للتقديم هو 24 يوليوز لإطلاق المعرض على الإنترنت في 26 يوليوز – الذكرى السنوية للحركة الثورية التي نتجت عنها ثورة كوبا في عام 1959 – لكننا نشجع طلبات الترشيح المستمرة. إننا ندعو فنانين ومناضلين عالميين للمشاركة في هذا المعرض الطارئ حيث نواصل توسيع حملة LetCubaLive# لإنهاء الحصار.

قبل أسابيع قليلة من الهجوم الأخير على كوبا والاغتيال الذي تم في هايتي، أجرت القوات المسلحة الأمريكية مناورات عسكرية كبيرة في غيانا تحت اسم “ترايد ويندز 2021“، ومناورات أخرى في بنما تحت اسم “باناماكس 2021“. تحت سلطة الولايات المتحدة، قامت مجموعة من الجيوش الأوروبية (فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة) – لكل منها مستعمرات في المنطقة – بالانضمام إلى البرازيل وكندا لإجراء مناورات “تريدويندز” مع سبع دول كاريبية (جزر الباهاما وبليز وبرمودا وجمهورية الدومينيكان وغيانا وجامايكا وترينيداد وتوباغو).

 في استعراض للقوة، طالبت الولايات المتحدة إيران بإلغاء حركة سفنها إلى فنزويلا في يونيو قبل بدء المناورات العسكرية التي ترعاها.

إن الولايات المتحدة حريصة على تحويل منطقة البحر الكاريبي إلى بحر لها، وإخضاع سيادة الجزر لسلطتها. لقد كان من الغريب أن قال رئيس وزراء غيانا مارك فيليبس إن هذه المناورات الحربية التي تقودها الولايات المتحدة تعزز “نظام الأمن الإقليمي لمنطقة البحر الكاريبي”. ما يفعلونه، كما يُظهر ملفنا الأخير حول القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية في إفريقيا، هو إخضاع دول الكاريبي لمصالح الولايات المتحدة. تستخدم الولايات المتحدة تواجدها العسكري المتزايد في كولومبيا وغيانا لزيادة الضغط على فنزويلا.

إلسا غرامكو (فنزويلا) ، ثقب المفتاح، 1964.

النهج الإقليمي السيادي ليس غريبا على منطقة البحر الكاريبي، حيث تم إجراء أربع محاولات لبناء منصة: اتحاد جزر الهند الغربية (1958-1962) ورابطة التجارة الحرة لمنطقة البحر الكاريبي (1965-1973) والجماعة الكاريبية (1973-1989) وكاريكوم (1989 حتى الوقت الحاضر). ما بدأ كاتحاد مناهض للإمبريالية تحول الآن إلى اتحاد تجاري يحاول دمج المنطقة بشكل أفضل في التجارة العالمية. تدور سياسات منطقة البحر الكاريبي بشكل متزايد في فلك الولايات المتحدة. عام 2010، أنشأت الولايات المتحدة مبادرة الأمن الأساسية لمنطقة البحر الكاريبي، التي تتولى واشنطن صياغة أجندتها.

عام 2011، كرر صديقنا القديم شريداث رامفال، وزير خارجية غيانا من عام 1972 إلى عام 1975، كلمات القائد الغرينادي الراديكالي العظيم تي آي ماريشو: “يجب أن تكون جزر الهند الغربية هندية غربية”؛ وفي مقالته “هل جزر الهند الغربية هندية غربية”، أصر على أن التهجئة الواعية لـ” The West Indies” ( المقابل الإنجليزي لجزر الهند الغربية) بحرف “T” كبير تهدف إلى الإشارة إلى وحدة المنطقة. بدون الوحدة، سوف تسود الضغوط الإمبريالية القديمة كما هو الحال في كثير من الأحيان.

في عام 1975، نشرت الشاعرة الكوبية نانسي موريخون قصيدة تاريخية بعنوان موخير نيجرا (Mujer Negra) (“المرأة السوداء”). تستهل القصيدة بالحديث عن التجارة الرهيبة للبشر من قبل المستعمرين الأوروبيين، وتتطرق إلى حرب الاستقلال ثم تنتهي على الثورة الكوبية الرائعة لعام 1959:

نزلت من سييرا

للقضاء على رأس المال والمرابين،

على الجنرالات والبرجوازيين.

أنا موجود الآن: اليوم فقط نملك، نخلق.

لا شيء غريب علينا.

الأرض لنا.

البحر والسماء لنا،

السحر والرؤية.

يا أبناء شعبي، ها أنا أراكم ترقصون

حول الشجرة التي نزرعها للشيوعية.

يتردد صدى خشبها المبجل بالفعل منذ الآن.

الأرض لنا. السيادة لنا أيضا. إن مصيرنا ليس أن نعيش ككائنات تابعة للآخرين. هذه هي رسالة موريخون والشعب الكوبي الذي يبني حياته السيادية، وهي رسالة شعب هايتي الذي يريد النهوض بثورته العظمى لعام 1804.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة