رواندا…مائة يوم من العذاب واستباحة الأرواح

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 22 يناير/ كانون الثاني 2020

مجزرة رواندا واحدة من أبشع المجازر التي شهدتها القارة الإفريقية باعتبارها مرتعا للاستعمار واستنزاف الثروات، ما جعل مثل هاته الأحداث غير منعزلة، بل واردة الحدوث باستمرار، ولأن العالم سهل مسألة الهروب إلى الأمام في ما يخص التحقيقات؛ وما يزكي من بشاعتها هو عدد الضحايا الذي بلغ مئات الآلاف، والمدة الزمنية القصيرة التي استمرت 100 يوم فقط، كسرت الروابط الأسرية وأبرزت أسوأ ما يمكن أن يصل إليه الإنسان.

جذور التقسيم الاثني برواندا

قبل الاستعمار، كان الشعب الرواندي يتألف من مجموعة عرقية واحدة فقط، هي “بانيارواندا”، تدين بدين واحد وتتكلم لغة واحدة؛ وحتى العادات كانت متناسقة إلى حد كبير مع وجود بعض التفاوتات الاقتصادية التي كانت سببا في بعض التوترات. لكن ذلك لن يدوم طويلا، فبحلول نهاية القرن التاسع عشر تناوب على استعمار رواندا كل من الاحتلال الألماني في فترة أولى ثم البلجيكي؛ بينما يبقى الأخير واضع ومهندس التقسيم العرقي الذي سنشهده في ما بعد عن طريق مجموعة من الخطوات؛ فبالاعتماد على الاختلافات الجسدية بين مكوني الهوتو والتوتسي، اللذين كانا يعتبران متكاملين بالنظر إلى التعايش الذي كان ساريا، أعلن البلجيكيون عام 1930 أن التوتسي كانوا متفوقين على الهوتو بسبب “ميزاتهم الجسمانية”.

وعام 1945 قام البلجيكيون باعتماد بطاقات التسجيل الرسمية لدى الهيئات الحكومية التي تم ذكر الأصل العرقي فيها. عزز استخدام هذه البطاقات ظهور توترات أقوى بين الهوتو والتوتسي، ما جعل حسب التقارير اللاحقة المسؤولين الكنسيين يدخلون على الخط ويعتبرون أن الهوتو أسمى من أي عرق آخر لأنهم الغالبية الساحقة، ما عزز نزعات الكراهية حتى وصلت حد المطالبة بالاستقلال عن بعضهم البعض.

الأحداث التي أشعلت شرارة النزيف

أخذا بعين الاعتبار الحالة التي كان يعيشها المجتمع الرواندي بسبب السياسة القائمة على التراتبية، التي أحكم تنزيلها الاحتلال البلجيكي عن طريق تشريعها حسب القوانين التي كانت معتمدة آنذاك، والتي يمكن أن تكون نواة لأي تناحر، يبقى الفتيل الذي أشعل نيران مائة يوم من العذاب بالاعتماد على مجمل إن لم نقل كل الروايات المستحضرة في أطوار المحاكمات، وانطلاقا من بعض البرامج التي قامت باستقصاءات حول مجريات الأحداث، أنه في السادس من أبريل 1994 تم إسقاط طائرة الرئيس الرواندي، الذي قاد البلاد لستة عشر عاما بعد وصوله للحكم عن طريق انقلاب عسكري، محافظا على نفس قوانين الفصل، ما حذا بأغلبية الهوتو التي ينتمي إليها الرئيس إلى الإشارة بأصابع الاتهام إلى أقلية التوتسي، مدعوما بالقوة الهائلة للإعلام التي سخرت من أجل ذلك، وقد قادت تهييجا ممنهجا بالنظر إلى نتائج المحاكمة التي أثبتت ضلوع صحافيين في ذلك، وخصوصا بواسطة “راديو الألف تلة” الذي كان شعاره “أنهوا العمل” كدلالة عن القتل، كما كان يحدد أماكن التوتسي.

“قام الرب بإنزال الجحيم إلى الأرض”، تعبير لبعض من عاصر هاته الأيام السوداء، وكان محظوظا ليعيش ليرويها..أناس يجوبون الشوارع بالسواطير والسكاكين مرادهم قتل كل من لا يشاطرهم الجانب نفسه.. أزواج قتلوا زوجاتهم لنفس السبب، والأبشع من ذلك كله أن رجال كنائس كانوا يقتلون أناسا داخل دور العبادة أو يدلون على آخرين أووا إليهم طلبا للحماية. وقد قدمت الكنيسة اعتذارا تلي بتاريخ 20 نونبر 2016 في جميع أبرشيات البلاد كنوع من رد الاعتبار.

وقود الاستمرارية

بعد الدور الكبير الذي لعبته وسائل الإعلام في التجييش والتهييج، كان من الضروري إيجاد التمويل، ففي خضم وضع كل ما يمكن أن يتطور فيه هو المعاناة والاقتتال بالنظر إلى التزايد في أعداد القتلى وعدم القدرة على السيطرة عليه، قامت FMI بشراكة مع صندوق النقد الدولي بتقديم قرض لرواندا آنذاك، عن طريق وزارة الدفاع التي عرفت في ما بعد أثناء أطوار المحاكمة أنها كانت تحرك كل شيء من أجل الاستفادة من القرض تحت غطاء دعم التطور الزراعي.

كما أن فرنسا كانت قد وافقت في وقت رفضت بلجيكا على تصدير أسلحة إلى رواندا وسط معمعان الصراع القائم؛ مع العلم أن فرنسا كانت من الأطراف الموكل لها حفظ الأمن طيلة مدة تواجد المحكمة الدولية التي أوجدت خصيصا في رواندا للتحقيق في الأحداث الجارية آنذاك.

أرقام تلخص 100 يوم من العذاب

-انطلقت الأحداث في 6 أبريل 1994

-حوالي 1000000 ضحية من الجانبين الأغلبية الساحقة من التوتسي، حسب إحصائيات الخاصة بالمحكمة الدولية وبعض المنضمات الإقليمية التي قامت بجرد تغيرات السكان قبل وبعد.

-استمرت المجزرة 100 يوم كأفظع ما مرت به البشرية في هذا الوقت القصير.

-مقتل حوالي %77 من ساكنة التوتسي في رواندا حسب الإحصائيات.

-استمرت المحكمة الدولية الخاصة بأحداث رواندا من مهد الأحداث حتى 31 دجنبر 2015.

حسب دراسة أجرتها UNICEF على 3000 طفل فإن %80 من الأطفال فقدوا فردا من عائلتهم على الأقل أثناء الأحداث، %70 كانوا شاهدين عن قتل أو إصابة، %35 عاينوا أطفالا يصيبون أو يقتلون أطفالا آخرين، %88 شاهدوا جثثا أو أطرافا منها، %80 اختبؤوا للنجاة، %61 تلقوا تهديدات بالقتل و %90 ظنوا أنهم سيموتون.

مآل التحقيقات

بعد سنين من التحقيقات أغلقت المحكمة الدولية قضية مجزرة رواندا بصفة نهائية وسط موجة من التشكيك في مصداقية الأحكام، ولعل أبرزها الحكم على وزير الدفاع آنذاك والعقل المدبر بـ35 عاما، مع إمكانية عدم إكمال كل المدة السجنية إذا ما تم تقديم طلب بعد استيفاء ثلثي المدة السجنية، وهذا ما قام به مؤخرا في انتظار الرد.

“مجمل الأحكام كانت لا ترقى إلى حجم الكارثة”، هكذا كانت ردود معظم عائلات الضحايا. تم الحكم على بعض الشخصيات المهمة التي كانت تنتمي إلى “الجبهة الوطنية الرواندية” التي قادت الأحداث، والآن تقود البلاد دون أن يتم إدراج هذا الحزب سواء في جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

أغلقت القضية، لكن هل اندملت جراح من كان ينتظر رد الاعتبار والقصاص؟.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة