اللبنانيون مُهدَّدون في وجودهم..!!

مشاركة المقال

مدار: 13 أغسطس/ غشت 2021

كاترين ضاهر

صور: مدار

صدقَ رئيس الجمهورية اللبناني، ميشال عون، في تصريحه لإحدى الصحافيات بأنّ الشعب والبلد “رايحين ع جهنم”. وها هو لبنان وسط نيران حاجات أبنائه الحياتية، وقد وصل إلى أقصى درجات الانهيار وأقساها، لا يلوي على أمرٍ هاوياً نحو الارتطام المؤكّد.

 وما كان متوقّعاً في السابق بدأت بوادره هذا الأسبوع، وانفجرت الأزمة الاقتصادية ــ المعيشية في الشارع، وتوسّعت طوابير “الذُلّ” أمام محطات الوقود، والصيدليات، وتمدّدت إلى محال بيع الغاز لتشمل أيضاً الأفران.

أعباء اقتصادية ومعيشية جديدة تُرمى على كاهل المواطن اللبناني. وبات المسّ بلقمة الفقير الأخيرة، وهي “الخبز”، قوته اليومي، أمراً واقعياً. ولم تعد المعاناة تنحصر فقط في مشهد الوقوف في طوابير الذُلّ على أبواب الأفران، ولا في بورصة عشوائية الارتفاع المُتعَمَّد المتكرّر لسعر الخبز الذي يفاقم معاناة الموطنين، ويزيد المخاوف من انهيار قدرتهم على شراء المواد التموينية الأساسية.

 وعلى الرُّغم من أن القمح موجود ومازال مدعوماً حتى الآن في لبنان، إلّا أنّه لم يعد كافياً لاستمرار وجود الخبز، في ظلّ الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي، وشحّ البنزين لتشغيل المولدات.

وقبيل إعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قنبلة قرار وقف الدعم عن المحروقات، علت صرخات أصحاب المطاحن جرّاء تراجع قدرتها على العمل بسبب أزمة البنزين، محذّرين من أن فقدان المادة سيؤدّي إلى تراجع كميات الطحين التي تُسلَّم إلى الأفران، ما سيؤثر سلباً على إنتاج الخبز وتوافر الرغيف.

توجد في لبنان 14 مطحنة، وفعلياً بدأت تخفيف إنتاجها منذ الأسبوع الماضي، ثلاث محطاتٍ منها اضطرت إلى التوقّف عن الإنتاج لعدم توافر البنزين، أما المطاحن الأخرى فالمخزون لديها قليل، بالكاد يكفيها حتى نهاية هذا الأسبوع.

ووفقاً لتقرير إخباري عُرض عبر شاشة “المؤسسة اللبنانية للإرسال”.. “تحتاج المطاحن إلى 300 ألف لتر من البنزين أسبوعياً، وكانت تحصل على نصفها من منشآت الزهراني والنصف الآخر من منشآت طرابلس؛ وبسبب نفاذ المادة ذاتها لم تعد تحصل على أيّ شيء”.

أما “تجمّع المطاحن” فأعلن في بيان أصدره يوم الثلاثاء الماضي 10 آب/ أغسطس الجاري عن أسفه لـ”الشعب اللبناني عن توقف العديد من المطاحن قسرياً عن العمل بسبب فقدان مادة “المازوت” التي باتت غير متوافرة لا في السوق الشرعية، ولا في السوق السوداء، وأن المطاحن الأخرى ستتوقف خلال أيام معدودات عن العمل تباعاً وتدريجياً وفقاً لحجم المخزون من “المازوت” لديها”.

وأضاف البيان:” على الرغم من الاتصالات التي قام بها التجمّع منذ الأسبوع الماضي لتأمين حاجة المطاحن لهذه المادة، بالتعاون مع وزير الاقتصاد والتجارة الذي لم يألُ جهداً لتامين حاجة المطاحن، إلّا أنه ولغاية الساعة لم نتلقَ أيَّ إيجابيةٍ لجهة تأمين حاجتنا من هذه المادة”.

“رفع الدعم”…

“ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”.. مقولة لا تطبّق حالياً على شعب لبنان والقاطنين فيه، ولا سيما الفقراء منهم، الذين باتوا يعتمدون فقط على الرغيف كقوتهم اليومي الوحيد، مع فقدان وتراجع القدرة الشرائية، في ظلّ تفاقم الأزمة الاقتصادية والنقدية، وانفلات سعر الصرف، وزيادة البطالة، وإفلاس العديد من المؤسسات والارتفاع الجنوني للأسعار، وغياب هيئة حماية المستهلك كالمعتاد…

 وكأن الأزمات الصحية والاقتصادية التي ألقت بظلالها على المواطنين لا تكفي، وآخرها إعلان حاكم مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات؛ فأعلنت عدد من المخابز التوقّف عن العمل بسبب فقدان “المازوت”، كما أقفلت محطات الوقود على الرّغم من الكميات الموجودة في خزاناتها بسبب إعلان رفع الدعم عن المحروقات.

فعلى سبيل المثال، أقفل يوم أمس – الخميس 12 آب الجاري..  40 فرناً أبوابه من أصل 95 في منطقة شمال لبنان. أما الأفران الباقية فرفعت سعر ربطة الخبز عن تسعيرة السوق الرسمي، ومنها التي باعت الربطة بأسعار خيالية.. وتحجّج البعض من أصحاب هذه الأفران بأنهم اضطروا لرفع السعر بسبب مشكلة تأمين مادة “المازوت” المدعوم، التي كانت وزارة الاقتصاد أعلنت سابقاً منح بطاقة لصاحب كلّ فرن لتأمين الكمية التي يحتاجها منها؛ لكن منذ بضعة أيام حاول هؤلاء الحصول على “المازوت” من تلك البطاقات دون جدوى، وأصبح مصير تلك المعونات حبراً على ورق يشبه ما سُميت “سلة الدعم الغذائية” التي اختفت قبل أن يجدها المواطن بالفعل، وجرى تهريب أغلب موادها الغذائية إلى الخارج.

 بدوره، أعلن نقيب أصحاب الأفران، علي إبراهيم، أمس الخميس، أنّ سعر ربطة الخبز سيتراوح بين 6 و7 آلاف ليرة بعد رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع سعر صفيحة “المازوت”. وفي حديث إذاعي قال إبراهيم: “الخبز متوافر اليوم في الأفران بالسعر الحالي، لكنّ توافر “المازوت” ليوم أو يومين ليس حلّاً، ونحن نريد حلّاً دائماً للخروج من الأزمة”؛ كما جدّد التأكيد أن الأذونات الخاصة التي حصلت عليها الأفران لتسلُّم المازوت من وزارة الاقتصاد هي بمثابة “شيكات بلا رصيد” لا يمكن الاستفادة منها.

من جهته، ‏أشار أمين سر نقابة الأفران في بيروت وجبل لبنان، ناصر سرور، في حديث لقناة “الجديد” اليوم، إلى أن “الخبز لا يتوفر في العديد من القرى ووصل سعر الربطة في بعض القرى إلى 13000 ليرة”، ولفت إلى أن “أفرانا كبرى غداً ستتوقف عن توزيع الخبز بسبب غياب الطحين و”المازوت”، أبرزها فرن ‘شمسين'”، ‏وزاد: “اتصلت بوزير الاقتصاد وأبلغته أن عشرات الأفران أغلقت أبوابها وكان جوابه: ‘أنا ما خصني روحوا شوفوا وزارة الطاقة'”.

 الارتفاع الثالث في أقلّ من أسبوعين..

مع بداية تفاقم الأزمة الاقتصادية والمالية، حافظت ربطة الخبز على سعرها الرسمي، وهو 1500 ليرة لبنانية، أي ما يوازي الدولار الواحد حينها. لكن تواصل ارتفاع سعر الصرف مراغمةً من الدعم لسعر الطحين والمحروقات، إلّا أن وزارة الاقتصاد خضعت لأصحاب الأفران، غير آبهة بحقوق المواطن وهمومه المعيشية. وبدأ التلاعب بارتفاع سعر الخبز تدريجياً، بحجة ارتفاع سعر السكر والخميرة وغيرها من المواد الأولية.

 وأعلنت السلطات اللبنانية، في العاشر من يوليو/ تموز الماضي رفع سعر “ربطة الخبز” لتصل إلى 4250 ليرة للمستهلك. ويعد هذا الارتفاع الثالث في أقلّ من أسبوعين، حيث تمّ إنقاص وزن ربطة الخبز ورفع سعرها.

وزعمت يومها وزارة الاقتصاد والتجارة في بيان لها أنها “حدّدت وزن الخبز الأبيض وتسعيرته في الأفران والمتاجر فوق مختلف الأراضي استناداً إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وأسعار المحروقات، وارتفاع كلفة نقل الطحين من المطاحن إلى الأفران، ونقل الخبز من الأفران إلى مراكز البيع، واستناداً إلى سعر القمح في البورصة العالمية، واستناداً إلى الدراسة التي قامت بها الوزارة لتحديد كمية المكوّنات المطلوبة لإنتاج أفضل نوعية من الخبز للمستهلك”.

وقالت الوزارة إنه “نظراً إلى الظروف الاقتصادية الضاغطة والقدرة الشرائية المنخفضة التي يعانيها المواطنون، حُدّد سعر الخبز الأبيض ووزنه في الفرن إلى المستهلك، ربطة من الحجم الكبير على ألّا يقل وزنها عن 883 غراماً بسعر 4000 ليرة كحدٍّ أقصى، وربطة من الحجم الوسط على ألّا يقلّ وزنها على 408 جرامات بسعر 2750 ليرة حدّاً أقصى”.

 “السوق السوداء”…

 هو اليوم الثالث، ولا وجود لـ “الخبز” في المحال التجارية، ولا أيضاً في العديد من الأفران التي توقّف أغلبها عن إنتاجه.

وللأسف، دخل “رغيف الخبز” وسعره اليوم في بازار السوق السوداء، في ظلّ غياب المعنيين على الرقابة والحفاظ على حقوق المواطن.. وانشغال فرقاء السلطة في المحاصصات والتسويات وتأبيد تأمين الحقائب الوزارية السيادية والخدماتية لمصالحها، تمهيداً للانتخابات النيابية.

 فإلى متى سيتحمّل المواطن سياسات التجويع ..؟ وكم من ضحية تريد أن ترى هذه السلطة على أبواب الأفران كما سقطت على محطات الوقود، لتعلم أن لقمة عيش الفقراء خطّ أحمر..؟ وهل سيكون الحلّ بإعادة الدعم على المحروقات، أو بدعم خاص لأصحاب المطاحن والأفران ..؟.

يُذكر أن قرار حاكم مصرف لبنان رفع الدعم عن المحروقات استدعى اجتماعين: الأول بين الرئيس عون وسلامة لم يخرج باتفاق في ظلّ إصرار “سلامة” على إصدار تشريع من مجلس النواب يشرّع المسّ بالاحتياطي.

أما الاجتماع الثاني فوزاري طارئ في السراي، اعتبر فيه رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أن سلامة “اتّخذ قراراً منفرداً برفع الدعم وعلينا العمل لاحتوائه وتقليل أضراره الكبيرة”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة