الغذاء في خطر.. كيف يتم الاستحواذ على الأنظمة الزراعية والغذائية من قِبَل الشركات الدولية

مشاركة المقال

برازيل ديفاطو/ مدار: 08 يونيو/ حزيران 2023

في تقرير للجنة الخبراء الدولية للأنظمة الغذائية المستدامة (IPES-Food) – وهي لجنة مستقلة تهدف إلى تعزيز الانتقال إلى أنظمة غذائية مستدامة في جميع أنحاء العالم، وتضم 23 خبيرا من 16 دولة مختلفة – بعنوان “لمن الأرجحية؟ النفوذ المتزايد للشركات في حوكمة الأنظمة الغذائية وكيفية مواجهته”، تمت الدعوة إلى مناقشة نقدية حول تأثير ومشاركة الشركات في الأنظمة الغذائية، وحمل نظرة عامة تاريخية عن هذا التأثير في الحوكمة الغذائية، مستعرضا في الوقت ذاته الطرق الجديدة التي يتم من خلالها التحكم في عمليات صنع القرار من خلال الغذاء.

تتفاقم المشكلة حسب التقرير عندما يتم الخلط بين مصالح الشركات الكبرى في قطاع الأغذية والمصلحة العامة للبلدان والجهات المشاركة في ترتيبات إنتاج واستهلاك الطعام. واحدة من أمثلة هذه الممارسة البارزة كانت مخرجات قمة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لعام 2021، حيث تبينت بوضوح قدرة الشركات الزراعية متعددة الجنسيات على التأثير في عمليات صنع القرار والسيطرة على عمليات التفاوض، فمن خلال مفهوم المشاركة متعددة الأطراف تتمكن هذه الكيانات من تشكيل الخطابات والسرد والبرامج والسياسات. وتؤدي المبادرات متعددة الأطراف المتعلقة بحوكمة الأنظمة الغذائية إلى الارتباك في خطوط الأدوار والمسؤوليات بين أصحاب الحقوق وحاملي الواجبات وأولئك الذين يعملون نيابةً عن أجندات الشركات.

ولفت التقرير إلى أن المعطيات المتاحة حول كيفية استيلاء الشركات على قنوات حوكمة الأغذية تشير إلى أنه يتم من خلال آليات أكثر وأخرى أقل وضوحا. من بين الآليات الأكثر وضوحا هناك زيادة مشاركة الشركات في المساحات والعمليات المكلفة بتدبير القطاع، حيث تعرض مطالبها وتعمل كأطراف شرعية في عملية صنع القرار؛ ومن أبرز الأمثلة على ذلك تدخلها في “التحالف العالمي لتحسين التغذية” وقمة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لعام 2021 كممثلة للمفاوضات متعددة الأطراف. أما في ما يخص الآليات الأقل وضوحًا والأكثر شيوعا فنجد إستراتيجيات المراقبة في كواليس التفاوض والتبرعات العامة والمؤسسية، وممارسة القوة السوقية والتدخل في قواعد الاستثمار والتجارة و”الاستثمار التوجيهي” في البحث والابتكار.

وحسب التقرير ذاته، يثير هذا التأثير المتزايد مخاوف كبيرة بالنسبة للحفاظ على المصلحة العامة، فمن ناحية يمكن أن يقوض مبادئ العدالة والشفافية في عمليات الحوكمة، ومن ناحية أخرى قد يضعف تأثير وفعالية النتائج في الآليات الحكومية، كما أنه يؤدي إلى عدم وجود استجابة من قبل الشركات، خاصة بالنسبة لأولئك الذين يتأثرون بشكل أكبر بممارسات الشركات الكبرى وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية.

ويشرح التقرير أن قدرة الشركات الزراعية على التدخل في الجوانب الهيكلية للأنظمة الغذائية العالمية يمكن أن تفسر بشكل كبير أيضا بقدرتها على التدخل في هياكل الأنظمة الغذائية العالمية. وسبق لجينيفر كلوب ودوريس فوكس (2009)Jennifer Clapp and Doris Fuchs أن أشارا إلى أن تعزيز هذا القطاع بدأ في سبعينيات القرن العشرين مع التوسع في التجارة الزراعية التي ازدهرت مع ظهور تقنيات الإنتاج الصناعي، فقد تنوعت هذه الشركات في العديد من جوانب قطاع الأغذية وشملت تجارة المنتجات الأولية وتجهيز وبيع التجزئة للأغذية وإنتاج البذور والمنتجات الكيميائية الزراعية. ومع توسع الثورات الخضراء، تم توفير المنتجات التكنولوجية من خلال هذه الكيانات. بالإضافة إلى ذلك، تيسرت عملية استنفاد قوى السوق وتم التشكيك في تدخل الدولة كممارسة في مصلحة الأجندة النيوليبرالية من أجل زيادة تأثير هذا القطاع في النقاش العام، ما تسبب في أن عملياتها في سلاسل إنتاج الغذاء شهدت نموا مستمرا منذ ذلك الحين وأصبحت شرعيتها في دورها في تكامل النظام الغذائي لا يُشكك فيها.

إن محاولة تنظيم أنشطة هؤلاء الفاعلين كانت موضوعا للمفاوضات في إطار الأمم المتحدة في العقد نفسه. ومع ذلك فإن عدم نجاح اعتماد مدونة سلوك للشركات المتعددة الجنسيات يُبرر بادعاءات الدول الغنية القائمة على حاجتها أيضا إلى تعزيز حقوق المستثمرين. وبالتالي فإن التدخل من خلال التمويل والمشاركة في هيئات الحوكمة الوطنية والدولية الرسمية سمح للشركات بالاستمرار في التدخل في مجريات المفاوضات وخلق “بيئات قانونية” تصب في مصالحها؛ كما لعب الاستدلال العلمي دورا مهما في إستراتيجيتها التشريعية وبناء توافقات في النقاش العام، عبر مواصلة تمويل دراسات موجهة من قبل شركات مثل نستله ويونيليفر، التي سمحت بإضافة مكونات الاستدامة لمنتجاتها، وبالتالي زيادة صوتها في مناقشات قضايا الغذاء.

وفي ما يتعلق بالنتائج فإن دور الشركات وصل إلى حد التأثير على جودة وفعالية المبادرات الحكومية. ويتضح أن مختلف المبادرات التي تنشأ من تفوق الشركات، مثل برامج الشهادات التي تقودها الصناعة، تكون عموما ضعيفة وغير فعالة في التعامل مع المشكلات التي تحاول حلها. بالإضافة إلى ذلك، تحد القيود المفروضة على عمليات صنع القرار من خلال هذه الآليات من تبني مسارات أخرى لحل قضايا الأنظمة الغذائية. ويستبعد التفضيل لإستراتيجيات التجارة مناقشات مثل ضرورة إعادة توجيه النفقات العامة للمؤسسات العامة والمجتمعية وإعادة توزيع الثروة. وبالتالي يجب أن تمر إستراتيجيات تجاوز هذه العقبات في المقام الأول من خلال تعزيز الدول والفاعلين في المجتمع المدني في قنوات الحوكمة.

في ختام التقرير، يتم تحديد سلسلة من التوصيات لمواجهة التأثير المتزايد للشركات في الأنظمة الغذائية. يؤكد التقرير على ضرورة التنظيم وتعزيز حوكمة أقوى، ويشمل ذلك تنفيذ سياسات تحد من سلطة الشركات وتعزيز التنوع الزراعي وتعزيز الزراعة العائلية وتشجيع إنتاج الأغذية المستدامة. كما تتطلب التدابير تعزيز الشفافية ومساءلة الشركات، بما في ذلك طلب الكشف عن معلومات حول ممارساتها وتأثيراتها.

بالإضافة إلى ذلك، يؤكد المصدر ذاته على أهمية إستراتيجيات بديلة تعزز مشاركة المجتمعات المحلية والمستهلكين. ويشمل ذلك تعزيز أنظمة غذائية قائمة على النهج الزراعي المتكامل، تقدر التنوع الثقافي والممارسات المستدامة، بالإضافة إلى تسليط الضوء على إجراءات لزيادة الوعي والتعليم لدى المستهلكين بشأن تأثير الشركات واختياراتها الغذائية.

ليخلص التقرير في الأخير إلى أن معالجة هذه المسألة تتطلب جهودا مشتركة من الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمستهلكين، مضيفا أن ذلك لن تم إلا من خلال عمل جماعي وملتزم قادر على ضمان حكم الأنظمة الغذائية بشكل عادل ومستدام لصالح جميع الأشخاص ولصالح كوكب الأرض ككل.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة