السعودية..منظمات تعري مآسي وجرائم ضد الإنسان

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 22 كانون الثاني/ يناير 2020

 أعلنت العربية السعودية، في عديد المرات، تدشينها مسار إصلاحات تهم حقوق الإنسان، تدعي خلالها رفع سقف الحريات والتراجع عن بعض القوانين المقيدة لحريات النساء. الدولة التي تمنع تأسيس الأحزاب السياسية، والنقابات، والجمعيات، تسعى إلى تلميع صورتها الحقوقية أمام المنتظم الدولي؛ فما الذي يخفى من كثبان الرمل السعودية في ملف حقوق الإنسان؟.

النساء..سؤال أقبح من زلة لسان!

 مارس 2016، أعلنت “الأكاديمية السعودية للتدريب والاستشارات” تقديمها دورة “هل المرأة إنسان؟”.. ما كان الحدث ليمر دون أن يهتز الرأي العام.. كيف يطرح هذا السؤال في القرن الواحد والعشرين؟ ما أثار موجة انتقادات واسعة للسعودية، وأعاد تسليط الضوء على الوضع المتردي لأوضاع النساء. “هذه الشتيمة التي تنظاف إلى قائمة الشتائم التي لا تنتهي في حق المرأة في المملكة”، يقول مراقب من السعودية، ويضيف آخر: “لست متأكدا من أن هذه المحاضرة التي استغرقت بضع ساعات ستغير العقليات في المملكة السعودية. ومن ناحية أخرى، أظن أن الأكاديمية الشبكية المزعومة تسعى بوجه خاص إلى كسب المال”، حسب برنامج “مراقبون” الفرنسي.

 تزامنا مع قرار السعودية رفع الحظر على قيادة النساء للسيارات، كانت البلاد تقود حملة اعتقالات واسعة في صفوف الناشطات اللواتي ناضلن من أجل هذا الحق، حسب ما أشارت إليه منظمات حقوقية في تقارير.

 منظمة العفو الدولية أعلنت أن “..العربية السعودية تقود حملة تشهير مروعة تحاول تشويه سمعة لجين الهذلول وغيرها من المدافعين عن حقوق المرأة”، وأضافت في التصريح الذي نشر على موقعها الإلكتروني بتاريخ 19 أيار/ مايو 2018: “لا يمكن للسعودية إعلان دعمها لحقوق المرأة وغيرها من الإصلاحات على الملأ، في وقت تستهدف المدافعات عن حقوق المرأة والناشطاء بسبب ممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها”.

وأشارت المنظمة نفسها، في تصريح نشرته خلال يناير الجاري، إثر مقاطعتها أشغال “مجموعة العشرين للمجتمع المدني العالمي”، الذي تستضيفه السعودية هذه السنة: “مازالت الناشطات البارزات في مجال حقوق المرأة في البلاد وراء القضبان ويخضعن للمحاكمة بسبب دفاعهن عن حقوق المرأة في البلاد”، وأضافت: “سجل حقوق الإنسان في السعودية مروع كما كان دائما”.

 ولا تستطيع المرأة في السعودية أن تتخذ قراراتها بنفسها، فهي خاضعة لنظام “الولاية الشرعية”، الذي تخضع بموجبه لسيطرة الرجل؛ فكل امرأة سعودية لها ولي أمر ذكر، عادة ما يكون والدها أو زوجها، وفي بعض الحالات يمكن أن يكون ابنها أو شقيقها، وهم الذين لهم الحق في سلطة اتخاذ القرارات الأساسية مكانها؛ وهو النظام الذي بموجبه يتعين على المرأة الحصول على تصريح من ولي أمرها للسفر والزواج أو حتى مغادرة السجن؛ وقد يفرض عليها إظهار موافقة ولي أمرها كذلك للعمل أو الحصول على رعاية صحية.

واعتبرت منظمة العفو الدولية أن “نظام الولاية الذي تفرضه السعودية يرتكز على تأويل متشدد جدا لآية قرآنية غامضة، وهو تأويل عارضته عشرات النساء السعوديات”، وأضافت أن “السعودية تعتبر المرأة قاصرا قانونيا طيلة حياتها”.

 ورغم أن النظام السعودي ألغى القيود المفروضة على النساء فوق 21 سنة، ومنحهن بعض الصلاحيات المتعلقة بأحوالهن المدنية، إلا أنه نفذ حملة قمع شاملة ضد المعارضين والنشطاء المستقلين، بما فيها موجتان من الاعتقالات الجماعية سنة 2019. وحسب “مايكل بيج”، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش فإن: “الإصلاحات المتعلقة بالنساء السعوديات لا تمحو المضايقات والاعتقالات المتفشية للنشطاء والمفكرين السعوديين، بمن فيهم نشطاء حقوق المرأة، الذين عبَّروا عن آرائهم سرا أو علانية. إذا كان لدى السعودية أي أمل في إعادة تلميع صورتها الملطخة، على السلطات الإفراج فورا عن جميع المحتجزين فقط لانتقاداتهم السلمية”.

 وشددت المنظمة نفسها، في “التقرير العالمي 2020” الذي تراجع فيه ممارسات حقوق الإنسان في حوالي 100 دولة، على أن “قادة السعودية، بمن فيهم ولي العهد محمد بنسلمان، لم يواجهوا أي عدالة حقيقية خلال 2019 بالنسبة للانتهاكات التي ارتكبتها عناصر أمن الدولة خلال الأعوام القليلة الماضية، بما فيها مقتل الصحافي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018 والتعذيب المزعوم للمدافعات عن حقوق المرأة”.

الرسائل السياسية بقطع الرؤوس!

 لا تتوانى السعودية في إعدام معارضيها، فحسب تصريح لمنظمة العفو الدولية، قامت سلطات البلاد بإعدام 37 شخصا أدينوا بالإرهاب. “إن غالبية الذين تم إعدامهم هم من الشيعة الذين أدينوا بعد محاكمات صورية انتهكت المعايير الدولية للمحاكمة العادلة واستندت إلى اعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب”، تقول المنظمة نفسها في التصريح الذي نشرته على موقعها في نيسان/ أبريل 2019، وأضافت أن من بين من تم إعدامهم 14 شخصا أدينوا بارتكاب “جرائم تتعلق بمشاركتهم في التظاهرات المناهضة للحكومة..وقالوا للمحكمة إنهم تعرضوا للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة السيئة أثناء استجوابهم من أجل انتزاع “اعترافات” منهم”..

“العائلات لم تكن على علم بعمليات الإعدام مقدما، وصدمت عندما علمت بالنبأ”، يضيف التصريح. وبين من أعدموا شاب شيعي قبض عليه وعمره 16 عاما، وأدين بجرائم تتعلق باشتراكه في احتجاجات مناهضة للحكومة. وبموجب القانون الدولي، يحظر استخدام عقوبة الإعدام في حق الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما وقت ارتكاب الجريمة.

وخلال سنتي 2018 و2019 فقط، بلغ عدد الإعدامات التي نفذتها السعودية ما يزيد عن 253، حسب منظمة العفو الدولية. وعلقت جريدة السفير على الإعدامات السعودية بأنها “فردية كانت أم جماعية، متشابهة، فقرار الإعدام ليس نتاج آلية عمل جهاز قضائي يمتلك لوائح وقوانين تصدر وفقها العقوبة، بل كان ومازال أحد سبل توجيه الرسائل السياسية أولا”. وأردفت الجريدة نفسها: “هناك خزان بشري من الرؤوس للقطع في أي لحظة”.

 ولم ينس العالم بعد اغتيال السعودي جمال خاشقجي، سنة 2018، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول/ تركيا، بعدما أوى إليها لاستصدار وثائق لإتمام زواجه بخطيبته. وحسب ما أوردته مصادر إعلامية واستخباراتية فإن اغتيال الصحافي خاشقجي، وهو من رجالات النظام سابقا، لجأ إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد التحولات التي حدثت في النظام السعودي، تم عن طريق فريق إعدامات يأمره محمد بن سلمان، الأمير السعودي، واستخدمت مناشير وأدوات لتقطيع أوصاله وإخفائها. ورغم ذلك تشير تقارير إلى أن المتورطين الحقيقيين في جريمة “إعدام خارج القانون” لم تتم محاكمتهم.

عقد مع الشيطان

 السعودية لا تتوانى في استخدام وسائل متعددة من أجل استهداف المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان، حتى لو اقتضى الأمر التعاقد مع أطراف تسمها شعوب المنطقة “أعداء”، كما هو الحال بالنسبة للكيان الصهيوني.

ففي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أعلنت شركة فايسبوك أنها تقاضي مجموعة “إن إس إو” بعد أن استغلت ثغرة أمنية في تطبيق واتساب لاستهداف مدافعين عن حقوق الإنسان. وحسب ما كشفت عنه أبحاث، من بينها ما أورده مجلة “فوربس”، فإن المعارض جمال خاشقجي كان من بين من تعرضوا للاختراق، بالإضافة إلى معارضين سعوديين معروفين، من بينهم عمر عبد العزيز، ويحيى العسيري، وغانم المصارير.

 مجموعة “إن إس أو” هي شركة بالكيان الصهيوني، تقوم ببيع برنامج “بيغاسوس” الذي تم استخدامه لاختراق حسابات العشرات من المعارضين عبر العالم، لصالح الأنظمة التي تتجسس على مواطنيها، ومن بينها أنظمة توصف بالديكتاتورية كالعربية السعودية. ومن بين من تم استهدافهم أيضا حسب جريدة “الغارديان” البريطانية مواطنون سعوديون موجودون داخل الأراضي السعودية وخارجها أيضا.

 وأوردت الجريدة أن السعودية “حصلت على صلاحيات استخدام البرنامج المذكور سنة 2017 مقابل 55 مليون دولار”، وهو برنامج حساس ويصنف من طرف وزراة الدفاع الصهيونية بأن “سلاح”. كما أوردت الجريدة نفسها أن منظمة العفو الدولية لم تسلم أيضا من هجمات إلكترونية بنفس البرنامج، إذ استهدفت بمواد خبيثة سعودية.

اليمن..انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان

 شنت السعودية بتحالف مع عشرات الدول “الإسلامية”، من بينها الإمارات والبحرين.. الحرب على اليمن، في ما أسمتها “عاصفة الحزم”. العمليات انطلقت بقيادة السعودية منذ آذار/مارس 2015، من أجل دعم حكومة عبد الهادي منصور التي كانت قد انهارت أمام الحوثيين وحلفائهم..العدوان الذي شنته السعودية على الشعب اليمني مازال مستمرا، والخسائر فادحة.

 وحسب تقرير أعدته جريدة الأخبار (اللبنانية) فإنه منذ بداية الحرب على اليمن بلغ عدد الوفيات 233 ألفا، 131 ألفا منها بسبب العنف المباشر، و102 ألف بسبب انعدام الرعاية الصحية وشح الغذاء. كما انتشر وباء الكوليرا في 21 من أصل 22 محافظة يمنية. وحسب التقرير نفسه فإن 5 أطفال يموتون كل ساعة جراء أمراض يمكن الوقاية منها.

 وقدر البنك الدولي الكلفة المادية للأضرار التي لحقت بالبنى التحتية بما يقارب خمسة مليارات دولار، نال منها قطاع التعليم 105 ملايين دولار، وقطاع النقل 108 ملايين دولار، وقطاع الطاقة 153 مليون دولار، أما قطاع الصحة فتقدر فيه الخسائر بـ532 مليون دولار. أما قطاع الإسكان فقط نال القسط الأكبر من الدمار، إذ بلغ ما تقارب قيمته 3.9 مليارات دولار.

 وبينما مازالت الحرب مستعرة، تدعي السعودية أنها سيطرت على 85 بالمئة من الأراضي اليمنية، غير أنها في واقع الأمر فشلت في السيطرة على العاصمة صنعاء والمناطق ذات الغالبية السكانية التي مازال الحوثيون يسيطرون عليها إلى جانب حلفائهم، فيما اكتفت السعودية وحلفاؤها بالسيطرة على مساحات صحراوية شاسعة، حسب تقرير جريدة الأخبار اللبنانية الصادر في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

 وبينما مازالت الحرب على اليمن مستمرة، فإن الأرقام التي تمت الإشارة إليها في تزايد مستمر؛ أرقام تدل على حجم المجزرة التي ارتكبت، والمآسي التي جرها التدخل السعودي وحلفاؤه على أوضاع حقوق الإنسان باليمن؛ إذ سبق لصحيفة الغارديان البريطانية أن قالت إن تقريرا للجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة نشر قائمة بأسماء 160 شخصية سياسية وعسكرية ربما تواجه اتهامات بـ”ارتكاب جرائم حرب”. وتتضمن هذه القائمة أسماء من السعودية والإمارات.

 كما أشارت الصحيفة نفسها إلى أن لجنة الخبراء أكدت أن الحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية رفضا التعاون لتسهيل سير التحقيقات… لجنة الأمم المتحدة قالت إن هناك فشلا جماعيا من جانب المجتمع الدولي “لمنع انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في اليمن”.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة