[حوار]: بسّام الصالحي يدعو إلى عزل إسرائيل على الساحة الدولية (الجزء الأول)

مشاركة المقال

مدار (خاص): 30 تشرين الثاني/ أكتوبر 2023

قال الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني، بسّام الصالحي، في حوار خاص مع “مدار”، إن عملية السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أظهرت بأن إسرائيل “قابلة للتعرض لضربات وانتكاسات مهمة وذات تأثير كبير ليس فقط على واقع وحاضر هذه الدولة لكن على مستقبلها أيضا”.

وشرح الزعيم السياسي اليساري خلفيات لجوء الكيان المحتل إلى القوة الغاشمة في حق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، رابطا ذلك بالمشروع السائد داخل المنظومة الحاكمة في إسرائيل الذي “يقوم على استمرار السعي إلى تصفية القضية الفلسطينية و’الترانسفير’ وخلق واقع يعتقدون أنه من خلاله يمكنهم أن يعطلوا مسار التاريخ القائم على إنهاء الاحتلال وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني”.

من جانب آخر، أكد الأمين العام لحزب الشعب الفلسطيني أن رد الفعل العربي الرسمي من مجريات الأحداث في فلسطينليس بالمستوى المطلوب.

بالنسبة للمتحدث نفسه، فإن الحرب العدوانية على غزة “أظهرت الغرب مكشوفا تماما، بمعايير مزدوجة، وكل مفاهيمه وأطروحاته حول حقوق الإنسان وحول الحريات والديمقراطية داستها أساطيل الجيش الإسرائيلي والأمريكي، كما داستها أقلام وأصوات المسؤولين وممثلي الاتحاد الأوروبي رفيعي المستوى في الأمم المتحدة”.

وفي ما يلي الجزء الأول من الحوار:

مدار: ما هي في نظركم الأبعاد الكبرى لمعركة طوفان الأقصى؟ وتأثيراتها المتوقعة مستقبلا على القضية الفلسطينية محليا ودوليا؟.

بسّام الصالحي: لا شك أن العمل البطولي الذي تم في 7 أكتوبر زلزل المؤسسة الصهيونية الحاكمة في إسرائيل بكل المعاني، ووضع دولة إسرائيل أمام أسئلة وتحديات صعبة تتعلق ليس فقط بالجانب الأمني والعسكري والسياسي، وإنما أساسا بما إذا كان الاعتماد على واقع الاستيطان والاحتلال والتوسع والقوة سيجلب أو جلب لإسرائيل الأمن والسلام على مدار الأعوام الماضية؛ فحتى ولو كانت هناك أوهام بهذا الشأن فإن ما جرى في سابع أكتوبر بدد هذه الأوهام، وأظهر الحقيقة الراسخة، وهي أن سقف القوة واعتبارات القوة مهما كانت لدولة الاحتلال فهي محدودة، وهي بالعكس قابلة للتعرض لضربات وانتكاسات مهمة وذات تأثير كبير ليس فقط على واقع وحاضر هذه الدولة لكن على مستقبلها أيضا.

ومن هنا نحن نعتبر أنه بدلا من أن تستخلص إسرائيل مما جرى استخلاصات سياسية جدية ذات معنى تدفعها نحو تغيير المسار والذهاب نحو تسوية حقيقية مع الشعب الفلسطيني، تقوم على تطبيق قرارات الأمم المتحدة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وحقه في العودة، ذهبت إلى أمرين؛ الأول التصرف بروح الانتقام وبغريزة القوة والاستخدام المفرط للقوة الغاشمة إلى حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والأمر الثاني العودة إلى فكرة أنه من خلال التهجير وتصفية القضية الفلسطينية واستعادة وتأكيد أيديولوجية التطهير العرقي و”الترانسفير” تستطيع أن تحل القضية الفلسطينية.

هذا الاستخلاص المدمر في الواقع، الذي أدى ويؤدي إلى ارتكاب المجازر غير المسبوقة التي تتم في قطاع غزة، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البيوت والهجوم على المستشفيات والمدارس والكنائس والمساجد، وتجويع قطاع غزة وحرمانه من الماء والكهرباء والطعام…كل هذا يشير إلى أن هناك مشروعا أساسيا انتصر أو تأكد في داخل المنظومة الحاكمة في إسرائيل، يقوم على استمرار السعي إلى تصفية القضية الفلسطينية و”الترانسفير” وخلق واقع يعتقدون أنه من خلاله يمكنهم أن يعطلوا مسار التاريخ القائم على إنهاء الاحتلال وتلبية حقوق الشعب الفلسطيني.

نحن لدينا خشية كبيرة من تكريس هذه العقيدة المكملة للعقيدة الصهيونية في التطهير العرقي و”الترانسفير”، من خلال ما يمكن تسميتها “عقيدة غزة” الآن التي تقوم على استبدال القمع والقهر اليومي للشعب الفلسطيني بالقتل المباشر، وبالتالي بدلا من الاعتقال والقمع والملاحقة التي كانت سمة الاحتلال، بالإضافة إلى الاغتيالات والقتل، أصبح وكأن الوسيلة الأساس في سلوك قوة الاحتلال مع الشعب المحتل هو القتل اليومي والإبادة واستخدام عقيدة القتل الجماعي كعقيدة مكملة لعقيدة القوة، ولتطوير سلبي مع الأسف وخطير للغاية لما أسموها حينها عقيدة الضاحية التي استخدمت في لبنان عام 2006.

مدار: يواصل الكيان الغاصب عدوانه على الشعب الفلسطيني منذ السابع من أكتوبر. فكيف تنظرون لرد الفعل العربي الرسمي والشعبي بهذا الخصوص؟.

بسّام الصالحي: رد الفعل الرسمي العربي ليس بالمستوى المطلوب. طبعا هناك موقف مهم تم من قبل كل من مصر والأردن في رفضهما بشكل قاطع موضوع تهجير الشعب الفلسطيني، خاصة أن هناك مخططا مبيتا للتهجير، وتمت ضغوط واضحة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة لتنفيذه في الأيام الأولى من الهجوم على غزة، وقوبل بموقف رسمي مصري حازم برفض التهجير. وتبع ذلك أيضا وبالتوازي معه موقف أردني واضح أيضا بهذا الخصوص، ما أدى إلى إفشال الخطة الإسرائيلية الأمريكية لدفع مئات آلاف الفلسطينيين إلى سيناء والعودة إلى المشروع التقليدي الذي كان لديهم وعبرت عنه صفقة القرن بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ولاحقا ربما توسيع غزة باتجاه سيناء.

لكن هذا لا يعني أن هذا كاف. طبعا هناك خطوات اتخذت بشكل متفاوت من الدول العربية، بعضها تم سحب سفرائها أو أوقفت وجمدت التطبيع مع إسرائيل، وبعضها اتخذت مواقف داعمة بشكل معين في الأمم المتحدة.

إلا أنه بالإجمال ورغم القمة العربية الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في الرياض إلا أن الموقف العربي الرسمي يحتاج إلى تفعيل أكثر، وبالإمكان أن يكون ذا جدوى وفاعلية أكثر مما هو عليه حتى الآن؛ لان هناك العديد من المصالح المشتركة للولايات المتحدة والتحالف الغربي موجودة في الدول العربية، ويمكن في حال اتخاذ مواقف ملموسة منها أن يؤدي ذلك إلى تفعيل أكثر للموقف العربي، فعلى سبيل المثال يمكن استخدام سلاح النفط، واستخدام العلاقات الاقتصادية، كموضوع المقاطعة وتجميد الاتفاقات التي نصت على التطبيع، والاحتجاج أكثر على السياسة الأمريكية بالذهاب إلى تجميد عضوية إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة…. هناك إجراءات عديدة يمكن أن تتخذها الدول العربية من أجل تفعيل دورها بصورة أكبر مما هو عليه حتى الآن.

في المقابل الموقف الشعبي العربي موقف أكثر تقدما، هذا ما لمسناه، سواء في المظاهرات التي خرجت في العديد من العواصم العربية أو في الإعلانات والمواقف التضامنية التي عبرت عنها الأطر والمؤسسات الشعبية العربية، بما فيها النقابات المهنية والبرلمانات العربية وغيرها.

 نحن نعتقد أن هناك أدوات ضغط لها فعالية كبيرة لدى الدول العربية، ومن المهم أن يتم استخدامها، خصوصا من أجل وقف العدوان على غزة وتقديم إسرائيل لمحكمة الجنايات الدولية ومحاسبتها على جرائم الحرب، وأيضا من أجل فك الحصار على قطاع غزة؛ وإلى جانب ذلك بطبيعة الحال وضع قضية إنهاء الاحتلال على جدول الأعمال الدولي بشكل فعال وملح أكثر مما هو عليه حتى الآن.

مدار: أبان الغرب، خصوصا أوروبا والولايات المتحدة، عن دعم غير مشروط للكيان الصهيوني، مقابل هبة شعبية واسعة للتضامن مع الشعب الفلسطيني، بينما أبانت مؤسسات الأمم المتحدة عن عجز واضح عن وقف العدوان. ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لكم؟ وما هي الرسالة التي توجهونها إلى العالم؟.

بسّام الصالحي: للأسف الشديد أن الأمم المتحدة ظهرت عاجزة وضعيفة في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، من خلال الفشل في الوصول إلى قرار بوقف إطلاق النار نتيجة ما عبرت عنه العديد من المقترحات أو مشاريع القرارات التي قدمت لمجلس الأمن واستخدمت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حق الفيتو، أو أنها لم تصل أصلا إلى أغلب أعضاء المجلس. والأمر نفسه حتى في القرار الذي تم اتخاذه من أجل وقف إطلاق النار أو الهدنة الإنسانية بناء على موقف جماعي في مجلس الأمن، إذ لم يتم تنفيذه رغم التصريحات والمناشدات والمطالبات التي ظهرت من الأمين العام للأمم المتحدة ومجموع الوكالات الأممية المتخصصة، سواء الصحية أو الخاصة بالإغاثة وحقوق الإنسان وغيرها. وبالتالي فإن الأمم المتحدة فعليا لم تنجح لا في وقف عدوان إسرائيل، ولا في محاسبتها على هذا العدوان، بما في ذلك التباطؤ والتلكؤ والتواطؤ الذي يظهره المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في التعامل مع هذه القضية، وهو الذي لا يستحق أن يبقى في منصبه، إذ إنه متحيز بالمطلق لإسرائيل ويتلاعب ويماطل ويؤجل كل القضايا التي تخص جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال في قطاع غزة. حصل ذلك في القضية المرفوعة سابقا، ومازال يحدث في الواقع القائم حاليا.

 وقد ظهرت ازدواجية المعايير بشكل واضح لدى هذا المدعي العام في التعامل مع الموضوع الأوكراني على سبيل المثال والموضوع الذي يخص إسرائيل. كما ظهرت ازدواجية المعايير في تعامل الولايات المتحدة والدول الغربية في العديد من القضايا، بما يشمل التعامل مع أوكرانيا ومع الموضوع الفلسطيني.

الحرب الأخيرة أو العدوان الأخير على قطاع غزة أظهر واقع الغرب الاستعماري، الذي تمثله بالأساس الولايات المتحدة وبريطانيا، وأنه هو الذي أسس دولة الاحتلال، وهو الحريص على حمايتها. كما قال بايدن إنه لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدوها، وفي الحقيقة هم الذين أوجدوها وهم الذين مازالوا معنيين باستمرارها في دورها الذي تقوم به كطرف يقوم باحتلال أراضي الشعب الفلسطيني، ويسعى إلى فرض منطق الهيمنة في الشرق الأوسط.

 وقد لاحظنا أن مستوى التراجع لدى الغرب الرسمي وصل إلى مبلغ في غاية الانحطاط، ما يتجلى في التصريحات التي صدرت عن رئيس وزراء السويد، الذي أباح ليس فقط ما يسمى الدفاع عن النفس لإسرائيل، ولكن حتى الإبادة الجماعية من خلال تصريحاته التي حاول في ما بعد بدون جدوى أن يتراجع عنها، وعبر بذلك تماما عن موقف الاتحاد الأوروبي، وموقف العديد من الدول الأوروبية التي هي في واقع الأمر لم تدافع عن إسرائيل وحقها في ما يسمى الدفاع عن النفس، وإنما دافعت عن سلوكها القائم على الإبادة الجماعية وعلى جرائم الحرب. ولم نسمع من هؤلاء إدانة حقيقية وضغطا حقيقيا لوقف هذا العدوان.

الحرب العدوانية على غزة أظهرت الغرب مكشوفا تماما، بمعايير مزدوجة، وكل مفاهيمه وأطروحاته حول حقوق الإنسان وحول الحريات والديمقراطية داستها أساطيل الجيش الإسرائيلي والأمريكي، كما داستها أقلام وأصوات المسؤولين وممثلي الاتحاد الأوروبي رفيعي المستوى في الأمم المتحدة، ولذلك نحن نعتقد أن هذا العدوان على غزة لم يكشف فقط الطبيعة الفاشية والنازية للاحتلال الإسرائيلي، وإنما كشف الطبيعة ذاتها أيضا بالنسبة للولايات المتحدة ودول التحالف الغربي.

وطبعا في مقابل هذا الموقف الرسمي لهذه الدول شهدنا تحولا هائلا في الرأي العام الأوروبي، وفي التعاطف المتزايد مع القضية الفلسطينية، والرفض الصريح والواضح للإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكبها النازية الجديدة في إسرائيل. ظهر ذلك في آلاف المسيرات والمظاهرات الحاشدة والتجمعات والمواقف التي عبرت عنها أوساط واسعة من الرأي العام، سواء في الولايات المتحدة أو في بريطانيا، ألمانيا وفرنسا، وفي كل الدول الأوروبية تقريبا، بما يشمل حتى دولا كانت تمثل داعما أساسيا لإسرائيل، وكان الرأي العام فيها منحازا بشكل كبير لإسرائيل. ويلفت الانتباه الآن الموقف المتقدم الذي عبرت عنه إسبانيا في الاستعداد للاعتراف بدولة فلسطين، ومطالبتها الصريحة بوقف شامل لإطلاق النار. والموقف ذاته الذي عبرت عنه بلجيكا أيضا، وانضمت إليه البرتغال وسلوفينيا وغيرها، عكس الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي الذي هو في ذيل الموقف الأمريكي الرافض لوقف شامل لإطلاق النار.

 نحن نرى أن الحرب العدوانية على غزة أعادت إظهار وجه مشرق للتضامن الأممي الشعبي مع القضايا العادلة للشعوب، والحقوق الأساسية للإنسان.

لأنه في وقت تخلت أنظمة هذه الدول وحكوماتها عن هذه الحقوق، واستندت إلى المعايير المزدوجة، أرادت المواقف الشعبية أن تحمي المفهوم الحقيقي لهذه القيم بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان ورفض جرائم الحرب، وتعيد حتى حكوماتها إلى هذه المواقف.

نحن على ثقة في أن الشعوب في نهاية الأمر ستنتصر، وستهزم المواقف المنحازة ذات المعايير المزدوجة التي انكشفت لحكومات الدول الأوروبية. ولكن بدون شك أن هذا يعطي الشعب الفلسطيني دعما إضافيا لصموده واستمراره في الدفاع عن حقوقه المشروعة في تقرير المصير والاستقلال الوطني، وفي الصمود على أرضه في مواجهة العدوان الإسرائيلي، سواء في غزة أو في الضفة الغربية.

طبعا نحن نريد أن يتم توحيد الجهود الدولية بقضيتين أساسيتين، الأولى هي القضية العادلة القائمة على وقف العدوان والحصار، والثانية هي إنهاء الاحتلال ومعالجة جذور القضية الفلسطينية من خلال إنهاء الاحتلال وضمان حقوق الشعب الفلسطيني في التحرر وإقامة دولته المستقلة، وكذلك حقوقه في العودة وفق القرار 194. وإذا تم توحيد حركة التضامن الدولي تحت هذين القضيتين، وهما إنهاء الحصار وضمان الحل العادل لحقوق الشعب الفلسطيني، فهذا سيمثل مكسبا كبيرا يمكن البناء عليه. وبدون شك أن اعتماد أساليب مقاطعة إسرائيل وعزلها على الساحة الدولية قد يكون إحدى هذه الأدوات المهمة جدا للضغط لتحقيق هذه الأغراض. نحن رأينا كيف نجح العالم من خلال سياسة كهذه في أن يجبر حكومة جنوب إفريقيا على إلغاء نظام الأبارتايد والتمييز العنصري، وبإمكان العالم أن يجدد هذه الأدوات من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف العدوان المستمر ضد الشعب الفلسطيني.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة