مدار: 26 نيسان/ أبريل 2021
تعيش إيران منذ فترة ليست بالقصيرة على وقع مجموعة من الأحداث المأساوية التي تستهدف مفاعلاتها النووية، التي لم تخفت في أي وقت من الأوقات، ما جعل من السلطات في البلاد متوجسة بشكل مستمر من أي عمل تخريبي قد يكون له الأثر الكارثي، ليس على المفاعل فقط،، بل أيضا من الأضرار التي يمكن أن يكون لها الأثر السلبي على المواطنين والمناطق المجاورة.
لطالما كانت إيران في السنوات القليلة الماضية محور النقاش في معظم القمم واللقاءات، بالخصوص في الشق المتعلق بالاتفاق النووي، الذي يعطي في مرات بوادر بانفراجة قريبة، قبل أن تعود الأمور إلى مربع الصفر؛ وهذا ما لم يتغير في السنة الحالية، التي شهدت شدا وجذبا بين طرفي الاتفاق؛ إيران من جهة وأمريكا والدول الأوروبية الكبرى من جهة أخرى.
ولم تخلف المباحثات الأخيرة أي جديد في ما يخص الاتفاق، في ظل رفض إيران المطالب الأمريكية، لاسيما وأن الولايات المتحدة كانت قد انسحبت من الاتفاق من قبل، لكنها ترغب من جديد في العودة إلى طاولة الاتفاق، وفق شروط جديدة؛ وهو الأمر الذي تراه إيران مجحفا في حقها ولا يمكن تقبله بأي حال من الأحوال.
منشأة “نطنز”.. قاعدة الخطة النووية الإيرانية
في ظل النقاشات حول الاتفاق وما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة، عرف المفاعل النووي “نطنز” في الأسبوع الجاري حادثا أعاد للأذهان الحادث الذي عرفه في 2010، حين تعرض إلى جانب منشآت إيرانية أخرى لهجمات إلكترونية “سيبرانية” تم من خلالها إدخال برنامج فيروسي يحمل اسم “ستوكسنت” إلى أجهزة الكمبيوتر المتحكمة في أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في المنشأة، ما أدى إلى إحداث فوضى وتسبب في خروج أجهزة الطرد المركزي عن السيطرة.
اعتبر الحادث الحالي مسمارا آخر في نعش الاتفاق الحالي، الذي يأتي بعد الأحاديث الكثيرة التي تتكلم عن خرق منشأة “نطنز”، التي تعتبر المنشأة الرئيسية في البرنامج النووي لإيران، الاتفاق النووي من خلال الرفع من نسبة التخصيب إلى 6% بدل 4% التي تم الاتفاق عليها مسبقا، الأمر التي ردت عليها السلطات الإيرانية بأن حلت من التزامات الاتفاق بعد خروج الولايات المتحدة الأمريكية منه.
لقد خلف الحادث ردود فعل داخل وخارج إيران، فقد اعتبر أكبر صالحي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، حادث تعطل شبكة الكهرباء في المنشأة النووية “عملا إرهابيا”؛ وبالرغم من أنه لم يوجه اللوم إلى أي جهة معينة، إلا أنه حث المجتمع الدولي على التعامل بشكل جدي مع ما سماه الإرهاب النووي.
لقد شهدت المنشأة في الأيام التي تسبق الحادث نشاطا متواصلا، فقد دشن الرئيس روحاني قبل أيام أجهزة طرد مركزي جديدة ستساهم حسبه في تطوير المنشأة التي تعتبر الحجر الرئيسي لخطة تخصيب اليورانيوم في البلاد، وقد تم بث حفل التدشين على القنوات الرسمية بشكل مباشر.
هذه الخطوة اعتبرتها الأطراف الأخرى المتدخلة في الاتفاق النووي خرقا لمقتضيات الاتفاق ومخالفة للالتزامات التي سبق لطهران أن تعهدت بها، والتي تشدد حسب القوى الغربية على السماح لإيران بإنتاج وتخزين كميات محدودة من اليورانيوم المخصب قصد الاستخدام لإنتاج وقود لمحطات توليد الطاقة النووية لأغراض مدنية.
أما في ما يخص الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد عبرت عن أنها على علم بالتقارير التي تتحدث عن وقوع حادث في منشأة “نطنز”، لكنا لم تبد أي تعليق إلى حدود الساعة.
اتهامات وتلميحات
من خلال تعبير أكبر صالحي عن أن تعطل شبكة الكهرباء في المنشأة هو ناتج عن “عمل إرهابي”، يتبين أن السلطات الإيرانية لا تنظر إلى الأمر باعتباره حادثا منفصلا، بل تضعه ضمن معادلة جيوسياسية تستحضر فيها الوضع الإقليمي وما عاشته، سواء في ما يخص الحوادث السابقة في المنشأة نفسها، أو اغتيال العالم الإيراني والقائم على البرنامج النووي الإيراني آنذاك محسن فخري زادة.
لكن رغم أنه لم تخرج إلى حدود الساعة أي اتهامات لأطراف معينة، إلا أن مختلف وسائل الإعلام الإيرانية تلمح إلى تدخل لإسرائيل في الأمر، لاسيما بعد إعلان الإذاعة العامة الإسرائيلية وفق مصادر مخابراتية أن “جهاز الموساد نفذ هجوما إلكترونيا على منشأة “نطنز”، خلف أضرارا كبيرة؛ وذلك بعد أن أعلنت طهران وقوع خلل في شبكة توزيع الكهرباء بالمنشأة”.
الأمر الذي زاد من تأويلات أن تكون لأجهزة المخابرات الإسرائيلية يد في الأمر التصريح الذي خرج عن نتنياهو -في حفل أقيم بمقر هيئة الأركان – وهو” “إن الصراع مع إيران وتوابعها ومشروعها النووي مهمة ضخمة جدا، وإن الوضع القائم اليوم لن يكون بالضرورة قائما غدا”.
كل هذا في ظل ترقب وتعامل حساس من قبل السلطات الإيرانية التي تراعي عدم التسرع في إخراج النتائج والاتهامات، فقد قال المتحدث باسم لجنة الطاقة في البرلمان الإيراني مالك شريعتي- عبر تويتر: “يُشتبه جدا أن يكون هذا الحادث -الذي تزامن مع اليوم الوطني للتكنولوجيا النووية ومع مساعي إيران لإرغام الغربيين على إلغاء العقوبات- عملا تخريبيا واختراقا”.
وأضاف شريعتي أنهم يتابعون أبعاد القضية وتفاصيلها وسيعلنون نتائج ذلك بعد التوصل إلى حصيلة نهائية.