الصين تخرج نفسها من دائرة الفقر بعد قرن من انطلاق الثورة

مشاركة المقال

مدار: 05 تموز/ يونيو 2021

فيجاي براشاد وجون روس

بينما تحتفل الصين بمرور 100 عام على تأسيس الحزب الشيوعي الصيني فإنها تسجل أيضًا القضاء على الفقر المدقع.

أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، في 25 شباط فبراير، أن بلاده التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليارات نسمة أخرجت سكانها من الفقر كما هو معرّف دوليا، ومنذ سنة 1981، انتشل 853 مليون صيني أنفسهم من براثن الفقر، بفضل التدخل الواسع للدولة والحزب الشيوعي الصينيين. وحسب بيانات البنك الدولي فإن ثلاثة أرباع من الذين تم إخراجهم من الفقر يعيشون في الصين.

وقال شي: “لم تتمكن أي دولة من انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر في مثل هذه المدة القصيرة”.

وعندما زار الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الصين في أيلول/ سبتمبر 2019، تحدث بحماس عن هذا الإنجاز، واصفا إياه بأنه “أعظم إنجاز في تاريخ مكافحة الفقر”، وقال: “لقد خفضتم معدلات وفيات الرضع والأمهات، وحسنتم التغذية، وقللتم من آفة التقزم، وخفضتم إلى النصف نسبة السكان المحرومين من مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي”.

وسنة 1949، إبان الثورة الصينية، كان معدل الوفيات وسط الرضع يبلغ 200 لكل 1000 مولود جديد، وانخفض هذا الرقم إلى أقل من 50 بحلول سنة 1980. وأشارت دراسة للبنك الدولي أجريت سنة 1988 إلى أن “الفضل الأكبر في نجاح الصين في تحسين صحة مواطنيها يعود إلى السياسات الصحية ونظامها الوطني لتقديم الخدمات الصحية”، وهذا ما يشكل السياق التاريخي للتعليق الذي أدلى به الأمين العام غوتيريش سنة 2019. وبتعبير آخر فإن مؤسسات الدولة الصينية – التي أفرزتها الثورة التي قادها الحزب الشيوعي الصيني – حسنت شروط الحياة الاجتماعية.

قبل الثورة

في 1949 كانت الصين واحدة من أفقر دول العالم، إذ كانت 10 دول فقط لديها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أقل من الصين، وكانت الكلمات الشهيرة التي ألقاها الرئيس ماو تسي تونغ أثناء الإعلان عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية: “لقد نهض الشعب الصيني”، تعكس قرنا من الإذلال الذي أنتج فقرًا مروعًا في البلاد.

وتجلت مظاهر هذه المعاناة التي أصابت كل البلاد في وفاة ما يقرب من 100 مليون صيني بين سنوات 1840 و1949، جراء الحروب التي نتجت مباشرة عن التدخلات الأجنبية، أو كانوا ضحايا الحروب الأهلية والمجاعات المرتبطة بتلك التدخلات. وعانت الصين من أطول حرب عالمية ثانية من 1937 إلى 1945 (إضافة إلى حرب أهلية استمرت حتى سنة 1949). وبلغ عدد القتلى ما لا يقل عن 14 مليونا (وفق ما وثقه رنا ميتر في كتابه ‘الحليف المنسي: الحرب العالمية الثانية في الصين، 1937-1945’). لقد ناضلت الصين من أجل تأسيس سيادتها ومستقبلها، منذ حرب الأفيون التي بدأت سنة 1839 حتى الغزو الياباني سنة 1931.

لقد كان العبء الرهيب لهذا الماضي هو الذي جمع مجموعة من الجذريين لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني في تموز/ يوليو 1921 في شنغهاي، إذ اجتمعت مجموعة صغيرة مكونة من 13 شخصًا – بمن فيهم ماو – في منطقة الهيمنة الفرنسية بشنغهاي، على متن قارب سياحي في بحيرة نانهو بعد أن جاءت الشرطة الأجنبية من أجلهم بناءً على معلومات من جاسوس. لقد كانت المهمة الرئيسية للحزب الشيوعي الصيني تنظيم وقيادة الطبقة العاملة. وبحلول فاتح أيار/ مايو 1924 تظاهر 100 ألف عامل في شنغهاي، بينما سار 200 ألف عامل في كانتون، وكتب العمال في لافتة: “لقد ولّى العهد الذي كان فيه العمال فريسة لأرباب العمل”، فانخرط الحزب الشيوعي الصيني في هذه النضالات، ونما في خضم الانتكاسات – بما في ذلك مذبحة شنغهاي سنة 1927. وأدت قيادة الحزب للحرب طويلة الأمد ضد الإمبريالية واليابان إلى النصر في نهاية المطاف سنة 1949.

مراحل البناء الاشتراكي

كان على الثورة الصينية أن تواجه دولة محطمة، واقتصادًا مدمرًا، ومجتمعًا في حالة اضطراب عميق. وفي 1949، عاش الشعب الصيني ثلاث سنوات أقل من المتوسط العالمي، وكان أقل تعليما وكان وضعه الصحي سيئا للغاية، وبحلول 1978، أصبح متوسط عمره أطول بخمس سنوات من المتوسط العالمي، وانخفضت معدلات الأمية، وأظهرت بيانات الرعاية الصحية تحسنا ملحوظا. ولأن الصين سنة 1978 كانت تضم 22 بالمائة من سكان العالم، لم يحدث قط في تاريخ البشرية أن تم اتخاذ مثل هذه الخطوة الهائلة إلى الأمام.

ومنذ 1978، مع إطلاق “الإصلاح والانفتاح”، حققت الصين أسرع نمو اقتصادي على الإطلاق تصل له دولة كبرى في التاريخ المسجل، ومن تلك السنة 2020، بلغ متوسط النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للصين 9.2 بالمائة، وارتفع استهلاك الأسر بنسبة 1.800 بالمائة، أي ضعف استهلاك أي دولة متقدمة، وهو ما يدل على أن الحياة اليومية تحسنت بشكل ملحوظ. وبلغت نسبة القادرين على القراءة والكتابة الآن 97.33 في المائة، بعد أن كانت 95.92 في المائة عام 2010، وهو معدل أكبر بكثير من الذي كان يبلغ 20 بالمائة سنة 1949.

وستصبح الصين بحلول سنة 2025  اقتصادًا “مرتفع الدخل” حسب المعايير الدولية للبنك الدولي، وفقًا لجوستين لين ييفو (عضو اللجنة الدائمة في اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، وعميد وأستاذ في معهد الاقتصاد الهيكلي الجديد، بجامعة بكين)، أي إنه في غضون 75 عامًا تقريبًا، أي عمر واحد، ستكون الصين انتقلت من أفقر دولة في العالم تقريبًا إلى اقتصاد مرتفع الدخل – مع كل التحسن الهائل في مستويات المعيشة، ومتوسط العمر المتوقع، والتعليم، والثقافة، والعديد من الأبعاد الأخرى من رفاهية الإنسان التي ستنتج عن ذلك.

ومع تأسيس الحزب الشيوعي الصيني قبل 100 عام من طرف مجموعة صغيرة من الأشخاص، وجد الشعب الصيني قيادة أنقذته من صراع يعود إلى عام 1839. والآن، سيلعب الحزب الشيوعي الصيني دورًا حاسمًا في تقرير مصير ليس فقط الصين، بل مصير العالم. وفي هذا السياق التاريخي يحاول السياسيون والإعلاميون الغربيون التقليل من شأن الانتصارات الاقتصادية والاجتماعية التي حققتها الصين وكأنها جاءت من العدم. لقد ناضل الشعب الصيني من أجل هذه النتيجة لقرون.

أنتج هذا المقال من طرف غلوبتروتر

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة