معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي/ مدار: 20 شتنبر/ أيلول 2022
فيجاي براشاد*
أفاد صندوق الأمم المتحدة الدولي لرعاية الطفولة (يونيسف) بأنه في كل دقيقة يقع طفل فريسة للجوع في الدول الخمس عشرة الأكثر تضرراً من أزمة الغذاء العالمية. اثنا عشر بلداً من هذه البلدان الخمسة عشر هي في إفريقيا (من بوركينا فاسو إلى السودان)، وواحد في منطقة البحر الكاريبي (هايتي)، واثنان في آسيا (أفغانستان واليمن). لقد أدت الحروب التي لا نهاية لها إلى تدهور قدرة مؤسسات الدولة في هذه البلدان على إدارة أزمات الديون والبطالة والتضخم والفقر المتتالية.
وتنضم إلى البلدين الآسيويين الدول التي تشكل منطقة الساحل في إفريقيا (خاصة مالي والنيجر)، حيث أصبحت مستويات الجوع الآن خارجة عن السيطرة تقريبًا. كما أن المصائب لا تأتي فرادى، فقد ضرب زلزال أفغانستان الأسبوع الماضي، ما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص، وتسبب في وقوع 93٪ من السكان في براثن الجوع.
في هذه البلدان المتضررة من الأزمات جاءت المساعدات الغذائية من الحكومات وبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة. إن ملايين اللاجئين في هذه البلدان يعتمدون بشكل شبه كامل على وكالات الأمم المتحدة. ويوفر برنامج الأغذية العالمي الغذاء العلاجي الجاهز للاستخدام، وهو عبارة عن معجون غذائي مصنوع من الزبدة والفول السوداني والحليب المجفف والسكر والزيت النباتي والفيتامينات. وخلال الأشهر الستة المقبلة، من المتوقع أن ترتفع تكلفة هذه المكونات بنسبة تصل إلى 16٪، ولهذا السبب أعلن برنامج الأغذية العالمي في 20 يونيو/حزيران أنه سيخفض الحصص بنسبة 50٪، ما سيؤثر على ثلاثة من كل أربعة لاجئين في شرق إفريقيا، حيث يعيش حوالي خمسة ملايين لاجئ. لقد قالت المديرة التنفيذية لليونيسف كاثرين راسل: “إننا نشهد الآن بمستويات كبيرة بدء انتشار هزال الأطفال كالنار في الهشيم”.
من الواضح أن ارتفاع أعداد الجياع مرتبط بتضخم أسعار المواد الغذائية، الذي تفاقم بسبب الصراع في أوكرانيا. وتعد روسيا وأوكرانيا أكبر مصدرين في العالم للشعير والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس وزيت عباد الشمس والقمح؛ فضلاً عن الأسمدة الزراعية. وفي حين أن الحرب كانت كارثية بالنسبة لأسعار الغذاء العالمية، فمن الخطأ اعتبارها سبب الارتفاع المفاجئ. لقد بدأت أسعار الغذاء العالمية الارتفاع منذ حوالي عشرين عامًا، ثم خرجت عن السيطرة عام 2021 لمجموعة من الأسباب، منها:
1. خلال الوباء، أدت عمليات الإغلاق الشديدة داخل البلدان وعلى حدودها إلى اضطرابات كبيرة في حركة العمالة المهاجرة؛ فمن الثابت الآن أن العمالة المهاجرة – بما يشمل اللاجئين وطالبي اللجوء – تلعب دورًا رئيسياً في الإنتاج الزراعي. لقد خلقت المشاعر المعادية للمهاجرين وعمليات الإغلاق مشكلة طويلة الأمد في المزارع الكبيرة.
2. كانت إحدى عواقب وباء كورونا هي انهيار سلسلة التوريد؛ فنظرًا لأن الصين – كمركز تصنيع عالمي مهم – اتبعت سياسة صفر حالة من وباء كورونا، أدى ذلك إلى التسبب في سلسلة من مشاكل الشحن على المستوى الدولي. أغلقت الموانئ وبقيت السفن في أعالي البحار لأشهر. وكانت العودة التدريجية للشحن الدولي والإنتاج الصناعي بطيئة، ولم تصل إلى سابق عهدها- بما في ذلك الأسمدة والمواد الغذائية – . وتلاشت سلاسل الإمداد الغذائي بسبب المشاكل اللوجستية، ولكن أيضًا بسبب نقص الموظفين في المصانع الغذائية.
3. لقد لعبت كوارث المناخ المتطرفة دورًا رئيسيًا في فوضى النظام الغذائي؛ ففي العقد الماضي كانت ما بين 80 و90 ٪ من الكوارث الطبيعية مرتبطة بالمناخ، مثل الجفاف أو الفيضانات أو العواصف الشديدة. وفي غضون ذلك، فقد كوكب الأرض خلال الأربعين عامًا الماضية 12 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة كل عام بسبب الجفاف والتصحر. وخلال هذه الفترة فقدنا أيضاً ثلث أراضينا الصالحة للزراعة بسبب التعرية أو التلوث.
4. وعلى مدى الأربعين عامًا الماضية، زاد الاستهلاك العالمي للحوم (معظمها من الدواجن) بشكل كبير، مع استمرار الزيادات رغم بعض المؤشرات التي تشير إلى أننا وصلنا إلى “ذروة استهلاك اللحوم”. إن إنتاج اللحوم له بصمة بيئية سيئة: 57٪ من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة من الزراعة تأتي من اللحوم، بينما يستهلك الإنتاج الحيواني 77٪ من الأراضي الزراعية على كوكب الأرض (رغم أن اللحوم تساهم فقط بنسبة 18٪ من إمداد السعرات الحرارية العالمية).
كان سوق الغذاء العالمي يعاني بالفعل من الإجهاد قبل الصراع في أوكرانيا، حيث ارتفعت الأسعار أثناء الوباء إلى مستويات لم نشهدها من قبل في العديد من البلدان. لكن الحرب كادت أن تصل بهذا النظام الغذائي الضعيف إلى حد الانهيار. وتكمن المشكلة الأكثر أهمية في سوق الأسمدة العالمي، الذي كان صامداً أثناء الوباء، لكنه يمر الآن بأزمة: تصدر روسيا وأوكرانيا 28٪ من سماد النيتروجين والفوسفور، بالإضافة إلى 40٪ من صادرات العالم من البوتاس، بينما تصدر روسيا 48٪ من نترات الأمونيوم و11٪ من اليوريا عالمياً. وستؤدي التخفيضات في استخدام الأسمدة من قبل المزارعين إلى انخفاض غلة المحاصيل في المستقبل، ما لم يكن المزارعون والشركات الزراعية على استعداد للتحول إلى اﻷسمدة الطبيعية (البيئية). وبسبب عدم اليقين الذي يكتنف سوق الغذاء، وضعت العديد من البلدان قيودًا على الصادرات، ما أدى إلى تفاقم أزمة الجوع في البلدان التي لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء.
ورغم كل النقاشات حول الاكتفاء الذاتي في إنتاج الغذاء، تظهر الدراسات أن هناك نقصًا في الإجراءات. يُقال لنا إنه بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين لن تكون هناك 141 دولة في العالم مكتفية ذاتيًا، ولن يفي إنتاج الغذاء بالمتطلبات الغذائية لـ 9.8 من أصل 15.6 مليار شخص يتوقع وجودهم على هذا الكوكب. إن 14٪ فقط من دول العالم ستكون مكتفية ذاتياً، بما فيها روسيا وتايلاند وأوروبا الشرقية كرواد في إنتاج الحبوب في العالم. وتتطلب مثل هذه التوقعات القاتمة أن نقوم بتغيير جذري في نظام الغذاء العالمي. لقد تم سرد مجموعة مؤقتة من المطالب في “خطة لإنقاذ الكوكب” وضعها معهد القارات الثلاث وشبكة معاهد البحثية.
على المدى القصير، أوضح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه يجب إنهاء الصراع في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا حتى يتمكن المنتجون الرئيسيون للأغذية والأسمدة من استئناف الإنتاج للسوق العالمية.
وتشير دراسة حديثة أجرتها شبكة الأبحاث البرازيلية حول السيادة والأمن الغذائي (Rede Penssan) إلى أن ما يقارب 60٪ من العائلات البرازيلية لا تحصل على الغذاء الكافي. ومن بين سكان البلاد البالغ عددهم 212 مليون نسمة، قفز عدد أولئك الذين ليس لديهم ما يأكلونه من 19 مليونًا إلى 33.1 مليونًا منذ عام 2020. لقد صرحت أنا ماريا سيغال (عالمة الأوبئة فيRede Penssan) بما يلي: “أدت السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة والإدارة غير الحكيمة للوباء إلى زيادة كارثية لعدم المساواة الاجتماعية والجوع”. لكن قبل بضع سنوات فقط، توجت الأمم المتحدة كلا من برنامجي Fome Zero البرازيلية وبولسا فاميليا نظير دورهما في خفض معدلات الجوع والفقر بشكل كبير، مما جعل منهما أبطال للصراع ضد الفقر والجوع. فتحت قيادة الرئيسين السابقين لولا دا سيلفا (2003-2010) وديلما روسيف (2011-2016)، حققت البرازيل أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. لقد قلبت الحكومات التي تبعت ميشيل تامر (2016-2018) وجاير بولسونارو (من 2019 إلى اليوم) هذه المكاسب وأعادت البرازيل إلى أسوأ أيام الجوع، كالأيام التي غنى فيها الشاعر والمغني سولانو ترينداد “gente com fome” ‘ (“هناك جياع”):
هناك جياع
هناك جياع
هناك جياع
…
إذا كان هناك جياع
فأعطهم شيئاً ليأكلوه
إذا كان هناك جياع
فأعطهم شيئاً ليأكلوه
إذا كان هناك جياع
فأعطهم شيئاً ليأكلوه
* نشرت هذه المراسلة في موقع معهد القارات الثلاث للبحث الاجتماعي في 30 يونيو/ حزيران 2022.