مدار + مواقع: 06 تموز/ حزيران 2021
أحيت فنزويلا الذكرى 210 لاستقلالها يوم 5 تموز/يوليو 1811، باعتبارها الدولة الأولى في القارة الأمريكية التي تعلن استقلالها عن الاستعمار الإسباني، بعد حرب استقلال طاحنة أدت إلى انتصار المقاومة. ويأتي عيد استقلال فنزويلا في حين لم يخرج الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن سياسة سلفه دونالد ترامب، مؤكدا وقوفه إلى جانب خوان غوايدو، الذي ينتحل صفة رئيس الجمهورية البوليفارية، دون أن تعترف به الأمم المتحدة أو يمتلك سلطة فعلية على البلد الأمريكي الجنوبي.
وكعادتها، خلدت فنزويلا هذه المناسبة بتنظيم استعراض عسكري ضخم وسط العاصمة كاراكاس، بحضور الرئيس نيكولاس مادورو، وشخصيات سياسية وعسكرية كبيرة.
وقال مادورو خلال الحفل إن “احتفالنا اليوم بذكرى الاستقلال هو التزام باستعادة الرفاه الاشتراكي الذي أسسته الثورة البوليفارية ولإعادة الازدهار الاقتصادي إلى بلدنا”، وزاد: “إن الهدف هو التغلب على العقوبات الجنائية وإيجاد مسارات للتنمية المستدامة والقوية، من أجل أن يلبي النظام الاقتصادي احتياجات شعبنا”.
وتأتي هذه المناسبة على خلفية صدور الإعلان الفنزويلي للاستقلال الذي أصدره كونغرس المحافظات الفنزويلي، ومن خلاله أعلن الفنزويليون الاستقلال عن التاج الإسباني من أجل إقامة دولة جديدة تقوم على مبادئ المساواة بين الأفراد وإلغاء الرقابة والتفاني في حرية التعبير. وتم تكريس هذه المبادئ كمبدأ دستوري للأمة الجديدة، وكانت تعارض بشكل جذري الممارسات السياسية والثقافية والاجتماعية التي كانت موجودة خلال ثلاثمائة عام من الاستعمار.
بايدن يدعم خوان غوايدو
اختارت الإدارة الأمريكية السير عكس التصريحات التي كانت قد أدلت بها سابقا. ووجه جوزيف بايدن رسالة تهنئة إلى خوان غوايدو، الذي أعلن نفسه ودون الأخذ بالنصوص الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد منذ سنة 2019، بدعم أمريكي وبعض الدول الأوروبية، إضافة إلى الحكومات اليمينية في القارة الأمريكية الجنوبية، خصوصا كولومبيا والبرازيل.
وأعلن غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا لفنزويلا في كانون الثاني/يناير 2019 بعد أن رفضت المعارضة المدعومة أمريكيا الاعتراف بفوز نيكولاس مادورو بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية لسنة 2018، رغم أن النظام الانتخابي في هذا البلد يعد “الأكثر صرامة وشفافية في العالم” حسب العديد من المؤسسات الدولية والمراقبين الأمميين.
وعرضت الرئاسة الفنزويلية في العديد من المرات إجراء حوار مع المعارضة، من أجل التوصل إلى حلول متوافق عليها، وذلك ما جرى برعاية الفاتيكان، لكن سرعان ما توقف هذا المسار نتيجة انقسام المعارضة على نفسها. وتجدد الأمر مرة أخرى قبل أسابيع، وأثناء مفاوضات بوساطة المجتمع الدولي انقسمت المعارضة مرة أخرى حول الموقف من المشاركة في انتخابات المناطق المقرر إجراؤها في تشرين الثاني/ نونبر من السنة الجارية، ما اضطرها إلى خوض مفاوضات داخلية للخروج بموقف “موحد”، لكن المؤشرات أظهرت أن حجم تعبئة المعارضة في الشارع تراجع بشكل ملحوظ، و تخترقتها تناقضات حادة، خصوصا بعد تصريح غوايدو بأنه يؤيد تدخلا عسكريا أجنبيا للإطاحة بالحكومة البوليفارية.
وكان مادورو وجه في وقت سابق دعوة للحوار مع بايدن، آملا ألا يستمر في نهج إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، ومعتبرا أن “سياسة دونالد ترامب تجاه فنزويلا فشلت فشلا ذريعا”.
وكانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعربا عن استعدادهما لإعادة النظر في العقوبات التي يفرضانها على فنزويلا إذا ما أقدم الأخير على خطوات نحو إجراء “انتخابات ذات مصداقية”. غير أن تهنئة بايدن لغوايدو، وتجاهل السلطات الشرعية، يظهر تناقض خطاب واشنطن، حسب مراقبين.
مخطط لاغتيال مادورو؟
أجرى مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة وليام بيرنز وقائد القيادة الجنوبية الأميركية (ساوثكوم)، الأدميرال كريغ فالر، زيارات إلى كولومبيا والبرازيل، وهما بلدان يحكمها اليمين المتطرف المعروف بعدائه الشديد لفنزويلا.
وفي هذا السياق، كشف الرئيس الفنزويلي، يوم 04 تموز/ يونيو، عن مخطط تحاول تنفيذه الولايات المتحدة الأمريكية لاغتياله والتخلص منه، متسائلاً إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد أذن بذلك.
وقال مادورو خلال حفل عسكري الجمعة الماضي: “هل صادق جو بايدن على أوامر (سلفه) دونالد ترمب لقيادة فنزويلا إلى حرب أهلية وقتلنا؟ نعم أم لا؟ أنا أسأل”. وجاء ذلك تعليقا على الزيارات التي نظمها المسؤولان الأمريكيان إلى البلدين الجارين. واستطرد مادورو متسائلا: “ماذا فعلا؟”.
وتابع الرئيس ذاته: “مصادرنا في كولومبيا تؤكد لنا أنهما كانا هناك لإعداد خطة تستهدفني وتستهدف قادة سياسيين وعسكريين مهمين”، ثم تساءل: “هل سمح الرئيس جو بايدن بالخطة الهادفة إلى اغتيالي واغتيال قادة سياسيين وعسكريين كبار في فنزويلا؟ نعم أم لا؟”.
ويندد مادورو بشكل متكرر بوجود خطط لتنفيذ انقلاب أو غزو عسكري أو اغتيال، متهما الولايات المتحدة بأنها وراء كل تلك المحاولات.
وليست هذه هي المرة التي يتم خلالها الكشف عن مخططات مدعومة أمريكيا لاستهداف القيادات الفنزويلية.
وفي بداية أغسطس/ غشت 2018، نجا مادورو من محاولة اغتيال أثناء إلقائه كلمة في عرض عسكري، بينما أصيب سبعة من جنود الحرس الوطني بجراح. ووجهت السلطات في كاراكاس أصابع الاتهام حينها إلى كولومبيا، وعناصر من المعارضة.
السياسة الأمريكية فشلت!
وسنة 2020، وقبيل التغييرات التي حدثت في رأس الإدارة الأمريكية، كشفت معطيات مسربة أن واشنطن كانت تسعى إلى قلب النظام في فنزويلا بطرق متعددة لكنها فشلت.
وعقدت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي جلسة بشأن فنزويلا، في الرابع من أغسطس/غشت 2020. ومثل أمام اللجنة الممثل الخاص للخارجية الأمريكية إليوت أبرامز، وتعرض حينها المسؤول الأمريكي لانتقادات لاذعة من طرف غالبية أعضاء اللجنة بسبب فشله في المحاولات الأمريكية للإطاحة بالحكومة الفنزويلية التي يقودها الرئيس نيكولاس مادورو..وظهر اتفاق واسع وسط اللجنة أن أهداف السياسية الأمريكية هي بالتحديد الإطاحة بحكومة الرئيس مادورو، ولو اقتضى الأمر استخدام القوة.
وقال أبرامز خلال هذا اللقاء: “نأمل بالتأكيد ألا ينجو مادورو هذه السنة.. إننا نعمل بجهد لتحقيق ذلك”. ومازالت سياسية “نوع من الانقلاب” قائمة، وسرعان ما قام ترامب حينها بنقل أبرامز ليتولى الملف الإيراني بعد أن فشل في فنزويلا.
وأقرت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة إجراءات عسكرية لتضييق الخناق على فنزويلا، بلغت أوجها السنة الماضية، صاحبتها أشهر من الوجود العسكري الأمريكي في بحر الكاريبي وعلى تخوم فنزويلا، إضافة إلى دعم تقني وتكنولوجي واستخباراتي كبير للحكومة والجيش الكولومبيين. وأعلن قبل ذلك مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون أن “القوات الكولومبية لم تكن، ببساطة، جاهزة للصراع التقليدي مع القوات المسلحة لمادورو”؛ ناهيك عن انخراط الجيش البرازيلي بحماس في البرامج الأمريكية في القارة الأمريكية اللاتينية، خصوصا تلك التي تتعلق بفنزويلا.
ومنذ عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، تتعرض فنزويلا لعقوبات اقتصادية وسياسية شديدة أحادية الجانب من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، ما أدى أزمة اقتصادية حادة.
وفي آذار/ مارس 2019، تعرضت شبكة الكهرباء الفنزويلية لأعمال تخريب؛ وقالت الحكومة حينها إنها أعمال تهدف إلى خلق الفوضى وزعزعة الاستقرار. وفي أيار/ مايو 2020، اعترضت القوات الفنزويلية محاولة توغل من طرف أفراد القبعات الخضر ومرتزقة آخرين، من التخوم الحدودية الكولومبية.
وضاعفت جائحة كورونا من حجم الضغوط على كاراكاس، غير أنها استطاعت تأمين اللقاح لشعبها بعد الاستعانة باللقاحات التي طورتها كوبا، رغم الحجر غير القانوني الذي فرض على حصتها من لقاحات كوفاكس التابع لمنظمة الصحة العالمية. وتظهر المؤشرات أن الالتفاف الشعبي حول المؤسسات الدستورية مازال كبيرا.