مدار: 08 كانون الأول/ ديسمبر 2022
ماهر الشريف
يبدو أن أياماً عصيبة أكثر من ذي قبل بكثير تنتظر الفلسطينيين في فلسطين التاريخية بعد أن يعلن بنيامين نتنياهو عن تشكيل حكومته الجديدة، التي ستكون أكثر عدوانية وعنصرية وظلامية من أية حكومة أخرى شهدها تاريخ إسرائيل. وكما يقول المثل العربي: “المكتوب باين من عنوانه”، ذلك إن السياسة التي ستنتهجها هذه الحكومة، التي من المرجح إعلان قيامها خلال الأيام القليلة القادمة، واضحة من طبيعة الاتفاقات التي عقدها حزب “الليكود” مع الأحزاب الدينية العنصرية والمتطرفة التي ستشاركه الحكم.
الاتفاق بين حزبَي “الليكود” و “قوة يهودية”
في 25 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، أُعلن عن توصل بنيامين نتنياهو وأيتمار بن غفير إلى اتفاق ائتلافي يقضي بأن يتسلم هذا المستوطن الصهيوني الديني المتعصب الذي حُكم عليه سنة 2007 بتهمة “التحريض على الكراهية ودعم منظمة إرهابية”، ومُنِع من أداء الخدمة العسكرية في صفوف الجيش بسبب مواقفه العنصرية السافرة، مسؤولية وزارة الأمن القومي، بحيث يتمتع بسلطة تعيين كبار ضباط الشرطة، وإنشاء حرس وطني وزيادة حجم حرس الحدود، وهي قوة ضاربة في القدس الشرقية وفي الضفة الغربية المحتلة تشمل حوالي 2000 عنصر وتخضع حتى الآن للجيش، كما سيكون مسؤولاً عن إدارة السجون، و”ضمان النظام” في ساحات المسجد الأقصى، وهو المعروف بدعواته المتكررة إلى اجتياحها وإباحة صلاة اليهود فيها. كما نجح بن غفير، كما يبدو، في إقرار بند في الاتفاق بشأن “تخفيف قواعد فتح النار على الفلسطينيين من جانب الشرطة والجيش”، وهو ما يلقى، بحسب مراسل صحيفة لوموند الباريسية في القدس المحتلة، لوي أمبير، تأييد قطاعات واسعة من الجمهور الإسرائيلي، إذ “بيّنت نتائج استطلاع حديث أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، أن 55٪ من الإسرائيليين يعتقدون أنه يجب على الجيش قتل “الإرهابيين” الفلسطينيين حتى عندما لا يشكلون خطراً مباشراً، وقال 71٪ منهم إنهم يؤيدون فرض عقوبة الإعدام على من تلطخت أيديهم بالدماء”[1].ويشمل الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين بنيامين نتنياهو وأيتمار بن غفير أن يكون هذا الأخير عضواً في مجلس الوزراء الأمني المصغّر، وأن يحصل حزب “قوة يهودية” الذي يتزعمه على وزارة تطوير النقب والجليل التي ستتوسع مناطق عملياتها، وتخصص لها ميزانية بمبلغ ملياري شيكل سنوياً، وعلى وزارة التراث، وعلى منصب نائب وزير الاقتصاد، وعلى رئاسة لجنة الأمن الداخلي في الكنيست، وعلى الرئاسة بالتناوب للجنة صندوق المواطنين الإسرائيليين التي تشرف على عائدات الدولة من التنقيب عن الغاز. ومن ناحية أخرى، سيضفي الاتفاق، في غضون ستين يوماً من تنصيب الحكومة الجديدة، الشرعية على عشرات البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، ويؤدي إلى سيطرة إسرائيل على المزيد من الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً في شمال الضفة الغربية[2].
وتعليقاً على هذا الاتفاق، قال بن غفير: “أنا سعيد لأن الاتفاق على الوزارات التي ستتلقاها عوتسما يهوديت (قوة يهودية) يسمح لنا بالوفاء بوعودنا الانتخابية”. أما بني غانتس، وزير الأمن في الحكومة المنتهية ولايتها، فقد أعلن في بيان نشره في صفحته على موقع “فايسبوك” أن الاتفاق الائتلافي بين حزبيْ الليكود و”عوتسما يهوديت”، وتعيين بن غفير وزيراً للأمن الداخلي، بعد تغيير اسم هذه الوزارة إلى وزارة الأمن القومي، “ستكون له تداعيات خطرة على إسرائيل، ويعني إقامة جيش خاص لبن غفير”، وأن الاتفاق “يشير إلى الاتجاه الذي تسير نحوه الحكومة المقبلة، وهو اتجاه تفكيك صلاحيات الحكومة إلى شظايا وزارات، وفقاً لمصالح سياسية، وتفكيك أُطر عسكرية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية] بقصد استهداف الأداء العملاني للجيش والشرطة”، وأضاف: “في جميع الأحوال، يوجد مسؤول واحد عن الأمن القومي بجميع عناصره هو رئيس الحكومة، ولا يمكن أن نرى في خطوة نتنياهو هذه سوى اعتراف بأن رئيس الحكومة الحقيقي سيكون بن غفير”[3].
الاتفاق بين حزبّي “الليكود” و “الصهيونية الدينية”
كانت المفاوضات بين بنيامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب “الصهيونية الدينية”، صعبة، جراء إصرار هذا الأخير على تسلم وزارة الدفاع في الحكومة القادمة، وهو ما عارضته بحزم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الأمر الذي دفع سموتريتش إلى التساؤل عما “إذا كان الأميركيون هم الذين سيعينون وزاء إسرائيل”. ومما زاد في صعوبة تلك المفاوضات مشاعر عدم الثقة بين سموتريتش ونتنياهو، إذ وصف زعيم حزب “الصهيونية الدينية”، في تسجيل خطاب ألقاه في اجتماع داخلي لحزبه في الشهر الفائت، بنيامين نتنياهو بأنه “كذاب ابن كاذب”. وكان بتسلئيل سموتريتش قد ولد في مستوطنة دينية في مرتفعات الجولان المحتلة، ونشأ في مستوطنة بيت إيل وسط الضفة الغربية المحتلة، واعتقل من قبل الشاباك وسجن لمدة ثلاثة أسابيع بعد الاحتجاجات ضد خطة فك الارتباط عن قطاع غزة وعدة مستوطنات في الضفة الغربية في سنة 2005، لكنه نجح في الوصول إلى الكنيست على قائمة “البيت اليهودي” في سنة 2015، وشغل في إحدى وزارات بنيامين نتنياهو منصل وزير النقل. ومن المعروف عنه أنه ينوي العمل بصورة خاصة من أجل ضم الأراضي الفلسطينية، وإصلاح النظام القضائي الإسرائيلي بغية “استعادة نظام عدالة التوراة” كما قال في إحدى المناسبات[4].
وفي مطلع الشهر الجاري، أُعلن عن توصل بينامين نتنياهو وبتسلئيل سموتريتش إلى اتفاق ائتلافي يحصل بموجبه هذا الأخير على منصب وزير المالية خلال النصف الأول من عمر الحكومة، ويشغل في النصف الثاني منصب وزير الداخلية ووزير التعليم، أو وزير المواصلات، كما يحصل حزب “الصهيونية الدينية” على وزارة “الهجرة والاستيعاب”، وعلى وزارة جديدة باسم “وزارة المهمات القومية”، وعلى منصب نائب وزير، ومنصب رئيس لجنة الدستور والقضاء المؤثرة في الكنيست، وهي خطوة رئيسية في تشريع إصلاح النظام القضائي، والحد من سلطات المحكمة العليا. والأهم من كل ذلك، أن حزب “الصهيونية الدينية” سيشارك في الإشراف على القسم الخاص في وزارة الدفاع المسؤول عن “الإدارة المدنية” والاستيطان اليهودي في الضفة الغربية المحتلة. وفي هذا الصدد، كانت صحيفة “هآرتس” قد ذكرت في عددها الصادر في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، أن نتنياهو وافق على منح سموتريتش “مسؤولية الإشراف على الاستيطان في أراضي الضفة الغربية، وذلك من خلال نقل سلطة “الإدارة المدنية” في المناطق [المحتلة] من وزارة الدفاع إلى وزارة المال، لتصبح بذلك تحت إشرافه المباشر”. ويكتسب هذا التطوّر، كما تابعت الصحيفة، أهمية بالنسبة إلى الاستيطان في مناطق الضفة الغربية “نظراً إلى أن سموتريتش الذي يقود حزباً يقدّم نفسه كممثل للمستوطنين في الضفة الغربية والقدس الشرقية، يتبنى مواقف بالغة التطرف حيال موضوع الاستيطان، بما في ذلك حماسته لضم المنطقة “ج” التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة. كما يُخشى من أن يتمكن سموتريتش، من خلال موقعه الجديد، من شرعنة عشرات البؤر الاستيطانية العشوائية التي أقامها المستوطنون على أراضٍ فلسطينية خاصة، من دون الحصول على ترخيص من الحكومة أو الجيش”.
وقال بتسلئيل سموتريتش بعد توقيع الاتفاق” “قمنا اليوم بخطوة تاريخية لإقامة حكومة يهودية، صهيونية وقومية، تعيد الأمن والسيادة، وتدفع قدماً بتغييرات تاريخية في النظام القضائي، ترتّب وتطوّر الاستيطان، وتقوي الهوية اليهودية بروح الصهيونية الدينية، وترفع علم الصهيونية بفخر، لتقوّي الاستيعاب والهجرة إلى إسرائيل والمجتمع الإسرائيلي”[5]. أما رئيس مجلس بنيامين الاستيطاني يسرائيل غانتس، الذي عمل مع فرق التفاوض لإبرام الاتفاق، فقال: “لقد اتخذنا خطوة تاريخية مهمة الليلة لتعزيز المستوطنات في يهودا والسامرة. كما وعدت، منذ أن توليت منصب رئيس مجلس بنيامين، وناضلت لإحداث تغيير ذي مغزى في حياة السكان وزيادة قاعدة المستوطنات. لقد اتخذنا الليلة خطوة تاريخية عظيمة لتحصين وتقوية المستوطنات والمستوطنين في يهودا والسامرة. أشكر رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو ورئيس الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش على الأخبار الرائعة التي قدمناها لشعب إسرائيل”[6].
الاتفاق بين حزبّي الليكود و”نعوم”
وكان حزب “الليكود” قد أبرم في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت اتفاقاً مع حزب “نعوم” اليميني المتطرف المناهض لمجتمع الميم وللنساء وللأجانب، يقضي بتشكيل سلطة داخل مكتب رئيس الوزراء للتركيز على الهوية القومية اليهودية، على أن يترأسها النائب الوحيد لحزب “نعوم” ورئيسه آفي معوز الذي سيعيّن نائباَ للوزير في مكتب رئيس الوزراء. ومن خلال هذا المنصب، سيكون معوز مسؤولاً عن الهجرة إلى إسرائيل من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وسيعمل على تشديد شروط تحديد من هو يهودي بين المهاجرين الجدد، بحيث يُزال ما يسمى بشرط الجد الذي يسمح لأحفاد اليهود بالحصول على الجنسية. كما سيكون مسؤولاً عن قطاع التعليم غير المنهجي في وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية، الذي سيسمح له بالسيطرة على المضامين التعليمية واتخاذ القرارات بكل ما يخص الجهات الخارجية المسموح لها بالدخول إلى المدارس[7].
وقد أثار اتفاق الائتلاف هذا ردات فعل غاضبة لدى مجتمع الميم، وفي صفوف المعارضة، إذ قال يائير لبيد زعيم حزب “يوجد مستقبل” في بيان صادر عنه: “بمرور كل يوم، يبدو أنه بدلاً من إقامة حكومة يمينية كاملة، يتم هنا تأليف حكومة تهوُّر كاملة؛ وحقيقة أن نتنياهو سيعيّن آفي معوز نائباً للوزير في مكتب رئيس الحكومة ليس أقل من الجنون”. بينما قال وزير الأمن المنتهية ولايته ورئيس “المعسكر الوطني” بني غانتس إن “مديرية الهوية القومية، التي سيتولى معوز رئاستها، لن تكرّس هوية يهودية، بل هوية عنصرية”، ودعا إلى “مواجهة حكومة نتنياهو المتطرفة بكل الوسائل المتاحة”. وفي 2 الشهر الجاري، أرسل يائير لبيد رسالة مفتوحة إلى رؤساء السلطات والمجالس المحلية في البلاد، قال فيها: “أنا أكتب إليكم بقلق بالغ على مستقبل التعليم في الدولة؛ فالحكومة الجديدة التي يتم تأليفها في إسرائيل وضعت تعليم أبنائنا في أيدي أكثر الجهات المتطرفة والمظلمة في المجتمع الإسرائيلي. كما تعلمون، الحديث يدور عن حزب متطرف، عنصري، وهوموفوبي وخطِر. أدعوكم إلى مقاطعة الوحدة المختصة بالبرامج غير المنهجية والشراكة مع الجهات الخارجية في وزارة التعليم، ما دام معوز لا يزال يسيطر عليها”. وأعلن عدد من رؤساء سلطات محلية في مدن المركز أنهم لن يخضعوا لسيطرة معوز، وشددوا على “أنهم سيستمرون في تعليم المضامين الليبرالية”[8].
مفاوضات “الليكود” مع حزبّي “الحريديم”
يبدو أن اتفاق حزب “الليكود” مع حزب “شاس” و حزب “يهودت هاتوراة ” الحريديين ما زالت تعترضه بعض العقبات، جراء المطالب المتناقضة بين أطراف التحالف وكون رئيس حزب” شاس” محكوماً بعقوبة مع وقف التنفيذ لارتكابه جرائم ضريبية.
ومع ذلك، تشير الأنباء التي أوردتها وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى أن حزبيْ”الليكود” و “شاس” اتفقا، بصورة أولية، على أن يتولى آرييه درعي وزارتيْ الداخلية والصحة، على أن يتسلم بعد عامين وزارة المالية من بتسلئيل سموتريتش، ويحصل حزبه كذلك على ثلاث وزارات أُخرى، بينها وزارة الشؤون الدينية، ووزارة الأطراف التي ستفصل من وزارة تطوير النقب والجليل. ومن ناحية أخرى، وافق “الليكود”، كما يبدو، على أن يتولى حزب “يهدوت هتوراة” وزارات القدس والمساواة الاجتماعية والبناء والإسكان، وأن يُسن قانون يسمح للمستشفيات بحظر دخول منتجات العجين المخمر في مؤسساتهم في عيد الفصح، وهو تشريع سيتعارض بصورة مباشرة مع حكم أصدرته المحكمة العليا الإسرائيلية في سنة 2020 ، وتمّ استنكاره آنذاك من قبل المشرعين الدينيين. ويضغط “يهودت هتوراة” كذلك من أجل بند مثير للجدل يسمى “تجاوز” من شأنه أن يسمح لأغلبية المشرعين بإلغاء قرار أصدرته المحكمة العليا، مما يقلل بصورة كبيرة من الرقابة القضائية على التشريعات. كما دعا بعض شركاء بنيامين نتنياهو إلى تشريع من شأنه إنهاء محاكمة زعيم “الليكود” بشأن الفساد[9].
خاتمةيتفق عدد كبير من المحللين والمراقبين على أن السلطات الكبيرة التي سيمحنها بنيامين نتنياهو لشركائه الصهيونيين المتدينين في الائتلاف، والتي تضع مصير الفلسطينيين في أيديهم، تنذر بمستويات جديدة من الصراع المرير بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ذلك إن تسلم أشخاص، مثل أيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، مشتبه بقيامهم بنشاطات إرهابية، ويدعون إلى ضم الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، ووضع بروتوكولات جديدة تسمح للجنود الإسرائيليين بإطلاق النار بسهولة على الفلسطينيين الذين يلقون الحجارة، وطرد “العرب غير الموالين”، سيزيد من تفجر الأوضاع المتوترة أصلاً في المناطق الفلسطينية المحتلة وفي مناطق 1948.
ومن ناحية أخرى، وفي مقال حمل عنواناً معبّراً، هو “نتنياهو يسلم إسرائيل لدعاة التفوق العنصري”، استشهد المؤرخ والصحافي الفرنسي الصديق دومينيك فيدال، بما ذكره دان حالوتس، رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، من أن شخصاً مثل بن غفير لا يمكن أن يتغيّر بعد أن يصبح وزيراً، وأن أفكاره يمكن أن تؤدي إلى “حرب أهلية”، كما استشهد بقول رئيس دولة إسرائيل، يتسحاق هرتسوغ، إن بن غفير شخص “يقلق العالم كله”. وبعد أن أشار فيدال إلى أن التاريخ “لن يغفر أبداً لبنيامين نتنياهو قيامه بفتح أبواب الكنيست أمام الكهانيين في سنة 2021″، قدّر أن “ليس في الأمر تحالف غير طبيعي”، على اعتبار أن زعيم “الليكود” نفسه نشأ في الحضن الصهيوني التحريفي، ثم تساءل: “وكيف يمكننا أن ننسى أن دافيد بن غوريون وصف في الثلاثينيات جابوتينسكي [مؤسس الصهيونية التحريفية] بأنه يندرج في إطار الفاشية؟ ليخلص إلى أن الإشارة إلى الفاشية “ليست مفرطة، ذلك إن القضاء الإسرائيلي أدان بن غفير مرات عديدة، كما أن الجيش لم يسمح له بأداء خدمته العسكرية لأنه اعتبره خطيراً”[10].
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه اليوم هو: ماذا سيفعل الفلسطينيون وحركتهم الوطنية لمواجهة التحديات القادمة التي لم يسبق لها مثيل؟