مدار: 06 كانون الأول/ ديسمبر 2025
جيف شيونغ
في خضم التركيز العالمي على دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم العام، يقدم هذا التحليل نظرة عامة منهجية لسلسلة كتب دراسية شاملة عن الذكاء الاصطناعي صادرة عن دار نشر جامعة شرق الصين العادية (East China Normal University Press). صُممت السلسلة لإنشاء مسار تعليمي عام متكامل يمتد من المرحلتين الابتدائية والثانوية وصولاً إلى الدراسات الجامعية. في عام 2024، التحق أكثر من 16 مليون طفل بالمدارس الابتدائية في جميع أنحاء الصين، ليصل إجمالي المسجلين إلى أكثر من 100 مليون طالب.
ترتكز السلسلة على فلسفة تربوية جوهرية تؤكد على استخدام سيناريوهات سياقية وواقعية وسرد قصصي لتقليل الحواجز المعرفية أمام الموضوعات المعقدة. ويتم تعزيز هذا النهج من خلال دمج العناصر الثقافية المحلية لزيادة ملاءمة المحتوى، والإدراج المستمر للاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية كعنصر من عناصر عملية التعلم.
مكونات المنهج منظمة في ثلاثة مستويات رئيسية عبر سبعة مجلدات: سلسلة تأسيسية بعنوان “البدء” (Getting Started) للمرحلتين الابتدائية والثانوية، وسلسلة “متقدمة” لطلاب المرحلة الثانوية العليا والجامعيين، ومجلد “تطبيقات شاملة” تتويجي للمرحلة الثانوية وما فوقها. تفصل الأقسام التالية محتوى كل سلسلة.
سلسلة “البدء” – بناء الإلمام بالذكاء الاصطناعي والاهتمام به
يوجه مستوى “البدء” الأولي لطلاب المدارس الابتدائية والثانوية، بهدف إزالة الغموض عن الذكاء الاصطناعي من خلال ترسيخ المفاهيم الأساسية وتعزيز الاهتمام عبر التجارب التفاعلية.
يبدأ المحتوى بتقديم مفهوم الذكاء الاصطناعي من خلال تطبيقاته في الحياة اليومية، ثم ينتقل إلى استعراض تاريخ تطوره، بما في ذلك أفكار تأسيسية مثل “اختبار تورينغ”. بعد هذه المقدمة، تستخدم السلسلة المركبة ذاتية القيادة كدراسة حالة مركزية لتفكيك خمسة مفاهيم أساسية للذكاء الاصطناعي بشكل منهجي: التفاعل بين الإنسان والحاسوب، والإدراك، والتعلم الآلي، والتمثيل والاستدلال، والتأثير الاجتماعي.
بناءً على هذا الإطار، تستكشف الفصول اللاحقة مجالات التطبيق الرئيسية، موضحة المبادئ الأساسية للرؤية الحاسوبية (مثل تكوين الصور من وحدات البكسل)، ومعالجة اللغة الطبيعية (مثل تجزئة الكلمات، وتحليل المشاعر)، وتكنولوجيا الكلام (مثل رقمنة الصوت).
ولجعل هذه المفاهيم أكثر واقعية، تقدم الكتب الدراسية تقنيات محددة مثل كشف معالم الوجه في تقنية التعرف على الوجوه، وكشف النقاط الرئيسية في التعرف على الإيماءات، مما يتيح للطلاب ملاحظة التفاصيل العملية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
كما تضع السلسلة إطارين مفاهيميين عمليين للطلاب. الأول هو “سير عمل الذكاء الاصطناعي المكون من خمس خطوات” (الإدخال، المعالجة المسبقة، استخراج الميزات، المطابقة، الإخراج) الذي يُطبق عبر تطبيقات متنوعة مثل تصنيف الصور والتعرف على الكلام. والثاني هو مقدمة لـ “استراتيجيات التوجيه” (Prompt strategies) للتفاعل مع النماذج الكبيرة، ويغطي تقنيات مثل تحديد أهداف واضحة وتوفير السياق.
تعطي الطريقة التعليمية في هذه المرحلة الأولوية للتعلم التجريبي. وتستخدم أنشطة تعتمد على اللعب والسرد القصصي، مثل لعبة “أنت ترسم وأنا أخمن” أو تمرين مطابقة الأبيات الشعرية المستند إلى الأدب الصيني التقليدي، وتستخدم منصة برمجة رسومية للسماح للطلاب بالانخراط في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي دون معرفة مسبقة بالبرمجة.
يتم دمج التربية الأخلاقية منذ البداية. وتشمل الوحدات مناظرات منظمة حول نسب المسؤولية في حوادث المركبات ذاتية القيادة، ومناقشات حول مخاطر التزييف العميق، وتهدف إلى تنمية التفكير النقدي حول التداعيات المجتمعية للتكنولوجيا.
السلسلة “المتقدمة” – تفكيك تقنيات الذكاء الاصطناعي الأساسية
صُمم المستوى “المتقدم” لنقل المتعلمين من الفهم المفاهيمي إلى الفهم التقني، مستهدفًا الطلاب من المراحل المتأخرة من التعليم الثانوي وصولاً إلى المستوى الجامعي. الهدف هو تفكيك “الصندوق الأسود” للذكاء الاصطناعي من خلال الغوص العميق في خوارزمياته ونماذجه الأساسية.
يبدأ هذا المستوى بالشرط المسبق الأساسي لجميع مهام معالجة اللغة الطبيعية: رقمنة النص. ويشرح بشكل منهجي التدرج من الترميز أحادي الفئة (One-hot encoding) ونموذج “حقيبة الكلمات” إلى أساليب أكثر تعقيدًا مثل “TF-IDF” وتضمين الكلمات. كما يقدم الطريقة الرياضية لاستخدام المسافة الإقليدية لحساب تشابه البيانات.
وبناءً على هذا الأساس، تقدم السلسلة النماذج الأساسية للتعلم الآلي. وتغطي التعلم الخاضع للإشراف، باستخدام خوارزمية “الجيران الأقرب (K-Nearest Neighbors)” وأشجار القرار كأمثلة، والتعلم غير الخاضع للإشراف، موضحًا بخوارزمية تجميع “K-Means”. ويتم توجيه الطلاب من خلال العمليات الحسابية اليدوية لفهم المنطق الإجرائي لهذه الخوارزميات.
تشكل الشبكات العصبية محورًا مركزيًا في هذا المستوى. يبدأ المنهج بتشبيه مع الخلايا العصبية البيولوجية ويشرح تدريجيًا آليات تدريب الشبكة، بما في ذلك الأوزان، والانحيازات، والانتشار الأمامي، والانتشار الخلفي. ثم يفصل الهياكل المتخصصة مثل الشبكات العصبية التلافيفية (CNNs) لبيانات الصور، والشبكات العصبية المتكررة (RNNs) للبيانات المتسلسلة.
يتقدم المحتوى ليغطي بنية “المحوّل” (Transformer) وآلية الانتباه الذاتي الخاصة بها، التي تدعم نماذج اللغة الكبيرة الحديثة، بالإضافة إلى مبادئ نظرية الألعاب للشبكات التنافسية التوليدية (GANs).
بالإضافة إلى النماذج، يعمق هذا المستوى المهارات العملية والمعرفة النظرية. ويقوم بتدريس تقنيات هندسة التلقين المتقدمة، مثل التلقين بلقطات قليلة (few-shot) وسلسلة الأفكار (chain-of-thought)، ويوفر تفكيكًا أكثر تفصيلاً لأنظمة التعرف على الكلام إلى النماذج الصوتية واللغوية المكونة لها.
وعلى مستوى أعلى من التجريد، تقترح السلسلة إطارًا موحدًا لفهم أنظمة الذكاء الاصطناعي، يتمحور حول ثلاث ركائز: البيانات، والخوارزميات، وقوة الحوسبة. ثم يُستخدم هذا الإطار لاستكشاف نماذج استدلال الذكاء الاصطناعي المتقدمة، بما في ذلك استراتيجيات البحث، ونظرية الألعاب، والاستدلال السببي.
تنتقل الطريقة التربوية من التجربة إلى الاستقصاء. يتم تيسير التعلم من خلال تفكيك الخطوات الخوارزمية، والاستدلال الرسمي، والتجارب الفكرية المعقدة مثل “معضلة السجين”، لتطوير قدرات التفكير التحليلي والتجريدي لدى الطلاب.
مجلد “التطبيقات الشاملة” – القفزة من النظرية إلى الكود
يعد مجلد “التطبيقات الشاملة” تتويجًا للسلسلة، مستهدفًا بشكل أساسي الطلاب في المرحلة الثانوية وما فوقها. وهدفه الأساسي هو تسهيل الانتقال من الفهم النظري إلى التنفيذ العملي من خلال مشاريع شاملة تعتمد على الكود البرمجي.
التحول الأكثر أهمية في هذه المرحلة هو الانتقال في الأدوات. ينتقل الطلاب من واجهات البرمجة الرسومية إلى بيئة تطوير قياسية في الصناعة، مستخدمين لغة البرمجة “بايثون” وإطار عمل التعلم العميق “باي تورش” (PyTorch) لإكمال جميع المشاريع.
في مجال الرؤية الحاسوبية، يُكلف الطلاب ببناء مصنف كامل لصور الزهور. ويشمل هذا المشروع سير العمل بأكمله، بدءًا من إعداد مجموعة البيانات وتعريف نموذج الشبكة العصبية التلافيفية (CNN) وصولاً إلى ضبط المعلمات الفائقة وتقييم الأداء.
بالنسبة لمعالجة اللغة الطبيعية، المشروع المركزي هو بناء محلل مشاعر لمراجعات الأفلام. يتعلم الطلاب معالجة النص باستخدام تقنيات تضمين الكلمات وبناء وتدريب نموذج الشبكة العصبية المتكررة (RNN) لمهمة التصنيف.
الوحدة النهائية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي تجمع بين مشروع إبداعي — إنتاج قصة وسائط متعددة — وتمرين أخلاقي منظم. ينخرط الطلاب في نشاط عملي لإنشاء تزييف عميق لملاحظة تأثيره المحتمل بشكل مباشر، متبوعًا بمناقشة منهجية للتحديات الكبرى مثل خصوصية البيانات، والتحيز الخوارزمي، والمعلومات المضللة.
ملخص
باختصار، تؤسس سلسلة الكتب الدراسية هذه منهجًا تعليميًا عامًا متكاملاً للذكاء الاصطناعي يمتد من المدرسة الابتدائية إلى الدراسات الجامعية، منظمًا في ثلاثة مستويات — تأسيسية، ومتقدمة، وتطبيقية — تسهل التقدم اللولبي (المتصاعد) للمعارف والمهارات.
السمة المميزة لمسارها التعليمي هي الانتقال الموجه لدور الطالب، من مستهلك لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى مبتكر لها، من خلال تحول مدروس في الأدوات التربوية من الواجهات الرسومية إلى أطر العمل القائمة على الكود.
عند مقارنتها بمكتبات الموارد القائمة على الوحدات والأنشطة مثل “يوم الذكاء الاصطناعي” التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، التي تؤكد على المشاركة المرنة وواسعة النطاق، تمثل هذه السلسلة نهج “منهج دراسي” أكثر انتظامًا وطويل الأمد يهدف إلى بناء قاعدة معرفية عميقة ومتماسكة.
يعكس هذا التصميم الموحد للمناهج من الأعلى إلى الأسفل استراتيجية تعليمية تركز على ضمان الوصول الواسع والعادل إلى مسار تعليمي متسق وعالي الجودة، بهدف تأسيس قاعدة متينة لمحو الأمية الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي.
*نشر هذا المقال لأول مرة باللغة الإنجليزية الانجليزية على منصة “substack” بتاريخ 22 آب/ أغسطس 2025.

