الجوع يطارد الولايات المتحدة

مشاركة المقال

مدار: 16 أيلول/ سبتمبر 2021

بقلم كي بريتسكر ويوجين بوريير*

قام برنامج الوحدة والبقاء التابع لمركز “التحرير بفيلادلفيا” بتقديم دعم غذائي أساسي للسكان الذين يجدون صعوبة في الحصول على الغذاء، ويكافحون من أجل البقاء في ظل الفوضى التي تسببت فيها الجائحة. ويوضح نجاح هذه المبادرة أن مشكلة الجوع التي تطارد الولايات المتحدة يمكن حلها بالإرادة السياسية الصحيحة.

وفقا للأمم المتحدة فإن العالم ينتج ما يكفي من الغذاء لإطعام 10 مليارات شخص، لكن هذا العام كان استثنائيا، وأبرز مثال على ذلك هو أنه في الولايات المتحدة، أغنى دولة في العالم، عانت أسرة واحدة من كل ثلاث أسر أمريكية ممن لديهم أطفال من الجوع. بل إنه حتى قبل الوباء، وبالضبط عام 2019، كشفت الإحصائيات الرسمية لوزارة الزراعة الأمريكية (USDA) أن 35 مليون شخص يعانون من الجوع – 10 ملايين منهم من الأطفال.

لقد كانت جائحة كوفيد-19 وراء ازدياد تدهور الأوضاع، إذ أصبح حتى أولئك الذين كانوا يشعرون “بالأمان” في ما يخص تناول الطعام عرضة للخطر، في مجتمع حيث الطعام لم يعد حقا من حقوق الإنسان ولكنه سلعة يتم شراؤها، ما يطرح سؤال كيف من المفترض أن يأكل الناس إذا لم يتمكنوا من العمل؟.

الجواب قصير: لن يفعلوا. فبسبب عدم تلقيهم أي مساعدة تقريبا من الحكومة الفيدرالية، بالإضافة إلى تسريح ملايين العمال في الولايات المتحدة، وجد الناس أنفسهم فجأة، بين عشية وضحاها، يتساءلون من أين سيأتون بوجبتهم التالية. لقد أُجبرت العائلات على الاختيار بين شراء الأدوية المنقذة للحياة أو شراء ما يكفي من الطعام لإطعام أسرهم.

حملت أوائل صيف عام 2021 معطى خطيرا للأمريكيين، إذ قام 63 مليون شخص في الولايات المتحدة بتبليغ المحققين الحكوميين بأنهم غير قادرين على دفع نفقاتهم المنزلية المعتادة، كما أنهم لم تعد لهم الاستطاعة لتدبير التوازن بين الطعام والإيجار، وأيضا أصبحوا عاجزين عن أداء قروض التعليم والأدوية.

بالإضافة إلى ما سبق، هناك تباين في الآثار الناجمة عن الجائحة، إذ كان البالغون من السود أكثر عرضة لخطر الجوع بثلاث مرات، كما كان البالغون اللاتينيون أكثر عرضة بمرتين من البالغين البيض للإبلاغ عن عدم كفاية الغذاء.

النضال من أجل البقاء

كان هذا هو السياق المستهدف من وراء إطلاق برنامج الوحدة والبقاء في مدينة فيلادلفيا، وهو مثال واقعي ومتداول لنوع “برامج المساعدة المتبادلة” التي ظهرت في جميع أنحاء الولايات المتحدة في خضم الوباء. لقد تمحورت المبادرة التي أطلقها مركز التحرير بفيلادلفيا حول الوفاء بالواجبات التي فشلت الحكومة في القيام بها خلال الوباء العالمي. كانت لهذا البرنامج مهمة مباشرة تمثلت في: تحديد سكان فيلادلفيا الذين كانوا يكافحون للحصول على الطعام وتسليم بعض المواد لهم، في سبيل بناء شبكة مجتمعية أكثر كثافة للتعبئة من أجل الدفاع عن الحق في الحياة.

كانت الشبكة المكلفة بالتوصيل – على وجه الخصوص – عنصرا حاسما في البرنامج، وفق ما لاحظت نيلدا – إحدى المنظمات المتطوعات: “كانت هناك درجة عالية من الخوف وعدم اليقين والإحجام من جانب العديد من السكان، ليس فقط في هذا الحي ولكن أنا متأكدة في جميع أنحاء المدينة والدولة، مخافة تعريض أنفسهم لفيروس كوفيد-19. ومع وجود العديد من كبار السن والأشخاص الذين يعانون من حالات صحية مزمنة في المنطقة، شعرنا بأننا بحاجة ليس فقط إلى تنظيم الإمدادات، ولكن أيضا إلى شبكة لتوزيعها”.

في البداية، ارتأى القائمون على برنامج الوحدة والبقاء تسهيل الاستفادة من التبرعات الغذائية من خلال إنشاء حسابات Gofundme لدفع ثمن البقالة، وبذلك أصبح Gofundme وسيلة شائعة يستعملها الناس لتمويل الاحتياجات الأساسية، مثل الغذاء والتكاليف الطبية أثناء الوباء، نظرا لأن الدعم الحكومي لم يكن كافياً. وقدم برنامج الوحدة والبقاء مساعدة حاسمة للأسر التي كانت في أوضاع محفوفة بالمخاطر خلال الفترة الأولى من الجائحة، التي حصد فيها البرنامج اهتماما ودعما على الصعيد الوطني.

متطوعو برنامج الولايات المتحدة يقفون إلى جانب الصناديق أثناء تعبئة السلع للتوزيع. الصورة: مركز التحرير بفيلادلفيا

في غضون أشهر، لفت برنامج الوحدة والبقاء انتباه المنظمات غير الربحية في المدينة، التي بدأت في التبرع بصناديق الطعام، ما أدى إلى زيادة كبيرة في كمية الطعام التي يتم تسليمها. كما وسع البرنامج نطاق اشتغاله من خلال الاستعانة بأفراد من مجتمعات مختلفة للانضمام إلى فرق التوصيل.

حدد القائمون على برنامج الوحدة والبقاء قادة المجتمع والمتلقين لصناديق الطعام الذين كانوا مهتمين بدعم هذا برنامج وجعلوهم “رؤساء بلوكات”. كان قادة البلوكات مسؤولين عن التأكد من توصيل صناديق الطعام مع البقالة إلى أحيائهم، وبالتالي ضاعف البرنامج من مدى وصوله إلى الأشخاص المحتاجين.

أحد العوامل الملحوظة في الشبكة التي تم إنشاؤها من “رؤساء البلوكات” هو أهمية الوجه المألوف والموثوق به، الذي كان له دور مهم في المساعدة على التغلب على التردد الذي يأتي جنبا إلى جنب مع طلب المساعدة في مجتمع يتمتع بروح فردية للغاية. وقد لاحظ رئيس أحد البلوكات “Boogie” ما يلي: “هدفي الأكبر عند توزيع الطعام هو أن يحصل الناس على الموارد التي يحتاجون إليها دون أن تكون لديهم مشاعر بأن هناك أي أحكام مترتبة عن ذلك، ودون وجود أي نوع من العوائق”.

متطوع في مركز التحرير بفيلادلفيا يقف مع أحد الجيران بعد التوزيع. الصورة: مركز التحرير بفيلادلفيا

كان باستطاعة مركز التحرير أيضا حشد الدعم من المنظمات المجتمعية التي عمل معها في الماضي في مجموعة متنوعة من النضالات الاجتماعية؛ على سبيل المثال، تعاون مع شبكة النضال المجتمعي Norris Square، النشطة في النضالات ضد ترحيل السكان، كما وصل أيضا إلى المجتمع الديني من خلال شراكة مع كنيسة La Vid Verdadera، إذ كان أعضاء مركز التحرير يعملون في تعليم المهاجرين من أمريكا الوسطى كجزء من برنامج تعليم مجتمعي مشترك: Escuelita Óscar Romero.

وقام مركز “فيلي ليبراسيون” بوضع تقدير جاء فيه أن البرنامج قدم 100000 وجبة حتى الآن، وهو رقم مازال يتزايد كل أسبوع. في ذروة الجائحة، كان البرنامج يقدم خدمات لـ1000 أسرة كل أسبوع، وفي الوقت الحالي أصبح العدد 750 أسرة، ما يؤكد استمرار الجوع حتى مع التخفيف الطفيف الذي شهده الوباء في الولايات المتحدة.

كما قال مايك، وهو أحد القائمين على البرنامج: “لقد أصبحنا الآن قادرين على ضمان تدفق مستمر من المواد الغذائية والإمدادات، وهو أمر مذهل لأنه قبل خمسة أشهر فقط كانت الموارد التي تحت تصرفنا محدودة للغاية، وقد وصلنا الآن إلى نقطة يمكننا فيها أن نتطلع إلى تنمية هذا البرنامج بشكل أكبر”.

من أجل تغيير النظام وليس صدقة

كان أعضاء مركز التحرير بفيلادلفيا فخورون بالمنصة الذي بنوها، لكنهم أبدوا جميعا الملاحظات نفسها المتعلقة بنقاط الضعف: لم تكن للبرنامج القدرة الكافية على مواجهة حجم المشكلة، فرغم قدرته على إطعام عشرات الآلاف من الأشخاص في فيلادلفيا، إلا أن هناك عشرات الملايين ممن يعانون من الجوع في الولايات المتحدة. يعطينا برنامج الوحدة والبقاء لمحة عما هو ممكن، ولكن يجب أن يتم توسيع نطاقه، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تبني سلطات الدولة لهذه المبادرات لضمان استفادة الجميع والحد بشكل كبير من الفقر بكل أشكاله. أظهر البرنامج أن سكان فيلادلفيا مستعدون وراغبون في العمل من أجل السيادة الغذائية في مدينتهم، لكن ما ينقصهم هو الإرادة السياسية.

هذا هو السبب في أن برنامج الوحدة والبقاء يتحدى ويواجه باستمرار من خلال أدبياته وتوعيته فكرة أنه يمكن شراء الطعام وبيعه من أجل الربح، نظرا إلى أن هذا هو سبب وجود الجوع في المقام الأول.

ميكا وهي متطوعة في مركز التحرر بفيلادلفيا تقف مع نيلدا من شبكة العمل المجتمعي نوريس سكوير. الصورة: مركز التحرر بفيلادلفيا

من الأشياء التي كانت واضحة ومتداولة للأسف خلال ذروة الوباء العام الماضي مقاطع الفيديو التي انتشرت لمزارعين وهم يرمون الحليب غير المباع، ويسحقون الخضراوات غير المرغوب فيها بالجرارات، وذلك راجع إلى أنه من منظور نظام يركز على الربح كانت المحاصيل عديمة القيمة لأنها لا يمكن بيعها.

يصبح تدمير المحاصيل منطقيا إذا كان الهدف من وراءه هو تعظيم الأرباح، لكن ليس من المنطقي أن يكون هدفك هو القضاء على الجوع. لا يوجد حافز لإنشاء هياكل مستدامة لإنتاج الغذاء وتوصيله في ظل الرأسمالية، في الواقع 40% من جميع المواد الغذائية المنتجة في الولايات المتحدة ينتهي بها المطاف في سلة المهملات.

بالتفكير في هذه الحقائق، قال Hope، وهو متطوع آخر في البرنامج، لموقع BreakThrough:

“كما تعلمون، لهذا السبب نحن اشتراكيون. فنحن نؤمن بأن الطبقة العاملة وحدها هي التي يمكنها الاعتناء بنفسها، فالبرجوازية لن تتعامل فجأة بلطف وتقرر أن تكون خيرة، لن يحدث ذلك إلا إذا كان الهدف من وراءه الحفاظ على أنفسهم”.

إن وضع حد للجوع، كما يؤكد برنامج الوحدة والبقاء، لا يمكن أن يكون ممكنا إلا من خلال تبني نظام اجتماعي اقتصادي يهدف إلى تحقيق أقصى قدر من الرفاهية البشرية، وليس الربح لعدد قليل.

*: “الجوع في العالم” هو سلسلة ساهم في إنتاجها كل من: “آ إر جي ميديوس“، “برازيل دي فاتو“، “بريك ثرو نيوز“، “مدار“، نيو فرايم” “نيوز كليك” و “بيبلز ديسباتش“.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة