اعتراف لماكرون يعيد ملف التجارب النووية الفرنسية في صحراء الجزائر إلى الواجهة

مشاركة المقال

مدار: 16 آب/ غشت 2021

أعاد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ملف التجارب النووية الفرنسية بالجزائر إلى الواجهة، وذلك عقب زيارته الأخيرة التي بدأت بتاريخ 24 تموز/ يوليو 2021 إلى بولينيزيا الفرنسية، حيث صرح بأن الدولة الفرنسية مدينة للإقليم بسبب التجارب النووية التي خاضتها بالمنطقة على مدى ثلاثين عاما ما بين 1966 و1996.

 وخلفت هذه التجارب المئات من الضحايا الذين وعدهم ماكرون بتعويضات مهمة؛ ناهيك عن المخاطر البيئية والصحية التي مازال الأرخبيل يعاني منها بعد مائة وثلاثة وتسعين تجربة نووية لن يمحوها الاعتراف الفرنسي الرسمي أو التعويضات المادية كافية لجبر الضرر.

حاول الرئيس الفرنسي من خلال تصريحاته الأخيرة أن يقفل الباب في وجه الانتهاكات التي شابت التجارب النووية، وأن يتصالح مع تاريخ المنطقة، إلا أنه فتح بابا آخر يخص التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، وأعاد هذا الملف الشائك في تاريخ العلاقات بين البلدين إلى الواجهة.

قبل بولينزيا، كانت فرنسا أجرت سبع عشرة تجربة نووية بالصحراء الجزائرية على مدى ست سنوات، بدءا من سنة ألف وتسعمائة وستين، في كل من رقان وعين إكر، أجريت إحدى عشر منها بعد اتفاقية إيفيان، التي أقرت استقلال الجزائر، لكنها سمحت لفرنسا باستخدام صحرائها إلى حدود سنة 1967.

وذكر المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، في تقرير له عن الاستعمار وحرب الجزائر، ضرورة العمل المشترك بخصوص مواقع التجارب النووية. كما مازالت العديد من الجمعيات الجزائرية ترفع مطلب الكشف عن تلك المواقع وتمكين الجزائر من الخرائط اللازمة التي تحدد أماكن دفن النفايات النووية، ما لم تتجاوب معه الدولة الفرنسية بعد، ومازالت تصر على إخفائها.

وذكر تقرير نشرته “بي بي سي عربي” لماهر مناحي أن أول تجربة نووية لفرنسا بالصحراء الجزائرية جاءت بعد تفجير قنبلة ممتلئة بالبلوتونيوم باسم “الجربوع الأزرق”، موردا أنها قبل تفجيرها وضعت على قمة برج بارتفاع مائة متر. ويحكي شهود عيان عن شعورهم باهتزاز الأرض تحت أقدامهم، وعن أنهم عندما سمح لهم بالنظر إلى الانفجار رأوا سحابة غبار ضخمة على شكل فطر، وقد جعلت درجات الحرارة العالية قرب موقع الانفجار الرمل يتبلور ويتحول إلى قطع زجاجية سوداء.

ورغم مزاعم الجنرال شارل ايوغيه بأن المنطقة كانت تعرف غيابا تاما لمظاهر الحياة، إلا أن تقرير “بي بي سي” كشف أنه عندما فجرت القنبلة كان هناك حوالي ستة آلاف نسمة تقطن ببلدة رقان على بعد كيلومترات من موقع التفجير، عانوا لاحقا من تأثير الإشعاعات النووية.

وذكر عبد الرحمن التومي، مؤسس رابطة الدفاع عن ضحايا الإشعاعات النووية، للقناة نفسها، أن العديد ممن تعرضوا للتلوث النووي توفوا لأسباب طبية غير معروفة، مردفا: “لقد قيل لهم إن لديهم مرضا نادرا، بيد أنهم لم يعرفوا بدقة الطبيعة المحددة للمرض الذي أصابهم”، وأضاف أن هناك تأثيرات طويلة الأمد حسب باحثين بدأت منذ نحو عشرين عاما بعد تفجير أول قنبلة وستمتد لعقود على الأقل.

وبعد إجراء أربع عمليات فوق الأرض بمنطقة رقان قررت فرنسا إجراء باقي التجارب تحت الأرض بمنطقة عين إيكر، إلا أن هذا لم يجنب المنطقة أيضا التلوث النووي ومخلفاته. كما تضرر جنود بشكل كبير جراء تسرب إشعاعات نووية من شق في الجبل بعد تفجير قنبلة أطلق عليها اسم بيريل.

ولم تضرر الصحراء الجزائرية وحسب من مخلفات الإشعاعات النووية، بل امتد الضرر إلى مناطق مجاورة وصلت إلى حدود إلى السنغال وساحل العاج وبوركينا فاسو والسودان، عرفت مناطق منها تحركات احتجاجية منددة بهذه الانتهاكات، كتلك التي نظمتها طلبة ماليون محتجين على إقامة هاته التجارب على بعد كيلومترات من بلادهم.

ورغم توقيع فرنسا على ما سمي قانون موران الذي ينص على تعويض ضحايا التجارب النووية بالجزائر، إلا أن الشروط التي وضعها، ويفترض أن تتوفر في الضحية، كانت تعجيزية، من قبيل أن يكون من سكان المنطقة ويعاني من أمراض محددة، ما حرم جل الضحايا الذين تقدموا بطلبات التعويض من الاستفادة، باستثناء حالة واحدة ووحيدة استوفت شروط القانون، ما أثار استهجان الجزائريين.

ومع الاعتراف الفرنسي بالتجارب النووية ومخلفاتها في بولينزيا، يعود ملف الانتهاكات الفرنسية بالجزائر إلى الواجهة كأحد الملفات التي تعكر العلاقات بين البلدين، إذ يعتبر الجزائريون أن الكشف عن مواقع دفن المخلفات النووية وتمكين السلطات الجزائرية من الخرائط التي توثق لذلك هو خطوة أولى نحو تصالح فرنسا مع الذاكرة الجزائرية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة