الهجوم على الطبيعة يعرض البشرية للخطر: المراسلة الخامسة والأربعون (2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 09 يونيو/ حزيران 2023

في الأسبوع الأخير من أكتوبر/ تشرين أول ذهب جو بيدرو ستيديلي، وهو زعيم حركة فلاحون بدون أرض في البرازيل ومنظمة الفلاحين العالمية لافيا كمبسينا، لحضور اللقاء الدولي للصلاة من أجل السلام، الذي نظمته جماعة سانت إيجيديو. وفي 30 أكتوبر/ تشرين أول أجرت البرازيل انتخابات رئاسية فاز فيها ايناسيو لولا دا سيلفا، المعروف باسم لولا. تناول جزء رئيسي من حملة لولا الانتخابية التهديد والدمار المتهورين لغابات الأمازون من قبل خصمه، الرئيس الحالي جايير بولسونارو. ويوفر فوز لولا، بمساعدة الحملة النشطة من قبل حركة فلاحون بدون أرض، الأمل في فرصة إنقاذ الكوكب. تتضمن المراسلة لهذا الأسبوع الخطاب الذي قدمه ستيديلي في الفاتيكان، ونأمل أن تجدوه مفيداً كما نجده نحن.

<ريكاردو ستوكيرت، لولا يزور حركة فلاحون بدون أرض في إسبيريتو سانتو، 2020.>

تتعرض البشرية اليوم  للخطر نتيجة التفاوت الاجتماعي غير المنطقي والهجوم على البيئة ونمط الاستهلاك غير المستدام في البلدان الغنية الذي يفرضه علينا النظام الرأسمالي ومنطقه القائم على الربح.

الجزء الأول: ما هي المعضلات التي تواجه البشرية؟

1. التغير الدائم للمناخ وآثاره تتجلى يومياً في موجات الحرارة الشديدة والاحترار العالمي والأمطار الغزيرة، والأعاصير المدارية والجفاف في مناطق مختلفة عبر الكوكب.

2. تزايد عدد الكوارث والجرائم خمسة أضعاف في الخمسين سنة الماضية، ما أسفر عن مقتل 115 شخصاً وتسبب في خسائر اقتصادية قدرها 202 مليون دولار في اليوم.

3. تزايدت الجرائم البيئية، مثل إزالة الغابات وحرق الغابات الاستوائية والهجمات على كافة المناطق الأحيائية، ولاسيما في الجنوب العالمي. خسر العالم في عام 2021 وحده 11.1 مليون هكتار من الغابات الاستوائية.

4. لقد فقدت غابات الأمازون المطيرة، التي تمتد عبر تسعة بلدان، ما قدره 30% من الغطاء النباتي نتيجة زحف إزالة الغابات بسبب الضغط على إنتاج الأخشاب وفسح المجال لتربية الماشية وإنتاج فول الصويا، التي يتم تصديرها إلى أوروبا والصين.

5. يتم تدمير جميع المناطق الأحيائية في الجنوب العالمي لإنتاج المواد الزراعية الخام لدول الشمال.

6. يؤثر التعدين الاستغلالي على البيئة والمياه والأراضي، وكذلك على مجتمعات السكان الأصليين والفلاحين، حيث يقوم الآلاف من عمال المناجم غير القانونيين باستخراج الذهب والألماس باستخدام مواد خطرة مثل الزئبق في أراضي السكان الأصليين.

7. يتم استخدام كميات غير مسبوقة  من السموم الزراعية في الزراعة في الجنوب، ما يؤثر على خصوبة التربة ويقتل التنوع البيولوجي ويلوث المياه الجوفية والأنهار، كما يلوث نوعية الإنتاج وحتى الغلاف الجوي.

8. ثبت علمياً أن الغليفوسات يسبب السرطان. وقد فاز نحو 42,700 مزارع أمريكي أصيبوا بالسرطان بالحق في الحصول على تعويض من الشركات التي تنتج وتبيع وتستخدم مادة الغليفوسات التي تعرضوا لها.

9. يتم في جميع أنحاء العالم اليوم زرع المزيد والمزيد من البذور المعدلة وراثياً، بما في ذلك نحو 200 مليون هكتار تمت زراعتها منذ 2019 تتركز في 29 دولة. وتسبب هذه البذور تلوثاً وراثياً للبذور غير المعدلة وراثياً، ما يؤثر على صحة الإنسان ويدمر التنوع البيولوجي للكوكب، لأنها تتطلب استخدام السموم الزراعية.

10. تلوث المحيطات بالمواد البلاستيكية والمخلفات البشرية الأخرى، ما يؤدي إلى قتل العديد من أنواع الأسماك والحياة البحرية. كذلك أدى الاستخدام المفرط للمبيدات الكيماوية إلى تحمض مياه المحيطات، ما يعرض الحياة البحرية برمتها للخطر. ويمكن مشاهدة الدليل على ذلك من خلال رقعة النفايات الضخمة على المحيط الهادي، التي تغطي أكثر من مليون كيلومتر مربع.

11. يتسبب ثاني أكسيد الكربون المنبعث من حرق الوقود الأحفوري وعن طريق النقل الفردي في السيارات في التلوث في المدن الكبيرة، ما يؤدي بدوره إلى وفاة آلاف الأشخاص، إذ يموت 1007 أشخاص في المنطقة الشمالية الشرقية ومنطقة وسط المحيط الأطلسي للولايات المتحدة وحدها نتيجة انبعاثات المركبات في عام واحد.

12. تعاني البشرية من أزمة صحية عامة ترتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة مع تزايد الأوبئة والجوائح، ما أدى إلى أزمة صحية عالمية هائلة تعرض ملايين الأشخاص للخطر. كما أن هذه الظاهرة التي غالباً ما تكون بسبب الانتقال المتزايد للأمراض من الحيوانات إلى البشر (الأمراض الحيوانية المنشأ)  هي نتيجة للتدمير المتزامن للتنوع البيولوجي، إلى جانب توسيع التخوم الزراعية من قبل الشركات الزراعية وشركات الطاقة والتعدين والمواصلات العملاقة، بالإضافة إلى تربية الماشية في المناطق الحضرية الضخمة.

13. إن مجتمعات الفلاحين والسكان الأصليين تحمي مناطق كثيرة على كوكبنا، لكن رؤوس الأموال تهاجمها وتسعى إلى تدميرها من أجل السيطرة على السلع الطبيعية التي تحميها.

14. نمر اليوم بأزمة إيكولوجية اجتماعية لنظام الأرض وتوازن الحياة. وتؤثر هذه الأزمة العالمية على البيئة والاقتصاد والسياسة والمجتمع والأخلاق والأديان ومعنى حياتنا برمته.

15. إن المليارات من الناس الأكثر فقراً في العالم هم الأكثر تضرراً من نقص الغذاء والمياه والسكن والعمالة والدخل والتعليم، وقد أجبرهم تدهور الظروف المعيشية على الهجرة، وقُتل منهم الآلاف، خاصة النساء والأطفال.

16. إن هذه الأزمة المعممة تعرض حياة الإنسان للخطر. وبدون خطوات جريئة، يمكن لكوكبنا  الذي يتعرض للهجوم أن يتجدد، ولكن بدون بشر.

<ادواردو برلينر (البرازيل)، منزل، 2019>

الجزء الثاني: من المسؤول عن تعريض الإنسانية للخطر؟

1. تواجه الرأسمالية أزمة بنيوية، فهي لم تعد قادرة على تنظيم إنتاج وتوزيع السلع التي يحتاجها البشر، ويمنعنا منطقها القائم على الربح ومراكمة رأس المال من تحقيق مجتمع أكثر عدلاً ومساواة.

2. تتجلى هذه الأزمة في الاقتصاد، وفي تزايد التفاوت الاجتماعي، وفي فشل الدولة كضامن للحقوق الاجتماعية، وفي فشل الديمقراطية الرسمية في احترام إرادة غالبية الناس، وفي انتشار القيم الزائفة التي تستند فقط إلى الفردانية والأنانية والاستهلاك. إن هذا النظام غير مستدام اقتصادياً ولا بيئياً، ولا بد لنا من تجاوزه.

3. إن الأطراف الرئيسية المسؤولة مباشرة عن الأزمة البيئية هي الشركات العالمية الكبرى التي لا تحترم الحدود أو الدول أو الحكومات أو حقوق الشعوب. بعض هذه الشركات مثل باير ومنسيناتو وسينجينتا ودوبونت تصنع سموماً زراعية، فيما تدير أخرى قطاعات التعدين والسيارات والطاقة الكهربائية التي تعمل بالوقود الأحفوري، وهناك كذلك من يتحكم في سوق الماء (مثل كوكاكولا وببسي ونيستله) وفي سوق الغذاء العالمي؛ وترتبط بها جميعاً البنوك ورأس المال المالي. وفي العقد الماضي، انضمت إلى هذه الشركات شركات التكنولوجيا العالمية  القوية، وهي التي تتحكم في الأيديولوجيا والرأي العام (مثل أمازون ومايكروسوفت وغوغل وفيسبوك/ميتا وآبل). ويعتبر أصحاب هذه الشركات من بين أغنى الناس في العالم.

4. ومع ذلك، فليست الشركات هي المسؤولة الوحيدة عن الأزمة البيئية، إذ تتم مساعدتها من قبل:

  • الحكومات التي تتستر على جرائم الشركات وتحميها.
  • الإعلام السائد الذي يسعى نحو الربح ويخدم مصالح الشركات ويخدع الناس ويتستر على المسؤولين الحقيقيين.
  • المنظمات الدولية التي شكلتها الحكومات واستولت عليها الشركات الكبرى تحت غطاء المؤسسات الوهمية، والتي تؤثر بشكل مباشر على هذه المنظمات وتكرر الخطاب ذاته فقط وتعقد اجتماعات دولية غير فعالة، مثل مؤتمر الأطراف (COP) الذي اجتمع الآن 27 مرة. وهذا هو الحال حتى مع الأمم المتحدة ومنظمة الغذاء والزراعة.

يجب على جميع هذه الكيانات احترام القانون.

5. أرحب بالموقف الشجاع الذي اتخذه رئيس كولومبيا جوستافو بيترو في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2022 والمنشورات الدورية للبابا فرانسيس، فكلاهما يشكلان نداءات إيقاظ للعالم بأسره.

<تارسيلا دو امارال (البرازيل) بائع الفاكهة، 1925>

الجزء الثالث: ما هي الحلول التي ندعو إليها؟

مازال هناك وقت لإنقاذ البشرية، وكذلك كوكب الأرض، ولذلك فنحن بحاجة إلى الشجاعة لتنفيذ تدابير ملموسة وعاجلة على المستوى الدولي. إننا وبالنيابة عن حركات الفلاحين والحركات الشعبية في الأطراف الحضرية نقترح الآتي:

1. حظر إزالة الغابات والحرق التجاري في جميع الغابات الأصلية والسافانا في جميع أنحاء العالم.

2. حظر استخدام السموم الزراعية والبذور المعدلة وراثياً في الزراعة، وكذلك المضادات الحيوية ومحفزات النمو في تربية الماشية.

3. إدانة جميع الحلول الوهمية لتغير المناخ وتقنيات الهندسة الجيولوجية المقترحة من قبل رأس المال الذي يضارب على الطبيعة بما في ذلك سوق الكربون.

4. حظر التعدين في أراضي السكان الأصليين والمجتمعات التقليدية وكذلك في المحميات البيئية، والمطالبة بإخضاع جميع عمليات التعدين للمراقبة العامة واستخدامه للصالح العام، وليس من أجل الربح.

5. الرقابة الصارمة على استخدام البلاستيك، بما في ذلك في صناعة الأغذية والمشروبات، وجعل إعادة تدويره إلزامياً.

6. إعلان سلع الطبيعة (مثل الغابات والمياه والتنوع البيولوجي) باعتبارها سلعاً مشتركة عالمية في خدمة جميع الناس وجعلها محصنة ضد الخصخصة الرأسمالية.

7. الاعتراف بالفلاحين باعتبارهم الراعين الرئيسين للطبيعة. كما يتعين علينا أن نكافح ضد كبار ملاك الأراضي وننفذ إصلاحات زراعية شعبية حتى نتمكن من مكافحة عدم المساواة الاجتماعية والفقر في الريف وإنتاج المزيد من الغذاء في انسجام مع الطبيعة.

8. تنفيذ برنامج شامل لإعادة التشجير في الغابات بتمويل من الموارد العامة، وذلك بما يضمن الاستعادة البيئية لجميع المناطق القريبة من الينابيع وضفاف الأنهار والمنحدرات وغيرها من المناطق الحساسة بيئياً أو المناطق التي تعاني من التصحر أو إزالة الغابات.

9. تنفيذ سياسة عالمية للعناية بالمياه ومنع تلوث المحيطات والبحيرات والأنهار والقضاء على تلوث مصادر مياه الشرب السطحية والجوفية.

10. الدفاع عن الأمازون وعن الغابات الاستوائية الأخرى في أفريقيا وآسيا وجزر المحيط الهادئ، باعتبارها أراضي إيكولوجية تحت رعاية شعوب بلدانها.

11. تطبيق الزراعة الإيكولوجية كأساس اجتماعي تقني للسيادة الغذائية، بما في ذلك إنتاج غذاء صحي في متناول الجميع.

12. توفير التمويل اللازم لتنفيذ أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، التي ستكون تحت الإدارة الجماعية للسكان في جميع أنحاء العالم.

13. تنفيذ خطة استثمارية عالمية لتوفير النقل العام على أساس الطاقة المتجددة، التي تجعل من الممكن إعادة تنظيم وتحسين ظروف العيش في المدن وتتيح إمكانية اللامركزية الحضرية وتمكين الناس من البقاء في الريف.

14. مطالبة بلدان الشمال الصناعية بضمان الموارد المالية من أجل تنفيذ كافة التدابير اللازمة لإعادة بناء العلاقة بين المجتمع والطبيعة بطريقة مستدامة، علماً أن هذه البلدان كانت تاريخياً مسؤولة عن التلوث العالمي ومازالت مستمرة في اتباع أنماط إنتاج واستهلاك غير عادلة وغير مستدامة.

15. مطالبة كافة الحكومات بوقف الحروب وإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية ووقف العدوان العسكري، وذلك من أجل الحفاظ على الأرواح والكوكب، وانطلاقاً من الفهم المتأصل الذي يرى السلام شرطاً للحياة الصحية.

<انيتا ملفاتي (البرازيل)، استوائي، 1917>

نقترح لكي تتحقق هذه الأفكار ميثاقاً دولياً بين القيادات والمؤسسات الدينية والحركات البيئية والشعبية وصناع القرار والحكومات، وذلك حتى نتمكن من تنفيذ برنامج يرفع وعي جميع السكان. كما نقترح عقد مؤتمر دولي حتى نتمكن من الجمع بين جميع الجهات الفاعلة الجماعية التي تدافع عن الحياة. يجب أن نشجع الناس على النضال من أجل حقهم في الدفاع عن الحياة والطبيعة، ويجب أن نطالب وسائل الإعلام بتحمل مسؤوليتها في الدفاع عن مصالح الناس والدفاع عن الحقوق المتساوية والحياة والطبيعة.

سوف نستمر في النضال من أجل الحفاظ على أرواح الناس وعلى الكوكب، ومن أجل العيش بتضامن وسلام ومساواة اجتماعية، ولكي نتحرر من الظلم الاجتماعي والاستغلال والتمييز بكافة أشكاله.

<ايمليانو دي كافلكانتي (البرازيل)،  مشروع جدارية، 1950>

هذا النص من جو بيدرو ستيديلي هو نداء واضح من حركة فلاحون بدون أرض، التي يدعوها نعوم تشومسكي بـ”أهم حركة جماعية على هذا الكوكب”. نتمنى أن نسمع منكم عن هذه المقترحات ونأمل أن تتبناها الحركات حول العالم في برامج عملها.

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 10 نونبر/ تشرين الثاني 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة