مدار: 12 شباط/ فبراير 2024
أدانت محكمة جنح المطرية في العاصمة المصرية القاهرة، يوم الثلاثاء 6 شباط/ فبراير 2024، المرشح الرئاسي السابق أحمد الطنطاوي، ومدير حملته محمد أبو الديار، بالحبس سنة وكفالة 20 ألف جنيه مصري (650 دولار أمريكي) مع وقف تنفيذ الحكم لحين الاستئناف.
إضافة إلى ذلك، عاقبت القضاء المصري، 21 من قيادات وأعضاء حملته بالحبس سنة مع النفاذ، وحرمان الطنطاوي من الترشح للانتخابات النيابية لمدة 5 سنوات تبدأ من تاريخ الحكم النهائي، في الملف المعروف إعلاميا بـ”قضية التوكيلات الشعبية”.
وأثار قرار المحكمة موجة استنكار وتنديد واسعة، ورآه كثيرون “رسالة تخويف وتهديد لجميع معارضي النظام”.
واستند قرار المحكمة إلى المادة 65 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، التي تنص على أن “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام بأي من أفعال من بينها: طبع أو تداول بأية وسيلة بطاقة إبداء الرأي أو الأوراق المستخدمة في العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة”.
ووفق نص المادة: “يعاقب المترشح المستفيد من الجرائم الواردة بالفقرتين السابقتين بذات عقوبة الفاعل الأصلي إذا تبين علمه وموافقته على ارتكابها، وتحكم المحكمة فضلاً عن ذلك بحرمانه من الترشح للانتخابات النيابية لمدة 5 سنوات من تاريخ صيرورة الحكم نهائياً”.
جاء ذلك عقب دعوة وجّهتها حملة الطنطاوي – العضو اليساري في مجلس النواب السابق – في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، للراغبين في تحرير توكيلات تأييد لترشحه للانتخابات الرئاسية بملء النموذج المعد لهذا الغرض، دون الذهاب لمقار مأموريات التوثيق بالشهر العقاري، كخطوة رمزية لإظهار التأييد، ردًا على ما وصفها بالممارسات المتعمدة باستخدام “الترويع والبلطجة” لمنع أنصاره من ممارسة حقهم السياسي بتحرير توكيلات له في مكاتب الشهر العقاري.
تضييق من المنبع.. استهداف واعتقالات وانتهاكات
في آذار/ مارس الماضي، أعلن الطنطاوي نيته العودة إلى مصر في مطلع أيار/ مايو قادما من العاصمة اللبنانية بيروت، من أجل “القيام بواجبه في تقديم البديل المدني الديمقراطي الذي تحتاج إليه مصر ويقدر عليه شعبها العظيم”، قبل أن يؤجل عودته أسبوعا عقب الإفراج عن عمه وخاله وعدد من أصدقائه، الذين ألقي القبض عليهم بعد إعلانه العودة، بتهم من بينها “الانضمام لجماعة إرهابية”، تزامنا مع انعقاد “الحوار الوطني” مع المعارضة الذي دعا له الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ومنذ إعلان الطنطاوي نيته الترشح في السباق الرئاسي، حظي بتأييد عدد كبير من الأحزاب المدنية المعارضة، فضلا عن مناصرين لثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، باعتباره أحد المرشحين الممثلين لأهدافها، في الوقت الذي انقسم عدد من الكيانات بين مرشحين آخرين أقل حظوظا، وعبّر ما يسمى بـ “أحزاب الموالاة” عن دعمها الرسمي لترشح السيسي.
ومنذ أن أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات – المسؤولية عن إدارة العملية الانتخابية في مصر – فتح باب الترشح رسميا في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، جمع الطنطاوي أكثر من 14 ألف توكيل، وفق ما صرح به مدير حملته محمد أبو الديار، في مؤتمر صحفي سابق في الـ 13 من الشهر نفسه، وهو ما كان يعني خروجه رسميا من سباق الترشح.
ووفق قانون الانتخابات الرئاسية، يشترط لقبول أوراق الترشح للرئاسة، تزكية المرشح بـ20 نائبا أو من 25 ألف مواطن، قبل غلق باب الترشح في 14 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أن الطنطاوي – 44 عاما – أكد حينها أن عدم استكماله شروط الترشح جاء متعمدا من طرف السلطات المصرية لمنعه بشكل مباشر، وبالمخالفة للدستور والقانون من ممارسة حقه السياسي، في ظل تصاعد حظوظه لخوض منافسة حقيقية أمام الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي.
وكان الطنطاوي دعا أنصاره في بيان مصور، إلى طباعة نموذج توكيلات الشهر العقاري للترشح للرئاسة، وتسليمها للحملة، بعد رصد حملته إلى جانب مؤسسات حقوقية، المئات من وقائع التضييق على المواطنين في تحرير التوكيلات له.
ووثقت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية” ما وصفته بـ”الانتهاكات الخطيرة والممنهجة ضد حملة الطنطاوي والتي أخلت بالعديد من الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين منها الحق في حرية التعبير، والحق في المشاركة العامة، والحق في الأمان الجسدي. وجرت وقائع هذه الانتهاكات في سياق تحرير التوكيلات الشعبية اللازمة للترشح، أو بمناسبة تطوع بعض المواطنين للمشاركة في حملته الانتخابية، أو حتى إبداء البعض لرأيهم في سير العملية الانتخابية بالمجمل”.
وأضاف المصدر ذاته أن هذه الانتهاكات تراوحت بين الاعتقال التعسفي لعدد كبير من أعضاء حملة الطنطاوي، مرورًا بإعاقة المواطنين عن تحرير توكيلات باستخدام “البلطجة والترويع” في محيط مكاتب الشهر العقاري، بدون تدخل من الشرطة، و”تحت بصرها في بعض الأحيان”، وانتهاء بـ “التعدي بالضرب على عدد معتبر من هؤلاء المواطنين، وإجبار جهات رسمية موظفيها للذهاب إلى اللجان الفرعية للتصويت في الانتخابات”.
وكان الطنطاوي – وهو رئيس سابق لحزب الكرامة الناصري – اتهم في بيان سابق، الأجهزة الأمنية بالتصعيد من وتيرة وحدّة تصرفاتها “غير القانونية واللا أخلاقية تجاه حملته الانتخابية”، موضحا أن هذه التضييقات بدأت منذ لحظة إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية، مستخدمة أساليب متنوعة من التجاوزات والانتهاكات والجرائم (مرصودة وموثقة) استهدفت إرهابه وأعضاء حملته ومؤيديها، كاشفا عن عمليات قبض واحتجاز وإخفاء قسري لعدد كبير من المتطوعين بالحملة، وتوجيه تهم نمطية متكررة لعدد منهم، تم بموجبها حبسهم احتياطيًا من نيابة أمن الدولة العليا.
وفي بيان لاحق له في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أعلن عضو مجلس النواب السابق اجتماعه مع المحامين المتطوعين للدفاع عن 139 من قيادات وأعضاء حملته محبوسين على ذمة 8 قضايا، على خلفية اشتراكهم في الحملة الانتخابية لترشحه، في الوقت الذي تم ضم اسمه في إحدى هذه القضايا.
في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أعلنت وزارة الداخلية القبض على عدد من الأشخاص في خمس محافظات بدعوى “تحرير توكيلات مزورة لصالح أحد المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية”، في إشارة للطنطاوي، قائلة إنهم وضعوا توقيعات على التوكيلات للادعاء بأنها صادرة عن مكاتب الشهر العقاري.
وفي اليوم التالي، قررت نيابة أمن الدولة العليا، حبس 8 من أعضاء حملة الطنطاوي على ذمة القضية “رقم 2255 لسنة 2023 حصر أمن دولة عليا”، في اتهامات بمشاركة “جماعة إرهابية” في تحقيق أغراضها، قبل إحالة الطنطاوي ومدير حملته و21 آخرين لاحقا إلى المحاكمة على ذمة الملف المعروف إعلاميا بـ”قضية التوكيلات الشعبية”.
ونيابة أمن الدولة العليا هي فرع من النيابة العامة المصرية، ويرى حقوقيون أنها كانت في السنوات الأخيرة إحدى أدوات القمع الرئيسية التي تستخدمها الحكومة، وكثيرا ما أبقت عشرات آلاف المعارضين رهن الحبس الاحتياطي المطول والتعسفي، بدون أي فرصة لإطلاق سراحهم بكفالة، نتيجة نشاطهم النضالي السلمي.
وحسب تقارير حقوقية، تتقاعس نيابة أمن الدولة العليا “بشكل معتاد” عن التحقيق في حالات التعذيب والانتهاكات أثناء الاحتجاز، بينما تستخدم الاعترافات التي يشوبها التعذيب ضد المعارضين السياسيين والمنتقدين.
“استفتاء مقنَّع”.. ورسالة تخويف للمعارضين
قبل بدء عملية التصويت، دفعت موجة الاستهداف ضد طنطاوي وأنصاره، الحركة المدنية الديمقراطية – التي تضم أحزابا وشخصيات عامة معارضة للنظام – إلى إعلانها عدم الدفع بمرشح لخوض انتخابات الرئاسة حينها، لافتة إلى أن الانتهاكات التي صاحبت إجراءات الترشح والتي أهدرت ضمانات الحيدة، وأبسط قواعد المنافسة، حوّلت الانتخابات إلى استفتاء مقنع في عملية مهندسة “بتدخل سافر من أجهزة الدولة حتى تحول المشهد أمام مكاتب الشهر العقاري إلى مأساة ومهزلة كاملة الأركان، حرمت كثيرا من المواطنين فى كل محافظات مصر من المشاركة ، بينما ازدحمت الطوابير بمن تم حشدهم لتوكيل الرئيس الحالي”.
ودعت الحركة المدنية الديمقراطية كافة الجهات المعنية إلى الإسقاط الفوري للاتهامات الموجهة ضد طنطاوي وأفراد حملته والذين يضمون أعضاء من عدة أحزاب في الحركة مثل أحزاب الكرامة، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والحزب الشيوعي، والحزب الاشتراكي، معبرة عن أسفها لإهدار فرصة لتغيير ديمقراطي آمن يفتح للشعب أبواب الأمل ويحقق رغبته في تغيير الشخوص والسياسات التي أفضت بنا إلى هذه الأزمة العميقة التي تمسك بتلاليب البلاد وتهبط فيها كل يوم فئات جديدة تحت خط الفقر يداهمها الإحباط واليأس الذي يسكب الزيت على النار مهددا بانفجار.
المبادرة المصرية للحقوق الشخصية – منظمة حقوقية مصرية – رأت أن الحكم في القضية يعد استكمالًا للانتهاكات التي شهدتها الانتخابات الرئاسية الماضية، وترهيبًا للنشطاء والمواطنين الراغبين في ممارسة حقوقهم الدستورية في المشاركة السياسية بالمجمل، وحذّرت من “الميل الخطير للزج بجهات الإدارة والتقاضي لتصفية الحسابات السياسية قصيرة النظر”، في الوقت الذي وصفته المفوضية المصرية للحقوق والحريات بأنه “رسالة تخويف”.
أما مؤسسة “هيومن رايتس ووتش” اعتبرت أن المخالفات الموجهة للطنطاوي وأعضاء حملته “مزعومة وانتقامية، تبعث السلطات من خلالها رسالة واضحة بأنه لن يتم التسامح مع أي تحدٍ جدّي للسيسي”، داعية إلى إسقاط التهم الموجهة لهم فورا.
الخوف من “تيار الأمل”
“كانت نتيجة بطش السلطة خارج نطاق القانون هي حرمان الشعب المصري من حقه في اكتمال حملة الأمل للترشح لرئاسة الجمهورية، بينما النتيجة التي اختارها حراس الأمل هي إكمال مشروع البديل المدني الديمقراطي بيقين وإصرار”، هكذا اختصر الطنطاوي دوافع تأسيس حزب جديد تحت مسمى “تيار الأمل”، مباشرة الإجراءات القانونية المتعلقة بذلك.
وحسب البيان التأسيسي، يهدف الحزب الوليد إلى تمكين البديل المدني الديمقراطي القادر على بناء دولة القانون والمؤسسات، عبر برنامج سياسي من خلال كل محاولة سياسية، وكل استحقاق انتخابي، بتسجيل لرؤية إصلاحية تشمل كل أجهزة ومؤسسات الدولة المصرية، وممارساتها التي أدت للأزمة التي يعيشها المصريون الآن، التي حتمت صياغة هذه الرؤية التي تستهدف إنقاذ الوطن”.
ومن شأن الحكم الأخير على الطنطاوي، في حالة تثبيته، أن يعرقل حلم التأسيس من مهده، في ظل استمرار التضييقات المتواصلة عليه وعلى مؤيديه.
وعلى الرغم من أن الحكم تضمن حرمان الطنطاوي من الترشح للانتخابات النيابية فقط لمدة 5 سنوات، وليس ممارسة حقوقه السياسية بصفة عامة، إلا أنه أثار كثيرا من المخاوف أن يكون “تيار الأمل” الحلقة المقبلة من مسلسل استهداف رئيس “الكرامة” السابق، لمنعه من قيادة أي مشروع سياسي مستقبلي.
هذه المخاوف تطرق إليها محمد أبو الديار، وكيل مؤسسي “تيار الأمل” ومدير حملة الطنطاوي، وأحد المدانين معه في القضية، مشيرا إلى وجود تضييقات على الراغبين في تحرير توكيلات للحزب في مكاتب الشهر العقاري، حيث لم يتمكنوا من استكمال ألف توكيل من بين 5 آلاف توكيل مطلوبة لتأسيس الحزب وفق اشتراطات قانون الأحزاب السياسية.
النظام المصري، الذي تعرض لانتقادات حادة بسبب حملة القمع المستمرة لعقد من الزمان ضد المعارضة، ما يزال يواجه اتهامات متواصلة بتجاهل حقوق الإنسان، حيث يقدر أن يكون هناك نحو 60 ألف سجين سياسي، ويثير القمع المستمر مخاوف متزايدة من هذا النهج، في الوقت الذي يواصل النظام غلق أي منفذ متاح للرأي والتعبير.
مشهد عكسه “تيار الأمل” في بيان بمناسبة ذكرى ثورة 25 كانون الثاني/ يناير:”الأفواه مُكمّمة، والأقلام مُنكّسة على كل المستويات، المعارضة السلمية الدستورية ضرب من ضروب العمل الفدائي، خاصة ونحن نبصر الآلاف من الفتيات والشباب والمئات من المناضلات والمناضلين يقضون سنوات عمرهم في ظلام السجون، فقط لأنهم أرادوا النور واختاروا الحرية، الخبز يتصاعد في سعره وينكمش في حجمه، السلطة تستجدي الرضا المؤسسات الدولية لمزيد من الديون وبيع مقدرات الوطن، بينما أوقعت أكثر من ثلثي الشعب تحت خط الفقر”.
وحسب المصدر ذاته، أكد الطنطاوي ومؤيدوه إصرارهم على “استكمال مشروع البديل المدني الديمقراطي لبناء الوطن الذي يستحقه المصريون، للوصول إلى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، المبادئ التي نادى بها الشعب في 25 يناير 2011”.