مدار: 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
هو السابع من أكتوبر 2023، تاريخ مجيد، يستكمل نصر عملية “طوفان الأقصى” بتحقيق أولي لأهدافها، إذ دخلت الهدنة الإنسانية المؤقتة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية حيز التنفيذ صباح يوم الجمعة 24 الجاري، لمدة 4 أيام، وأسفرت عن إطلاق سراح 69 رهينة إسرائيلية من قطاع غزة مقابل الإفراج عن 150 فلسطينيًا من السجون الإسرائيلية، وإدخال مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود إلى كافة مناطق القطاع.
وتم التوصل إلى الهدنة الإنسانية بموجب اتفاق بين كيان الاحتلال وحركة حماس بوساطةٍ قطريّة مصريّة وبدعمٍ أميركي؛ وذلك بعد عدوان إسرائيلي تواصل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي في حق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، أسفر عن استشهاد أكثر من 15 ألف مواطن، بينهم 6150 طفلًا، وأكثر من 4 آلاف امرأة، بالإضافة إلى أكثر من 36 ألف جريح، في حصيلة غير نهائية.
ومساء اليوم الرابع نجحت المقاومة الفلسطينية مجددًا في فرض شروطها وتمديد الهدنة الإنسانية في القطاع ليومين إضافيين. إذ أعلنت وزارة الخارجية القطرية مساء الإثنين أن جهود الوساطة نجحت في التوصل إلى اتفاق يقضي بتمديد الهدنة، بشروط الهدنة السابقة نفسها، التي كان من المفترض أن تنتهي الساعة السابعة من صباح الثلاثاء.
أبرز صفقات الإفراج عن الأسرى
ما نشهده اليوم من رضوخ سلطات الاحتلال لشروط المقاومة الفلسطينية سبقته عدة عمليات تبادل أسرى، منها 10 صفقات بين الكيان والمقاومة الفلسطينية، إضافة إلى صفقات أجرتها الدول العربية مع الاحتلال، أبرزها بين إسرائيل ومصر عام 1974 وعام 2004، ومع السلطات الأردنية عام 1997.
كذلك عقدت المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) صفقات تبادل ناجحة مع إسرائيل، من بينها ما تضمن تحرير أسرى فلسطينيين، وأبرزها: صفقة التبادل عام 2004، وصفقة التبادل عام 2008، التي تمت بعد تنفيذ عناصر من “حزب الله” يوم 12 يوليو/تموز 2006 عملية “الوعد الصادق”، وأُسر خلالها جنديان إسرائيليان هما “إيهود غولدفاسر” و”إلداد ريغف”. وكان الهدف من العملية القيام بصفقة تبادل أسرى.
وقامت حركات المقاومة الفلسطينية منذ عام 1968 بصفقات تبادل للأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي، بلغ عددها 10 صفقات حتى عام 2011، ونجحت عمليات التبادل في تحرير آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين وغيرهم، وشملت عددًا من أصحاب الأحكام المؤبدة والأحكام العالية، وأسرى من فلسطين المحتلة عام 1948.
ومن أشهر عمليات التبادل “صفقة الجليل” عام 1985 و”صفقة وفاء الأحرار” عام 2011، إذ فرض فيهما المفاوض الفلسطيني شروطه، وأُطلق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين مقابل 3 إسرائيليين في الأولى، وجندي إسرائيلي واحد هو جلعاد شاليط في الثانية.
يُذكر أن صفقة “وفاء الأحرار” كانت آخر الصفقات، إذ لم تسفر سنوات من المفاوضات عبر أكثر من وسيط بين إسرائيل والجانب الفلسطيني عن تحرير شاليط رغم بذل إسرائيل جهودًا كبيرة لذلك، عبر قنوات مختلفة، وشنت حربًا على القطاع نهاية عام 2008 ومطلع عام 2009، لكنها لم تفلح في الوصول إلى مكان الجندي الأسير.
وبعد أكثر من 5 سنوات قضاها شاليط في الأسر، اضطرت إسرائيل يوم 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011 إلى الرضوخ للمطالب الفلسطينية في صفقة تبادل تاريخية، عبر الوسيط المصري، كانت هي الأضخم بين صفقات المقاومة كافة على المستويين الفلسطيني واللبناني.
صفقة “طوفان الأقصى”
في اليوم الأول من الهدنة أفرجت سلطات الاحتلال عن 39 معتقلًا، وهم 24 امرأة و15 طفلًا، من سجن “عوفر” العسكري غرب رام الله، ومن معتقل “المسكوبية” في القدس المحتلة.
وشهد يوم السبت إتمام الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى، التي جرى بموجبها الإفراج عن 13 رهينة إسرائيلية مقابل الإفراج عن 39 أسيرًا وأسيرة بينهم 33 طفلًا و6 نساء من سجون الاحتلال.
وفي المجموع، سلمت حركة حماس يومي الجمعة والسبت للجنة الدولية للصليب الأحمر 26 رهينة إسرائيلية يحمل بعضهم جنسية أخرى.
ومن بين الأسيرات المفرج عنهن الجريحة المقدسية إسراء الجعابيص وأقدمهن الأسيرة ميسون الجبالي، حيث اعتقلت في 29 يونيو/ حزيران 2015، وحكم عليها بالسجن 15 عامًا.
أما مساء الأحد فأفرجت حماس عن 13 رهينة، إضافة إلى أربع رهائن آخرين تايلانديين من خارج الاتفاق، فيما أطلق الاحتلال 39 من الأطفال المعتقلين من سجن “عوفر” العسكري”، ومن معتقل “المسكوبية” في القدس المحتلة، ضمن الدفعة الثالثة من “صفقة التبادل”.
وتوافد مئات من المواطنين وذوي المعتقلين تباعًا أمام مدخل سجن “عوفر” العسكري، ووسط مدينة رام الله، حيث تم استقبال أبنائهم.
كما أقدمت قوات الاحتلال على قمع الأهالي والصحافيين المتواجدين في محيط سجن “عوفر” العسكري غرب رام الله، أثناء انتظارهم تحرير المعتقلين الأطفال. إذ أطلقت الرصاص الحي والمعدني المغلف بالمطاط، وقنابل الغاز السام المسيل للدموع، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين، بينهم صحافي؛ كما هاجمت الصحفيين وأجبرتهم على الابتعاد عن المكان، وأطلقت الغاز والقنابل الصوتية تجاههم، واستولت على معدات عدد منهم.
واستقبل مئات المواطنين المعتقلين المفرج عنهم، مرددين الشعارات المهنئة بالإفراج عنهم، وأخرى داعية إلى الإفراج عن كافة المعتقلين في سجون الاحتلال.
أما في القدس فمنعت قوات الاحتلال أهالي المعتقلين من الاحتفال، أو استقبال المهنئين في المنازل، ضمن سياسة العقاب التي تستخدمها في حق المقدسيين.
ومساء الإثنين شملت الدفعة الرابعة خروج 11 من المحتجزين الإسرائيليين وتحرير 33 أسيرًا فلسطينيًا من بينهم 30 طفلًا أسيرًا و3 أسيرات، وهن: من جنين ︎ياسمين تيسير عبد الرحمن شعبان وعطاف يوسف محمد جرادات، ومن القدس︎نفوذ جاد عارف حماد، أصغر الأسيرات سنًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ وكان جاد حمّاد والدها أكد في تصريح له أنّ “منظمةً إسرائيليةً طالبت جيش الاحتلال بعدم الإفراج عنها”.
وفي السياق، اقتحمت شرطة الاحتلال عددًا من منازل الأسرى الذين شملتهم الدفعة الرابعة من صفقة التبادل قبل تحريرهم، وأقدمت أيضًا على إطلاق قنابل الغاز تجاه الفلسطينيين والصحافيين الموجودين في محيط سجن “عوفر”، كما أصابت شابا بالرصاص الحي.
وجاء في بيان الخارجية القطرية أن من بين المفرج عنهم من غزة 3 من حملة الجنسية الفرنسية و2 من الجنسية الألمانية و6 من الأرجنتين.
تجدر الإشارة إلى أن قوات الاحتلال تواصل شن حملات الاعتقال، منفذة عمليات تنكيل واسعة، واعتداءات بالضرب المبرّح وعمليات تحقيق ميداني، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم. وقد ارتفعت حصيلة الاعتقالات بعد السابع من أكتوبر المنصرم إلى أكثر من 3260، وفقًا لبيان مشترك صادر عن نادي الأسير الفلسطيني وهيئة شؤون الأسرى والمحررين.
وتشمل هذه الحصيلة من جرى اعتقالهم من المنازل، وعبر الحواجز العسكرية، ومن اضطروا لتسليم أنفسهم تحت الضغط، ومن احتجزوا كرهائن، ومن جرى استدعاؤهم واعتقالهم لاحقًا.
وتأتي حملات الاعتقال المتواصلة في إطار العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني، والإبادة المستمرة في غزة، بعد السابع من أكتوبر المنصرم؛ وشملت كافة الفئات بمن فيهم الأطفال، وكبار السّن والنساء، والمئات من الأسرى السابقين الذين أمضوا سنوات في سجون الاحتلال الإسرائيليّ.