مدار: 21 نيسان/ أبريل 2024
أحيا أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، والمتضامنين في أنحاء العالم، يوم الأسير الفلسطيني الذي يزامن السابع عشر من أبريل من كل عام، في الوقت الذي تتواصل جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في قطاع غزة المحاصر والأراضي المحتلة، تزامنا مع الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال.
في عام 1974، اعتمد المجلس الوطني الفلسطيني 17 نيسان/ أبريل يومًا وطنيًا من أجل التضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال، الذين لم تستطع جرائم العقاب الفردي والجماعي الإسرائيلية أن تنال من عزيمتهم أو تبطيء مسيرة نضالهم داخل المعتقلات وبعد تحررهم.
ويأتي اليوم كرمزية لدعم صمود الأسرى، وتوحيد الجهود والفعاليات لنصرتهم، وتأكيد حقّهم في إنهاء معاناتهم والتمتع بحريتهم التي يستحقونها، حيث يعود سبب اختياره لأنه شهد إطلاق سراح أول أسير فلسطيني وهو محمود بكر حجازي، في أول عملية لتبادل الأسرى مع الاحتلال الإسرائيلي في اليوم ذاته من عام 1971، بعد اعتقاله عام 1965 جراء تنفيذه عملية فدائية في بلدة جبرين، إذ فجر جسرا كان يستخدمه الاحتلال كممر لعملياته، ما أدى إلى مقتل 24 إسرائيليا، وأطلق على عملية تبادل الأسرى حينها “فايزر مقابل حجازي”، نسبة إلى الجندي شموئيل فايزر، الذي أسرته حركة فتح عام 1969.
القمة العربية العشرين أيضا أقرت أواخر آذار/ مارس من عام 2008، في العاصمة السورية دمشق، اعتماد هذا اليوم من كل عام للاحتفاء به في الدول العربية كافة، تضامنًا مع الأسرى الفلسطينيين والعرب في معتقلات الاحتلال.
أرقام وإحصاءات مفزعة
منذ الإحياء الأول وحتى الآن، يخلد الفلسطينيون والمتضامنون يوم الأسير سنوياً في كل مكان وبكافة الوسائل المتاحة، لإيصال صرخة مدوية للعالم بمعاناة الأسرى الفلسطينيين اليومية من أبشع صنوف العذاب والانتهاكات والتجاوزات في سجون الاحتلال، والتي لم تقف في وجهها قوى عالمية ومواثيق دولية وإنسانية، وكمناسبة هامة لتذكير المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والسياسية والأخلاقية، لإلزام دولة الاحتلال بالتعامل مع الأسرى بموجب اتفاقيات جنيف، وإدراج قضية الأسرى التي تتعرض لإبادة جماعية في محكمة العدل الدولية، وتشكيل وفد أممي لزيارات السجون والإطلاع على جرائم الاحتلال بحقهم.
ووفق مؤسسات الأسرى الفلسطينية، فمنذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تتعرض الحركة الأسيرة إلى هجمة غير مسبوقة لتحقيق ما عجزت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة عن تحقيقه، حيث وجدت حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو – تحت غطاء العدوان على قطاع غزة – فرصتها للاستفراد بها والانقضاض عليها وتعذيبها والتنكيل بها وفرض العقوبات الجماعية عليها وعزلها عن العالم الخارجي، فحرمتها من زيارات الأهل ومنعت الصليب الأحمر من زيارات السجون، ونفذت جريمة الإخفاء القسري بحق أسرى قطاع غزة، وطبقت عليهم قانون المقاتل غير الشرعي، واستخدمت بحق الأسرى والأسيرات سلاح الجوع والبرد والمرض ما عرّض حياتهم وصحتهم لخطر حقيقي فخسروا من أوزانهم، بسبب هذه السياسة.
واستشهد منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 16 أسيراً منهم الأسير القائد والمفكر وليد دقة و27 أسيراً من أسرى قطاع غزة كشف عنهم إعلام الاحتلال ولم تعرف هوياتهم ولا ظروف استشهادهم، وهناك شهادات موثقة لهذه الجرائم بعضها تناقلتها وسائل إعلام إسرائيلية أو بثتها كاميرات جنود الاحتلال الاسرائيلي.
وواكب ذلك حملات اعتقال واسعة النطاق شملت الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى، فتجاوز عدد الحركة الأسيرة أكثر من 9500، منهم 80 أسيرة، وأكثر من 200 طفل و56 صحفيا، ونحو 600 أسيرًا يقضون أحكامًا بالسّجن المؤبد ومن ينتظرون أحكامًا مؤبدة، وأكثر من 3600 معتقلًا إداريا، والآلاف من الأسرى يمارس عليهم الجوع والقهر والحرمان من العلاج والدواء والفحوصات الطبية وتنفذ بحقهم جرائم طبيّة، وهو ما أدى إلى استشهاد الأسير القائد وليد دقة الذي أمضى 38 عاماً في الأسر.
النساء الأسيرات.. اغتصاب واعتداءات جنسية وتهديدات بالقتل
جاء 2023 عاما أكثر دموية بحقّ النساء الفلسطينيات على مدار تاريخ سنوات الاحتلال، وفق المصادر نفسها، على ضوء العدوان الشامل والإبادة الجماعية المستمرة بحقّ شعبنا في غزة، إلى جانب جرائم الحرب، والانتهاكات الجسيمة التي تعرضنّ لها، وأبرزها عمليات الإعدام الميداني، والاعتقالات الممنهجة، وما رافقها كذلك من انتهاكات مروعة، منها اعتداءات جنسية.
وفقا لمؤسسات الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان)، لم تكن مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر استثنائية على صعيد مستوى الجرائم المروعة، إلا أنّ الفارق هو كثافة ومستوى هذه الجرائم وتصاعدها بشكل غير مسبوق، حال مقارنتها بالفترات التي شهدت فيها السّاحة الفلسطينية انتفاضات وهبات شعبية.
وشكّلت عمليات الاعتقال للنساء ومنهنّ القاصرات – غالبا في سجن “الدامون” سيء السمعة – أبرز السّياسات التي انتهجها الاحتلال وبشكل غير مسبوق بعد السّابع من تشرين الأول/ أكتوبر، كما تم اعتقال أسيرات يواجهنّ أمراضًا ومشاكل صحية، وأخريات زوجات لأسرى، وشقيقات لشهداء، وأمهات أسرى تجاوزهن أعمار بعضهم السبعين عاما، واستخدامهن كرهائن في صفقات تبادل الأسرى، أو للضغط على أحد أفراد العائلة المستهدفين لتسليم نفسه.
ورافق عمليات احتجازهن كرهائنّ عمليات تنكيل وتهديدات وصلت إلى حد التّهديد بقتل ذويهن المستهدفين، عدا عن الاعتداءات التي تعرض لها خلال عملية الاعتقال، بالإضافة إلى عمليات التّخريب التي طالت منازلهنّ، وترويع أطفالهنّ، ومصادرة أموالهنّ.
العشرات من أسيرات غزة المفرج عنهن نقلنّ شهادات قاسية عن عمليات اعتقالهنّ، ونقلهنّ إلى المعسكرات، وما تعرضنّ له من عمليات إذلال وتنكيل وحرمان من كافة حقوقهنّ، وتجويعهن وتهديدهن بالاغتصاب، وإخضاعهنّ للتفتيش العاري المذل، وتعرضهنّ للتحرش، عدا عن الألفاظ النابية والشتائم التي تعمد جنود الاحتلال استخدامها بحقّهنّ، وإجبارهنّ على خلع الحجاب طول فترة الاحتجاز، بالإضافة لتعريتهنّ، وهي وقائع أكد تقرير للأمم المتحدة عددا منها.
وأكدت مؤسسات الأسرى أن الاحتلال الإسرائيليّ، مستمر في انتهاك حقوق الأسيرات الفلسطينيات في مراكز التّوقيف والتّحقيق والسّجون، وفي المستشفيات والعيادات الطبية والحواجز ونقاط التفتيش، وتطال تلك الانتهاكات كافة فئات الإناث الفلسطينيات من معلمات وطالبات وأمهات وطفلات وغيرها.
قتل الطفولة في زنازين التعذيب
يعتقل الاحتلال في سجونه أكثر من 200 طفل فلسطيني، منهم 23 طفلًا من غزة محتجزون في سجن “مجدو” وهم رهن الإخفاء القسري، على غرار معتقلي غزة، والعدد قد يكون أعلى من ذلك، في الوقت الذي قتل الاحتلال أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في غزة خلال الستة أشهر الماضية بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، علما أن الحصيلة غير نهائية نظرا لاستمرار العدوان، حيث ما يزال آلاف الضحايا في عداد المفقودين تحت الأنقاض، بالإضافة إلى 117 شهيدًا من الأطفال قتلتهم قوات الاحتلال منذ بداية العام في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وكان للأطفال الأسرى نصيب من الأساليب الانتقامية المستخدمة بحق الأسرى والأسيرات، فبحسب شهادات لأسرى أطفال كانوا قد تحرروا في الفترة الأخيرة فإن الاحتلال عمل منذ اليوم الأول على عزلهم عن باقي الأسرى والأقسام، وسجلت عدة شهادات تفيد بتعرضهم للضرب المبرح خلال فترة مكوثهم داخل السجون.
وتشير الإحصاءات والشهادات الموثّقة للمعتقلين الأطفال؛ إلى أنّ غالبية الأطفال الذين تم اعتقالهم تعرضوا لشكل أو أكثر من أشكال التّعذيب الجسدي والنّفسيّ، عبر جملة من الأدوات والأساليب الممنهجة المنافية للقوانين، والأعراف الدولية، والاتفاقيات الخاصة بحقوق الطّفل، وتعد دولة الاحتلال الوحيدة في العالم التي تحاكم بشكل منهجي ما بين 500 و700 طفل فلسطيني أمام المحاكم العسكرية كل عام، بشكل يفتقر إلى الحقوق الأساسية للمحاكمة العادلة، حسب الهيئات الحقوقية المختصة.
سلطات الاحتلال تستخدم أيضا سياسة الاعتقال الإداري التعسفي بحق الفلسطينيين، كأداة للقمع والسيطرة في ظل الأحداث المتصاعدة وكوسيلة عقابية أيضًا، ولا يسلم الأطفال من سياسة الاعتقال الإداري التعسفي، إذ تعتقل في سجونها أكثر من 3660 معتقلًا إداريًا، منهم 41 طفلًا معظمهم تم اعتقالهم وإصدار أوامر الاعتقال الإداري بحقهم بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، دون تقديم لوائح اتهام بحقهم، وبزعم وجود “ملف سري” يسرق طفولتهم في زنازين تقتل طفولتهم وتسلب منهم حقهم في التعليم.
حتى الجثث لم تسلم من التنكيل
الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، أفادت بأن سلطات الاحتلال ما تزال تحتجز جثامين 26 شهيداً من شهداء الحركة الأسيرة، الذين ارتقوا داخل سجون الاحتلال، من بينهم الشهيد وليد دقة الذي ارتقى بعد مضي 38 عاماً في الأسر، فضلا عن الشهيد أنيس دولة المحتجز جثمانه منذ عام 1980.
وفي بيان صادر بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني، أوضحت الحملة أن سلطات الاحتلال تحتجز جثامين 497 شهيداً في مقابر الأرقام والثلاجات، بينهم 95 شهيداً اعتقلوا بعد السابع من تشرين الأول الماضي، إضافة إلى 51 طفلاً و6 شهيدات.
وأكدت الحملة أن هذه الأرقام لا تشمل الشهداء المحتجزين في غزة ومحيطها منذ بداية الحرب، كما وثقت تسليم جثامين 338 شهيداً على عدة دفعات، وقدمت الحملة قائمة بأسماء الشهداء المحتجزة جثامينهم.
يشار إلى أن الشهداء المذكورين كانوا يعتبرون جزءاً من الحركة الأسيرة، وتم اعتقالهم وقتلهم في سجون الاحتلال بمختلف الفترات.
واقع ما بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر
وحسب ورقة حقائق صادرة عن مؤسسات الأسرى عشية “يوم الأسير الفلسطيني” السابع عشر من أبريل 2024، شكّل تاريخ السابع من أكتوبر محطة فرضت تحولات جذرية على واقع الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيليّ، وانعكس ذلك تلقائيا على كافة المعطيات التي تتعلق بهذه القضية، وعلى كافة الأصعدة وذلك في ضوء العدوان الشامل على الشعب الفلسطيني وأسراه، واستمرار الإبادة الجماعية في غزة منذ أكثر من 6 شهور متتالية.
على مدار تلك الفترة نفّذت أجهزة الاحتلال بمستوياتها المختلفة، جرائم مروعة بحقّ الأسرى، أدت إلى ارتقاء 16 أسيرًا جرّاء عمليات التّعذيب الممنهجة، والجرائم الطبيّة، وسياسة التجويع، إضافة إلى جملة من الانتهاكات وعمليات التنكيل والاعتداءات التي طالت الأسيرات والأسرى منهم الأطفال وكبار السّن والمرضى.
وبالإضافة إلى ما تم الإعلان عنه من الشهداء الأسرى والمعتقلين، فإن قضية معتقلي غزة تبقى حبيسة لجريمة “الاختفاء القسري” التي فرضها الاحتلال عليهم منذ العدوان، حيث تعرض الآلاف من أبناء شعبنا للاعتقال خلال عمليات الاجتياح البري لغزة، منهم نساء وأطفال ومسنين ومرضى، حيث يواصل الاحتلال رفضه الإفصاح عن أي معلومات واضحة عن معتقلي غزة الذين ما زالوا رهن الاعتقال في السجون والمعسكرات. وهنا نشير إلى مجموعة من التقارير الذي كان إعلام الاحتلال قد كشف من خلالها مجموعة من المعطيات المروعة، كان أبرزها استشهاد 27 معتقلًا من غزة داخل المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال.
وفي ضوء عشرات الشهادات التي تابعتها المؤسسات المختصة لمعتقلين وأسرى داخل السجون وممن أفرج عنهم لاحقًا، وما عكسته عن مرحلة هي الأشد والأقسى في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية من حيث مستوى كثافة التعذيب والتنكيل والإجراءات الانتقامية التي فرضت على الأسرى داخل السجون، ومست بمصير الآلاف منهم.
الإسناد مستمر
نظمت مؤسسات الأسرى ولجان أهالي الأسرى والقوى الوطنية والفعاليات الوطنية والشعبية، والاتحادات والنقابات، منذ الاثنين الماضي وعلى مدار الأسبوع، عدة فاعليات ووقفات في العديد من المدن الرئيسية، تحت عنوان “لننتصر لأسرانا وأسيراتنا في سجون الاحتلال ولتتوقف حرب الإبادة الجماعية بحق أبناء شعبنا في غزة”، دعما واسنادا للأسرى والأسيرات القابعين في سجون الاحتلال.
ورفع المشاركون في الوقفة صورا لعدد من الأسرى والأسيرات، وبينهم مرضى ومحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال، ولافتات خطت عليها كلمات تحمل حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى والأسيرات، وأخرى تطالب بملاحقة ضباط إدارة السجون في المحاكم الدولية على الفظائع التي يرتكبونها بحقهم/هن.
الناطق الإعلامي باسم نادي الأسير الفلسطيني أمجد النجار، دعا بدوره إلى تفعيل نشاطات التضامن والمساندة، منوها إلى أهمية هذا العام في إحياء يوم الأسير، رداً على الهجمة الإسرائيلية الواسعة على الأسرى وحقوقهم خاصة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ومنعا لمحاولات وضع جرائم الاحتلال وانتهاكاته الجسيمة تحت غطاء القانون من خلال تشريعات تعسفية وعنصرية معادية لحقوق الأسرى ومكانتهم القانونية.
أما مدير هيئة شؤون الأسرى والمحررين إبراهيم نجاجرة، فدعا المنظمات الدولية والحقوقية إلى التدخل لوقف الجرائم الإسرائيلية بحق الأسرى، موضحا أن أوضاع الأسرى أصبحت قضية دولية تتطلب من المجتمع الدولي محاسبة إسرائيل على أعمالها الإجرامية في هذا الصدد، ودعا إلى دعم الجهود التي تبذلها القيادة الفلسطينية لإطلاق سراحهم، ومن أجل إحقاق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني كاملة دون أي تنازل أو تفريط.
وطالب إسماعيل أبو هشهش، ناقلا كلمة القوى الوطنية، بتفعيل الآليات مع المؤسسات الدولية والحقوقية، والمحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمهم، داعيا إلى ضرورة عزل الاحتلال وإدراجه على لائحة دول العار، لما يرتكبه من جرائم بحق الشعب الفلسطيني، من إعدامات ميدانية، كذلك لما يمارسه من جرائم ضد الإنسانية بحق الأسرى في سجونه.