مدار: 10 مارس/ آذار 2022
أصدرت الحركة التقدمية الكويتية موقفها مما وصفتها بـ”الأزمة الأوكرانية” انطلاقا من تحليلها لمجموعة من المعطيات، موردة أنها بشكل عام ضد الحروب كوسيلة لحل الخلافات الدولية؛ “وذلك لما تنطوي عليه من مخاطر وخسائر ودمار وتهديدات للسلم العالمي، خصوصاً في عالم اليوم وفي ظل الأسلحة النووية ذات الدمار الشامل”.
واستدركت الحركة ذاتها، في بيان لها اطلع عليه “مدار”: “لكن الحروب لا تخضع لقاعدة جامدة من حيث الأسباب والدوافع والأبعاد والتداعيات، وهي مسائل لا تحددها في الجوهر ما تسمى “مبادئ القانون الدولي” ونصوصه الجامدة، وإنما يحددها الواقع وصراعاته وتناقضاته من حيث الطبيعة الطبقية للأنظمة السياسية المشاركة في الحروب وتوجهاتها وتحالفاتها وأهدافها، بالإضافة إلى أسباب النزاع والعوامل التي أشعلت الحرب وخلفياتها التاريخية، التي لا ترتبط فقط بقاعدة “مّنْ أطلق الرصاصة الأولى” في لحظة معينة”.
وأضافت الحركة اليسارية ذاتها أنها تدرك جيداً أنّ “روسيا الاتحادية ليست هي الاتحاد السوفياتي”، وأنها ليست “في موقع الدفاع عن روسيا أو الوقوف معها أو ضدها في شأن تداعيات الأزمة الأوكرانية”، ولا ينطلق موقفها من ثنائية (إما/ أو)؛ وإنما تأخذ بعين الاعتبار “جميع العوامل والتناقضات والاصطفافات والتحالفات الدولية والإقليمية”، وتحرص على “تجنب الوقوع في فخ المخططات الإمبريالية والصورة التي رسمتها الدعايات الإعلامية الغربية”، مع تأكيدها على صداقتها للشعبين الروسي والأوكراني، وتضامنها مع الطبقة العاملة والأحزاب الشيوعية والعمالية في البلدين.
ورفضت الهيئة التقدمية الكويتية تشبيه ما يحدث في أوكرانيا بالغزو الذي شنه النظام العراقي في عهد صدام على الكويت واحتلالها وضمّها؛ “ذلك أنه ليس هناك على أرض الواقع من وجه للشبه بين الأمرين، سواء من حيث الدوافع والأسباب أو من حيث المعطيات التاريخية والجغرافية السياسية والظروف والملابسات، أو من حيث الوقائع والأحداث”، وزادت موضحة: “كان الشعبان الروسي والأوكراني متآخيين في إطار دولة اتحادية واحدة هي اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية لمدة سبعين عاماً، ولاحقاً عندما تمكنت قوى الثورة المضادة في بداية تسعينيات القرن العشرين من تفكيك الاتحاد السوفياتي، وإعادة الرأسمالية، تم إبرام اتفاقيات بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا بشأن الأمن المشترك وتفكيك السلاح النووي وعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، ثم جرى عقد اتفاقيتي مينسك الأولى والثانية بين البلدين، اللتين خرقهما النظام الأوكراني بتحريض غربي… ناهيك عن الحرب المتواصلة منذ ثماني سنوات التي شنها هذا النظام ضد المواطنين الأوكرانيين الناطقين بالروسية في أقليم الدونباس”.
وأردف المصدر ذاته عارضا المعطيات التاريخية: “كما أن هناك أقساماً من أراضي أوكرانيا، مثل شبه جزيرة القرم، كانت جزءاً من روسيا حتى 1957 قبل إلحاقها بأوكرانيا في العهد السوفياتي أثناء تولي خرتشوف القيادة”، وزاد أن “هناك استفزازات إمبريالية غربية موجهة ضد روسيا قامت بها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، استهدفت تهديد أمن البلاد واستنزافها وإضعافها، عبر محاولة ضم أوكرانيا إلى الحلف”.
وتستنتج الحركة ذاتها مما سبق أنه “من الواضح تماماً أنّ هذه الوقائع والمعطيات التاريخية والجغرافية السياسية والعسكرية والسكانية المتصلة بالأزمة الأوكرانية تدحض بشكل كامل التشبيه المخادع بين ما تعرضت له الكويت من غزو واحتلال وما يحدث في أوكرانيا، مثلما يحاول البعض ترويجه بهدف تضليل الرأي العام الشعبي”.
وتابع البيان ذاته: “هناك مَنْ يحاول تصوير الأمر على أنه عدوان قامت به دولة ديكتاتورية ضد دولة ديمقراطية مسالمة، ونحن هنا لسنا بصدد القول بديمقراطية النظام الروسي، لكننا لا يمكن أن نكون سذجاً لنتجاهل حقيقة أنّ النظام الأوكراني القائم، وتحديداً منذ 2014، ليس نظاماً ديمقراطياً ولا نظاماً مسالماً، وإنما هو نظام ذو ميول فاشية تقوده عناصر يمينية متطرفة يدعمها الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، حيث يضطهد هذا النظام المواطنين الأوكرانيين من أصول روسية ويحظر نشاط الحزب الشيوعي، وهو نظام ضالع تماماً في الاستفزازات والمخططات الموجهة ضد روسيا”.
وأوضح المصدر ذاته أن الشعوب العربية “تعاني الأَمرين من الاحتلال الصهيوني والهيمنة الإمبريالية، خصوصاً في ظل عصر سطوة نظام القطب العالمي الواحد، بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي في بداية التسعينات”، وزاد أن من مصلحتها أن “تطوى صفحة هذا النظام العالمي القائم على سطوة القطب الواحد وتشكيل نظام عالمي جديد متعدد وإن لم يكن عادلاً تماماً ولا يضع نهاية حاسمة للسطوة الإمبريالية؛ ولعل ما يجري في أوكرانيا هو نهاية ذلك النظام وبداية تشكيل نظام عالمي بديل، ما سيؤدي إلى إضعاف سطوة الإمبريالية الأميركية المهيمنة وحليفها الصهيوني؛ وهو ما سينعكس بالضرورة على الأنظمة التابعة في العالم، وفي منطقتنا، متابعا: “هنا فلنتذكر على سبيل المثال أنّ النظام الاستعماري “الكولونيالي” العالمي بصيغته البالية القديمة قد انهار في أعقاب هزيمة النازية والفاشية وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية”.
وختمت الحركة اليسارية ذاتها بأنها ترى أن “من المصلحة الوطنية الكويتية أن تتم إعادة النظر جذرياً في السياسة القائمة على ما تسمى الضمانات الغربية لأمن الكويت واستقلالها، بعد أن فَقَدَت الضمانات الغربية صدقيتها، ما يتطلب الاعتماد بالأساس على الجبهة الداخلية المتماسكة، وتعزيز القدرات الدفاعية الوطنية، والتركيز على العلاقات الإقليمية والدولية المتوازنة”.