نيو فرايم/ مدار: 11 حزيران/ يونيو 2022
فيجاي براشاد
كانت الحرب في ليبيا أول عملية عسكرية كبرى لمنظمة حلف شمال الأطلسي في إفريقيا، كجزء لا يتجزأ من خطة الغرب القائمة على دمج قواتها والتوسع في القارة.
يعتبر القلق الناتج عن توسع منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) نحو الحدود الروسية أحد الأسباب الرئيسية وراء الحرب الحالية في أوكرانيا، لكن هذه ليست محاولة الناتو الأولى من أجل التوسع، لاسيما أن الهدف من وراء إنشاء الولايات المتحدة لهذه المنظمة عام 1949 كان هو إبراز قوتها العسكرية والسياسية أمام أوروبا.
وشنت قوات الناتو في 2001 عملية عسكرية “خارج المنطقة” في أفغانستان استمرت لـ20 عاما، وعام 2011 وبإلحاح من فرنسا قامت بقصف ليبيا والإطاحة بحكومتها. لقد كانت العمليات في أفغانستان وليبيا مقدمة لمناقشات حول “الناتو العالمي”، وهو مشروع لاستخدام حلف الناتو العسكري بما يتجاوز التزامات ميثاقه، ولاسيما في ما يتعلق ببحر الصين الجنوبي والبحر الكاريبي.
وكانت الحرب التي شنها الناتو على ليبيا أول عملية عسكرية كبيرة له في القارة الإفريقية، لكنها لم تكن أول بصمة عسكرية أوروبية في القارة. بعد قرون من الحروب الاستعمارية الأوروبية في إفريقيا، نهضت عديد الدول من بين رماد الحرب العالمية الثانية، مؤكدة على سيادتها، إذ إن دولا مثل غانا وتنزانيا أعلنت رفضها السماح للقوات العسكرية الأوروبية بالدخول إلى القارة من جديد، ولهذا السبب اضطرت هذه القوى الأوروبية للجوء إلى الاغتيالات والانقلابات العسكرية في سبيل الإشراف على اختيار الحكومات الموالية للغرب في المنطقة. وسمح هذا الأمر بإنشاء قواعد عسكرية أوروبية في إفريقيا، ومنح الشركات الغربية الحرية الكاملة لاستغلال الموارد الطبيعية للقارة.
واستمرت قوات الناتو في عملياتها الاستباقية في ما يتعلق بإفريقيا، إذ كان البحر المتوسط خط المواجهة الرئيسي، لاسيما أن الناتو قام بإنشاء قوات الحلفاء في جنوب أوروبا، في كل من نابولي عام 1951 وفي مالطا عام 1952.
وقامت الحكومات الغربية بإنشاء هذه التشكيلات العسكرية قصد تحصين البحر الأبيض المتوسط ضد البحرية السوفيتية، بالإضافة إلى إنشاء منصات قريبة من القارة الإفريقية بحيث يمكنهم التدخل عسكريا فيها. وبعد حرب الأيام الستة عام 1967، أنشأت لجنة التخطيط الدفاعي لحلف الناتو، التي تم حلها في 2010، القوة البحرية عند الطلب في البحر المتوسط، وذلك من أجل الضغط على الدول الموالية للاتحاد السوفيتي – مثل مصر – والدفاع عن ممالك شمال إفريقيا (لم يكن الناتو قادرا على منع انقلاب عام 1969 الذي أطاح بالنظام الملكي في ليبيا وجلب العقيد معمر القذافي إلى السلطة. وقامت حكومة القذافي بعد وقت قصير من إمساكها بزمام الحكم بطرد القواعد العسكرية الأمريكية من البلاد).
وجرت المحادثات حول العمليات “خارج المنطقة” في مقر الناتو بتواتر متزايد بعد انضمام الناتو إلى الحرب الأمريكية على أفغانستان. وقد أخبرني مسؤول كبير في الناتو عام 2003 بأن الولايات المتحدة “طورت شهيتها لاستخدام الناتو”، في إطار محاولتها لإظهار القوة ضد الخصوم المحتملين. وبعد ذلك بعامين، بدأ الناتو سنة 2005 بأديس أبابا، بإثيوبيا، في إرساء تعاون وثيق مع الاتحاد الإفريقي، الذي تم تشكيله عام 2002 كامتداد لمنظمة الوحدة الإفريقية، والذي سعى من أجل بناء هيكل أمني مستقل، وهو الأمر الذي كان سيعني عدم اللجوء إلى الغرب للحصول على المساعدة ولا طلب الناتو من أجل توفير الدعم اللوجستي والجوي لمهمة حفظ السلام في السودان.
وإلى جانب الناتو، قامت الولايات المتحدة بالاعتماد على قدرتها العسكرية من خلال القيادة الأمريكية الأوروبية (أوروكوم)، التي أشرفت على عمليات في إفريقيا من 1952 إلى 2007، ليقوم بعد ذلك الجنرال جيمس جونز، رئيس أوروكوم من 2003 إلى 2008، بتشكيل القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) عام 2008، التي كان مقرها الرئيسي في شتوتغارت، بألمانيا، لأنه لم تكن أي دولة من الدول الإفريقية البالغ تعدادها 54 مستعدة لمنحها هذا الامتياز. وبدأ الناتو العمل في القارة الإفريقية من خلال أفريكوم.
ليبيا وحلف الناتو من أجل إفريقيا
كانت حرب الناتو على ليبيا وراء تغير ديناميكيات العلاقة بين الدول الإفريقية والغرب، فقد كان الاتحاد الإفريقي أكثر حذرا من التدخل العسكري في المنطقة. وفي 10 مارس/ آذار 2010، شكل مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الإفريقي لجنة رفيعة المستوى مخصصة للشأن الليبي، وكان من بين أعضاء هذه اللجنة كل من رئيس الاتحاد الأفريقي آنذاك جان بينغ، ورؤساء دول خمس دول إفريقية – الرئيس السابق لموريتانيا محمد ولد عبد العزيز ورئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو والرئيس المالي السابق أمادو توماني توري والرئيس السابق لجنوب إفريقيا جاكوب زوما والرئيس الأوغندي يويري موسيفيني – وكانت أولى مهام هذه اللجنة التنقل إلى طرابلس، بليبيا، من أجل إجراء مفاوضات بين طرفي الحرب الأهلية الليبية. لكن مجلس الأمن منع هذه البعثة من دخول البلاد.
وفي اجتماع بين اللجنة المخصصة رفيعة المستوى بشأن ليبيا والأمم المتحدة في يونيو/ حزيران 2011، قال الممثل الدائم لأوغندا لدى الأمم المتحدة خلال ذلك الوقت، روهاكانا روغوندا: “ليس من الحكمة أن يتبجح بعض اللاعبين بالتفوق التكنولوجي والبدء في التفكير في أنهم وحدهم قادرون على تغيير مسار التاريخ البشري نحو الحرية للبشرية جمعاء. بالتأكيد، لا ينبغي لأي كوكبة من الدول أن تعتقد أنها تستطيع إعادة الهيمنة على إفريقيا”. لكن هذا بالضبط ما كانت دول الناتو قد بدأت تتخيله.
وأدت الفوضى في ليبيا إلى اندلاع سلسلة من الصراعات التي كانت كارثية في كل من مالي وجنوب الجزائر وأجزاء من النيجر، كما أن التدخل العسكري الفرنسي في مالي عام 2003 أعقبه إنشاء مجموعة الساحل الخمس؛ وهي منصة سياسية وتحالف عسكري بين دول الساحل الخمس – بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر. وفي ماي/ أيار 2014، افتتح الناتو مكتب اتصال في مقر الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا، كما أنه في قمة حلف الناتو بويلز في شتنبر/ أيلول 2014 نظر شركاء التحالف في المشكلات في منطقة الساحل التي تم إدراجها ضمن خطة الأعمال الاستباقية للحلف، والتي كانت بمثابة “المحرك لتكيف الناتو العسكري مع البيئة الأمنية المتغيرة والمتطورة”. وفي دجنبر/ كانون الأول 2014 قام وزراء خارجية الناتو بمراجعة تنفيذ الخطة، وركزوا على “التهديدات المنبثقة من جوارنا الجنوبي، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، ووضعوا إطارا لمواجهة التهديدات والتحديات التي يواجهها الجنوب، وذلك وفقا لـ تقرير أعده الرئيس السابق للجمعية البرلمانية لحلف الناتو مايكل آر تورنر.
بعد ذلك بعامين، في قمة الناتو بوارسو عام 2016، قرر قادة الناتو زيادة تعاونهم مع الاتحاد الإفريقي من خلال “ترحيبهم بالالتزام العسكري القوي للحلفاء في منطقة الساحل والصحراء”، ولتعميق هذا الالتزام، أنشأ الناتو قوة إفريقية وبدأ عملية تدريب للضباط في القوات العسكرية الإفريقية.
وعلى الرغم من كل هذا فإن القرار الأخير بإخراج الجيش الفرنسي دليل على تجذر وبروز حساسية عامة متنامية في القارة ضد العدوان العسكري الغربي. لا عجب إذن أن العديد من الدول الإفريقية الكبرى رفضت اتباع موقف واشنطن بشأن الحرب على أوكرانيا، حيث امتنعت نصف الدول عن التصويت أو صوتت ضد قرار الأمم المتحدة بإدانة روسيا (وهذا يشمل دولا مثل الجزائر وجنوب إفريقيا وأنغولا وإثيوبيا).
ومن الجدير بالذكر أن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا قال إن بلاده “ملتزمة بتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية ليس فقط لشعبنا ولكن لشعوب فلسطين والصحراء الغربية وأفغانستان وسوريا وعبر إفريقيا والعالم” .
إن الخزي مازال يتابع الحماقات الغربية وحلفاء الناتو، بما يشمل صفقات الأسلحة مع المغرب قصد تسليم الصحراء الغربية إلى المملكة، والدعم الدبلوماسي لإسرائيل، بينما تواصل هذه الأخيرة سياساتها القائمة على الفصل العنصري للفلسطينيين. كما أن هذه الأمور تجعل الغضب الغربي الحاد من الأحداث التي تجري في أوكرانيا بمثابة الدعابة السمجة والنفاق الواضح.
الظهور البارز لهذا النفاق بمثابة تحذير أثناء التعامل مع اللغة الإنسانية التي يستخدمها الغرب عندما يتعلق الأمر بتوسع الناتو في إفريقيا.