وأد من المهد.. الأمن المصري يعتقل طالبين شاركا في إطلاق حركة لدعم فلسطين

مشاركة المقال

مدار: 13 أيار/ مايو 2024

محمود هاشم (من مصر)

في الوقت الذي تشهد المؤسسات التعليمية، وخاصة الجامعات، حراكا عالميا واسعا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ورفض جرائم الإبادة الجماعية الصهيونية في قطاع غزة، يبدو أن النظام المصري يسعى لوأد الحراكات المحلية المشابهة من مهدها، عبر استهداف الطلاب الناشطين في فعاليات دعم فلسطين، بالتهديد والتنكيل وصولا إلى الاعتقال.

فجر الخميس الماضي، السابع من أيار/ مايو 2024، اقتحمت قوة ملثمة من الأمن الوطني، قوامها 10 أفراد، منزل الصحفية والناقدة السينمائية فايزة هنداوي، بحضور نجلها خالد البسيوني الطالب بكلية الحقوق وعضو الهيئة العليا السابق لحزب الكرامة، وتم تحطيم محتويات المنزل وتصويب الأسلحة الآلية عليهما، قبل أن يعتدى عليهما ويستولى على هاتفيهما، كما جرى نهج بالممارسات نفسها مع شقيقها الصحفي تامر هنداوي، ومحمد البسيوني أمين حزب الكرامة السابق، وسيد الطوخي رئيس الحزب، اللذين حضرا لاحقا، ليكتشف الجميع بعد لحظات اعتقال نجلها زياد البسيوني، الطالب في أكاديمية الفنون، في سيارة ميكروباص، بعد أقل من ساعات على اعتقال زياد أحمد، الطالب في كلية الطب بجامعة المنصورة، من أحد المقاهي في محافظة الدقهلية بدلتا مصر.

‎وحسب ذويهما فإن الطالبين ليس لهما أي نشاط سياسي سوى الإيمان بالقضية الفلسطينية ورفض الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون؛ واللافت للنظر أن القبض عليهما جاء بعد أقل من أسبوعين من مشاركتها في تدشين حراك “طلاب لأجل فلسطين”، في الجامعات والكيانات التعليمية في مصر.

وبعد أيام من إنكار سلطات الأمن وجدهما لديها، ظهر الطالبان اليوم الاثنين 13 أيار/ مايو 2024، في نيابة أمن الدولة المصرية، التي أمرت بحبسهما 15 يوما على ذمة التحقيقات في قضية جديدة، موجهة لهما التهم المعتادة لسجناء الرأي (الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وتكدير الأمن العام).

اعتقال الطالبين أثار موجة استنكار واسعة من الأوساط السياسية والأكاديمية والطلابية المصرية، التي طالبت بضرورة الإفراج الفوري عنهما، وعن جميع معتقلي فعاليات التضامن مع فلسطين، والتأكيد على حق الشعب المصري في التعبير – بجميع الوسائل – عن رفضه لجرائم الإبادة الجماعية ودعمه الشعب الفلسطيني.

طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة – الذين نظموا في وقت سابق من هذا العام احتجاجات لوقف تعامل الجامعة مع شركات مثل “AXA” و”HP” الداعمة للاحتلال – نظموا فعالية تضامنية مع زميليهم المعتقلين بالإفراج الفوري عنهما، ورفع جميع القيود الأمنية عن الحراكات الشعبية والطلابية، وفتح المجال العام أمام الطلاب للتعبير عن آرائهم بحرية داخل الحرم الجامعي.

على خلفية تصاعد الحراك الطلابي العالمي الداعم للقضية الفلسطيني، والذي كانت رمزا له جامعة كولومبيا  بمدينة نيويورك الأميركية وصولا إلى العديد من جامعات العالم في وقت لاحق، في موجة تضامن

كبيرة واجهتها السلطات في العديد من البلدان بالقمع، كان للطلاب المصريين نصيب كبير أيضا من هذه الممارسات.

بعد أقل من أسبوعين على “طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي على غزة، في أكتوبر 2023، نظم ناشطون مصريون تظاهرات بعنوان “جمعة فلسطين” في عدد من ميادين وشوارع الجمهورية، بعد تصريح من الرئيس عبدالفتاح السيسي، يشير من خلاله إلى عدم ممانعة السلطة خروج المواطنين لدعم فلسطين، رغم أن التظاهرات محظورة في مصر منذ العام 2013.

ومع ذلك ألقي القبض على عشرات المشاركين في محافظتي القاهرة والإسكندرية، لرفضهم توظيف الفعاليات التضامنية في منح “تفويض شعبي للرئيس”، ومن بينهم طلاب، وشاب مريض بالسرطان.

لاحقا، استمرت ممارسات التنكيل بالمتضامنين مع فلسطين، بالقبض على عدد من المشاركين في فعاليات التظاهر أمام مقر نقابة الصحفيين المصرية، وفي وقفة نسائية أمام مكتب الأمم المتحدة للمرأة بالقاهرة، فضلا عن القبض على 6 ناشطين بينهم قيادي عمالي بسبب رفعهم لافتة لدعم فلسطين في محافظة الإسكندرية.

لاحقا تم الإفراج عن المقبوض عليهم في وقفتي النقابة ومكتب الأمم المتحدة، إلا أن متظاهري “جمعة فلسطين” و”اللافتة” ما يزالون قيد الاعتقال حتى الآن، ليلحق بهم الطالبان زياد البسيوني ومازن أحمد مؤخرا.

في مطلع أيار/ مايو الحالي، ورغم الاعتقالات والتهديدات بالفصل والتنكيل، قرر مجموعة من الطلاب المصريين تدشين حراك “طلاب من أجل فلسطين” في الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة والأهلية والدولية، بغرض حشد جموع الطلبة لتنظيم فاعليات لدعم فلسطين، وعلى رأسها مقاطعة وحظر جميع المنتجات والشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، خصوصا المدرجة على قوائم حركة المقاطعة “BDS” من كافة المؤسسات التعليمية.

ويدعو الطلاب أيضا الحكومة المصرية والجهات المعنية المختلفة وإدارة الجامعات الأهلية والخاصة بالنهوض بواجبهم تجاه الطلاب الفلسطينيين؛ من خلال تقديم كافة أشكال الدعم والتسهيلات و بعض الاستثناءات التي تأخذ في الاعتبار ظروف هؤلاء الطلاب، ومنها الإعفاء من المصروفات الدراسية وتسهيل إجراءات الالتحاق والقبول للطلاب الفلسطينيين المقيمين والقادمين حديثا إلى مصر، مطالبين أعضاء هيئات التدريس بدعمهم في أنشطتهم كامتداد لتاريخ الحركة الوطنية المدافعة عن فلسطين كقضية أولى.

ويشدد الطلاب على موقفهم الموحد لدعم فلسطين بكافة الوسائل الممكنة، مؤكدين شعورهم بثقل وعظمة المسؤولية القضية وتاريخ أجيال متعاقبة من الحركة الطلابية “كانت دائما خير سند وخير داعم لفلسطين”، وقالوا: “نحن لسنا مجرد متعاطفين أو متضامنين بل نحن أبناء لهذا الشعب الذي يذبح … نحن أبناء فلسطين”.

عطفا على نشاطهم التعليمي، تفاعل الحراك الطلابي أيضا مع الاجتياح الإسرائيلي الأخير لمدينة رفح الفلسطينية – آخر ملاذ للفلسطينيين المهجرين قسرا بفعل الإبادة الجماعية – مشيرين إلى أن وجود الاحتلال الصهيوني في رفح وسيطرته على المعبر من الجانب الفلسطيني ما هو إلا نقطة جديدة في بحر الانتهاكات لمعاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب “كامب ديفيد“، التي طالبوا بإلغائها واعتبارها باطلة بكل الصور والأشكال، داعين إلى ضرورة  توحيد الصف للتصدي للانتهاكات الإسرائيلية والتضامن مع الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل الحرية والعدالة.

بضع بيانات نشرها الطلاب دعما لفلسطين كانت كافية للسلطات المصرية لاستهداف حركتهم الوليدة في مهدها، دون حتى انتظار أي حراك لهم على الأرض، فبعد القبض على الطالبين زياد ومعاذ تلقى البعض الآخر تهديدات بالاستهداف، بحسب ما صرح به عدد منهم لـ”مدار”.

تعتمد الاستراتيجية الأمنية المصرية لقمع حراكات الشارع على محاور عدة، على رأسها التهديد بالاستهداف والتنكيل في أماكن العمل والدراسة، مرورا بالاستدعاء والإخفاء القسري والاعتقال، وفي أحيان كثيرة تهديد العائلات أنفسها باستهدافها أو استهداف ذويهم حال شروعهم في أي نشاط معارض لتوجهات النظام، وهو ما يحدث عادة في الحراكات الطلابية والعمالية بشكل أكبر.

ويواجه النظام المصري، الذي تعرض لانتقادات حادة بسبب حملة القمع المستمرة لعقد من الزمان ضد المعارضة، اتهامات بتجاهل حقوق الإنسان، حيث يقدر أن يكون هناك نحو 60 ألف سجين سياسي، ويثير القمع المستمر مخاوف متزايدة من هذا النهج.

وتشهد مصر على مر السنوات العشر الأخيرة انتهاكات متزايدة لحقوق الإنسان، إذ تُقمع الحريات الأساسية ويجري التضييق على المجال الإعلامي والمجتمع المدني. ووفقًا لتقارير منظمات حقوق الإنسان، تم توثيق عدد كبير من الانتهاكات، بما في ذلك الاعتقال على خلفية المشاركة في التجمعات السلمية واستخدام القوة المفرطة من جانب السلطات الأمنية.

مشاركة المقال

مقالات ذات صلة