المراسلة 22: نعانق الأشجار لأنها لا تملك صوتا

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 29 حزيران/ يونيو 2021

فيجاي براشاد

سيتو ليجي (إندونيسيا)، اعتنوا بهذه الأرض، 2010.

قرر مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية سنة 1972 إحياء اليوم العالمي للبيئة بشكل سنوي. وفي سنة 1974 حثت الأمم المتحدة العالم على الاحتفاء بهذا اليوم في 5 يونيو/ حزيران تحت شعار ‘كوكب واحد’. وقد اعتمد هذه السنة عنوان ‘استعادة النظام البيئي’ كموضوعة تبين كيف يقوض النظام الرأسمالي قدرة الأرض على استدامة الحياة.

وأفاد تقرير الشبكة المهتمة بقضايا البيئة The Global Footprint Network reports بأننا لا نعيش على كوكب أرض واحد، بل على 1.6 من الكوكب.. نعيش فوق أكثر من كوكب الأرض لأننا نستنزف كوكبنا عبر التعدي وتدمير التنوع البيولوجي، إرهاق التربة وتلويث الهواء والماء.

تتضمن هذه المراسلة برقية حمراء أصدرها معهد القارات الثلاث بخصوص الكارثة البيئية التي أصابتنا، وقد ساهم في صياغتها (البرقية) العديد من العلماء المتخصصين ويمكنكم/ن قراءتها أدناه وتحميلها على شكل ملف هنا، ونتمنى أن تنشروها على أوسع نطاق. 

 

أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) تقريراً جديداً بعنوان “التصالح مع الطبيعة”، يوضح فيه “خطورة حالات الطوارئ البيئية الثلاث التي تواجهها الأرض: وهي أزمات المناخ والتنوع البيولوجي والتلوث”. ويشير التقرير إلى أن “هذه الأزمات الكوكبية الثلاث ذاتية التأثير تعرض رفاهية الأجيال الحالية والمستقبلية لخطر غير مقبول”. وقد أعدت هذه البرقية الحمراء في إطار اليوم العالمي للبيئة (الموافق لـ 5 مايو/ أيار) بشراكة مع الأسبوع العالمي لمناهضة الإمبريالية.

ما هو حجم الدمار؟

تتعرض النظم الإيكولوجية للتدمير بمعدل خطير، وقد أورد تقرير سنة 2019 للمنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات للتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES) أمثلة مفزعة عن حجم الدمار:

·         يهدد الانقراض مليون نوع من أصل ثمانية ملايين نوع من النباتات والحيوانات.

·          أدت الأعمال البشرية إلى انقراض 680 نوعا على الأقل من الفقاريات منذ سنة 1500، وانخفضت أعداد أنواع الفقاريات بنسبة 68 % خلال الخمسين سنة الأخيرة.

·         تراجعت وفرة الحشرات البرية بـ 50%.

·         انقرض سنة 2016 ما يفوق 9% من إجمالي سلالات الثديات المدجنة التي تستعمل في التغذية والفلاحة، وتوجد اليوم ألف سلالة مهددة بالانقراض.

تتعرض النظم الإيكولوجية للتدمير بوتيرة أسرع في ظل النظام الرأسمالي الذي يكثف التلوث وطرح النفايات ويقضي على الغابات ويستغل الأراضي بشكل مغاير لطبيعتها، بالإضافة إلى أنه يستعمل النظم الطاقية المعتمدة على الكربون الطبيعي. وعلى سبيل المثال، يشير تقرير سنة 2020 للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ‎(IPCC)، المعنون بـ “تغير المناخ والأرض”، إلى أنه لم تبق سوى 15% فقط من الأراضي الرطبة المعروفة، وقد تعرض معظمها للتدمير بشكل لا يمكن إصلاحه.

ويوثق برنامج الأمم المتحدة للبيئة سنة 2020 أنه في الفترة من 2014 إلى 2017، عانت الشعاب المرجانية من أطول وأخطر عملية تبييض. ويتوقع أن تنخفض أعداد الشعاب المرجانية بشكل كبير مع ارتفاع الحرارة؛ فإذا ارتفع الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة C لن تتمكن سوى 10 إلى 30 في المائة من الشعاب من البقاء، أما إذا ارتفع الاحتباس الحراري إلى 2 درجة C فلن تتبقى إلا أقل من 1 في المائة من الشعاب.

رينيه ميديروس بازوس (كوبا)، كوبا 1952، 1973.

وإذا ما استمر الوضع بالشكل الحالي يتوقع أن يصبح المحيط المتجمد الشمالي خالياً من الجليد بحلول عام 2035، ما سيحدث خللاً في النظام الإيكولوجي للقطب الشمالي وفي دوران تيارات المحيط، ما قد يؤدي إلى تغيير في المناخ والطقس على الصعيد العالمي والإقليمي.

وأثارت هذه التغييرات في الغطاء الجليدي للقطب الشمالي سباقاً بين القوى العظمى للسيطرة العسكرية على المنطقة والتحكم في موارد الطاقة والمعادن الثمينة، ما فتح الباب أمام تدمير أكثر للبيئة. وفي ورقة صدرت في يناير/ كانون الثاني 2021 تحت عنوان “استعادة السيطرة على القطب الشمالي”، وصف الجيش الأمريكي القطب الشمالي بأنه “في الآن نفسه مجال للتنافس، وخط للهجوم أثناء الصراع، ومنطقة حيوية تحمل الكثير من الثروات الطبيعية لوطننا، وأرضية لاستعراض القوة على المستوى العالمي”.

ويرافق ارتفاع درجة حرارة المحيط إلقاء ما يقارب 400 مليون طن سنوياً من المعادن الثقيلة والمذيبات والمواد السامة (بالإضافة إلى نفايات صناعية أخرى)؛ ناهيك عن النفايات المشعة. وتعتبر هذه النفايات الأخطر من نوعها، لكنها تشكل جزءاً صغيراً من مجموع النفايات التي يتم إلقاؤها في المحيط، وتتضمن ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية.

وأظهرت دراسة أنجزت سنة 2016 أنه بحلول سنة 2050 من المحتمل أن يصبح وزن البلاستيك الموجود في المحيط أثقل من وزن مجموع السمك. ويتراكم البلاستيك المطروح في المحيط على شكل دوامات دائرية من بينها رقعة القمامة العظمى في المحيط الهادي التي يقدر وزنها بـ 79 ألف طن من البلاستيك الذي يطفو داخل منطقة مركزة تبلغ مساحتها 1.6 ملايين كلم مربع (تقريبا بحجم إيران).

وتعمل الأشعة فوق البنفسجية المنبعثة من الشمس على تفتيت هذا الحطام إلى “مواد بلاستيكية دقيقة” لا يمكن تنظيفها، ما يحدث خللاً في السلاسل الغذائية ويدمر المواطن. كما يتسبب إلقاء النفايات الصناعية في المياه، بما في ذلك الأنهار وغيرها من أجسام المياه العذبة، في حدوث 1.4 مليون حالة وفاة على الأقل سنوياً متعلقة بأمراض يمكن الوقاية منها ناتجة عن تلوث مياه الشرب.

إدغار “سانر” فلوريس (المكسيك) ، أطفال البحيرة المفقودة، 2017.

وتعتبر النفايات المطروحة في المياه جزءاً صغيراً من النفايات التي ينتجها الإنسان، وتقدر بـ 2.01 مليار طن سنوياً. ولا تتم إعادة تحويل سوى 13.5 في المائة من هذه النفايات، بينما تحول فقط 5.5 في المائة منها إلى سماد ويتم التخلص من 81 في المائة منها في مكبات النفايات أو عبر حرقها (ما ينتج الغازات المسببة للاحتباس الحراري وغازات سامة أخرى) أو عبر إلقائها في المحيط. وحسب معدل إنتاج النفايات الحالي، يرتقب أن ترتفع هذه الأرقام بـ 70 في المائة لتصل 3.4 مليارات طن بحلول سنة 2050.

ولا تظهر أي دراسة انخفاضا في التلوث، بما في ذلك تحويل النفايات أو تباطؤ ارتفاع درجات الحرارة. وقد أظهر تقرير فجوة الانبعاثات الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (ديسمبر/ كانون الأول 2020) أن معدل الانبعاثات الحالي يجعل العالم على طريق ارتفاع درجة الحرارة ب 3.2 درجة C على الأقل فوق المستويات ما قبل الصناعية بحلول 2100. ويتجاوز هذا الرقم  بكثير الحدود التي وضعتها اتفاقية باريس (ما بين 1.5 درجة و2.0 درجة C).

 ويغذي ارتفاع درجة حرارة الأرض وتدمير البيئة بعضهما البعض: بين عامي 2010 و2019 ساهم تدهور الأراضي وتحولها- بما في ذلك إزالة الغابات وفقدان كربون التربة في الأراضي المزروعة- في ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد زاد تغير المناخ من تفاقم التصحر وتعطيل دورات تغذية التربة. 

فريدة بتول (باكستان)، مدينة ناي ريسون، لاهور ديان، 2006.

ما هي المسؤوليات المشتركة والمتباينة؟

ينص المبدأ السابع لإعلان الأمم المتحدة المتعلق بالبيئة والتنمية الصادر سنة 1992، والذي اتفق عليه المجتمع الدولي، على “المسؤوليات المشتركة لكن المتباينة” التي تحث جميع الدول على تحمل “مسؤوليات مشتركة” في نقص الانبعاثات، لكنها تقر بكون الدول المتقدمة تتحمل مسؤوليات “متباينة” أكبر بحكم الحقيقة التاريخية المتمثلة في مساهمتها الكبيرة في تراكم الانبعاثات العالمية التي تسبب التغير المناخي.

وتبين معطيات مشروع الكربون العالمي، التابع لمركز تحليل معلومات ثاني أكسيد الكربون، أن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل أكبر مصدر لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون منذ سنة 1750. كما تشكل الدول الصناعية والكولونيالية تاريخياً أكبر مصدر لانبعاث ثاني أوكسيد الكربون، خصوصاً الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ومنذ القرن الثامن عشر، لم تصدر فقط هذه الدول الجزء الأكبر من الكربون في الغلاف الجوي، بل تواصل أيضاً تجاوز حصتها من ميزانية الكربون على المستوى العالمي بالمقارنة مع عدد السكان. وتتحمل الدول الأقل مسؤولية في الكارثة المناخية، مثل الدول المشكلة من جزر صغرى، أعنف الضربات المتعلقة بالنتائج الكارثية لهذه الانبعاثات.

ومكنت الطاقة الرخيصة المعتمدة على الفحم والمحروقات، بالإضافة إلى نهب واستنزاف الثروات الطبيعية من طرف القوى الاستعمارية، دول أوروبا وشمال أمريكا، من تحقيق رفاهية سكانها على حساب الشعوب المستعمرة. وقد بلغ اليوم معدل اللامساواة بين مستوى عيش المواطن الأوروبي (747 مليون شخص) والهندي العادي (1.3 مليار شخص) مستوى صارخاً على غرار ما كان عليه الوضع منذ قرن من الزمن. وتعتمد الصين والهند والدول النامية الأخرى على الكربون- خصوصاً الفحم-  بشكل كبير، رغم أن استعماله من الصين والهند أقل بكثير مما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية. وتشكل إحصائيات انبعاثات الكربون بالنسبة لكل نسمة في أستراليا (16.3 طن) والولايات المتحدة الأمريكية (16 طن) ضعف نظيره لدى الصين (7.1 طن) والهند (1.9 طن).

ويتوجب على كل بلد في العالم أن يحقق تقدماً في الانتقال من الاعتماد على الطاقة المستخرجة من الكربون وأن يضع حداً لتدمير البيئة الذي يقع على نطاق واسع، لكن يجب على الدول المتقدمة أن تحاسب على مهمتين مستعجلتين وأساسيتين:

1ـ نقص الانبعاثات المضرة. يجب على الدول المتقدمة أن تحد من الانبعاثات بشكل مستعجل بحوالي 70 – 80 في المائة من مستويات سنة 1990 بحدود 2030، وأن تلتزم بخارطة طريق لتعميق هذه التخفيضات بحدود 2050.

2ـ تقوية القدرة على التخفيف والتكيف. يجب على الدول المتقدمة أن تساعد الدول النامية عبر مدها بتكنولوجيا مصادر الطاقة المتجددة، وتزويدها بالتمويل من أجل التخفيف والتكيف مع آثار التغير المناخي. وتعترف اتفاقية الأمم المتحدة الاطارية بشأن تغير المناخ، الصادرة سنة 1992، بأهمية التقسيم الجغرافي للرأسمالية الصناعية بين دول الشمال والجنوب وأثرها على الحصص المقابلة لها من ميزانية الكربون على المستوى العالمي.

لذلك، اتفقت جميع الدول، بعد مؤتمرات المناخ المتعددة، على إحداث الصندوق الأخضر للمناخ في مؤتمر كانكون لسنة 2016؛ ويهدف إلى توفير 100 مليار دولار سنويا بحدود 2020. وقد التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بمجيء إدارة بايدن الجديدة بمضاعفة مساهمتها المالية العالمية بحلول 2024 والرفع من قيمة مساهمتها من أجل التكيف بثلاثة أضعاف. لكن يبدو هذا الوعد بعيد المنال نظراً للمستوى المنخفض للتنفيذ. واقترحت الوكالة الدولية للطاقة في توقعات الطاقة في العالم أن تترفع أرقام التمويل الدولي للمناخ سنوياً لتبلغ مليارات الدولارات. ولم تقدم الدول المتقدمة أي التزامات بخصوص هذا المستوى من التمويل. 

هيروشي ناكامورا (اليابان) ، سوناغاوا رقم 5 ، 1955.

ما العمل؟

1.      المضي نحو صفر انبعاثات كربون. يجب على دول العالم بقيادة مجموعة العشرين (التي تنتج 78 في المائة من انبعاثات الكربون في العالم) أن تضع خططاً واقعية للانتقال إلى معدل 0 من انبعاثات الكربون. ويتطلب هذا الأمر بشكل عملي 0 من انبعاثات الكربون بحلول 2050.

2.      خفض التواجد العسكري الأمريكي. يشكل الجيش الأمريكي لوحده أكبر مؤسسة منتجة لغازات الاحتباس الحراري. وسيمكن خفض التواجد العسكري الأمريكي من المشاكل السياسية والبيئية بشكل كبير.

3.      تقديم تعويضات بخصوص المناخ للدول النامية. يجب السهر على أن تمنح الدول المتقدمة تعويضات للخسائر والأضرار التي سببتها انبعاثاتها للمناخ؛ وأن يطلب من الدول التي لوثت المياه والتربة والهواء والنفايات السامة والخطيرة، بما فيها النفايات النووية، تحمل مصاريف التنظيف وأن توقف إنتاج واستعمال النفايات السامة.

4.      تزويد الدول النامية بالتمويل والتكنولوجيا اللازمة للتخفيف والتكيف. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الدول المتقدمة أن تمنح 100 مليار دولار سنوياً من أجل سد حاجيات الدول النامية للتخفيف والصمود في وجه الأثر الكارثي لتغير المناخ.

وتجدر الإشارة إلى كون الدول النامية حالياً (خصوصاً ذات المستوى المنخفض والجزر الصغيرة) هي التي تتحمل وزر هذه الآثار.

 

رحل عنا أحد مؤسسي حركة شيبكو التي تناضل من أجل الحفاظ على الغابات في الهند. سنة 1973، فوتت حكومة ولاية شامولي الهندية غابة كاملة من شجر الدردار لشركة خاصة. وقرر غورا ديفي وسوديشا ديفي وبهات وساندرلال باهوغونا وغيرهم الوقوف في وجه قاطعي الأشجار دفاعا عما وصفه غورا ديفي بـ’ المايكا’ (بيت الأم)..قامت نساء قرية بحضن الأشجار لمنع الشركة من قطعها. واستلهمت الحركة اسمها من هذا العمل، أي “شيبكو” أو الحضن. وبفضل النضال القوي لسكان شامول، أجبرت حكومة الهند على سن قانون الحفاظ على البيئة سنة 1980 وإحداث مديرية البيئة في السنة نفسها.

وشهد باهوغونا قبل وفاته السنة الماضية الحكومة الحالية تسمح باجتثاث الغابات وتدمير الأراضي. وحسب شبكة غلوبل فورست ووتش فقدت الهند 14 في المائة من غطائها الغابوي بين سنتي 2019 و2020 بينما تهدد الحرائق 36 في المائة من الغابات.

يبدو كأن الغابات تنادي من أجل حركة شيبكو أخرى، هذه المرة ليس فقط بولاية شيمولي أو الهند، بل في كافة أرجاء الكوكب.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة