مدار: 05 يوليو/ تموز 2023
نفذ الاحتلال الإسرائيلي، صباح الإثنين الماضي، هجوما عسكريا جويا وبريا على مدينة جنين، اعتبر الأكبر على المدينة منذ سنوات، في عملية تأتي بعد أيام قليلة عن محاولة الاقتحام التي عرفتها المدينة، وراح ضحيتها خمسة شهداء بالإضافة إلى أكثر من 100 جريح.
الصور القادمة من جنين تذكرنا بالعدوان الذي تم قبل 21 عاما، عام 2002، وتعيد للأذهان كيف كانت المروحيات الهجومية تحلق فوق مخيم للاجئين على مدار أيام طويلة من العدوان الوحشي، ما أدى إلى تحويل وسط المخيم إلى أنقاض. مع كل ما حملته تلك الفترة من مشاهد لفلسطينيين يقفون في بساتين الزيتون خارج المخيم ويشاهدون النيران تدمر منازلهم، وآخرين يسكنون بيوتا دمرت نصفها رافضين التفريط في أرضهم.
هذا وشن الاحتلال عديد الطلعات الجوية بطائرات بدون طيار على المباني، كما اقتحم لواء من قوات الاحتلال– يتراوح تعدادها بين 1000 و2000 جندي – مدعوما بالجرافات المدرعة والقناصة على أسطح منازل المدينة ومخيم اللاجئين، ليخلف هذا العدوان 12 شهيدا وأكثر من 100 جريحا.
وضع إنساني يزداد تدهورا
الصور من داخل المدينة حملت عديد المشاهد المؤلمة لجرافات تسوي بيوتا بالأرض وتقتلع كل ما يأتي في طريقها، مخلفة من ورائها عائلات من دون مأوى، فوفقا للأرقام الأولية التي أعطاها الهلال الأحمر الفلسطيني تم إجلاء 3000 فلسطيني من المخيم والعدد في ارتفاع مستمر.
هذا الوضع دفع لين هاستينغز، المنسقة الإنسانية المقيمة للأمم المتحدة، للتعبير عن انزعاجها من حجم فداحة تدخل الاحتلال في جنين، من خلال تدوينة على تويتر جاء فيها: “تم استخدام الضربات الجوية في مخيم اللاجئين المكتظ بالسكان. عدد القتلى والجرحى خطير جدا. يجب ضمان الوصول إلى جميع المصابين”.
هذا وحذر المسؤولون الصحيون من التداعيات الخطيرة لاستمرار العدوان على مدينة جنين، ما ينذر بارتفاع عدد الشهداء والجرحى في ظل محدودية غرف العناية المركزة.
وعن صورة الوضع الطبي في ظل تواصل العدوان على جنين، عبر مدير مستشفى جنين الحكومي، الدكتور وسام بكر على: “عدد الشهداء في ارتفاع متواصل، وهنالك إصابات عدة وصلت إلى مستشفيات أخرى، ما يرفع عدد الجرحى بشكل مستمر، وأغلبها إصابات خطيرة، في الرأس والصدر”.
وحذر المسؤول ذاته من خلال خروجه الإعلامي إلى أن “استمرار العدوان ودخول المزيد من الجرحى والمرضى إلى أقسام العناية المركزة يتسبب في تحد، حيث إنه من الممكن ألا تتوفر أسرة العناية التي هي محدودة في الأصل”، مشيرا إلى أن “هنالك حاجة كبيرة لغرف عناية مكثفة بسبب تواصل العدوان ووصول المزيد من الجرحى”، وزاد: “بعض المستشفيات أخذت سعتها من المصابين، ولا توجد غرف لعناية مكثفة، ما يدفعنا إلى تحويل الجرحى إلى خارج المحافظة، وهذا تلزمه سيارات إسعاف وكوادر طبية ترافق الجرحى، وهذه مشكلة”.
وكانت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة صرحت بأن قوات الاحتلال منعت أطقم الإسعاف في جنين من الوصول إلى مناطق المصابين، وذكرت أن المستشفيات تواجه اكتظاظا، وأن عددا كبيرا من الجرحى لم يتمكنوا من الوصول إليها.
وعبرت منظمة أطباء بلا حدود، في بيان، عن أن الجرافات الإسرائيلية دمرت الطرق المؤدية إلى مخيم جنين، ما عرقل وصول الإسعاف إلى المرضى، وأضافت أن التصريحات الإسرائيلية بأن البنية التحتية العسكرية هي فقط المستهدفة تتعارض بشكل صارخ مع ما نراه.
صمت دولي وردود فعل محتشمة
في وقت يعاني الشعب الفلسطيني من ويلات العدوان المتواصل، خرج البيت الأبيض كما عادته بتصريح حمل أنه يدافع عن حق إسرائيل في الأمن ويراقب الوضع في الضفة الغربية عن كثب. وقال متحدث باسم البيت الأبيض: “لقد اطلعنا على التقارير ونراقب الوضع عن كثب”، مضيفا: “نحن ندعم أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن شعبها ضد حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني والجماعات الإرهابية الأخرى”.
وأدانت وزارة الخارجية القطرية تكرارعدوان الاحتلال الإسرائيلي على مدينة جنين ومخيمها، وحذرت في بيان لها من تلاشي فرص السلام واتساع دائرة العنف بسبب التصعيد الإسرائيلي المتواصل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه مصر في بيان وزارة خارجيتها، منددة بالاعتداء الإسرائيلي على مدينة جنين، وما أسفر عنه من ضحايا ومصابين فلسطينيين، ومطالبة بتدخل الأطراف الدولية الفاعلة لوضع حد لتلك الانتهاكات؛ كما أكدت رفضها الكامل للاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية المتكررة ضد المدن الفلسطينية، وما تسفر عنه من وقوع ضحايا أبرياء من المدنيين في استخدام مفرط وعشوائي للقوة، وانتهاك سافر لأحكام القانون الدولي والشرعية الدولية.
هذا في وقت أعرب حزب الله اللبناني عن إدانته للهجوم الإسرائيلي على مدينة ومخيم جنين وتنفيذ أعمال قتل واعتقال في حق المواطنين، في ظل ما وصفه بـ”الصمت العالمي والعربي الذي يشجّع إسرائيل على التمادي بأعمالها الإرهابية”.
وأشاد حزب الله في بيانه بتصدي فصائل المقاومة لقوات الاحتلال، موقعة الخسائر في جنودها وآلتها الحربية، مؤكدا دعمه المطلق للفصائل الفلسطينية في كل الخيارات التي تراها مناسبة لردع إسرائيل وحماية الشعب الفلسطيني ومقدساته.