زيمبابوي بين مطرقة الكوارث الطبيعية وسندان التدبير العشوائي

مشاركة المقال

مدار: 13 مايو/ أيار 2022

تعيش زيمبابوي على وقع احتجاجات متواصلة بسبب الارتفاع في الأسعار، بالإضافة إلى عدم اتخاذ الحكومة أي قرارات من شأنها أن تخفف الحمل عن المواطنين، بل بالعكس قامت بتبني العديد من الإجراءات التي زادت من تفاقم الوضعية الحالية.

ولعل آخر ما اتخذته الحكومة في هذا الصدد إجراء سنته السبت الماضي، يقضي بتجميد الوصول إلى القروض البنكية، ما رفع من شدة الانتقادات الموجهة لها؛ وهي الخطوة التي اعتبر الكثيرون أنها ستقضي على أي فرصة لإنعاش الاقتصاد في ظل ما تعانيه البلاد من ركود.

هذا وأمر الرئيس إيمرسون منانجاجوا، يوم السبت الماضي، البنوك بتعليق أنشطتها الائتمانية، كجزء من خطة التعافي للبلاد التي قوضها التضخم المتسارع الذي أججته حسب السلطات الرسمية الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار السلع الأساسية.

أعلى معدل فائدة في العالم

لا يعتبر هذا الإجراء بالغريب على البلاد، فقد شهد أوائل أبريل رفع البنك المركزي في زيمبابوي سعر الفائدة الرئيسي من 60% إلى 80% تحت ذريعة الحد من التضخم. ويعتبر هذا المعدل في الوقت الحالي الأعلى في العالم، ويشكل رقما قياسيا مطلقا لهذه الدولة الواقعة في جنوب إفريقيا، وفق ما أعلنت عنه وكالة بلومبرغ المالية.

ويهدف تجميد الاعتمادات المصرفية، وفقًا للسلطة التنفيذية، إلى وضع حد للمضاربة على العملة الزيمبابوية التي تم تداولها في الأيام الأخيرة في السوق الموازية بنحو 400 دولار زيمبابوي مقابل دولار أمريكي واحد، أي أكثر من ضعف سعرها الرسمي.

من جهتها، انتقدت غرفة التجارة والصناعة، في بيان صحافي، قرار السلطة التنفيذية الذي اعتبرت أنه “يضفي الشرعية على نظام مصرفي مواز بنسب ربوية”، وقالت محذرة: “لن يهتم أي مستثمر باقتصاد يمكنك فيه تجميد الائتمان المصرفي بين عشية وضحاها”.

من جانبها، بدأت البنوك الرئيسية في البلاد محادثاتها مع البنك المركزي يوم الإثنين الماضي. وأشار شيبرد نجاندو، مسؤول نقابي في القطاع المصرفي، خلال هذه المناقشات، إلى أن “الائتمان هو المصدر الأول للدخل للبنك”.

وبالعودة إلى الوراء قليلا، فقد انغمس اقتصاد زيمبابوي لأكثر من عشرين عاما في أزمة عميقة أدت بشكل ملحوظ إلى انسحاب المانحين الدوليين بسبب الديون التي لا يمكن تحملها، بالإضافة إلى تفاقم ارتفاع أسعار الضروريات الأساسية مؤخرا، تحت مبرر الصراع في أوكرانيا، دون إغفال أن روسيا تعتبر المورد الرئيسي للقمح في البلاد.

احتجاجات واسعة على الأبواب

 أصبحت القوات الأمنية والسلطات الرسمية في حالة تأهب قصوى، في سبيل الوقوف في وجه أي احتجاجات، لاسيما أن العديد من المصادر الرسمية والأمنية تتحدث عن أن قوات الدفاع في البلاد كانت تستعد لاندلاع عصيان مدني في نهاية المطاف على مدار الشهرين الماضيين، حيث اجتاح الاستياء من الأزمة الاقتصادية المتفاقمة البلاد.

هذه الأزمة أصبحت تتكشف يوما بعد يوم، رغم النفي والطمأنة التي كانت الحكومة تحاول الترويج لها، وهو الأمر الذي تأكد من خلال تكلفة المعيشة الفلكية والتضخم الجامح والارتفاع الشديد في أسعار الوقود، وتآكل قيمة الدولار الزيمبابوي الذي وصل إلى مستويات لم يتجاوزها إلا عصر التضخم المرتفع لعام 2008.

ونقلت وسائل الإعلام المحلية عن مصادر مطلعة أن “قطاع الأمن بأكمله في حالة تأهب قصوى”، مضيفة: “إنهم يعلمون أن هناك احتمالا واقعيا لانتفاضة وأن كل الجهود تبذل لإحباطها”، وزادت: “الرئيس نفسه تلقى باستمرار تقارير عن الوضع الأمني تشير إلى أن الأرض خصبة للاضطراب، وهذا هو السبب في أنه يتحدث بشكل متكرر عن المخربين الاقتصاديين”.

وقال مصدر آخر إنه لم يكن من قبيل المصادفة أن خطابات منانجاجوا الأخيرة كانت مليئة بالتهديد. هذه الخطابات الرئاسية المعادية للاحتجاجات تجلت في حديث للشباب حين كان يتم إحياء ذكرى الاستقلال، بحيث قال منانجاجوا: “إذا احتججت فسوف نعتقلك”.

وفي تأكيد لهذه المخاوف التي تؤرق الدولة، دعت منظمات المجتمع المدني وطلاب الجامعات والمدرسون والممرضات إلى إغلاق وطني يوم الإثنين الماضي للاحتجاج على ارتفاع تكاليف المعيشة، وهي التظاهرة التي شهدت مشاركة غفيرة، كما تم التأكيد أن التحركات ستستمر إلى غاية تحقيق المطالب.

الكوارث الطبيعية ونقص الحاجيات الحيوية تهدد زيمبابوي

تسبب إعصار إيداي في مارس/ آذار الماضي في مقتل أكثر من 300 شخص في زيمبابوي، وهو الأمر الذي جعل العديد من المنظمات الدولية تدق ناقوس الخطر، خوفا من تضاعف معاناة الشعب الزيمبابوي الذي يرزح مسبقا تحت رحمة ارتفاع الأسعار.

وتعتبر زيمبابوي بمثابة سلة خبز سابقة للجنوب الإفريقي، لكن مع تتالي كل من الكوارث البيئية وعدم تدخل الدولة لإصلاح الوضع فإن البلاد أصبحت عالقة في أزمة اقتصادية ومالية تسببت في رحيل ملايين السكان.

هذا رغم تعهد الرئيس إيمرسون منانجاجوا، الذي خلف روبرت موغابي في نهاية عام 2017، الذي كان المسؤول عن البلاد لمدة سبعة وثلاثين عاما، بإنعاش الاقتصاد، وهو الأمر الذي لم يكن سوى في سبيل الوصول إلى منصبه الحالي، لا يسما أن البلاد تواجه نقصا متزايدا في الوقود والطاقة لمدة تصل إلى تسع عشرة ساعة في اليوم.

وتسببت الكارثة الاقتصادية الحالية التي تلتهم البلاد في جعل العاصمة هراري مهددة بنقص مياه الشرب بسبب الصعوبات المالية لمحطة المعالجة الوحيدة فيها، بعد أن قامت الحكومة في نهاية يونيو/ حزيران من العام الماضي باتخاذ قرار مفاجئ يقضي بحظر المعاملات الجارية بالعملات الأجنبية، وهي محاولة أخرى لتجفيف سوق العملات السوداء وتجنب عودة التضخم المفرط حسب الحكومة، ما أدى إلى تعطل عمل المحطة بسبب عدم القدرة على توفير السيولة اللازمة.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة