مدار: 15 نونبر/ تشرين الثاني 2022
*برابير بوركياشا
تم إنشاء أسواق الكهرباء لمساعدة رأس المال الخاص وليس الشعوب. لقد حان الوقت لوضع حد لأسواق الكهرباء الزائفة هذه، وفي المقابل استعادة هذه الخدمات العامة للشعوب، من أجل أن يتم إعمالها بشكل تعاوني لصالحها.
شهدت أوروبا ارتفاعات فلكية في أسعار الكهرباء خلال العامين الماضيين، تراوحت بين أربعة أضعاف عن العام الماضي وعشر مرات عن العامين الماضيين. وزعم الاتحاد الأوروبي أن هذا الارتفاع في الأسعار يعود في الأساس إلى ارتفاع أسعار الغاز في السوق الدولية، وعدم تزويده من روسيا بما يكفي من الغاز. هذا الارتفاع يضعنا أمام سؤال حاسم: لماذا، على سبيل المثال، يجب أن يرتفع سعر الكهرباء في ألمانيا أربع مرات في وقت لا يساهم الغاز الطبيعي سوى في حوالي سبع إنتاجها من الكهرباء؟ لماذا دولة كالمملكة المتحدة، التي تولد 40% من طاقتها الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة والمحطات النووية، وتنتج نصف الغاز الطبيعي الذي تستهلكه، عرفت ارتفاعا حادا في أسعار الكهرباء؟.
كل هذه الأحاديث حول إلقاء اللوم على روسيا في الزيادة الأخيرة في أسعار الغاز يخفي حقيقة أن مولدات الكهرباء تحقق بالفعل أرباحا فلكية غير متوقعة. يواجه المستهلكون الأفقر، الذين دفعهم الوباء بالفعل إلى الحائط، معضلة قاسية، ما يضعهم في وضع من المحتمل أن تشكل معه الكهرباء 20 إلى 30% من ميزانية أسرهم خلال فصل الشتاء، فهل يجب عليهم شراء الطعام أو الحفاظ على تدفئة منازلهم؟.
هذا الارتفاع الحاد في أسعار الكهرباء هو الجانب الآخر من قصة ما تسمى إصلاحات السوق في قطاع الكهرباء التي حدثت خلال الثلاثين عاما الماضية، وتربط تكلفة الكهرباء بارتفاع أسعار الإمدادات المتداخلة في الشبكة داخل المزادات اليومية. بل وكل ساعة وفي وقتنا الحالي هذه الإمدادات هي الغاز الطبيعي، ولهذا السبب ترتفع أسعار الكهرباء بشكل حاد حتى لو لم يكن الغاز هو المصدر الرئيسي لإمداد الشبكة بالكهرباء. هذه هي أصولية السوق أو ما يطلق عليه الاقتصاديون الكلاسيكيون الجدد نظرية المنفعة الحدية. وقد كانت هذه النظرية جزءا من إصلاحات قطاع الكهرباء التي أدخلها أوغوستو بينوشيه في تشيلي خلال فترة حكمه الدكتاتوري العسكري من عام 1973 إلى 1990. كان معلم إصلاحات بينوشيه هذه هو ميلتون فريدمان، الذي ساعده فريق شيكاغو بويز، حتى إن المبدأ القائل إن سعر الكهرباء يجب أن يعتمد على “التكلفة الهامشية” أصبح جزءا من دستور بينوشيه لعام 1980 في تشيلي. وأدت الإصلاحات التشيلية إلى خصخصة قطاع الكهرباء في البلاد، الذي كان الهدف الأساس من بدء هذه الإصلاحات.
كان النموذج التشيلي هو النموذج الذي نسخته مارغريت تاتشر في المملكة المتحدة، ومن بعدها الاتحاد الأوروبي. قامت المملكة المتحدة بتفكيك مجلس توليد الكهرباء المركزي (CEGB) الذي كان يدير البنية التحتية للكهرباء بالكامل: التوليد والنقل والتوزيع بالجملة. كما ساهمت هذه الخطوة أيضا في ابتعاد المملكة المتحدة عن الفحم المحلي الذي كان يستخدم في محطات توليد الطاقة الحرارية، ما أدى إلى كسر نقابة عمال مناجم الفحم القوية. وكانت هذه أيضا “الإصلاحات” التي تم تبنيها في سوق إنرون في كاليفورنيا، ما أدى إلى الانهيار الصيفي لشبكتها في 2000-2001.
واعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل كبير على الغاز الطبيعي باعتباره الوقود المفضل لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كما عزز مصادر الطاقة المتجددة – الطاقة الشمسية والطاقة الريحية – وفي المقابل تخلص تدريجيا من الليغنيت والفحم.
وفرض الاتحاد الأوروبي سلسلة من العقوبات على روسيا، وأعلن عن خططه لفرض مزيد من العقوبات على البلاد، وصادر حوالي 300 مليار يورو من الاحتياطات الروسية الموجودة في بنوكه؛ كما عبر عن نيته خفض إمدادات النفط والغاز الروسية. ليس من المستغرب أن روسيا خفضت بشكل حاد من إمداداتها الغازية تجاه الاتحاد الأوروبي. إذا كان الغرب يعتقد أن بإمكانه تسليح قوته المالية فكيف أتاه الاعتقاد بأن روسيا لن تنتقم بفعل الشيء نفسه بإمدادات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي؟.
بسبب انخفاض الإمدادات الروسية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا الغربية ارتفع سعر الغاز الطبيعي المسال بشكل حاد في السوق الدولية، والأسوأ من ذلك أنه لا يوجد ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال في السوق لكي يحل محل الغاز الذي تزود به روسيا الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب الخاصة بها.
وفي ظل ارتفاع الغاز من أربع إلى ست مرات في الأشهر القليلة الماضية، ارتفع سعر الكهرباء أيضا بشكل حاد. لكن نظرا لأن جزءا بسيطا فقط من الكهرباء يتم تشغيله بواسطة الغاز، فإن جميع مصادر الطاقة الأخرى – الطاقة الريحية والشمسية والنووية والمائية وحتى المحطات التي تعمل بالفحم – تؤدي إلى القتل. الآن فقط يناقش الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة كيفية معالجة عبء ارتفاع أسعار الكهرباء على المستهلكين والأرباح غير المتوقعة التي حققتها مولدات الكهرباء خلال هذه الفترة.
ليس فقط المستهلكون في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة هم المتضررون بشدة، فقد تأثرت أيضا الصناعات الأوروبية والبريطانية. الفولاذ المقاوم للصدأ والأسمدة وصناعة الزجاج والألمنيوم والأسمنت والصناعات الهندسية كلها حساسة للتكاليف المتغيرة، ونتيجة لذلك، تتعرض جميع هذه الصناعات لخطر الإغلاق في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
كتب وزير المالية اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، في مقالته بعنوان “حان وقت تفجير أسواق الكهرباء”، أن “قطاع الطاقة في الاتحاد الأوروبي هو مثال جيد لما فعلته أصولية السوق لشبكات الكهرباء في جميع أنحاء العالم… حان الوقت للتخلص من الكهرباء المحاكية للأسواق، من الأفضل لبقية العالم ألا تحذو حذو الاتحاد الأوروبي”.
لماذا إذن تندفع الحكومة المركزية في الهند برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى هذه الهاوية؟ ألم تتعلم من تجربة العام الماضي عندما ارتفعت الأسعار في السوق الفورية للكهرباء، بعد نقص الفحم إلى 20 روبية (0.25 دولارا) للوحدة قبل أن يحدها الغضب العام عند 12 روبية (0.15 دولارا)؟ فلماذا تدفع مرة أخرى من أجل هذه السياسات المفلسة لأصولية السوق تحت ستار إصلاحات الكهرباء؟ من الذي سيستفيد من إصلاحات السوق هذه؟ بالتأكيد، لا المستهلكين ولا حكومات الولايات الهندية، التي تتحمل العبء الأكبر لدعم أسعار الكهرباء للمستهلكين.