مدار: 12 مايو/ أيار 2022
لما يزيد عن شهر والسريلانكيون يخرجون بشكل مستمر إلى الشوارع للمطالبة باستقالة الرئيس جوتابايا راجاباكسا، ورئيس الوزراء ماهيندا راجاباكسا، وهو أيضا شقيق الرئيس.
وترجع الاحتجاجات إلى أن البلاد تعيش أسوأ أزمة اقتصادية منذ حصولها على الاستقلال عن بريطانيا عام 1948، في ظل نقص الأغذية وارتفاع الأسعار وانقطاع التيار الكهربائي، ما جعل الحكومة تسلك دروب الاقتراض من أجل تجاوز الوضع الحالي.
سبب احتجاجات الشعب
اندلعت الاحتجاجات في أوائل أبريل/ نيسان بالعاصمة كولومبو، لكنها اجتاحت مع الوقت نطاقا أوسع وانتشرت في مختلف أنحاء البلاد، معبرة عن الغضب الذي يعتري المواطنين الذين يرون أن وضعهم سائر نحو الأسوأ.
ويعود غضب السكان إلى ارتفاع تكلفة المعيشة، التي لم يعد السواد الأعظم قادرا على تحملها، بالإضافة إلى أنهم أصبحوا يدفعون 30% أكثر من أجل الطعام مقارنة بالعام الماضي، كما أن العديد من الأسر أصبحت مضطرة لتقليص عدد وجباتها.
وانضاف إلى ذلك النقص الذي صاحب العديد من القطاعات والمواد الأساسية، كالوقود، مع فقدان العديد من الأدوية واستحالة إيجادها، ما دفع النظام الصحي إلى حافة الانهيار.
هذا الوضع ازداد احتقانا بعد الأحداث التي شهدتها إحدى التظاهرات، إذ قامت الشرطة بإطلاق الذخيرة الحية، ما أدى إلى مقتل أحد المتظاهرين؛ الأمر الذي زاد من غضب المتظاهرين الذين تحدوا حظر التجوال الذي أعلنت عنه الحكومة.
هذه التطورات دفعت أغلبية وزراء حكومة الرئيس راجاباكسا إلى الاستقالة، كما سحب العديد من النواب دعمهم للحكومة، ومع ذلك يجدد الرئيس في كل مرة التأكيد على أنه لا ينوي التنحي.
هذا وشهد اليومان السابقان أحداث عنف متصاعدة بعد أن هاجم أنصار الحزب الشعبي لسريلانكا، الذين كانوا مرافقين لرئيس الوزراء، المتظاهرين السلميين المناهضين للحكومة في “ماينا غو جاما”، خارج إحدى دور العبادة.
قبل أن تقوم مليشيات تابعة للنظام باقتحام موقع الاحتجاج “جوتا جو جاما” في جالي فيس جرين بكولومبو، وهاجموا المزيد من المتظاهرين المناهضين للحكومة، كما قاموا بتدمير العديد من المواد المتعلقة بالاحتجاج في الموقع.
وتعرض الرئيس ورئيس الوزراء لانتقادات شديدة، إذ تم تحميلهما المسؤولية عن أعمال العنف التي ترعاها الدولة ضد المتظاهرين الأبرياء.
عوامل الأزمة الاقتصادية
تعود المشاكل الأكبر في الوقت الحالي بالنسبة لسريلانكا إلى حقيقة أن احتياطياتها من العملات الأجنبية نضبت فعليا، في ظل أن البلاد تعتمد بشكل كبير على الواردات، لكنها لم تعد قادرة على دفع ثمن الأغذية الأساسية والوقود.
كما تحاول الحكومة إلقاء اللوم على جائحة كوفيد-19، التي حسبها كادت تقضي على تجارة السياحة في سريلانكا – أحد أكبر مصادر الدخل بالعملة الأجنبية -وتقول أيضا إن السياح شعروا بالخوف من سلسلة الهجمات بالقنابل التي استهدفت الكنائس قبل ثلاث سنوات.
كل هذا لا يمكن أن يغطي على مسؤولية الدولة، وبالأخص في ما يهم سوء الإدارة الاقتصادية وفق عديد الخبراء.
وعام 2009، بعد نهاية الحرب الأهلية التي استمرت 30 عاما، اختارت سريلانكا التركيز بشكل أقل على أسواقها المحلية، وبذلك استمرت فاتورة الواردات في النمو مع انخفاض كبير في المداخيل المتعلقة بالصادرات.
في الوقت الحاضر، تستورد سريلانكا ثلاثة مليارات دولار أكثر مما تصدرها سنويا، كما تراكمت على الحكومة ديون ضخمة، تم صرفها على مشاريع لم يكن للشعب أي نصيب فيها، وليس لها أي أثر على الحياة اليومية للسكان.
لقد كان لدى سريلانكا في نهاية عام 2019 احتياطي عملات أجنبي يقدر بـ7.6 مليارات دولار، لكنه تقلص مع حلول آذار/ مارس 2020 إلى 1.93 مليار دولار فقط.
عندما وصل الرئيس راجاباكس إلى السلطة عام 2019 قرر تقديم تخفيضات ضريبية كبيرة لأصحاب الأموال، ما زاد من تقليص موارد الدولة، وهو ما اعترف به كل من الرئيس نفسه ووزير ماليته الجديد علي صبري، معتبرا أنه كان “خطأ”.
ومن أجل تجاوز هذا النقص في العملة، قامت الحكومة في أوائل عام 2021 بوقف تدفق العملات الأجنبية من خلال حظر جميع واردات الأسمدة الكيماوية، وطلبت من المزارعين استخدام الأسمدة العضوية بدلاً من ذلك بشكل فجائي لم تسبقه أي دراسة للعواقب.
أدى هذا إلى فشل المحاصيل بشكل هائل، ما فرض على سريلانكا أن تكمل مخزونها الغذائي من الخارج، وهو ما زاد من تقليص حجم العملة الأجنبية لديها.
منذ ذلك الحين، حظرت الحكومة استيراد مجموعة واسعة من العناصر “غير الأساسية” – من السيارات إلى أنواع معينة من الطعام وحتى الأحذية.
كما أن الحكومة وبعد أن كانت عبرت عن أنها لن تخفض من قيمة العملة السريلانكية، تراجعت عن ذلك مؤخرا لتنخفض الروبية المحلية بأكثر من 30% مقابل الدولار.
دين خارجي يثقل البلاد
تدين حكومة سريلانكا بـ51 مليار دولار من الديون الخارجية، كما سيتوجب عليها العام الحالي أداء 7 مليارات دولار كفائدة عن الديون المتراكمة، والأمر سيستمر الوتيرة بنفسها وأكثر طيلة السنوات القادمة.
وفي أبريل/ نيسان الماضي فشلت الحكومة السريلانكية في سداد مدفوعات راوح مجموعها 78 مليون دولار، وهو ما جعل وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز تصف الأمر بأنه “تقصير انتقائي”.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تتخلف فيها سريلانكا عن سداد ديونها الخارجية منذ الاستقلال، في ظل سعي الحكومة إلى الحصول على قروض طارئة بقيمة 3 مليارات دولار لدفع ثمن الواردات الأساسية مثل الوقود.
هذا وكان البنك الدولي وافق على إقراض البلاد 600 مليون دولار، في حين وفرت الهند قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار، على أن تقرضها 1.5 مليار دولار إضافية للواردات.
لكن هذه القروض لن تكون من دون مقابل، فقد أعلن صندوق النقد الدولي أن على الحكومة رفع أسعار الفائدة والضرائب كشرط للحصول على قرض، ما سيجعل أزمة تكلفة المعيشة في البلاد أسوأ.