نيوفرايم/ مدار: 13 تشرين الثاني/ نونبر 2021
يتحدث نقاد في الهند عن أن الحكومة بقيادة رئيس وزرائها، ناريندرا مودي، لا تفعل شيئا حيال الهجمات التي يتعرض لها المسلمون في الشمال الشرقي للبلاد في سبيل الحصول على الدعم السياسي.
واجتاحت على مدار الفترة الماضية موجة عنف ضد المسلمين ولاية تريبورا الصغيرة في الهند، حيث شنت جماعات قومية هندوسية يمينية هجمات ضد المساجد والممتلكات الخاصة والشركات المملوكة لمجتمع الأقلية.
واندلعت هذه الأحداث بعد أن نظم منتسبو حركة هندوتفا، التي تسعى إلى ترسيخ هيمنة الهندوس والهندوسية في الهند، مسيرات كانت ردا على الهجمات التي تعرض لها الهندوس في بنغلاديش المجاورة، ذات الأغلبية المسلمة.
وتم تنظيم العشرات من المسيرات عبر أنحاء تريبورا، التي تحدها بنغلاديش من ثلاث جهات، واشتبك إثر ذلك المتظاهرون مع الشرطة بعد رفض السماح لهم بالاستمرار في المسيرات. فيما تحول تجمع قوامه 10000 شخص في دارماناجار إلى حريق متعمد وتخريب ضد المسلمين.
وقدمت جمعية علماء الهند، وهي منظمة إسلامية بارزة، مذكرة إلى رئيس وزراء الولاية في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، تحمل إفادات باستهداف العديد من المساجد والمواقع التي تهيمن عليها الأقليات، وأضاف رئيسها المفتي طيب الرحمن أن المسلمين في “المناطق البعيدة” يخشون مغادرة منازلهم.
كما وردت أنباء عن أعمال عنف كبيرة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول، حينما تعرض مسجد لأضرار ونُهبت بعض المحال التجارية والمساكن المملوكة لمسلمين. واجتاحت في الوقت نفسه هذه الأعمال التخريبية مناطق أخرى، إذ تعرض السكان المسلمون للترهيب، وتم إضرام النيران في متاجرهم، مع استهداف عشرات المساجد. كما قال شهود عيان إنهم رأوا متظاهري هندوتفا – وكثير منهم يحملون العصي والقضبان الحديدية والسيوف وعلب الوقود – وهم يهتفون ضد المسلمين في مسيرات، وقاموا برفع أعلام بلون الزعفران، رمز القومية الهندوسية، فوق المساجد التي تم استهدافها.
ووفقا لجمعية حماية الحقوق المدنية فقد تم توثيق حوالي 27 حادثة عرفت مهاجمة المساجد والشركات والمنازل والأشخاص في المجتمعات الإسلامية. وقال سكرتير الجمعية، نديم خان، إن السلطات في تريبورا على ما يبدو ليس لديها نية لوقف العنف، إذ لم يتم اتخاذ أي إجراءات من شأنها أن تضع حدا له.
وأضاف المتحدث ذاته: “تصر الحكومة على أن الوضع طبيعي وتستمر في إلقاء اللوم على الأحداث في بنغلاديش في ما يخص أعمال العنف الجارية في الولاية، والمفارقة أنه حتى الآن تم اعتقال 500 شخص في بنغلاديش، لكن الوضع مازال متوترا في تريبورا”.
النفي والتفنيد
نفت حكومة الولاية، التي يقودها حزب بهاراتيا جاناتا، وقوع أي أعمال عنف، وحثت في المقابل الناس على الامتناع عن نشر الشائعات. وقالت شرطة تريبورا على “تويتر” في 27 أكتوبر/ تشرين الأول إن الوضع “طبيعي تماما”، ولم يتم حرق أي مساجد، مضيفة أن هناك من لديهم بعض “المصالح الخاصة” يحاولون زعزعة السلام.
وقامت إدارة الولاية مؤخرا بمنع أي تجمع يفوق عدده خمسة أشخاص في تريبورا، فيما قالت الشرطة إنها قامت بتعزيز الأمن في المناطق الحساسة.
في غضون ذلك، وجهت المحكمة العليا في تريبورا مذكرة لحكومة الولاية قصد تقديم إفادة خطية بحلول 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، توضح بالتفصيل الإجراءات التي تم اتخاذها من أجل منع المزيد من أعمال العنف. كما شكل حزب بهاراتيا جاناتا لجنة من خمسة أعضاء للتحقيق في الحوادث.
ودانت في المقابل سكرتارية الحزب الشيوعي الهندي المعارض (الماركسي) العنف وطالبت بالقبض على الجناة، موردة: “بعض الشركات الصغيرة … عانت كثيرا، وقد أدى ذلك إلى خلق حالة مقلقة في المنطقة، وهناك شهود من السكان المحليون أكدوا أن [العنف] وقع أمام الشرطة”.
وقال زعيم حزب المؤتمر الوطني الهندي، راهول غاندي، إن الحكومة “تتظاهر” بعدم وجود مشكلة في الولاية، كما كتب في تغريدة: “إخواننا المسلمون يتعرضون لمعاملة وحشية في تريبورا. أولئك الذين يتبنون الكراهية والعنف باسم الهندوس ليسوا هندوسا، إنهم منافقون. إلى متى ستستمر الحكومة في التظاهر بالعمى والصمم؟”.
لكن الناطق باسم حزب بهاراتيا جاناتا، نابيندو باتاشاريا، ادعى أن هناك “مؤامرة سياسية” وراء الحوادث الأخيرة “للإساءة إلى اسم الحكومة وتعطيل السلام والهدوء في الدولة”. واتخذت منظمة “فيشفا هندو باريشاد” اليمينية القومية موقفاً مماثلا، إذ زعمت أن تقارير العنف تنهل من “أخبار كاذبة” ينشرها “الجهاديون”، وقال المتحدث باسمها، فينود بانسال، إنها نظمت تجمعات سلمية فقط.
استهداف اليسار
تريبورا هي ثالث أصغر ولاية في الهند، ويبلغ عدد سكانها حوالي أربعة ملايين نسمة، يتحدث جميعهم تقريبا البنغالية، التي تعتبر اللغة الرسمية لبنغلاديش. ويمثل المسلمون أقل من 10% من السكان، فيما لا يوجد لدى الولاية تاريخ يذكر في الصراع الهندوسي الإسلامي.
وحكم الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)، الذي تهيمن عليه الطبقة العليا من الهندوس بادرالوك، الولاية في العقدين الماضيين. وأدى عدم الرضا بين بعض السكان الأصليين إلى تأسيس جبهة السكان الأصليين في تريبورا عام 2016، مطالبة بدولة منفصلة، ما أدى إلى أعمال شغب بين هذه الجماعات والهندوس البنغاليين. الأمر الذي سمح لحزب بهاراتيا جاناتا بشق طريقه في الولاية بعد تشكيل تحالف مع الجبهة، ما أدى إلى تشكيل الحكومة الحالية في عام 2018.
ويُنظر إلى أعمال العنف الأخيرة التي قادتها مجموعات هندوتفا على أنها امتداد لموجة مستمرة من الهجمات السياسية على اليسار في تريبورا. ووفقا لبيان صادر عن الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) فقد تعرض ما يزيد عن 44 مكتبا لمنتسبي اليسار للهجوم والحرق والتخريب في 7 و 8 شتنبر/ أيلول، كما تعرض أنصار الحزب للهجوم، وتم إحراق 67 من منازلهم ومتاجرهم. ومُنع رئيس الوزراء أربع مرات والزعيم الحالي للمعارضة، مانيك ساركار، من زيارة دائرته الانتخابية.
ويرى المراقبون أن تصاعد وتيرة العنف يرجع إلى بالأساس إلى فقدان حزب بهاراتيا جاناتا النفوذ السياسي بين الأشخاص الذين وصل دعمهم إلى السلطة في تريبورا. وقد انتزع التحالف الإقليمي التقدمي للسكان الأصليين في تيبراها، وهو تحالف من الجماعات السياسية والاجتماعية “الأصلية”، تدريجياً الدعم “القبلي” من حزب بهاراتيا جاناتا.
وأشارت مقالة افتتاحية في صحيفةThe Indian Express إلى أن تريبورا لها سوابق في ما يخص التصدع الاجتماعي، وما واكب ذلك من تقسيم وهجرة، الأمر الذي أدى إلى تمرد عنيف في التسعينيات؛ وساعدت السنوات القليلة الماضية من السلام الولاية على إعادة بناء اقتصادها والظهور كمؤثر في سياسة قانون الشرق التي تتبعه الهند، الذي يقوم على أساس العلاقات الودية مع ميانمار وبنغلاديش.
وقالت الصحيفة: “إنه لمن المقلق بعد ما يقارب العقدين من السلام النسبي أن الشمال الشرقي بدأ يغلي مرة أخرى”، مضيفة: “إن خطوط الصدع القديمة – الأرض واللغة والعرق والعقيدة – بدأت مرة أخرى في تشكيل التحركات السياسية في المنطقة”، مذكرة في الآن نفسه بأن السياسيين يستغلون هذه الأمور “لتحقيق مكاسب انتخابية تافهة بتكلفة باهظة للأمة”.