مدار + وكالات: 07 أيار/ مايو 2021
يبدو أن الامتعاض العالمي من احتكار حقوق الملكية الفكرية الخاصة باللقاحات المضادة لفيروس كوفيد19، من طرف المختبرات والشركات الغربية، بدأ يؤتي أكله، إذ ساهمت التعبئة التي شهدتها المعمورة في دفع قادة العالم إلى دعم فكرة التعليق المؤقت لبراءات اختراعات اللقاح الذي يجب أن يكون في متناول الجميع.
وفي وقت تعاني الدول الفقيرة من نقص كبير من الجرعات ومع تفاقم الوضع الوبائي في العديد من البلدان، أعلنت الولايات المتحدة الأربعاء 05 أيار/ مايو أنها تؤيد رفع براءات اختراع اللقاحات المضادة لكورونا. وقالت ممثلة التجارة الأميركية كاثرين تاي، في بيان نقلته وكالات الأنباء العالمية، إن حقوق الملكية الفكرية للشركات مهمة، إلا أن واشنطن “تدعم التنازل عن تلك الحماية للقاحات كوفيد-19″، وأضافت: “هذه أزمة صحية عالمية، والظروف الاستثنائية لجائحة كوفيد-19 تستدعي اتخاذ تدابير استثنائية”.
خطوة تأتي بعد انتقادات واسعة لاحتكار تصنيع اللقاحات المضادة للفيروس التاجي من طرف الشركات والمختبرات الغربية. وبينما استطاعت الدول الغنية التقدم في عمليات تطعيم مواطنيها، تكابد الدول الفقيرة لتوفير المواد الأولية للوقاية، وسط خسائر فادحة في الأرواح.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية أن المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أشاد يوم الأربعاء بـ”قرار تاريخي”. وقال داميان أوكونور، الوزير النيوزلندي للزراعة والأمن الحيوي: “نرحب بشدة وندعم بقوة اقتراحات رفع براءات اختراع اللقاحات. نعمل بشكل فاعل مع شركائنا لإحراز تقدم في هذا الملف”.
ولا تبدو المختبرات الأمريكية سعيدة بانحناءة واشنطن أمام الانتقادات العالمية لاحتكار لقاح ليس ككل اللقاحات، في سياق يفتك الوباء بملايين الأرواح، وضرب الاقتصاديات الهشة في المقتل، وسط تقارير دولة تتحدث عن تقهقر معدلات الفقر نحو أرقام مخيفة.
واعتبر “الاتحاد الدولي للمصنعين والجمعيات الصيدلانية” أن قرار الولايات المتحدة “مخيّب للآمال”، وفق ما جاء في بيان تناولته الصحافة الأمريكية على نطاق واسع، وأضاف: “نتفق تماما مع الهدف المتمثل في مشاركة اللقاحات المضادة لكوفيد-19 بشكل سريع وعادل في جميع أنحاء العالم؛ ولكن كما قلنا مرارا وتكرارا، فإن التعليق (لبراءات الاختراع) هو الحل السهل ولكن الخاطئ لمشكلة معقدة”.
ويرى ستيفن أوبل، رئيس الاتحاد الأمريكي لصناعة الأدوية، أن هذا القرار يمكن أن “يضعف بشكل أكبر سلسلة الإمداد التي تشهد صعوبات أساسا ويشجع انتشار لقاحات مزورة”، وزاد أنه يجب بدلا من ذلك معالجة مشكلة التوزيع والتوفير “المحدود” للمواد الأولية، نقلا عن “أ ف ب”.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الخميس، في لقاء عبر التليفزيون: “نسمع من أوروبا فكرة جديرة بالاهتمام في رأيي، وهي إلغاء براءات الاختراع عن اللقاحات المضادة لكوفيد-19 برمتها”، موضحا أن “روسيا ستدعم بالتأكيد خطوة كهذه”. وقال بوتين: “كما قلت مرّات عديدة.. علينا ألا نفكر في كيفية تحقيق الحد الأقصى من الأرباح، بل في كيفية ضمان سلامة الناس”، حسب ما نقلته وكالة “سبوتنيك” الروسية.
وحثت منظمة الصحة العالمية على التضامن في مجال اللقاحات، وبحثت الدول الأعضاء في مجموعة السبع (الولايات المتحدة واليابان وكندا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا) الأربعاء في لندن سبل زيادة مساعدتها المالية أو تقاسم الجرعات الفائضة لمساعدة الدول الفقيرة.
وحتى الآن، تملك المختبرات الأميركية بشكل أساسي براءات الاختراع، وهي تعارض عموما هذا الأمر لأنه سيحرمها من عائدات مالية ضخمة تدرها اختراعاتها، حسب المصدر الفرنسي.
وتم اقتراح السماح للبلدان بتجاوز حقوق براءات الاختراع الخاصة بالمنتجات الطبية المرتبطة بالجوائح في منظمة التجارة العالمية في أكتوبر/ تشرين الأول، من قبل الهند وجنوب إفريقيا، ومنذ ذلك الحين تم دعمه من قبل ما يقرب من 60 دولة.
وسبق أن أورد “مدار” أن الشركات الغربية المصنعة للقاحات المضادة للفيروس التاجي ترفض بشدة رفع حقوق الملكية الفكرية عن اللقاحات، تحت ذريعة أن هذه التكنولوجيا “ستصبح بيد روسيا والصين”؛ إذ “حذر صانعو اللقاحات الولايات المتحدة من أن إلغاء براءات الاختراع مؤقتًا المتعلقة بكوفيد19 يهدد بتسليم تكنولوجيا جديدة إلى الصين وروسيا”، وفق تقرير لصحيفة الفايننشال تايمز.
وقامت عشرات المنظمات والشخصيات الأوربية بإطلاق حملة تهدف إلى جمع التوقيعات من مختلف دول الاتحاد الأوروبي، قصد التقدم بطلب للمجمع الأوروبي من أجل التصويت على تقييد الحماية الفكرية فيما يخص اللقاحات. واعتمدت الحملة في رؤيتها لإمكانية تحقيق هذا الهدف على القانون 168، الذي ينص على أن الوضع الصحي هو أولوية كل الدول الأعضاء، كما يجب على الدول أن تقف بجانب بعضها؛ بالإضافة إلى المادتين 114 و118 اللتين تنصان على أن الاتحاد الأوروبي يحمي الملكية الفكرية في إطار لا تكون فيه هذه الأخيرة تؤثر على المثل الإنسانية، وأنه يمكن الدعوة إلى تصويت تكون محوره النقطة المتعلقة بالملكية الفكرية، وفق ما أشرنا إليه في تغطية سابقة.
وتسبب الوباء بوفاة أكثر من 3,2 مليون شخص في العالم منذ أن أبلغ مكتب منظمة الصحة العالمية في الصين عن ظهور كوفيد-19 في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2019 حسب حصيلة أعدتها وكالة فرانس برس الأربعاء.
ويرافق توجس المختبرات العالمية من إلغاء حقوق الملكية الفكرية على اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، رهانات اقتصادية بحتة.
وقالت وكالة بيلومبورغ، إن شركتي بايونتيك وفايزر لديهما القدرة على صنع ما يصل إلى 3 مليارات جرعة من لقاح كوفيد19 هذا العام، ما يرفع من توقعاتهما الإنتاجية رغم تصاعد الضغط للتنازل عن براءات الاختراع الخاصة بهما.
وسنة 2022، سيزيد الشريكين من قدرتهما الإنتاجية إلى أكثر من 3 مليارات جرعة، حسبما ذكرت بيونتيك في بيان عبر البريد الإلكتروني، في أرقام تزيد عن ضعف ما قالت إنها تستطيع تصنيعه قبل ستة أشهر الماضية، وفق المصدر ذاته.
وفور إعلان المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعمها للجهود الرامية إلى تعليق براءات الاختراع، هوت أسهم بايونتيك وغيرها من مطوري اللقاحات، وفق بيلومبورغ.
وهوت أسهم شركة موديرنا الأمريكية أيضا، بنسبة 12 بالمائة، في أول تعاملات أمس الخميس في البورصة، بعد أن دعمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التنازل عن براءات الاختراع على لقاحات كوفيد-19. وبينما أصبحت توقعات الإيرادات الفصلية للشركة غامضة في عين المحللين، يوضح المصدر نفسه في قصاصة مستقلة، الهبوط المدوي نفسه شمل نوفافاكس، وكيوريفاك إن في.
وتم حجز أكثر من نصف جرعات لقاح كوفيد19 البالغ عددها 12.5 مليار، التي تخطط شركات الأدوية لإنتاجها هذا العام، من قبل الدول الأكثر ثراءً، ما يعني أن 13 بالمائة فقط من سكان العالم سيحصلون على مناعة ضد كوفيد 19 هذا العام. وتشير التقديرات إلى أنه من المرجح أن يتم تطعيم سكان البلدان الأكثر ثراءً ضد كوفيد 19 بحلول منتصف 2022، بينما في الاقتصاديات الفقيرة سيستغرق التحصين الشامل حتى عام 2024، إذا حدث، وستدفع هذه الدول تكلفة هذا التأخير على شكل 2.5 مليون حالة وفاة كان من الممكن تجنبها، وفق ما كشفه “مدار” و“بيبلز ديسباتش” سابقا.
وهناك عقبة أخرى أمام طريق التحصين الشامل من الفيروس التاجي، وهي التكلفة المرتفعة التي تتحملها البلدان الفقيرة مقابل اللقاحات. وعلى سبيل المثال تدفع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حوالي 2 دولار لكل جرعة من لقاح أوكسفورد-أسترازينيكا، وهو أرخص لقاح متاح، في حين تدفع جنوب إفريقيا أكثر من ضعف هذا المبلغ! هذا على الرغم من أن تجارب هذا اللقاح أجريت في جنوب إفريقيا. وعلاوة على ذلك فإن أوغندا، وهي أكثر فقراً، تدفع حوالي أربعة أضعاف هذا المبلغ، وفق المصدر نفسه.
ويُعتقد الخبراء أن التعليق المؤقت للأقسام المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية سيساعد في زيادة الإنتاج إلى مستوى كافٍ لتلبية احتياجات سكان العالم بحلول منتصف عام 2022. ويبقى منع وقوع الملايين من الوفيات رهينا بقدرة الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على الإجماع على تعليق هذه الحقوق، حسب تقريرنا السابق.
وفي ظل رضوخ الدول الغنية تباعا للمطالب التي أيدتها أغلب الدول النامية، يتبدى بعض من النور في نهاية النفق، لكن الشركات المصنعة مازالت تحتفظ بأوراق قد تأتي بما لا تشتهي السفن. وحتى الحسم في الموضوع، تراهن الحركات الشعبية ومنظمات الشعوب على المزيد من التعبئة من أجل عالم يضع الأرواح قبل الأرباح.