مدار + مواقع: 07 تشرين الأول/ أكتوبر 2020
بعد سنة من مسيرات الجمعة، التي عرفتها الجزائر ولم يوقفها إلا تفشي وباء كوفيد 19، عاد دم الاحتجاج ليسري في شرايين البلاد، التي شهدت مسيرات وتجمعات شارك فيها المئات في العاصمة ومنطقة القبائل إحياء لذكرى أحداث تشرين الأول/ 5 أكتوبر 1988، التي اندلعت احتجاجا ضد النظام الجزائري.
وانطلقت المسيرات بمسيرة صغيرة قرب مسجد الرحمة الموجود في شارع مراد ديدوش، المشحون بكثير من الرمزية لانطلاق مسيرات الجمعة منه. ولم يشارك في البداية، حسب تقديرات مراقبين، إلا ما يقارب ألفا من المواطنين، غير أن المسيرة تحولت إلى موجة عارمة بعد أن التحقت بها جموع كثيرة، جاءت من ضواحي العاصمة، بعدما لم تنجح أجهزة الشرطة في منعها، رغم استعدادها منذ مدة بعد توصلها بتحذيرات من محاولات التعبئة في ولايات وهران، بجاية، بسكرة تلمسان وعنابة ومناطق أخرى.
وانتشر المتظاهرون وسط زحمة السيارات والمارة عبر شارع ديدوش مراد، ثم بدؤوا في التفرق في ساحة موريس أودان، ما صعب على قوى الشرطة قمعهم.
وكانت قوى النظام طوقت العاصمة وفرضت رقابة صارمة على مداخلها، دون أن تنجح في وصول المتظاهرين إلى قلب العاصمة، بينما تحدثت مصادر عن اعتقالات عشوائية للمتظاهرين السلميين في الجزائر العاصمة ومدينة قسطنطينة.
وامتدت التظاهرات إلى مدن بجاية وأقبو وبني ورثيلان في منطقة القبائل (شمال شرق الجزائر)، حسب وكالات أخبار أجنبية.
وردد المشاركون شعارات تطالب بحكومة مدنية ومن أجل جزائر حرة وديمقراطية، وبرحيل النظام القائم وابتعاد العسكر عن السياسة، كما طالبوا بإطلاق سراح معتقلي الحراك المناهض للنظام، الذي بدأ في 22 شباط/فبراير.
وتجاهل الإعلام الرسمي الحراك الجديد، إذ لم تتحدث عنه الصحافة المقربة من النظام، بينما توقع مراقبون أن تمد احتجاجات أمس “حراك الجمعة”، الذي دام أكثر من سنة، بطاقة جديدة، بعد أن توقف بسبب انتشار وباء كورونا 19.
واعتبر ناشطون سياسيون أن الذكرى تأتي هذا العام في ظروف استثنائية نتيجة الوضع الصحي الذي تمر به البلاد وباقي بلدان العالم، “وقد تتحول إلى نقطة انطلاقة ثانية للحراك الشعبي، خصوصاً مع الدعوات وحالة التعبئة على وسائل التواصل الاجتماعي”، إضافة إلى أنها تسبق الاستفتاء حول الدستور الذي دعت إليه السلطة في الأول من الشهر المقبل.
من جهة أخرى يعتقد حقوقيون أن “استلهام روح 5 أكتوبر 1988 هي محاولة جادة ومشروعة من أجل الانطلاق مجدداً وربط الماضي بالحاضر، لاسيما بوجود قواسم مشتركة كبيرة بين التاريخين والحدثين، فكلاهما كان من تحريك الشباب ويهدفان للتحرر من نظام عشش فيه الفساد”.
من جهة ثانية، يعتبر الباحث الجزائري في علم الاجتماع السياسي أسامة لبيد أن شباب اليوم لديهم أفكار نظرائهم وطموحهم في 1988، ويقول إنه لا أحد يستطيع إنكار أن أحداث 1988 أدخلت الجزائر عهد التعددية السياسية والإعلامية، رغم أن تظاهر الآلاف من الجزائريين كان احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية بسبب تدهور أسعار النفط التي شهدها العالم عام 1986، مضيفاً أنه رغم المكتسبات التي حققتها الأحداث فإنه تم الالتفاف على الإصلاحات من طرف السلطة تدريجياً، ولم تستطع المعارضة تغيير طبيعة ومكونات النظام الحاكم، لتبقى رموز الحزب الواحد ضمن أهم مكوناته.
وتواجه الجزائر أزمة اقتصادية عويصة في ظل تراجع قيمة الدينار وارتفاع التضخم وانهيار الاحتياطات الأجنبية، وانخفاض أسعار النفط، بالإضافة إلى اضطرار بعض الشركات إلى التوقف عن العمل بسبب الحجر الصحي ضد وباء كورونا، إذ منيت الشركات المملوكة للدولة بخسائر قدرها خبراء بنحو مليار أورو، كما يتوقع صندوق النقد الدولي أن يشهد الاقتصاد الجزائري انكماشا بنسبة 5.2 في المائة هذا العام.
يشار إلى أن الخامس من تشرين الأول/أكتوبر يصادف مرور 32 سنة على أحداث 1988، إذ شهدت الجزائر موجة من التظاهرات العنيفة ضد النظام السياسي، خرج إثرها الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، في العاشر من أكتوبر 1988، على التلفزيون الجزائري، وألقى خطاباً دعا من خلاله إلى التعقل والكف عن العمل التخريبي، وقدم وعوداً بإجراء إصلاحات عميقة وفورية في المجال السياسي والاقتصادي، وهو ما حصل مع دستور 1989، الذي فتح المجال لإنشاء الأحزاب السياسية والجمعيات، ومنح الضوء الأخضر للصحافة والإعلام، ورفع يد الدولة عن المجال العام.