مدار: 19 كانون الثاني/ يناير 2024
حذّرت منظمة “أوكسفام” الدولية من الامتيازات الضريبية التي تستفيد منها الشركات الكبرى والتي “فاقمت من حجم عدم المساواة” حول العالم، مبينة أن ثروات أغنياء العالم تضاعفت منذ عام 2020 بنسبة 114 بالمائة، فيما تفاقم فقر خمسة مليارات شخص في “عقد من الانقسام”.
وعبّرت “أوكسفام” عن مخاوف بشأن زيادة عدم المساواة في العالم، حيث يجمع أغنى الأفراد والشركات ثروات أكبر جرّاء ارتفاع أسعار الأسهم، كما يكسبون أيضًا وبشكل ملحوظ المزيد من القوة. وتستخدم هذه القوة “من خلال الضغط على العمّال، وإثراء المساهمين الأثرياء، والتهرب من الضرائب، وخصخصة الدولة”، متهمة الشركات الكبرى بمفاقمة “عدم المساواة من خلال شن حرب مستدامة ومؤثرة جداً على الضرائب”، مع عواقب بعيدة المدى.
وتدعو المنظمة إلى كسر الاحتكارات وفرض ضرائب دائمة على الثروات والأرباح الزائدة، مبينة أنّ فرض ضريبة على ثروات أصحاب الملايين والمليارات في العالم يمكن أن يدرّ 1.8 تريليون دولار سنويًا.
ومن المتوقع أن يشهد العالم ولادة أوّل تريليونير على الإطلاق في العالم في غضون عقد واحد فقط، فيما سيستغرق الأمر أكثر من قرنين من الزمان لإنهاء الفقر، بحسب المنظمة ذاتها.
أما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فقد تضاعف إجمالي ثروات المليارديرات تقريبًا من 24 مليار دولار أمريكي في عام 2020 إلى 40.1 مليار دولار أمريكي في عام 2023.
وحققت 148 شركة كبرى أرباحًا بقيمة 1.8 تريليون دولار، بزيادة 52 بالمئة عن متوسط 3 سنوات، وقدّمت مدفوعات ضخمة للمساهمين الأثرياء، فيما واجه مئات الملايين تخفيضات في الأجور التي لم تعد تواكب مستويات التضخم.
و كشف تقرير جديد أصدرته “أوكسفام”، تزامناً مع افتتاح مؤتمر دافوس، على تفاقم الهوة بين فقراء وأغنياء العالم، وعن اللامساواة وسلطة الشركات العالمية.
وشهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ازدياداً لعدد المليارديرات من 12 شخص في عام 2020 إلى 14 شخص عام 2023. كما أن 1% من سكان المنطقة يمتلكون 47.6% من إجمالي الثروة المالية، في حين تبلغ عائدات الضرائب المحتملة على هذه الثروة 84 مليار دولار أمريكي كل عام.
وتكرّست الزيادة الهائلة في الثروات الفاحشة في السنوات الثلاث الماضية، فيما لا يزال الفقر العالمي غارقًا في مستويات ما قبل الجائحة.
وأوضحت الوثيقة المذكورة أن المليارديرات أصبحوا أكثر ثراءً بمقدار 3,3 مليار دولار عما كانوا عليه في العام 2020، وذلك رغم الأزمات العديدة التي أثّرت على اقتصاد العالم منذ بداية هذا العقد، من بينها جائحة كورونا. إذ نمت ثرواتهم ثلاث مرات أسرع من معدل التضخم.
من جهته، أعلن المدير التنفيذي المؤقت لمنظمة أوكسفام أميتاب بيهار أننا نشهد بدايات عقد من الانقسام، إذ يتحمّل مليارات الأشخاص موجات الصدمة الاقتصادية الناجمة عن الجائحة والتضخم والحرب، فيما تزدهر ثروات أصحاب المليارات.
وأوضح بيهار “إنّ الشركات ذوات السلطة الاحتكارية الجامحة هي آلة لتوليد اللامساواة: فمن خلال الضغط على العمّال والعاملات، والتهرّب من دفع الضرائب، وخصخصة الدول، وتحفيز انهيار المناخ، تحوّل هذه الشركات ثروة لا نهاية لها إلى أصحابها من أصحاب الثراء الفاحش أصلًا”.
وعلى الرغم من أنّ الدول الغنية تمثل 21 بالمئة فقط من سكان العالم، إلاّ أنّها تملك في شمال الكرة الأرضية 69 بالمئة من الثروة العالمية فيما هي موطن لـ 74 بالمئة من ثروة أصحاب المليارات في العالم.
وتعود ملكية الأسهم بالفائدة على الأغنياء بأغلبية ساحقة. ويمتلك أغنى 1 بالمئة من البشر 43 بالمئة من جميع الأصول المالية العالمية. وهم يمتلكون 48 بالمئة من الثروة المالية في الشرق الأوسط، و50 بالمئة في آسيا، و47 بالمئة في أوروبا.
وكشفت المنظمة في تقريرها أنّ الضرائب على الشركات انخفضت بشكل كبير في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وذلك من 48 بالمائة في العام 1980 إلى 23,1 بالمئة في 2022. ودعت إلى معالجة هذا الخلل عبر فرض ضريبة على ثروات أصحاب الملايين والمليارات في العالم، لافتةً إلى أن ذلك قد يحقق 1,8 تريليون دولار سنوياً، مع وضع حدٍّ أقصى لأجور المدراء التنفيذيين، وتفكيك الاحتكارات الخاصة.
وأكّدت الدراسة إنّ الشركات تمكنت من خلال الضغط المكثف على صانعي السياسات الضريبية من خفض قيمة الضرائب التي تدفعها، ما يحرم الحكومات من أموال يمكن استخدامها دعماً مادياً للفئات الأكثر فقراً في المجتمع، كاشفة الطريقة التي تم بها شن “الحرب على الضرائب” من قبل الشركات، وانخفاض معدل الضريبة الفعلي على الشركات بنحو الثلث في العقود الأخيرة، في حين قامت الشركات بلا هوادة بخصخصة القطاع العام وممارسة التمييز في خدمات مثل التعليم والماء.
وحسب المصدر ذاته، تضرّ الاحتكارات بالابتكار وتسحق العمّال والشركات الصغيرة. فلم ينسَ العالم كيف حرمت احتكارات الدواء ملايين الأشخاص من لقاحات كورونا، وخلقت نظام فصل عنصري في مجال اللقاح، بينما صاغت ناديًا جديدًا من أصحاب المليارات.
ودعت “أوكسفام” الحكومات إلى تقليص الفجوة بين أصحاب الثراء الفاحش وبقية المجتمع بسرعة وبشكل جذري من خلال عدة إجراءات، أبرزها كبح جماح سلطة الشركات، عبر تفكيك الاحتكارات وإضفاء الطابع الديمقراطي على قواعد براءات الاختراع. وسنّ تشريعات خاصة بأجور المعيشة، ووضع حدّ أقصى لأجور الرؤساء التنفيذيين، وفرض ضرائب جديدة على أصحاب الثراء الفاحش والشركات، بما في ذلك الضرائب على الثروة الدائمة والأرباح الزائدة. “لا يجب أن تكون الشركات التنافسية والمربحة مقيّدة بجشع المساهمين. وتعادل الشركات المملوكة ديمقراطيًا عائدات الأعمال بشكل أفضل”، تقول “أوكسفام”.