نيوز كليك/ مدار: 25 كانون الأول/ ديسمبر 2021
إن الافتقار إلى إطار عمل وطني يهدف إلى حماية اللاجئين يعني أن اعتراف الهند باللاجئين وحمايتهم أمر لا يمكن الاعتماد عليه، لأن ذلك يخضع للإرادة والدوافع السياسية. وتسلط حالة الروهينغا في الهند الانتباه مرة أخرى إلى الحاجة إلى قانون صارم وموحد لحماية الفارين من الاضطهاد.
على مدار التاريخ الطويل للهند، لطالما رحبت باللاجئين، بمن فيهم اليهود الفارون من الاضطهاد، والتاميل السريلانكيون والتبتيون والأفغان، الذين كانوا يشتركون في مسألة هروبهم من العنف. لكن، وعلى الرغم من الصيت الإيجابي الذي أخذته الهند في هذه الأمور، إلا أن التعامل مع الروهينجا مختلف بشكل واضح، فالبلد الآن موطن لحوالي 40.000 من الروهينجا، 16.500 فقط منهم تم تسجيلهم لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR).
في الأسبوع الماضي، استأنف عشرة من الروهينجا الذين تم إيداعهم سجن تيزبور المركزي في ولاية آسام أمام محكمة جواهاتي العليا، إما لمنحهم وضع لاجئ أو إعادتهم إلى ميانمار. هؤلاء العشرة تم القبض عليهم وسجنهم عام 2014 لدخولهم البلاد دون وثائق صالحة، وظلوا مسجونين طوال السنوات السبع الماضية. سعيد الرحمن ومحمد الله وعائلاتهم هم من قرية كوندانج في ولاية راخين، بميانمار.
أثناء الاستماع إلى الالتماس، خلص القاضيان كوتيسوار سينغ ومالاسري ناندي إلى أنه: “تم التسليم بأن الملتمسين الحاليين هم من مواطني ميانمار المعترف بهم، والذين أدينوا لدخولهم هذا البلد دون وثائق مناسبة، وقد قضوا الأحكام التي أصدرتها المحكمة المختصة، وظلوا يقبعون في السجن طيلة السنوات السبع الماضية”.
وقالت المحكمة العليا إن “السلطات لم تتخذ أي قرار بهذا الصدد، وإن الملتمسين يقبعون في السجن دون أن يكون هناك أي تطور في ملفاتهم”.
هذا وسبق أن قدم الالتماس نفسه أمام محكمة جوهاتي العليا لأول مرة عام 2017. وفي ذلك الوقت تم توجيه محامي الدولة لإبلاغ المحكمة بما تقترح فعله مع مقدمي الالتماس، وبعد ذلك، وبالضبط في مارس/ آذار 2020، قال محامي الدولة إن سفارة ميانمار لم تكن قادرة على تحديد عناوين سوى عدد قليل من مقدمي الالتماسات، وطلبت من الهند تقديم نماذج بيانات شخصية جديدة بمعلومات دقيقة، مشددة على أنه لا يمكن أن تحدث أي عودة إلى الوطن فقط بعد التحقق من الجنسية من قبل سفارة ميانمار.
أزمة الروهينجا
الروهينجا هم مجتمع مسلم من دون جنسية ينحدر من ولاية راخين في ميانمار، ويعود تراثه إلى شرق البنغال، وبالضبط ببنغلاديش. وفر في أوائل التسعينيات ربع مليون شخص من بنغلاديش إلى راخين، في حدث أطلق عليه “النزوح الجماعي الثاني”؛ وفي المقابل لا تعترف ميانمار بهم كمواطنين أو كواحدة من 135 مجموعة عرقية في البلاد، وتعاملهم كمهاجرين غير شرعيين. فيما أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، في عدة مناسبات، أن الروهينجا هم من بين أكثر الجماعات العرقية اضطهادا في العالم.
ويضطر الروهينجا إلى الفرار في موجات العنف المستمر من قبل النظام العسكري، الذي واجه مزاعم بالإبادة الجماعية في قضية أمام محكمة العدل الدولية، خصوصا أن عام 1982 شهد سن ميانمار قانونا ينكر حق الروهينجا في حمل الجنسية الميانمارية، حتى لو كانت عائلاتهم عاشت في البلاد على مدار أجيال متواصلة.
وبدأ العنف ضد مجتمع الروهينجا عام 2012، عندما اتهم مجموعة من رجال العرقية ذاتها باغتصاب وقتل امرأة بوذية، وكرد فعل على ذلك، قتل القوميون البوذيون أفرادا من الروهينجا وأحرقوا منازلهم. ومع تصاعد وتيرة العنف ضد الروهينجا، بدأ مئات الآلاف من اللاجئين في التدفق على بنغلاديش. واعتبارا من غشت/ آب 2021، كانت بنغلاديش تستضيف أكثر من 890.000 لاجئ من الروهينغا.
وزاد الوضع تفاقما بسبب الانقلاب العسكري الذي حدث في البلاد في فبراير/ شباط من هذا العام.
مبدأ عدم الترحيل
في مارس / آذار، عقب الانقلاب، دعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين جيران ميانمار إلى حماية الأشخاص الفارين من العنف، وتوفير الملاذ لهم، لاسيما أن مبدأ عدم الإعادة القسرية يحظر على الدول إخراج الأفراد من ولايتها القضائية عندما تكون هناك أسباب جوهرية تشير إلى أن الشخص قد يتعرض لخطر الاضطهاد أو التعذيب أو غيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عند عودته.
ويعتبر هذا المبدأ بمثابة حماية مهمة، ليس فقط في قوانين حقوق الإنسان والقوانين الإنسانية وقوانين اللاجئين، لكنه معترف به أيضا كجزء من القانون الدولي العرفي، ما يجعله ملزما للدول بغض النظر عن الموافقة المحددة. فيما أكد مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) أن “المبدأ يتميز بطبيعته المطلقة دون أي استثناء”.
وتنص المادة 31 (1) من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 على ما يلي:
“لا يجوز لدولة اللجوء أن تطرد لاجئا أو ترده بأي صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريته مهددتين فيها، بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو بسبب آرائه السياسية”.
وبالنظر إلى أن الهند ليست من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين أو اتفاقية خفض حالات انعدام الجنسية، وبما أنها لم تصادق على اتفاقيات مثل اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي تنص على شروط عدم الإعادة القسرية، تؤكد أنها غير ملزمة بتوفير اللجوء أو الالتزام بمبدأ عدم الإعادة القسرية. ومع ذلك، وباعتبارها دولة موقعة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (ICCPR) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR)، فإنها تدين بالتزامات بدعم مبادئ حقوق الإنسان.
الحاجة إلى قانون للاجئين في الهند
في غياب إطار قانوني أو إداري لحماية اللاجئين، يتم التعامل مع الأشخاص من مختلف البلدان وحمايتهم بشكل مختلف. هناك نظام مزدوج، حيث يتم تقسيم تحديد وضع اللاجئ بين الحكومة والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ ففي حين تحدد الحكومة وضع طالبي اللجوء من البلدان المجاورة، تجري المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تحديد الوضع لأولئك من البلدان غير المجاورة وميانمار في مكتب واحد في دلهي، حيث لا يُسمح للهيئة بإنشاء مراكز على الحدود.
وتوفر تسجيلات المفوضية السامية للاجئين بعض الحماية للاجئين من الإعادة القسرية والاعتقال التعسفي والاحتجاز، كما تسمح لهم بالحصول على الحقوق الأساسية والخدمات والمساعدة. وغالبا ما لا تعترف الدول غير الأطراف في اتفاقية اللاجئين رسميا باللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتستبعدهم من البنى التحتية للضمان الاجتماعي.
ولا يتمتع اللاجئون في الهند بالحق القانوني في العمل، ويفتقرون إلى الوثائق اللازمة، كما أنهم غالبا ما يعملون في القطاع غير الرسمي مقابل أجور منخفضة بسبب القيود المفروضة على العمل دون وثائق صادرة عن الحكومة.
وتتمتع الحكومة بموجب القسم 3 من قانون الأجانب لعام 1946 بسلطة حظر أو تنظيم أو تقييد دخول فئة أو وصف معين من الأجانب. وفي القضية التي عرفت بقضية محمد سليم الله ضد اتحاد الهند (2021) أمام المحكمة العليا، قامت المحكمة باستخدام مقتضيات هذا القسم، بحيث بررت قرارها بترحيل حوالي 160 من الروهينجا، كانوا محتجزين في جامو، من خلال قولها إنهم يشكلون تهديداً للأمن القومي، دون تقديم أدلة تدعم هذه المزاعم.
ورغم أن هناك أشخاصا لهم الوضع نفسه تم إيواؤهم في مخيمات اللاجئين في العديد من الولايات في الهند، إلا أن المحكمة العليا قبلت أسس الأمن القومي وعدم تطبيق مبدأ عدم الإعادة القسرية، وسمحت بذلك للحكومة بترحيل الأفراد، مغفلة المادة 51 (ج) من الدستور الهندي، التي تنص على أنه يجب على الدولة أن تسعى إلى تعزيز احترام القانون الدولي والالتزامات التعاهدية.
كما يتعارض الحكم مع سابقة تتعلق بالقواعد المؤطرة، لاسيما أن هناك العديد من الأحكام السابقة للمحكمة العليا، بما فيها تلك الصادرة في Vishaka (1997) وnalsa (2014)، تؤكد على أنه في حالة عدم وجود قانون محلي بشأن موضوع ما يجب تطبيق الاتفاقيات والمعايير الدولية من قبل المحاكم البلدية، لضمان كرامة الإنسان. ويخلق افتقار الهند إلى قانون محلي للاجئين فراغا تجب معالجته من خلال مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.
وأقرت المحكمة العليا منذ فترة طويلة أنه بموجب المادة 21 من الدستور فإن الحق في الحياة متاح لجميع الأشخاص الذين يعيشون في أراضي الهند، وليس للمواطنين فقط، كما رأت في بعض الأحيان أنه لا يمكن إعادة اللاجئين إلى أوطانهم حتى يستقر الوضع في بلدانهم الأصلية. وفقا لذلك، تم الاعتراف بمبدأ عدم الإعادة القسرية كجزء من المادة 21 من قبل بعض المحاكم العليا في الهند. وفي قضية اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان ضد ولاية أروناتشال براديش (1996)، وسعت المحكمة العليا، إلى حد محدود، الحق في الحياة والحرية للاجئين.
إن استخدام الدولة التأويلات الغامضة بشأن مخاوف الأمن القومي لتجاوز القواعد والمبادئ قصد فرض رؤيتها وتطبيق السلطة التقديرية التنفيذية بشكل شخصي هو أمر مثير للقلق، لاسيما عندما تكون لهذا الإجراء إمكانية حرمان شخص ما من حياته.
حق سعيدور ومحمد الله وعائلاتهما في الحرية
يتعارض الحبس لأجل غير مسمى مع الحق في الحرية كحق من حقوق الإنسان، كما يتجاوز حدود المواطنة، وفقا للقوانين المعمول بها، بعيدا عن التأويلات والمبررات التي تتخفى وراءها الحكومة.
وإذا كانت الهند لا تنوي منح صفة اللاجئ لهؤلاء الروهينجا فيجب عليها اتخاذ الإجراءات الإدارية لترحيلهم، نظرا لأنهم قضوا مدة عقوبتهم بعد إدانتهم بدخول الهند بشكل غير قانوني. ويبدو أن الغرض الوحيد من استمرار سجن سعيدور ومحمد الله وعائلاتهما إداري وليس عقابيا، لاسيما أن الإجراءات القانونية تنص على أن تكون طبيعة ومدة العقوبة / الاحتجاز / السجن مرتبطة بشكل معقول بالغرض من الحبس؛ لقد حان الوقت لإطلاق سراحهم.
ومع تأكيد ميانمار على أن الروهينجا ليسوا مواطنين، وزعم بنغلاديش أنها ليست ملزمة بقبول اللاجئين المرسلين من الهند، فإن ترحيل هؤلاء الأشخاص عديمي الجنسية له تداعيات خطيرة، لاسيما بالنظر إلى الانقلاب العسكري في ميانمار. لقد اضطر هؤلاء الأفراد إلى تقديم التماس أمام المحكمة، حيث يواجهون احتمال الترحيل، رغم عدم اليقين الكبير بشأن مستقبلهم والمخاطر الجسيمة على حياتهم؛ وهي إدانة قاسية لعدم فعالية الأطر الإدارية الداخلية في الهند والالتزام بحقوق الإنسان.