زلزال يخلف كارثة إنسانية بهايتي ويعمق الأزمة الاجتماعية والاحتقان السياسي

مشاركة المقال

مدار + مواقع: 17 غشت/ آب 2021

استيقظت هايتي يوم السبت على وقع كارثة إنسانية نتجت عن زلزال ضرب البلاد، في إعادة لسيناريوهات مشابهة تشهدها الجزيرة منذ سنوات ولا تخلو من ضحايا بالآلاف، بل وبمئات الآلاف في مرات عدة.

وبلغت شدة الزلزال 7.2 درجة، وأودى بحياة ما لا يقل عن 724 شخصا وفق أرقام غير نهائية؛ فيما أصيب أكثر من 2800، بالإضافة إلى الخسائر المادية الفادحة. وتبقى هذه الأرقام التي يتم تحديثها من قبل الدفاع المدني قابلة للارتفاع في ظل عمل فرق الإنقاذ من أجل إيجاد ناجين.

وضرب الزلزال على بعد 12 كلم من مدينة سان لويس دو سود، الواقعة على بعد حوالي 160 كلم من العاصمة الهايتية بورت أو برنس، وفقًا لبيانات من المعهد الجيولوجي الأمريكي، ما أدى إلى انهيار العديد من المباني، الأمر الذي تسبب في محاصرة مئات السكان تحت الأنقاض.

وأعلن رئيس الوزراء أرييل هنري، الذي حلّق بالمروحية فوق المناطق الأكثر تضررًا يوم السبت، تفعيل حالة الطوارئ لمدة شهر في المقاطعات الأربع المتضررة من الكارثة، داعيا المواطنين في الآن نفسه إلى الهدوء.

وبعد وقوع الكارثة توالت الدعوات من أجل المساعدة من مختلف البلدان، فأعلنت الجارة دومينيكان إرسال 10000 حصة طارئة ومعدات طبية. كما عرضت المكسيك، بيرو، الأرجنتين، تشيلي، فنزويلا، البرازيل والإكوادور المساعدة من خلال إرسال فرق إنقاذ وأغذية، بالإضافة إلى تأكيد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز للهايتيين أن بإمكانهم “الاعتماد على مساعدة إسبانيا”.

كما عرضت واشنطن من خلال رئيسها جو بايدن المساعدة، قائلاً في بيان: “أحزنني الزلزال المدمّر الذي ضرب سان لوي دو سود في هايتي هذا الصباح”، مشدّدًا على إعداد “استجابة أميركيّة فوريّة” لـ”تقييم الأضرار” ومساعدة المصابين.

الاحتجاجات متواصلة في هايتي

وتعيش هايتي على مدى أعوام على وقع الاحتجاجات المتكررة نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة (آخرها اغتيال الرئيس)، والتعاطي العنيف للقوات الهاييتية معها، الأمر الذي كان يؤدي في أحيان كثيرة إلى سقوط قتلى من بين المتظاهرين.

في 28 يوليوز/ تموز الماضي، على غرار الأيام التي قبلها، خرج مئات الهايتيين إلى شوارع العاصمة بورت أو برنس مطالبين بوضع حد للتدخل الدولي في الشؤون الداخلية للبلاد واحترام حقهم في تقرير المصير والسيادة. وسار المتظاهرون من ساحة الدستور إلى السفارة الأمريكية للتعبير عن رفضهم للحكومة المؤقتة التي جاءت بتزكية من الولايات المتحدة الأمريكية حسبهم، وضد القوات العسكرية الأمريكية المتواجدة في البلاد تحت ذريعة المساعدة في استقرار الأوضاع ووضع حد لتفاقم العنف في أعقاب اغتيال الرئيس جوفينيل مويس في 7 يوليوز/ تموز.

كما خرج المتظاهرون في الأيام الماضية في مسيرات أخرى ضد المجازر والمستويات العالية من انعدام الأمن في البلاد، وطالبوا بالعدالة لضحايا مذبحة دلماس التي راح ضحيتها 20 شخصا في 29 يونيو/ حزيران، بفعل الرصاص الذي أطلقته بعض العصابات الداعمة للحكومة، بمن فيهم الصحفي الشهير دييغو تشارلز، والناشطة النسوية ماري أنطوانيت دوكلير، اللذان كانا من أشد المنتقدين للحكومة والوضع الحالي في البلاد.

نظرة على الوضع السياسي بعد زلزال 2010

تعرضت هاييتي لصدمة رهيبة نتيجة الزلزال الذي ضرب البلاد في 12 يناير/ كانون الثاني 2010، وتسبب في مقتل 300 ألف شخص وخلف ملايين الضحايا، الأمر الذي جعل الأطراف المتدخلة في البلاد تستغل الوضع لابتكار استجابة أكثر جذرية للأزمة، كانت أبرز معالمها إنشاء حزب هايتي Tèt Kale (PHTK).

 وحزب PHTK هو حزب يميني متطرف جاء تأسيسه في خضم التحول المتزايد إلى سياسة اليمين المتطرف والمحافظ الناشئة في أمريكا اللاتينية.

وتمثلت المهمة الأساسية لـ PHTK بقيادة كل من ميشيل مارتيلي وجوفينيل مويس في وضع حد لنضال الحركات الشعبية والقضاء على أي بقايا ديمقراطية أو اجتماعية أنجزتها انتفاضة 1986 والحركة الشعبية في سبيل إعادة إرساء سلطة استبدادية.

واعتبر المتظاهرون الذين خرجوا إلى الشارع في احتجاجات متوالية أن النظام الحالي يهدف إلى إخضاع الحركة الشعبية بشكل نهائي وإخراجها من العملية السياسية، كما عبرت قيادات لهذه الاحتجاجات عن أن النظام الحالي الذي يسير وفق سياسة الولايات المتحدة يريد إنجاز الأعمال التي لم يتأت لها إنهاؤها منذ احتلالها لهايتي عام 1915، والمتمثلة في تحويل الاقتصاد الهايتي بالكامل إلى ملحق لمصالح الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات.

وتم إرسال بول كوليير، وهو اقتصادي بريطاني من المنظرين للأفكار النيوليبرالية ومتخصص في البلدان منخفضة الدخل، إلى هايتي من قبل الأمم المتحدة لتحديد إستراتيجية اقتصادية جديدة.

وفي تقريره لعام 2009 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كتب كوليير أن تنمية هايتي يجب أن تستند إلى مناطق اقتصادية حرة ترتكز على أربع مجالات:

1. الاستعانة بمصادر خارجية لتصنيع المنسوجات، وتصدير منتجات المنسوجات إلى الولايات المتحدة.

2. الصادرات الزراعية والصناعية الزراعية.

3. مناطق التعدين الحرة التي تم تطويرها من خلال عملية المضاربة شمال البلاد.

4. المناطق الحرة للسياحة، مثل Ile-a-Vache.

على الرغم من ذلك، كانت هناك عقبة كبيرة أمام النجاح في تنفيذ إستراتيجية المجالات الأربعة: كانت هناك أرض مازالت مملوكة للفلاحين الفقراء الذين كانوا أساس الاقتصاد الوطني القائم على الأسرة، بالإضافة إلى ذلك فإنه على الرغم من أن حركة اللاتيفوندا (حركة الفلاحين من دون أرض والذين يستغلون أراضي للزراعة قصد سد احتياجاتهم) خفية في هايتي، إلا أن أعضاءها يحتلون أراضي مهمة لمشروع إنشاء المناطق الاقتصادية الحرة؛ وهو ما يدعم التحولات السياسية اليمينية الأخيرة، مع بروز الحاجة إلى قوة غاشمة لفرض هذه المشاريع وإخضاع أي مقاومة قد يشكلها الفلاحون في سبيل نقل الملكية إلى الشركات متعددة الجنسيات.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة