التعاطف سبب وحدتنا: تساعد المنظمات المجتمعية في التصدي للجوع بالأرجنتين

مشاركة المقال

مدار: 09 أيلول/ سبتمبر 2021

بقلم: جوليان إنزوغارات وآنا داجوريت – الأرجنتين

كان ظهور الجائحة وراء استشراء الظلم وانعدام المساواة بشكل أكبر، واستجابت الحركات الشعبية لهذا الوضع من خلال تعزيز التضامن والتنظيم وتوفير الطعام لأولئك الذين يكافحون.

كيف سيبدو شكل العالم عند خروجنا من الجائحة؟ هل سنكون أمام عالم أكثر عدلا وأكثر رعاية؟ هل سنشهد تراجعا في النزعة الفردية وكشف زيف أسطورة الاستحقاق؟ هذه بعض الأسئلة التي طرحها كل من المحللين والسياسيين والصحفيين والمجتمع على أنفسهم في بداية هذا الوباء العالمي.

كانت هناك آمال في أن تكون الأزمة الصحية بمثابة محرك لعالم أكثر عدلا، وتنزيل الرعاية الجماعية، لكنها تلاشت مع اشتداد الوباء، فقد تبنت معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم فلسفة “كل شخص من أجل نفسه”، بدلا من أن يتم تبني “سنخرج من هذا بشكل أفضل من خلال تكتلنا معا”. وكان على الحركات الاجتماعية أن تملأ هذا الفراغ.

بعد أكثر من عام ونصف من العزلة، أظهرت النتائج وبالأدلة أن العالم لم يتغير، بل عكس ذلك أدى الوباء إلى تعميق التفاوتات الاجتماعية التي كانت من قبل؛ فيما بقي المستفيدون هم نفسهم كما كان الحال دائما.

شهد عام 2020 زيادة في ثروات المليارديرات بمقدار 5 تريليونات دولار، بالإضافة إلى ارتفاع في عدد أصحاب المال هؤلاء. كما نشرت OXFAM في يناير 2020 أن أغنى 1% (حوالي 2150 شخصا) يسيطرون على ثروة تفوق ما يملكه 60% من سكان العالم (حوالي 4.6 مليارات شخص).

كما عرف التفاوت والفقر نموا في العالم أجمعه، لاسيما في أمريكا اللاتينية. وأشارت بيانات حول مختلف بقاع العالم تم نشرها في يونيو 2021 إلى أن 97 مليون شخص إضافي دفعوا نحو الفقر المدقع عام 2020.

الأرجنتين تتقهقر

أشارت بيانات صادرة عن INDEC في نهاية مارس 2021 حول الأرجنتين إلى أن: 42% من السكان يرزحون تحت خط الفقر (تراجع بنقطة واحدة أكثر مقارنة مع النصف الثاني من عام 2019)، و10.5% من السكان يعيشون في فقر مدقع (تراجع بنقطتين أكثر بالنسبة للفترة نفسها). ومن الأمور التي توضح حجم خطر الجوع اتساع الفجوة بين من يعيشون في فقر مدقع ومتوسط دخل الأسرة وسعر سلة الغذاء الأساسية. كما أن هذه الفجوة آخذة في الاتساع بانتظام نتيجة التضخم غير المنضبط. بعبارة أخرى، أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر المدقع ازدادوا فقرا، وهذا يدل على أن الوباء أثر بشكل أساسي على أولئك الذين لديهم أقل قدر من المساواة الاجتماعية.

صورة: مطبخ اجتماعي، يوم عيد العمال، فيكتوريا نوردنستال

إن أكثر المتضررين من هذه الأزمة هم الشباب: ما يقرب من 8.3 ملايين فتاة وفتى يعيشون في فقر نقدي، وهذا يمثل 62.9 % من مجموع السكان من الأطفال والمراهقين؛ فيما يعيش 2.4 مليون من الفئة نفسها في فقر مدقع.

وفي هذا السياق، أطلقت الحكومة الوطنية من خلال وزارة التنمية الاجتماعية برنامج “الأرجنتين ضد الجوع“، لدعم القطاعات الأكثر ضعفا في المجتمع. وتم في هذا الإطار استثمار حوالي 133.234 مليون بيزو (1357159 دولار أمريكي) عام 2020، بزيادة قدرها 451% عن العام السابق.

واستثمر مجلس مكافحة الجوع من خلال بطاقة Alimentar حوالي 95 مليون بيزو (969399 دولار أمريكي) في جميع أنحاء البلاد. كما تم اعتبارا من 20 غشت/ آب منح ما مجموعه 3885067 شخصا مزايا من خلال البطاقة، بما في ذلك 3764278 أسرة لديها أطفال دون سن 14 عاما، و48820 أسرة مع أطفال ذوي إعاقة و71969 امرأة حاملا.

ويتلقى المستفيدون من هذا البرنامج مبالغ وفق التقسيم التالي: 6000 بيزو شهريا (61 دولار أمريكي) لمن لديهم طفل واحد، و9000 بيزو (91 دولار أمريكي) لمن لديهم طفلان، و12000 بيزو (122 دولار أمريكي) لمن لديهم ثلاثة أطفال أو أكثر. وكجزء من هذا البرنامج، تم تخصيص الأموال أيضا للمطابخ المجتمعية التي توزع الطعام على الأسر والمجتمعات الضعيفة.

وكان من المبادرات الأخرى التي اتخذتها الحكومة الأرجنتينية فرض ضريبة استثنائية على الثروات الكبرى، تستهدف دافعي الضرائب الذين يبلغ دخلهم المعلن أكثر من 200 مليون بيزو (2040841 دولارا أمريكيا).

وبحلول نهاية أبريل/ نيسان، كان ما يقرب من 80% من هذه المجموعة دفعوا هذه الضريبة بالفعل، وتمكنت الدولة من جمع 223 مليار بيزو (2.275 مليار دولار أمريكي) لشراء المعدات الطبية والإعانات المالية للشركات الصغيرة والمتوسطة، والمنح الدراسية للطلاب وبرامج الإسكان في الأحياء الفقيرة. كما أنه كان هناك 2000 شخص أو نحو ذلك لم يدفعوا، وذهب البعض إلى حد رفع دعاوى قضائية ووصف الإجراء بأنه غير قانوني وغير دستوري.

التضامن والتنظيم: ركائز برنامج المساعدات الغذائية

أدت الآثار التي خلفتها أربع سنوات من السياسات النيوليبرالية والقيود الناجمة عن الوباء إلى منع الكثيرين من نشاطهم في الأعمال غير الرسمية، كما أنه مع عدم قدرة الغالبية على تغطية نفقاتهم نما عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وفي هذا الوضع الخطير، ظهرت المنظمات الاجتماعية والمجتمعية – مدفوعة بروح التضامن – للتنسيق مع الدولة لتخفيف المشكلات التي يواجهها الشعب.

صورة: امرأة تعد الطعام في المطعم الجماعي باركي لازا في لوخان، وتم تنظيمه مع سي دي تي – أنيبال فيرون، فاكوندو فيليس

باركي لاسا هو حي في مدينة لوخان، وهي بلدية يبلغ عدد سكانها 120.000 نسمة، وتقع إلى الغرب من مقاطعة بوينس آيرس المكتظة بالسكان. وشهد هذا الحي تهميشا تاريخيا من طرف الدولة.

خلال المرحلة الأشد قسوة في الحجر الصحي، تم إعداد أكثر من 200 وجبة في الحي من قبل سوسيداد دي فومينتو (منظمة غير ربحية تعمل على دعم المجتمع)، من الإثنين إلى الجمعة، لمساعدة العائلات الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية.

يتذكر خوان أكوتو، أحد منسقي Trabajadores Desocupados -CTD Anibal Verón [حركة العمال العاطلين عن العمل – أنيبال فيرون]، كيف عرضت المنظمة مساعدة السلطات البلدية عندما تم الإعلان عن تدابير العزل، مستدركا: “لكن الرد على هذه المبادرة كان ضرورة الالتزام بإجراءات العزل. كنا نعلم آنذاك أنه سيكون هناك تأثير سلبي على اقتصاد أولئك الذين يعيشون يوما بيوم”.

وتم دعم أكثر من 9000 أسرة في مناطق المساعدة الغذائية المختلفة المتواجدة في منطقة لوخان بأكملها. ويقدر عدد السكان الذين استفادوا من هذه المساعدات بأكثر من 35000 شخص على أساس شهري.

صورة: توزيع المواد الغذائية في مطبخ مجتمعي في لوخان، فيكتوريا نوردنستال

وقامت البلدية، بتنسيق مع المنظمات الاجتماعية التي روجت لمطابخ الفقراء في الأحياء، من خلال مطابخ الحساء والوجبات الخفيفة، بمساعدة 1600 عائلة، أي ما يعادل 6500 شخص.

وقال خوان إن منطقة التنمية البشرية، ولجنة طوارئ الغذاء، دعتا إلى اجتماع لتنظيم نظام المساعدة، وقامتا خلاله بتشكيل سلسلة من المجموعات في الأحياء للقيام بالعمل مع المنظمات الاجتماعية.

ويضيف خوان: “في باركي لاسا، كانت المنظمة تدير بالفعل مطبخا مجتمعيا منذ سنوات”، ويسترسل: “لقد جعلنا هذه المساحة متاحة من أجل الدعم، ثم بدأنا العمل مع Sociedad de Fomento ومركز الرعاية الصحية الأولية. هكذا تم تشكيل قيادة فرعية لـ باركي لاسا و أميريكانو و باريو يونيفرسيداد وإل تريبول”.

وسلط المنسق عن CTD – Anibal Verón الضوء على مفهومين: التضامن والتنظيم. “عند مواجهة هذا الوضع، كان هناك ومازال الكثير من التضامن في مجتمعنا. نحن نعرف الجيران – الرفاق الذين يبذلون جهودا يومية وكل ما في وسعهم لمواجهة التحدي المتمثل في الجوع في مثل هذه الأحياء الفقيرة”.

ردد إلياس سوسا، أحد سكان المجتمع الذي اتصل بـ Sociedad de Fomento، حرصه الشديد على التطوع في المطابخ المجتمعية، وقال: “هذه المواقف هي أبرز مثال على قدرتنا على رؤية التضامن والالتزام الاجتماعي”، مضيفا أن أفراد المجتمع كانوا من بين الأكثر تضررًا من الوباء وإجراءات العزل، وزاد: “على الرغم من أننا نمر جميعا بهذه اللحظة بطرق مختلفة، أعتقد أن ما وحدنا هو التعاطف”.

صورة: تقديم المطعم الجماعي باركي لازا في لوخان، وتم تنظيمه مع سي دي تي – أنيبال فيرون، فاكوندو فيليس

كما أعرب سوسا عن أمله في أن تستغل الدولة ومختلف المنظمات الاجتماعية والنضالية والحيّة هذا الوضع من أجل العمل معا والمساهمة بفعالية في معالجة المشاكل التي يواجهها الشعب.

لقد أظهر الشعور بتخلي الدولة، الذي تغلغل إلى العديد من المجتمعات في جميع أنحاء الأرجنتين، الحاجة الملحة إلى تنفيذ تدابير لمواجهة المشاكل الهيكلية للبلد. كان تضامن المنظمات الاجتماعية ومجموعات الأحياء أحد القوى الدافعة التي مكنت المهمشين من البقاء على قيد الحياة.

في ظل استمرار الوباء، دون أي بوادر على انتهائه، فإن التحصين البطيء والخطاب الراديكالي المتزايد للمعارضة السياسية عديمة الضمير والمتعطشة للسلطة يوضحان أن الحاجة في الوقت الحالي هي قهر الجوع الذي تعاني منه الأغلبية. هذا وحده سيجعل من الممكن أن يكون هناك تقدم في حل القضايا الملحة الأخرى، مثل التعليم والتنمية، التي يمكن أن تعيد أخيرا للرجال والنساء الأرجنتينيين/ ات الكرامة التي سلبتها سنوات النيوليبرالية الشرهة.

*: “الجوع في العالم” هو سلسلة ساهم في إنتاجها كل من: “آ إر جي ميديوس“، “برازيل دي فاتو“، “بريك ثرو نيوز“، “مدار“، “نيو فرايم” “نيوز كليك” و “بيبلز ديسباتش“.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة

آراء

[رأي]. غربيو الشرق.. مستشرقون عرب

مدار: 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 إبراهيم قاسم (الأردن)*  يظهر اليوم، هنا تحديداً في شرقنا العربي، من لا يملكون من تراثنا الزاخر شيئا، يظهرون بتحليل