معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 07 أيلول/ سبتمبر 2021
فيجاي براشاد
شهدت الأيام الأولى من شهر يونيو 2021 قيادة الجيش الأمريكي مناورات عسكرية كبيرة في القارة الإفريقية، وذلك في إطار عملية “الأسد الإفريقي 21”. وقال الجنرال أندرو روهلينج، الذي يمثل فرقة عمل جنوب أوروبا التابعة للجيش الأمريكي، إن هذه المناورات كانت “الأكبر في تاريخ القارة الإفريقية”.
إن مناورات الأسد الإفريقي، التي تم تنظيمها لأول مرة في المغرب عام 2002 – حسب تعبير القادة الأمريكيين في إفريقيا – هي بمثابة تدريب سنوي مشترك يتناول مجالات عدة، ويضم جنسيات مختلفة، كما أنها، حسب الجانب الأمريكي، تعمل على مواجهة الأنشطة الخبيثة في شمال إفريقيا وجنوب أوروبا في سبيل زيادة التنسيق المشترك بين الولايات المتحدة والشركاء الأفارقة والدوليين، من أجل الدفاع ومجابهة العدوان العسكري للعدو.
وعرفت مناورات الأسد الإفريقي لهذا العام مشاركة قوات عسكرية من 21 دولة، بما فيها البرازيل وكندا ومصر وإيطاليا وليبيا وهولندا والمملكة المتحدة، وجرت في كل من المغرب والسنغال وتونس. كما شارك في هذه التدريبات العسكرية ما يزيد عن 7000 جندي تحت قيادة القيادة الأمريكية في إفريقيا، بمساعدة من منظمة حلف الشمال الأطلسي (الناتو).
وبالإضافة إلى الجنرال روهلينج فقد تم إجراء التدريبات تحت قيادة الجنرال فاروق بلخير، وهو قائد المنطقة الجنوبية بالقوات المسلحة الملكية المغربية، الذي من المهم أن نعرف أن ولايته تشمل أيضاً الصحراء الغربية. في العاشر من كانون ثاني \ ديسمبر 2020 عرض الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب على المغرب الاعتراف بمغربية الصحراء في مقابل أن يطبع العلاقات مع الكيان الصهيوني. إن بيان ترامب حول موقفه من الصحراء الغربية يتعارض مع مقررات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك القرار 1514 (XV) لعام 1960 الذي يؤكد على حق جميع الشعوب من المستعمرات السابقة في تقرير مصيرها، كما يتعارض مع قرار 34/37 من عام 1979، الذي يعالج هذه القضية ويدعو صراحة إلى تقرير المصير.
أصدر معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي هذا الشهر، بتنسيق مع الحركة الاجتماعية لمجموعة الأبحاث في غانا، الملف رقم 42 (تموز\يوليو 2021) تحت عنوان دفاعاً عن سيادتنا: القواعد العسكرية في إفريقيا ومستقبل الوحدة الإفريقية. لقد حاول هذا الملف تسليط الضوء على تنامي الوجود العسكري الغربي في القارة الإفريقية، مع التركيز بشكل خاص على الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا. إن لدى المتحدة الأمريكية وحدها 29 منشأة عسكرية معروفة في 15 دولة، في حين تمتلك فرنسا قواعد في 10 دول. ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة وفرنسا لديهما التواجد العسكري الأكبر في القارة الإفريقية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تملك اليد العليا من حيث التواجد في مختلف بقاع العالم.
ووفقا لخطة عمليات هيئة الدفاع الوطني الأمريكية للفترة ما بين 2018-2022، فإن الجيش الأمريكي يدير “محفظة عالمية تتكون من أكثر من 568000 أصلاً (مباني وهياكل)، موزعة على حوالي 4800 موقع في جميع أنحاء العالم”.
في ما يخص حالة الجيش الأمريكي، فإن الحجم الهائل للتواجد العسكري والأنشطة العسكرية يحمل طابعا مختلفاً ونوعياً، فهذه القدرة العسكرية الموزعة في مختلف بقاع العالم تمكّن الولايات المتحدة من الدفاع عن مصالحها في القارة، بحيث يتمثل دور هذه القواعد ليس في ضمان مصالح المجتمع العالمي، بل من أجل مصالح المستفيدين من الرأسمالية. وبالإضافة إلى ذلك يحاول هذا التواجد العسكري منع قيام أي منافسة على الموارد والأسواق التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، مستعينة في ذلك “بالحرب الباردة الجديدة”، التي تمارس الولايات المتحدة من خلالها ضغوطاً متزايدة في سبيل احتواء ولجم دور الصين في القارة الإفريقية كجزء من عدوان الولايات المتحدة الجيوسياسي الواسع.
وتعمل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ضمن حلف الناتو، وقد توسع عملهما داخل هذا التحالف من الدفاع عن أوروبا إلى العدوان في الخارج. ويتمثل نشاط الناتو في إفريقيا في نقطتين رئيسيتين هما: منع الهجرة إلى أوروبا وعرقلة الأنشطة الروسية في شمال إفريقيا.
كما تشير الوثيقة الإستراتيجية الأخيرة للحلف، الناتو 2030، إلى أن “يشمل ‘جنوب’ الناتو منطقة جغرافية واسعة تضم شمال إفريقيا وأجزاء كبيرة من الشرق الأوسط، وتمتد إلى إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وأفغانستان”. ولا تعتبر هذه الرؤية بالجديدة، فقد سبق للناتو أن عمل في السودان (2005-2007) وفي خليج عدن والقرن الإفريقي (2008-2016) وفي ليبيا (2011).
لقد تصدّر الناتو تدمير ليبيا التي مازالت تعاني إلى وقتنا هذا من أزمة سياسية وعسكرية ومن انهيار اجتماعي؛ وتشمل مهامه الجديدة عمليات في البحر المتوسط، مثل عملية المسعى النشط (2001-2016)، حاس البحر (مازالت جارية)، وعمليات لدعم الاتحاد الإفريقي، مثل تدريب القوات الإفريقية وجهود مكافحة الإرهاب في شمال إفريقيا.
عند الاطلاع على الوثائق الخاصة بعمليات القيادة الأمريكية في إفريقيا والجيش الفرنسي وحلف الشمال الأطلسي، يمكن للمرء أن يعتقد بشكل مضلل أن الجيوش الغربية تعمل في إفريقيا من أجل منع نمو الإرهاب، لكن عند التركيز على الوقائع الحالية ستلاحظ أن عمليات الناتو كانت وراء سحق ليبيا عام 2011، وشجعت التيارات الإسلامية المتطرفة في المنطقة على التحرك مع الإفلات من العقاب.
إن بعضاً من هذه المجموعات الإرهابية – مثل تنظيم القاعدة في المغرب – ينتهي بها المطاف بامتهان تهريب السجائر والكوكايين والبشر والأسلحة. إن تدمير الناتو للدولة الليبية هو الذي فتح الباب أمام تصاعد التمرد والنشاط الإجرامي عبر الصحراء الكبرى وزيادة الهجرة نحو أوروبا.
في السياق نفسه قامت فرنسا في 2014 بضم خمسة بلدان إفريقية (بوركينا فاسو، تشاد، مالي، موريتانيا والنيجر) إلى ما سمتها مبادرة مجموعة الدول الخمس الخاصة بالساحل. إن الساحل هو حزام يمتد عبر إفريقيا في عمق الصحراء الكبرى.
وفي الآن نفسه، أنشأت الولايات المتحدة شبكة من القواعد، بما في ذلك قاعدة لإطلاق الطائرات من دون طيار في أغاديز (النيجر). وتستعمل هذه الطائرات لتوفير الدعم الجوي للقوات الأمريكية والجيش الفرنسي وجيوش دول مجموعة الخمس في الساحل. لقد نقلت أوروبا حدودها الجنوبية من الحافة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط إلى الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى.
بدءاً بالتدخلات في الصومال عام 1992 وانتهاء بالأنشطة الحالية، يتوضّح مسار التدخلات العسكرية الأمريكية والفرنسية في البلدان الإفريقية: إن القوات العسكرية لهذين البلدين زادت من حدة الصراعات واستخدمت الضعف الداخلي للدول الإفريقية من أجل تحقيق الأهداف الأمريكية والأوروبية. لقد أظهرت دراسة حديثة أجراها معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI) أن هناك حوالي 23 نزاعا مسلحا نشطا في القارة الإفريقية (أنغولا، بوركينا فاسو، بوروندي، الكاميرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، ساحل العاج الكونغو الديمقراطية، مصر، إثيوبيا، غينيا، كينيا، ليبيا، مدغشقر، مالي، موزمبيق، النيجر، نيجيريا، الصومال، السودان، جنوب السودان، أوغندا، الصحراء الغربية).
وفي ظل تزايد الوفيات بنسبة 41% في الفترة الممتدة من 2019 إلى 2020، قال معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام إن منطقة جنوب الصحراء في أفريقيا كانت “المنطقة التي شهدت أكبر عدد من الوفيات المرتبطة بالنزاعات عام 2020”. وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم الأسلحة المستعملة في هذا الصراعات تأتي من مصنّعين أمريكيين وفرنسيين، خصوصاً أن صادرات هاتين الدولتين من الأسلحة تجاوزت نسبتها 43% من الإجمالي العالمي بين 2015 و2019.
يلخّص SIPRI أسباب اندلاع هذه الصراعات في القارة في ما يلي: “ضعف الدولة والفساد وعدم فعالية الخدمات الأساسية المقدمة والتنافس على الموارد الطبيعية وعدم المساواة والشعور بالتهميش”. ومن بين كل الأسباب التي أبرزها المعهد لم تتواجد ضمن تلك اللائحة الأسباب التي على أساسها تتدخل كل من القيادة الأمريكية في إفريقيا وحلف الناتو في إفريقيا: الإرهاب والصراع الجيوسياسي.
من أجل مجابهة هذه القضايا، يجب على الدول الإفريقية أن تحفظ سيادتها وأن تضع برنامجاً موثوقاً لكيفية الرقي برفاهية الشعوب في هذه المناطق. ولهذا السبب أصدر مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قراراً عام 2016 أعرب فيه عن القلق إزاء توسيع القواعد العسكرية الأجنبية في القارة. إن السبب الرئيسي وراء عدم سن قانون يحد من القواعد العسكرية الأجنبية هو ضعف الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي والانقسام التنظيمي الذي كان وراء تمكين الغرب من توسيع ضغوطه الاستعمارية الجديدة لتكثيف أسباب الصراع.
إن برامج التقشف التي يتبعها صندوق النقد الدولي في القارة هي التي أدت إلى “عدم فعالية الخدمات الأساسية”، بالإضافة إلى الفساد المستشري بسبب تنافس الشركات الغربية متعددة الجنسيات على الموارد الطبيعية لبلدان القارة. ليست الصين ولا روسيا السبب في مشاكل القارة الإفريقية، بل ذلك مجرد حجة يستخدمها الغرب من أجل تبرير توسع تواجده العسكري.
تم إثراء ملف معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي من خلال صور الأقمار الاصطناعية التي قام بجمعها جوش بيغلي. وفي ما يخص الملف فقد عمل الفريق الفني للمعهد على عرض صور وإحداثيات لهذه المواقع المخفية على خريطة إفريقيا، مجسدين التواجد العسكري الحالي بصرياً. تذكرنا الدبابيس والخيوط التي تربط الأماكن ببعضها بـ”غرف الحرب” للهيمنة الاستعمارية. إن مجموعة الصور هي تجسيد بصري لاستمرار “التفرقة والتبعية لشعوب وحكومات القارة”، كما أبرز ذلك الملف.
شهد عام 2013 اقتحام مجموعة من المتطرفين من حركة الشباب مركز تسوق ويستغيت في نيروبي (كينيا)، وقاموا بإطلاق النار وقتل كوفي أوونور، الشاعر الغاني والسفير في كوبا والبرازيل والأمم المتحدة، ورئيس لجنة الأمم المتحدة ضد الفصل العنصري. لقد كان أوونور يتحدث في غالب الأحيان عن المحن التي مرت بها بلاده – ذاك البلد الذي قاده الرئيس كوامي نكروما للخروج من الاستعمار إلى مستقبل جديد أفضل. لقد قضت الانقلابات العسكرية وسياسات التقشف المفروضة من صندوق النقد الدولي على آمال أجيال من الغانيين في كفاحهم من أجل التحرير، لكن رغم ذلك صمد أوونور. إن واحدة من قصائد أوونور المقربة إلى قلبي هي “الكاتدرائية”، التي يحاول من خلالها نقل الإحساس بـ”المحن” التي يعيشها عالمنا، والتي مازالت قائمة حتى يومنا هذا:
على هذه البقعة القذرة
وقفت شجرة ذات مرة
رشت العطر على نباتات الذرة الصغيرة:
أغصانها امتدت عبر السماء
متزينة بنيران القبيلة الضئيلة.
أرسلوا منقذين وبناة
من الذي قطع الشجرة؟
بنيت مكانها
كاتدرائية دمار ضخمة بلا معنى.