المراسلة 26: درع اللقاح في كوبا والاحتكارات الخمسة التي تشكل هيكل العالم

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 16 آب/ غشت 2021 

فيجاي براشاد

راؤول مارتينيز (كوبا)، Yo he visto (“لقد رأيت”)، تاريخ غير معلوم

في عام 1869، وفي سن الخامسة عشرة، نشر خوسيه مارتي وأصدقاؤه الشباب مجلة في كوبا أسموهاLa PartiaLibre (الوطن الحر)، تبنت موقفًا قويًا ضد الإمبريالية الإسبانية. ضم العدد الأول والوحيد من المجلة قصيدة مارتي بعنوان “عبد الله”. تدور القصيدة حول الشاب عبد الله الذي يجابه كل الصعاب لتحرير وطنه الأصلي، الذي يسميه مارتي “نوبيا”. لقد كتب مارتي: “ليست هناك حاجة إلى أمجاد ولا تيجان لمن يتنفسون الشجاعة”. “دعونا نركض إلى القتال… إلى الحرب، أيها البواسل”. وفي خطاب عبد الله المؤثر تأتي هذه الكلمات الغنائية:

دع شجاعة أرواحنا الحربية

تخدمك يا وطني كالدرع.

تم القبض على مارتي والحكم عليه بست سنوات من الأشغال الشاقة، وأرسلت الحكومة الإمبريالية الإسبانية في نهاية المطاف الشاب الكوبي إلى المنفى عام 1871. أمضى مارتي هذا الوقت – معظمه في نيويورك – في كتابة قصائد وطنية ومقالات وتعليقات سياسية، وفي تنظيم مقاومة الإمبريالية الإسبانية؛ وعاد إلى وطنه عام 1895، وقُتل بعد ذلك بوقت قصير في مناوشة.. إن إرثه راسخ في الحرب ضد الإسبان عام 1898 وفي الثورة الكوبية التي بدأت عام 1959.

إن كلمات مارتي حول “الشجاعة الحربية” التي كانت بمثابة “درع” للوطن تشكل الأساس لاسم اللقاح الكوبي الجديد Abdalla (عبد الله). تم تطوير هذا اللقاح، وهو خامس لقاح يتم إنتاجه في كوبا، من قبل مركز الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية (CIGB) في هافانا. أشارت بيوكوبافارما عند الإعلان عن نتائج تجارب اللقاح، وهي أهم مؤسسة في مجال التكنولوجيا الحيوية والأدوية في كوبا، إلى أن معدل فعالية اللقاح يبلغ 92.28٪، وهو ما يعادل تقريبًا معدل فعالية لقاحات فايزر (95%) وموديرنا (94.1%). يتم إعطاء اللقاح الكوبي على ثلاث جرعات، بين كل منها فارق أسبوعين، وتخطط السلطات الكوبية لتطعيم ثلاثة أرباع الكوبيين بحلول شهر أيلول\سبتمبر. لقد تم بالفعل إعطاء أكثر من 2.23 مليون لقاح لـ 11 مليون شخص في الجزيرة الكوبية، وتم تطعيم 1.346 مليون شخص بجرعة واحدة على الأقل، و770390 شخص بالجرعة الثانية، و148738 شخصا بالجرعة الثالثة.

خوان روبيرتو دييغو دوروثي (كوبا)، Tu Lugar (“مكانك”)، 2006.

تعتزم كوبا بالفعل تصدير اللقاحات إلى بلدان في جميع أنحاء العالم، وقد أنتجت حتى الآن خمسة لقاحات مختلفة مرشحة لذلك، بما فيهاSoberana 02   واللقاح الأنفي الخالي من الإبرة Mambisa. إن هذا الأخير، الذي يشكل أملاً كبيراً لتلقيح سكان البلدان منخفضة الموارد، يحمل اسم جنود حرب العصابات الذين قاتلوا في حرب السنوات العشر (1868-1878) من أجل الاستقلال عن إسبانيا.

تم تطوير كل من هذه اللقاحات في ظل ظروف الإكراه التي فرضها الحصار الأمريكي غير القانوني. لقد صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنويًا منذ عام 1992 ضد الحصار الأمريكي، باستثناء عام 2020 عندما لم يكن هناك تصويت بسبب الجائحة. وفي 23 يوليو 2021، صوتت 184 دولة عضو في الأمم المتحدة مرة أخرى لإنهاء هذا الحصار. قال وزير الخارجية كوبا برونو رودريغز باريا في سياق الجائحة إن الحصار الأمريكي على كوبا “مثل الفيروس، يختنق ويقتل، ويجب أن يتوقف”. كانت إحدى الجرائم الناتجة عن الحصار عدم قدرة كوبا على شراء أجهزة التنفس الصناعي لعلاج المرضى ذوي الحالات الحرجة، إذ إن الشركتين السويسريتين المنتجتين لتلك الأجهزة (IMT Medical AG وAcutronic) اشترتهما شركة أمريكية (Vyaire Medical, Inc.) في شهر نيسان / أبريل 2020. لقد طورت كوبا الآن جهاز تنفس صناعي خاص بها استجابة لذلك.

وتعاني كوبا في الوقت ذاته من نقص في الحقن، إذ إن مصنعيها مرتبطون بطريقة أو بأخرى مع صناعة الأدوية الأمريكية؛ فلدى شركتي Terumo و Nipro اليابانيتين عمليات في الولايات المتحدة، في حين أن شركة Melsungen AG الألمانية هي شريكة Concordance Healthcare Solutions الأمريكية. أما شركة الحقن الهندية Hindustan Syringes&Medical Devices Ltd فمرتبطة بشركة Envigo الأمريكية، ما يجعل الحكومة الأمريكية تعاينها بدقة. في ظل ذلك، وكلفتة تضامنية مع كوبا، تجري الآن حملة لجمع التبرعات وشراء الحقن لكوبا.

بلقيس أيون (كوبا)، La consagración III (“التقديس”)، 1991.

يحتسب مشروع Our World in Data (عالمنا في بيانات) أنه اعتبارا من 27 يونيو تم تلقيح 2.8 مليارات نسمة من أصل 7.7 مليارات شخص في العالم، بينما حصل أكثر بقليل من 23٪ من سكان العالم على الجرعة الأولى من اللقاح. لكن البيانات تظهر أن حملات التطعيم كانت متفاوتة بشكل متوقع، ففي البلدان منخفضة الدخل تلقى 0.9٪ فقط من السكان جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. قال رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم في شهر نيسان\أبريل 2021: “مازال هناك اختلال صادم في توازن التوزيع العالمي للقاحات؛ ففي المتوسط تلقى ​​في البلدان مرتفعة الدخل واحد من كل أربعة أشخاص لقاحًا، بينما تلقى واحد من بين أكثر من 500 لقاحاً في البلدان منخفضة الدخل. دعوني أكرر ذلك: واحد من كل أربعة مقابل واحد من كل 500″، وزاد أنه بحلول أيار\مايو 2021 كان العالم في وضع “تطعيم الفصل العنصري”.

وأشار مركز القارات الثلاث في إحدى مراسلاته في شباط\فبراير 2021 إلى أننا عشنا في زمن “فصل عنصري ثلاثي” (أو ثلاثة أبرتهايدات) يشمل الطعام والمال والدواء. ففي قلب الفصل العنصري الطبي تكمن قومية اللقاحات وتخزينها، وكما قال غيبريسوس الفصل العنصري للتطعيم. إن هذه أمور خطيرة للغاية، فقد شهد تحالف اللقاحات COVAX ابتعاد اللقاحات عن متناول يديه بسبب الصفقات الثنائية التي يتم إجراؤها بين الدول الغنية والشركات المصنّعة للقاحات، وبسبب نقص الدعم المالي من الدول الغنية للدول الفقيرة. وتشير الاتجاهات إلى أن العديد من البلدان لن تطعّم أعدادًا كبيرة كافية من سكانها قبل عام 2023، وهذا “إذا حدث ذلك أصلاً” حسب قول وحدة المعلومات الاقتصادية.

راؤول كوراليس فورنوس (كوبا)، La caballería (“الخيّالة”)، 1960.

ما هو سبب هذه الأبرتهايدات الثلاثة؟ هو السيطرة التي تمارسها قلّة من الشركات على الاقتصاد العالمي، تدفعها خمسة أنواع من الاحتكارات، كما أوضحها صديقنا الراحل سمير أمين:

  1. احتكار العلم والتكنولوجيا
  2. احتكار الأنظمة المالية
  3. احتكار الوصول إلى الموارد
  4. احتكار السلاح
  5. احتكار الاتصالات

إننا ننظر عن كثب إلى هذه القائمة وإلى العلاقة بين كل عنصر من هذه العناصر، ونحللها لمعرفة ما إذا كان هناك أي شيء تم استبعاده. جادل أمين بأن الافتقار إلى التصنيع ليس وحده هو الذي يؤثر على تبعية الدول؛ لقد اقترح أن ما أبقى العالم في حالة عدم مساواة كبيرة هي هذه الاحتكارات الخمسة. فرغم تطوير العديد من البلدان في العالم لصناعات على مدار الخمسين عامًا الماضية، مازالت غير قادرة على المضي قدماً بالأجندات الاجتماعية لشعوبها.

إن في محور النقاش حول الفصل العنصري للقاحات اثنان على الأقل من هذه الاحتكارات: احتكار الأنظمة المالية واحتكار العلم والتكنولوجيا. يجذب الافتقار إلى الموارد المالية العديد من دول العالم إلى صندوق النقد الدولي (IMF) أو إلى العديد من المستثمرين العامين (نادي باريس) أو إلى رأس المال التجاري (نادي لندن). يأخذ هؤلاء المموّلون زمام المبادرة من صندوق النقد الدولي، الذي دعا البلدان إلى تقليص العديد من المجالات الحاسمة للحياة البشرية، كالتعليم والرعاية الصحية.

يؤدي قطع الأموال المخصصة للتعليم إلى استنزاف قدرة البلدان على تطوير أعداد كافية من العلماء، فضلاً عن المناخ العلمي اللازم لإنشاء التقنيات الأساسية مثل اللقاحات. إن قطع التمويل عن أنظمة الرعاية الصحية واعتماد قواعد الملكية الفكرية التي تمنع نقل التكنولوجيا يترك البلدان منزوعة القدرة على التعامل بشكل مناسب مع هذا الوباء.

لقد دفع نقص الأموال العديد من الدول إلى التخلي عن إمكانية تعزيز رفاهية سكانها (اعتبارًا من أبريل 2020، تنفق 64 دولة على سداد ديونها أكثر مما تنفق على الرعاية الصحية). لا يكفي أن نطالب بنقل التكنولوجيا إلى دول في خضمّ جائحة حتى تتمكن من صنع اللقاحات. إن التكنولوجيا هي علم الأمس، والعلم هو تكنولوجيا الغد.

إن استخدام الثروة الاجتماعية للشعوب وتعليم العلوم وإرساء معيار أساسي لمحو الأمية العلمية هي دروس أساسية استخلصناها من هذه الجائحة، وهي دروس تعلمها الكوبيون جيدًا. لهذا السبب طورت كوبا، ورغم كل الصعاب، خمسة لقاحات مختلفة. إن لقاح “عبد الله” واللقاحات الكوبية الأربعة الأخرى هي درع ضد فيروس كورونا. تنبثق هذه اللقاحات من الإنتاجية الاجتماعية لكوبا الاشتراكية، كوبا التي لم تستسلم لبشاعة الاحتكارات الخمسة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة