يعمّ الظلام لكني أغني لأنَّ الصباح آتٍ: (عدد 29. 2022)

مشاركة المقال

معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 22 شتنبر/ أيلول 2022

فيجاي براشاد*

تصوير ويلينغتون لينون، حركة الفلاحين من دون أرض

 

في الشتاء البرازيليّ البارد عام 2019، ذهبنا أنا وريناتا بورتو بنجي (نائبة مدير القارات الثلاث: معهد البحث الاجتماعي) واندريه كاردوسو (منسق مكتبنا في البرازيل) إلى مخيم لولا ليفري (الحرية للولا) في كوريتيبا، وخيمنا بالضبط في الجهة المقابلة للسجن عبر الشارع حيث يقبع الرئيس السابق لويز اناسيو لولا دا سيلفيا في زنزانةٍ مساحتها 15 مترا مربعا. كان لولا قابعاً في السجن لمدة خمسمائةِ يوم. تجمع مئات الأشخاص في مخيم لولا ليفري ليتمنوا له صباحاً سعيداً ويوماً جيداً وليلةً سعيدة – وذلك كتحيةً لرفع معنوياته وللاحتجاج على اعتقاله. ثمانون يوماً تلت، وخرج لولا من السجن، بريئاً من الاتهامات التي اعتبرها معظم المراقبين غير معقولة؛ إنه الآن المرشح الأول للانتخابات الرئاسية التي ستعقد في الثاني من تشرين أول/أكتوبر عام 2022.

كان من معالم السهرات خارج السجن الفيدراليّ وجود كوادر حركة فلاحون بلا أرض في كل مكان، أعلامهم في كل مكان، شكّل كادرهم العمود الفقري لحملة الحرية للولا، التي ازدهرت في كوريتيبا وامتدت إلى كل زوايا الدولة. نمت حركة فلاحون بلا أرض، التي تأسست سنة 1984، في صفوف العمال والفلاحين في اللافيتيوندوس، وهي أملاك ضخمة تعود لأفراد أو شركات ثرية. خلال العقود الأربعة الماضية، سيطر هؤلاء المزارعين على ملايين الهكتارات من الأراضي حول البرازيل، مشكلين أكبر حركة اجتماعية في أميركا الجنوبية.

تصوير ميديا نينجا

 

تعيش حوالي خمسمائة ألف عائلة في الأراضي المحتلة تحت قيادة الحركة، ما يعني أن الحركة نظمت حوالي مليوني شخص في صفوفها. وحوالي مائة ألف عائلة تعيش في مخيمات تم احتلالها في أراضٍ بور دون أن يحصلوا على إذن رسمي لدخولها؛ كما تعيش أربعمائة ألف عائلة في مستوطنات، تقع في أراضٍ تمتلكها قانونياً وفق الأحكام الليبرالية في الفصل الثالث من دستور الدولة لعام 1988، فقرة 184، التي تنص على أن الدولة تستطيع “أن تعيد استملاك، من أجل المصلحة الاجتماعية ولأهداف الإصلاح الزراعي، ملكية ريفية لا تخدم فائدة اجتماعية”. على كل حال، من المهم الإشارة على مستوى أكثر دقة إلى أن الدولة البرازيلية تحاول إخلاء العائلات من تلك المستوطنات الشرعية.

وينظم ساكنو المستوطنات أنفسهم من خلال بنى ديمقراطية عدة، حيث ينشئون مدارس لأطفالهم ومطابخ للمحتاجين، ويطورون تقنيات زراعة بيئية حتى يحققوا احتياجاتهم الخاصة ويبيعوا منتجاتهم في السوق. وتجذرت الحركة اليوم في الخارطة الاجتماعية للبرازيل. من المستحيل تخيل هذه الدولة دون علم الحركة الأحمر مرفرفاً في مخيمات الأمازون في الشمال وحتى اريو تشيوي في أقصى جنوب البرازيل.

هنالك نظرية وراء هذا النشاط العام للحركة. وهذه النظرية المتجذرة في مبادئ كالإصلاح الزراعي تتضح تفاصيلها في عدة أماكن.

تصوير ميديا نينجا

 

أجرت نائبة مدير مؤسستنا، ريناتا بورتو باجني، مقابلة مع أحد أعضاء تنسيقية الحركة على المستوى الوطني، وهو نيوري روسيتو، وذلك حول فهمه لنظرية الحركة وعلاقتها بكتابات الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي. تتوفر هذه المقابلة الآن في الملف رقم 54، وتم نشرها بشكل مشترك من قبل “مختبر غرامشي” و”مركز إصلاح الدولة”، تحت عنوان “غرامشي في حركة فلاحون بلا أرض البرازيلية”.

نيوري، كما يفضل أن تتم مناداته، يشارك فهمه لغرامشي، ويسلط الضوء على ثلاثة تحديات رئيسية تواجه الحركة:

1- تحديد الخصوم الذين يعيقون الجهود المبذولة لمعالجة المعضلات الإنسانية (كالإصلاح الزراعي).

2-التأسيس لحوار مستمر مع الطبقة العاملة لبناء مشروع سياسيّ لكل دولة. 

3- تعزيز الإمكانية السياسية والتنظيمية للقوى المركزية في دفع نضالنا إلى الأمام.

إن الهيمنة، كما أشار غرامشي، تأتي من ممارسة تجميع مشروع سياسي جديد من “الحس المشترك” لجموع الناس، وتطوير هذه الأفكار حتى تصبح فلسفة متماسكة. إن الفكرة المركزية للحركة هي تطوير نظرية الإصلاح الزراعي. فبحسب نويرو، يناضل مشروع الإصلاح هذا لتحقيق “نموذجٍ زراعي مرتكز على إنتاج الطعام الصحي للشعب البرازيلي، إلى جانب النضال لدمقرطة ملكية الأراضِي”. تنظم الحركة الفلاحين لتحسين ليس فقط سيطرتهم على الأرض، ولكن أيضاً سيطرتهم على الإنتاج  الزراعي، ومن ضمن ذلك تجنب السموم الكيميائية التي تدمر كلاً من صحة المزارعين وأراضيهم. ويرتبط هذا المشروع أيضاً باهتمام المستهلكين بالحصول على طعام لا تحتوي مكوناته على ما يضر ولا يساهم إنتاجه في تدمير الكوكب. إن إمكانية توحيد أغلبية الدولة ذات المائتي مليون نسمة من أجل السعي نحو الإصلاح الزراعي هو ما يشحذ همم الحركة.

تصوير إيغور دي ناداي

 

هل تشكل حركة فلاحون بلا ارض حزباً سياسياً أم حركةً اجتماعية؟ لقد شوش هذا السؤال الحركة لأربعين سنة. في الحقيقة، ومن منظور غرامشيّ، إن الفرق بين هذين الأمرين – الحركة الاجتماعية والحزب السياسي- ليس بالأهمية الكبيرة. كان تعليق نويرو على هذه المواضيع  خلال المقابلة تعليميا:

“نحن نعي المسؤوليات والحاجة إلى تطوير قوانا السياسية، في كل من الناحيتين التنظيمية والأيديولوجية، حتى يصبح لنا تأثير أكبر في النضال الطبقي. ولكن، نحن لا ندعي لعب دور الحزب السياسيّ في معناه الجامد، حيث نؤمن بأن هذه الأداة السياسية هي خارج نطاقنا. هذا لا يعني أننا نقول أن نقف على الحياد الحزبي. نؤمن بأن تشكيل حركات الطبقة العاملة والنقابات والأحزاب السياسية هو محوري في بناء تشكيل اجتماعي آخر يشكل بديلاً ونقيضاً للنظام البرجوازي.

لا نقلل من أهمية وقوة الفعل السياسي والحراك الشعبي كعناصر تعليمية للطبقات المهمشة. تتعلم الجماهير الشعبية وتُعلم نفسها خلال الحراكات الشعبية. هناك، في الحراك الشعبي، تكون القوة السياسية للتنظيم؛ هناك يسمو المستوى السياسيّ-الأيديولوجيّ للجماهير. 

بالمحصلة، تشكل الحركة جزءاً من مسيرة بناء قوة تنظيمية وأيديولوجية للفلاحين، وتعمل جنباً إلى جنب الحركات النقابية والمنظمات الأخرى لخلق مشروع سياسي للخلاص الاجتماعيّ”.

 لتحقيق هذا الهدف، شاركت الحركة في بناء المشروع الشعبي من أجل البرازيل، الذي كما قال نويرو “يهدف إلى تمتين كتلة تاريخية تدعم النضالات ضد الرأسمالية والنضالات التحريرية والمكاسب الاقتصادية الآنية التي تحقق احتياجات ومصالح الطبقة العاملة”، لذلك، تعد زيادة ثقة وقوة الطبقة العاملة وطبقة الفلاحين أمراً مركزياً في نشاط الحركة. إن جزءاً من هذا العمل هو مناهضة اضطهاد لولا.

في الفترة ما بين 1962 و1963 عندما كانت البرازيل تحت حكم تشكيلة وسط-يسارية بقيادة الرئيس جاو جولارت، كان المناخ في الدولة يصبو للتغيير والممكنات. في هذه الفترة، كتب الشاعر الأمازونيّ تشياغو جي ميلو (1926-2022) قصيدته بعنوان “فجر الفلاحين”، سلطت الضوء على العمل الفلاحيّ الشاق ليس فقط من أجل الطعام، بل أيضاً من أجل الأمل.

عندما نشرت القصيدة في 1965 في كتاب سُميَ “ظلام، ولكني أغني”، كانت قد تغيرت الحالة في البرازيل بعدما أسقط انقلاب بقيادة الولايات المتحدة غولارت ووضع العسكر في سدة الحكم عام 1964. أصبح لجملة “يعمّ ظلام، ولكني أغني لأنَّ الصباح آتٍ” من القصيدة معنى  جديد. وفي العام الذي تلاه، غنى نارا لياو هذه الكلمات وجعل منها نشيداً وطنياً لتلك الحقبة. ننهي مراسلتنا لهذا الأسبوع بقصيدة جي مالو، كتحية للفلاحة والنضال ضد ديكتاتورية السلطة والامتيازات والملكية:

سيأتي قريباً (أحس بذلك في الهواء)

وقت القمح الناضج.

سيأتي وقت الحصاد.

تتصاعد المعجزات 

كالمطر الأزرق فوق حقول الذرة،

شتلات الفاصولياء تُزهر

وتسيل من أشجار المطاط نٌسغ عذبة.

فجر الأمل،

يكاد يحين وقت الحُب.

إني لأحصد الشمس المتقدة التي تسطع على الأرض

وأحرث الضوء من أجواف قصب السّكّر،

وروحي على المحراث.

فجر الفلاحين. مازالت الأرض مظلمة

في فجر الفلاحين،

لكن علينا أن نزرع.

كان الليل حالكاً، 

والآن سيأتي الصباح.

ليس ثمة مكان لأغنية

خلقها الخوف والسخرية

للتحايل على الوحدة.

الآن قد حان وقت الحقيقة،

نغنيها بسيطةً دوماً.

الآن قد حان وقت الفرح،

الذي نخلقه يوماً بعد يوم

من الخبز والأغنيات.

إن الأرض مظلمة (لكن ليس كثيراً)

الآن قد حان وقت العمل.

يعمّ الظلام، لكنني أغني

لأن الصباح آتٍ.

(يعمّ الظلام، لكنني أغني).

* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 21 يوليوز/ تموز 2022.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة