اقتحام المخيمات في الضفة الغربية.. استراتيجية الاحتلال الفاشلة لإخماد المقاومة

مشاركة المقال

مدار: 24 نيسان/ أبريل 2024

راية. ر. (من فلسطين)

“هذه المرأة تلد الأولاد فيصيروا فدائيين. هي تخلّف وفلسطين تأخذ”. لا زالت رمزية أم سعد في وصف الأم الفلسطينية تتجدد كل يوم، مع سقوط كل شهيد على أرض فلسطين، فهذه أم الشهيد عبد اللطيف غنام، تودع نجليها في يومين متتالين، بعد ان ارتقيا دفاعًا عن الوطن خلال حصار مخيم نور شمس. “خنساء مخيم نور شمس” كما أصبحوا يطلقون عليها، وّدعت ابنان شهيدان آخران قبل عدة شهور.

“ما ظلليش حدا يا سليم”، بهذه الكلمات ودعت ابنها الشهيد سليم دون أن تعرف أنها ستودع ابنها محمود في اليوم التالي من حصار المخيم.

سناء الزبيدي، لاجئة فلسطينية تقطن في مخيم جنين، تجسّد معاني الصمود والتحدي، إذ تعرض منزلها للهدم ثلاث مرات، في الانتفاضتين الأولى والثانية، وأعادت بناءه مرة تلوى الأخرى.

تقول سناء وهي أم لثلاث بنات وأربعة أولاد، استشهد اثنين منهم في العام المنصرم، “زمان كنت أزعل واتضايق لما تنهدم الدار وبقول فدا الشباب. واليوم بقول فدا الشباب، أنا بزعلش ع الدور يا خالتي حتى ع السجن بقول عادي بنزورهم”، تقصد إيليا، حفيدتها من ابنها الشهيد نعيم الزبيدي، وزادت: “إيليا أنا انبسطت لما انولدت ع الأقل أبوها بشوفها وهي شافت أبوها بس سناء -ولدت بعد استشهاد والدها بثلاثة أشهر- هي ما شافت أبوها وأبوها ما شافها.”

وأكملت حديثها: “جثمان داوود -ابن شقيق زوجها، الشهيد الذي ربته بمثابة ابنها، بعد استشهاد والديه في اجتياح مخيم جنين عام 2002، وهو أيضا زوج ابنتها- بعده عند الاحتلال، إحنا طول عمرنا بنناضل مشان حق العودة هو رجع للـ 48 يعني أمنيته، الواحد يعني في المناسبات يروح عند قبره يزوره  بس كمان في جانب ثاني بجوز الناس ما بتحسه، ما دام احنا ما استلمناش جثته احنا بعدنا بنشعر أنه ما زال عايش وما زال حي”.

في الوقت الذي تستمر فيه الهجمة على أبناء الشعب الفلسطيني في غزة لما يزيد عن ستة أشهر، تشهد الضفة الغربية تصاعدا غير مسبوق في وتيرة الهجمات الصهيونية، شملت اعتقالات واغتيالات واقتحامات بمدن الضفة وقراها ومخيماتها كافة.

هذه الإعتداءات لم تصدر عن جيش الاحتلال فحسب، وإنما زادت هجمات المستوطنين على المواطنين وأراضيهم وممتلكاتهم.

وبينما تمنع السلطة الفلسطينية أي مظاهر انتفاض ورفض للواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، تبقى المخيمات أحد أهم المعاقل الأبرز للمقاومة والتحدي.

لطالما حاول الكيان الصهيوني اقتلاع المقاومة وخاصة المسلحة من الضفة الغربية، إما بالملاحقة والاعتقالات والاغتيالات، أو بسياسة العقاب الجماعي التي تطال المقاومين وذويهم، من اعتقال وتنكيل واقتحامات.

وقد ازدادت هجمات الاحتلال على المخيمات الفلسطينية بعد اندلاع أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، تزامنا مع ازدياد وتيرة العمليات التي تنفذها الكتائب المسلحة في الضفة الغربية.

سياسة العقاب الجماعي توسعت أيضا لتستهدف مناطق بأكملها، حسب ما أظهرته التطورات الأخيرة على الأرض.

ويُعتبر مخيم نور الشمس الواقع بمدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة، كغيره من المخيمات الفلسطينية التي باتت معقلا للمقاومة المسلحة، بعد أن وجدت سببها في استمرار الاحتلال وترهل الموقف السياسي للسلطة الفلسطينية، والملاحقة المستمرة للمقاومين والمنتمين للأحزاب، خصوصا التي تتخذ الكفاح المسلح نهجًا لها؛ وهكذا باتت المخيمات معقلا للمقاومة المسلحة.

ومنذ أكثر من عامين بدأت هذه الحالة بالتجدد في مخيم جنين للاجئين وامتدت لتنتشر في نابلس وأريحا وطولكرم ومناطق أخرى في الضفة.

وشنّت قوات الاحتلال منتصف الأسبوع الماضي عملية عسكرية استمرت لثلاثة أيام في مخيم نور شمس، إذ اقتحمت مساء الخميس مستقوية بالجرافات العسكرية مخيم طولكرم، ومارست أعمال تخريب وتدمير للبنى التحتية ومنازل المواطنين وممتلكاتهم، وفرضت حصارًا كاملًا على الأهالي، وعزلتهم عن محيط المخيم، وسط انقطاع تام للتيار الكهربائي، المياه، الاتصالات والانترنت.

ووصف الأهالي هذا الاقتحام بـ “الأعنف في تاريخ المخيم”، منذ الانتفاضة الثانية.

يروي سكان هذا المكان قصصا مرعبة حول التوغّل. أحمد العارف، شاب أصيب خلال الاقتحام الذي استمر لمدة ثلاثة أيام، وتوجه لأحد المنازل لتلقي العلاج، لتقتحم قوات الاحتلال البيت الذي لجأ إليه وتغتاله بدم بارد أمام مرأى الحاضرين.

أما فتحي نصر الله، وهو مسعف فلسطيني يمارس واجبه الوطني والمهني في مستشفى ثابت ثابت، توجه إلى الحالة لإسعاف حالة حضرت على عجل، ليتفاجأ بأنه طفله الصغير قيس والذي كان يتجول في شوارع المخيم لحظة الاقتحام. استشهد الصبي وكفّنه والده شهيدًا.

وحسب مسعف متطوع داخل مخيم نور شمس، توفي المسن أبو أيمن الغريفي في المخيم وبقي جثمانه في المنزل لثلاثة أيام، طيلة أيام الحصار، ولم يتمكن الإسعاف من الدخول إلى المخيم، مما حال طيلة هذه المدة دون نقل الجثمان إلى المستشفى لبدء مراسم الدفن.

قوبلت هذه العملية العسكرية، بمواجهة من المقاومين، في المخيم، وسقوط عدد من الشهداء. وشنّت قوات الاحتلال حملات اعتقالات وتحقيق ميداني للمواطنين، ومنعت الطواقم الطبية من الوصول إلى جثامين الشهداء والمصابين، كما فرضت حصارًا مشددًا على مستشفى ثابت ثابت الحكومي وسط طولكرم.

قوى سياسية فلسطينية دعت على خلفية هذه التطورات إلى توسيع المواجهة مع الاحتلال، ودعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيان إلى “تصعيد الاشتباك المفتوح مع جنود الاحتلال ومستوطنيه في جميع مناطق الضفة الغربية المحتلة”.

واعتبر الحزب الفلسطيني ذاته أن حملة الاحتلال في مدينة طولكرم ومخيمها تأتي ضمن المحاولة لـ “إجهاض المقاومة، وضرب الحاضنة الشعبية لها في المدن والمخيمات الفلسطينية خاصة شمال الضفة لمنع توسعها وتطورها وانتقالها إلى عموم الضفة”.

من جانبها، أدانت حركة الجهاد الإسلامي حصار مخيم نور شمس، واصفة “الصمت المريب” تجاه هذه الأحداث بأنه “ضوء أخضر للكيان المجرم للمضي في مخططاته المعلنة”، وفي مقدمتها طرد الشعب الفلسطيني من أرضه.

حركة المقاومة الإسلامية “حماس” شددت على “تواصل وتكثيف الحشد وحالة النفير العام في الضفة والقدس، وتصعيد المواجهة والاشتباك وإرباك الاحتلال في كل المناطق وبشتى السبل والأدوات”، وفق تعبيرها.

وكان الهلال الأحمر الفلسطيني أكد تمكن طواقمه من إخلاء 14 شهيدا من نور شمس بعد انسحاب قوات الاحتلال، بعد ثلاثة أيام متواصلة من المنع والحصار.

ودعت لجان القوى الوطنية والإسلامية، تنديدًا بـ “مجزرة” الاحتلال بمخيم نور شمس وضد “حرب الإبادة المستمرة بغزة”، إلى تنظيم إضراب عام في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل.

وشارك الآلاف في تشييع الشهداء الـ 14، وسط هتافات منددة بالاحتلال. وكان ملفتا ظهور قائد كتيبة مخيم نور شمس، أبو شجاع، في الجنازة ليودّع رفاق دربه في الكفاح. مما فنّد مزاعم الاحتلال باغتياله.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة